فرض حالة الطوارئ لوقف الاحتجاجات وأعمال العنف والتخريب فى إثيوبيا قد يوقف الاحتجاجات على المدى القصير لكنه لن يحل الأزمة ما لم يتم حصر جذورها وعلاجها بما يزيل سخط المحتجين، خاصةً من عرقيتى الأورومو والأمهرا اللتين تشكوان من التهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى رغم أنهما تشكلان أكثر من 60% من السكان، بينما يهيمن أبناء عرقية التيجراي(6% فقط) على المناصب القيادية فى الحكومة والجيش والأمن والقطاع العام،ولن يفيد إطلاق الاتهامات لأطراف أجنبية لتعليق ما جرى على شماعة خارجية لأنها مشكلة داخلية بامتياز. احتجاجات الأورومو والأمهرا ومن قبلهم الإثيوبيون من أصل صومالى فى إقليم أوجادين بدأت منذ عشرات السنين لعدم حصولهم على نصيبهم العادل من مشروعات التنمية وحقوقهم السياسية ولمعاناتهم من تكبيل الحريات وعدم احترام هويتهم الثقافية مما دفعهم لتشكيل جماعات مسلحة وصلت بمطالبهم إلى حد الانفصال واشتدت فى العام الأخير احتجاجاً على خطة حكومية لمصادرة نحو 120 كم2 من أراضى الأورومو لإقامة مشروعات استثمارية أجنبية عليها وتوسيع نطاق العاصمة أديس أبابا قبل أن تضطر السلطات لتجميدها، يضاف إلى ذلك استمرار اعتقال قادة ونشطاء العرقيات المحتجة وتعذيبهم وفرض الحكومة قيادات دينية غير مرغوبة على المسلمين الذين يشكلون ما بين 50% و80% من شعب الأورومو وكبت حرية التعبير وسلب حق تأسيس الأحزاب والاعتقال العشوائى والتنكيل والقتل والتهجير القسرى وفقاً لاتهامات الأورومو للسلطات، فهى ليست من تدبير اليوم ولا كان سببها دعم دول أو عناصر خارجية. لا اعتراض على فرض حالة الطوارئ فى أنحاء البلاد بعد تحول المظاهرات إلى أعمال عنف وتخريب للممتلكات العامة والخاصة،فهذا ما فعلته عشرات الحكومات فى أنحاء العالم،بشرط ألاَّ تستغلها السلطات ضد المعارضين لأنه سيزيد المشكلة تعقيداً بدفع المزيد من الساخطين للانضمام إلى الجماعات المتمردة وتزايد نعرة الانفصال مما يُضعف هيبة الدولة المكونة من نحو 80 مجموعة عرقية ويعرضها للتفكك إذا انضمت عرقيات أخرى للأورومو والأمهرا فى الاحتجاج، ولن يفيد اتهام عناصر فى مصر أو إريتريا أوغيرهما بتمويل وتدريب وتسليح المعارضة بهدف إسقاط الحكومة وتفكيك إثيوبيا بالكامل على حد قول وزير إعلامها،فهذا كلام مردود عليه ليس فقط بنفى الخارجية المصرية التدخل فى الشئون الداخلية لإثيوبيا وتأكيدها احترام سيادتها بالكامل، وإنما أيضاً بأنها اتهامات لا تقوم على دلائل قاطعة أو أساس منطقي. فلقطات الفيديو التى قال الوزير إنها تظهر أشخاصاً يتحدثون العربية بلهجة مصرية يحرضون الأورومو على التظاهر لا تقطع بأنهم مصريون لأن تقليد أى لهجة سهل لدى بعض الأشخاص ويمكن أن يكونوا من المعارضين للحكومة المصرية وأرادوا إحراجها وإثارة خلاف بينها وبين الحكومة الإثيوبية أو أنهم وُجدوا بالمصادفة فى المكان ولم يكن هدفهم التحريض،أما غير المنطقى فهو أن يحدث هذا فى وقت أصبحت العلاقات المصرية الإثيوبية فى أحسن حالاتها منذ الشروع فى بناء سد النهضة ولا يمكن أن تتصرف القاهرة هكذا لتفسد ما تحقق من تقارب واتفاق أدَّيا إلى التوقيع منذ أيام على عقود إجراء الدراستين الفنيتين اللتين ستحددان ما إذا كانت للسد أضرار مائية أو اقتصادية أو اجتماعية على مصر والسودان وكيف سيتم تفادى حدوثها، فلو حدث ذلك فقد ترد أديس أبابا بإعاقة عمل خبراء المكتبين الاستشاريين، أو برفض تنفيذ بعض توصيات الدراستين وبالتالى إطالة إجراءات إنهاء الخلاف بإحالته إلى خبير التحكيم الدولى المتفق عليه للفصل فيه، الأمر الذى يزيد خسائر مصر فيما يتعلق بحقوقها التاريخية فى مياه النيل.ولو كانت القاهرة تريد إثارة القلاقل فى إثيوبيا لما انتظرت خمس سنوات مرت خلالها العلاقات بواحدة من أسوأ حالاتها بسبب إصرار أديس أبابا على بناء السد دون اتفاق مع دولتى الممر والمصب كما تقضى الاتفاقيات الثنائية والقوانين والمعاهدات الدولية المنظمة لاستغلال مياه الأنهار التى تتشاطأ فيها أكثر من دولة. الاحتجاجات والقمع الذى واجهتها به قوات الأمن أضرَّ بسمعة إثيوبيا كواجهة إفريقية للاستقرار السياسى الذى جذب كثيراً من الاستثمارات الأجنبية فى السنوات الأخيرة ورفع معدل نموها الاقتصادى إلى نحو 10% لعدة سنوات،فقد تعرَّض 11 مصنعاً وشركة وسبع مزارع لإنتاج الزهور مملوكة لأجانب ومؤسسات تعليمية وقضائية وإدارية ومراكز صحية محلية للإحراق والتدمير وقطع المحتجون بعض الطرق فى أديس أبابا وفقد أكثر من 40 ألف عامل وظائفهم، وما لم تبدأ الحكومة فى إزالة الأسباب بالإفراج عن قادة المعارضة والمحتجين المعتقلين وإنهاء مصادرة الأراضى وتخفيف القيود على الحريات وتنفيذ مشروعات تنموية لتحسين أحوال معيشة أبناء الأقاليم المحتجة وإصلاح النظام الانتخابى بما يسمح بفوز العدد المناسب من مرشحى المعارضة واحترام ثقافة وتقاليد كل العرقيات ستصبح الخسارة لا شك أكبر. لمزيد من مقالات عطية عيسوى