في خطوة تؤكد اتساع رقعة الاضطرابات في إثيوبيا، على خلفية استمرار احتجاجات قادتها المعارضة منذ أسابيع أسفرت عن سقوط قتلى، وألحقت أضرارًا بمصانع ومزارع، أعلنت الحكومة الإثيوبية فرض حالة الطوارئ في البلاد؛ لاستعادة النظام والاستقرار. وتشهد إثيوبيا منذ عدة أشهر احتجاجات ضد الحكومة من أعضاء اثنتي من أكبر الجماعة العرقية في البلاد، هما الأورومو والأمهرا، حيث يشكو أعضاء هاتين المجموعتين العرقيتين ما يصفونه بأنه «تهميش سياسي واقتصادي»، ومؤخرًا تكثفت الصدامات وأعمال العنف بين المتظاهرين والشرطة التي انتشرت في مدن الأقاليم، خاصة إقليم أوروميا ذي الغالبية المسلمة بعد مقتل 55 شخصًا على الأقل في حادث تدافع، إثر إطلاق الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص لتفريق محتجين أثناء الاحتفال بمناسبة ثقافية تخص جماعة الأورومو الأسبوع الماضي. ورغم تحركات الحكومة الإثيوبية الداخلية والخارجية لتعزيز مجال الاستثمار والاقتصاد في هذا البلد الإفريقي، والاعتماد على مزيد من المشاريع وإنشاءات الطاقة الكبري، خاصة سد النهضة، إلَّا أن الاضطرابات قد تؤثر على الاستقرار الاقتصادي كما ستؤثر على علاقات إثيوبيا الخارجية؛ بسبب سجل حقوق الإنسان، فما قصة هذه المظاهرات وما تأثيرها على أديس أبابا؟ الأورومو وطبيعية العرقيات اشتدت المظاهرات العام الماضي عن طريق كبرى القوميات الإثيوبية الأرومو، التي يمثل المسلمون أغلبتها الساحقة وتحتج منذ عشرات السنوات على انتهاك حقوقها؛ كالتميز الاقتصادي والمجتمعى التي تمارسه الأقلية المترأسة الحكومة ضدها، وتناضل عبر مجموعة من المنظمات بعضها فصائل مسلحة. في الشهور القليلة الماضية انضمت عرقية الأمهرا إلى المظاهرات الإثيوبية مطالبة باسقاط الحكومة، ورغم أن عرقية الأمهرا تشارك في الحكومة الإثيوبية، لكن بدرجة أقل من التيجري المهيمنة على الحكومة، وتبلغ نسبة المنتمين إليها في أديس أبابا إلى 7%، إلَّا أنها نظمت الأسابيع الماضية تظاهرات تخللت بعضها أعمال عنف؛ احتجاجًا على قرار الحكومة ضم مقاطعة وولكيت إلى منطقة تيجري المجاورة لمنطقة أمهرة. اسباب اندلاع الاحتجاجات اندلعت الاحتجاجات التي بدأتها الأورومو العام الماضي لعدد من الأسباب، أبرزها عدم رضا المسلمين عن فرض زعماء اختارتهم الحكومة عليهم، إجلاء مزارعين من أراضيهم من أجل إقامة مشاريع زراعية تجارية، انقطاع التواصل بين المجموعات التي تعيش أرجاء إقليم أوروميا واسع الأرجاء، فيما احتجت الأمهرا على ضم بعض مناطق الأمهرا إلى منطقة التيغراي. وبالرجوع للوراء قليلًا والدخول أكثر في التفاصيل، سنلاحظ أن هذه المظاهرات بدأت في شهر نوفمبر الماضي، عندما اعترض طلاب على مقترحات الحكومة فيما يتعلق بالاستيلاء على أراضٍ بعدة بلدات ضمن منطقة أوروميا، هذه المقترحات التي أثارت مخاوف من انتزاع الحكومة الإثيوبية الأراضي التي يعيش عليها شعب الأورومو منذ القدم، الشرارة كانت تحديدًا عندما قامت الحكومة بإخلاء وتطهير مناطق زراعية وغابات من سكانها الأصليين من أجل تسليمها للمستثمرين الأجانب، ليشتبك البعض مع القوات الحكومية، ويتسع نطاق التظاهرات تدريجيًّا في عدة مناطق متضررة. ولنفهم أكثر رده فعل المتظاهرين يقول الخبراء: إن هناك زيادة سكانية كبيرة في العالم، وهو ما يتطلب زيادة حجم الأراضي المزروعة لتسد احتياجات الناس من الغذاء، حوالي 60% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة حول العالم تتواجد في القارة الإفريقية، لطن في إثيوبيا أجَّرت الحكومة مؤخرًا مساحات واسعة من الأراضي لمستثمرين أجانب من الهند والصين وبعض دول الشرق الأوسط، عبر قوانين تقرها الحكومة، ورغم وضع هذه القوانين لتملك جميع الأراضي الزراعية، إلَّا أن معارضين يؤكدون أن جزءًا كبيرًا من هذه الأراضي موطن قديم ودائم للكثير من القبائل والجماعات، مما أدى إلى اتهام هذه القبائل الحكومة باستيلائها على أراضي الأجداد، وفي ضوء ذلك اتخذت الأزمة طابعًا عريقًا واضحًا، وهو ما يتضح مع قبيلة الأورومو. تأثير إعلان حالة الطوارئ والاضطرابات في إثيوبيا ويشير إعلان حالة الطوارئ إلى مزيد من التشدد في موقف الحكومة بعد أشهر من الاحتجاجات في أنحاء مختلفة، ويقول مراقبون إنه قد يزيد من عدد الضحايا، وقال سكان العاصمة في أديس أبابا: إن الشرطة دفعت بالمزيد من القوات للشوارع. وتهدد الاحتجاجات سمعة إثيوبيا باعتبارها قصة نجاح اقتصادي تشتهر بالاستقرار في إفريقيا في الفترة الأخيرة، فضلًا عن أن إعلان حالة الطوارئ سيؤثر بشكل أو بآخر على سمعة الحكم الذي تصفه الدول الخارجية بالحكم الاستبدادي. ويعتبر إعلان حالة الطوارئ ستة أشهر مقبلة هو الأول خلال ال25 عامًا الماضية، وقال زعيم المعارضة بييني بيتروس: إعلان الطوارئ حيلة لتمكين الحكومة من توطيد سلطتها، وإسكات أي احتجاجات، فالحكومة لا تعطي أي مساحة للحوار، إنهم يريدون السيطرة الكاملة على كل شيء، وتوقع أن يكون إعلان الطوارئ القشة الأخيرة، خاصة أن الناس ستواصل المظاهرات والاحتجاجات. وقال الخبير بالشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان: فرض حالة الطوارئ في أديس أبابا يؤكد أن الأزمة الداخلية في البلاد قد وصلت إلى مرحلة من مراحل الخطر، وأن السلطة الحاكمة في إثيوبيا تشعر بالقلق، لذلك اتخذت لمثل هذا الإجراء، لمواجهة تلك الاحتجاجات الواسعة. وأشار رسلان إلى أن المواجهة الأمنية غير مفيدة في إيقاف تلك التظاهرات؛ لأنها قد تؤدي إلى العكس تمامًا، وربما تكون خطة تأجيل مشروع توسيع العاصمة الحل الأمثل لامتصاص غضب المتظاهرين، موضحًا أن خطاب السلطة القائمة في أديس أبابا، يتحدث عن القوى المثيرة للفتن والاضطراب وعن قوى الشر وتعاونها مع الخارج وتجاهل الأسباب كافة، التي تسببت في إشعال تلك الاحتجاجات وينكر التراكمات الناتجة عن الإحساس بالتهميش والظلم وسيطرة الأقليات الحاكمة على ثروات البلاد، لافتًا إلى أن تلك الاضطرابات ستهدد عملية النمو المتسارع لإثيوبيا، مما قد يوقف عجلة الإنتاج. ويلقي العنف بظلاله على مساعي الدولة لتطوير القطاع الصناعي، مما جعلها إحدى أسرع اقتصادات إفريقيا نموًّا. لكن الحكومة تعرضت في الفترة الأخيرة لانتقادات دولية متزايدة، تقول ماري هاربرمتخصصة في الشؤون الخارجية: إن هذه الأشهر من الاحتجاجات العنيفة تعد أكبر تهديد للاستقرار في إثيوبيا منذ ربع قرن، وتضيف أن الأورومو والأمهرا يشكلان ما يصل إلى نسبة 60% من سكان إثيوبيا، ويقولون إن السلطة تتركز في أيدي نخبة قليلة من التيغرانيين. وتشير هاربر إلى أن مهاجمة المحتجين للشركات الأجنبية العاملة في إثيوبيا تهدد الاقتصاد الإثيوبي النامي بحرمانه من تدفق الاستثمارات الأجنبية، وتضيف: رغم عدم توضح تفاصيل فرض حالة الطوارئ التي قالت الإذاعة الإثيوبية إنها ستعلن للجمهور في وقت لاحق، إلَّا أن المحتجين أظهروا في المناسبات السابقة وحتى الآن أنهم لن يتراجعوا عن احتجاجاتهم عند مواجهتهم بالقوة. الوضع السياسي في إثيوبيا من قراءة المشهد السياسي في إثيوبيا والواقع الأمني هناك، ترى أن السلطات الإثيوبية تسمح بقدر طئيل جدًّا من حرية التعبير عن الرأي والمعارضة على القرارات الحكومية، فانتقاد السلطات الإثيوبية قد يعني قضاء سنوات في السجن بتهمة الإرهاب، وهو ما حدث مع بعض الصحفيين الإثيوبيين. من جانب آخر فإن الانتخابات البرلمانية الإثيوبية التي عقدت في مايو الماضي، شهدت فوز الحزب الحاكم والأحزاب المؤيدة له بنسبة 100% وهو ما يعني عدم السماح لأي معارضة بالتنفس والتحرك في البلاد، وفي ضوء ذلك يمكن فهم تصرف الحكومة الإثيوبية تجاه التظاهرات بأنها تهديد مباشر للبلاد، وتصفها بأن تأتي دعمًا من الخارج, وتقول إنها مجموعات مسلحة تتلقى دعمًا مباشرًا من جهات خارجية وتأخذ ضدها إجراءات بلا رحمة ولا هوادة، وهو ما يظهر بحسب مراقبين عدم وجود نية من قِبَل الحكومة للاستجابة لتلك التظاهرات أو حتى إمكانية التفاوض مع المتظاهرين لذلك يتجه النظام الإثيوبي إلى تخوين المعارضين. يقول المعارضون الإثيوبيون: إن حكومة أديس أبابا بدلًا من أن تتخذ إجراءات فورية لوقف القمع ضد المتظاهرين، اتهمت المعارضة المضطهدة بأنها تسعى لتخريب البلاد وتتهمها بالحصول على دعم من دول خارجية. ووجهت إثيوبيا اليوم اتهامات رسمية إلى مصر وإريتريا بدعم احتجاجات المعارضة، لافتة إلى أنها «تملك أدلة واضحة» بهذا الخصوص، ونقلت وكالة الأناضول عن المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية قوله، بمؤتمر صحفي عقده في أديس أبابا اليوم: الحكومة لديها أدلة واضحة تثبت تقديم مصر أشكال الدعم المالي كافة، والتدريب للعناصر الإرهابية لنسف استقرار البلاد. كما جدد جيتاشو ردا اتهام بلاده للحكومة الإريترية بتقديم دعم مباشر للعناصر الإرهابية التي تنتشر في إقليمي أمهرا شمال غرب وأوروميا جنوب، لافتًا إلى أن إريتريا أرسلت عناصر إرهابية إلى مدينة غندر شمال وإقليم عفار شرق من أجل نسف استقرار إثيوبيا، وأمس الأحد، أكدت الخارجية المصرية نبأ استدعاء السلطات الإثيوبية للسفير المصري لدى أديس أبابا، للاستفسار عما تردد بشأن دعم القاهرة جبهة الأورومو المعارضة المسلحة، ووفق بيان وزارة الخارجية، أكدت مصر أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، لاسيما الدول الشقيقة مثل إثيوبيا.