خرافة اسمها «حرية الإعلام» فى لبنان «1-3» صحفى لبنانى بارز: «الناشر الذى لا يقبل رشوة حمار» هناك قيود على حرية وسائل الإعلام فى لبنان ترجع إلى تركيبات طائفية ومالية وليست بسبب الحكومة تقديم المترجم: هنا بحث فريد ونادر للبروفيسور نبيل دجانى، وهو أستاذ الدراسات الإعلامية فى قسم العلوم الاجتماعية والسلوكية فى الجامعة الأمريكية فى بيروت. حصل على الدكتوراه فى تخصص الاتصال الجماهيرى من جامعة أيوا بالولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1968. ونشر البحث فى فصلية «آرب ميديا آند سوسيتى» «الإعلام والمجتمع العربى» التى تصدر على النت، العدد 18، صيف 2013. ولكن قبل أن نبدأ بالبحث، نجد من المناسب أن نمهد له ببضع كلمات عن التنوع الطائفى فى لبنان، لكونه يعتبر مقدمة لا غنى عنها لبحث بروفيسور دجانى القيم: التنوع الطائفى فى لبنان يشير موقع وزارة الخارجية الأمريكية «دخلنا الموقع بتاريخ 13 فبراير 2014» إلى أن مساحة لبنان تبلغ 4035 ميلا مربعا، ويبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة. ولأن الحجم النسبى للمجموعات الطائفية يعتبر مسألة حساسة، لم يتم إجراء تعداد وطنى رسمى منذ عام 1932. ولكن تشير أحدث دراسة ديموغرافية أجرتها مؤسسة «ستاتسيتكس لبنان»، وهى شركة أبحاث مقرها فى بيروت، إلى أن 27% من السكان مسلمون سنة، و27% مسلمون شيعة، و21% مارونيون، و8% روم أرثوذكس «مسيحيون»، و5% دروز، و5% روم كاثوليك «مسيحيون»، وال7% الباقية ينتمون إلى طوائف مسيحية صغيرة. وقد حدث على مدى السنوات ال60 الماضية انخفاض مطرد فى نسبة المسيحيين مقابل المسلمين، ويرجع ذلك فى معظمه إلى هجرة أعداد كبيرة من المسيحيين الموارنة ومعدل مواليد أعلى من المتوسط للمسلمين. وهناك أيضا أعداد صغيرة جدا من اليهود والبهائيين والمورمون والبوذيين والهندوس ولكنها لا ترقى عدديا إلى مستوى تشكيل طائفة معترف بها. ويضيف موقع وزارة الخارجية الأمريكية أن الدولة اللبنانية تعترف رسميا ب18 طائفة دينية تشمل 4 طوائف مسلمة، و12 طائفة مسيحية، والطائفة الدرزية، واليهودية. الفرعان الرئيسيان للإسلام هما الشيعة والسنة وتضاف لهما طائفتان ضئيلتان؛ هما: العلويون والإسماعيليون «السبعية». الطائفة المارونية، وهى أكبر جماعة مسيحية، تحافظ على انتمائها إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منذ قرون طويلة ولكنها تملك بطريركها وتقاليدها الخاصة. انتهى تقديم المترجم والآن مع بحث بروفيسور دجانى. ونلفت النظر إلى أن المقصود بوسائل الاتصال الجماهيرى هى: الصحف والمجلات والكتب والإذاعة والتلفاز والأفلام. وسوف ننشر هوامش المؤلف المهمة فى الحلقة الأخيرة. خرافة اسمها «حرية الإعلام» فى لبنان مقدمة المؤلف: فى أواخر السبعينيات، تجسدت الجهود الدولية الرامية لتأسيس تدفق أكثر مساواة وتوازنا للمعلومات والاتصالات بين الدول المتقدمة والنامية فى ما سمى ب«النظام العالمى الجديد للإعلام والاتصال» «NWICO». وبدعم وتشجيع من منظمة اليونسكو، تم اعتماد توصياته من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وبالرغم من كونه غير ملزم من الناحية القانونية وبعيدا عن التنفيذ الفعلى، انسحبت الولاياتالمتحدة من اليونسكو بسبب هذه القضية، بزعم أن «النظام العالمى الجديد للإعلام والاتصال» سيقيد حرية الصحافة عبر نظام يراقبها. هذا المثال الغربى لحماية حقوق الشركات الإعلامية العملاقة والقطاع الخاص للهيمنة على تدفق المعلومات والاتصالات يجدد فى الذهن تاريخ وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرى فى لبنان، حيث يوجد -وبشكل فريد- تدفق معلوماتى غير متكافئ وغير متوازن يخدم -غالبا- مصالح شركات وطوائف باسم «حرية الإعلام»! وسائل الإعلام فى لبنان كثيرا ما يُذكر أن وسائل الإعلام اللبنانية هى الأكثر حرية فى المنطقة العربية، ولكننى سوف أجادل بأن هذه المقولة هى مجرد خرافة أو أسطورة «1»؛ فهناك قيود على حرية وسائل الإعلام فى لبنان كما هو الحال فى البلدان العربية الأخرى، ولكن الفرق هو أن القيود اللبنانية ترجع لتركيبات طائفية ومالية فى لبنان وليس بسبب الحكومة، مثل باقى الدول العربية. وسائل الإعلام اللبنانية خالية نسبيا من تدخل الحكومة، لأن لبنان ليس لديه حكومة «حقيقية»، بل ائتلاف لزعماء «قبائل/ طوائف/ممولين». سلطة ونفوذ هؤلاء الزعماء عادة أكبر من المؤسسات الحكومية. وبينما يطبق لبنان قوانين ليبرالية «نسبيا» لتنظيم عمل المؤسسات الإعلامية، فإن هناك انتقائية فى تطبيق هذه القوانين. وسائل الإعلام المطبوعة لا تزال تعمل بموجب قانون لعام 1962، مع بعض التعديلات التى جرت عليه لاحقا من قبل الرئيس فؤاد شهاب. قدم هذا القانون للصحافة درجة من الحرية توفر الحد الأدنى من الرقابة الرسمية للدولة. وأسس الحدود التى يمكن أن تمارس خلالها حرية الصحافة. ولكن التنفيذ الفعلى لهذه الحدود تم تحديده وفقا للطبيعة الطائفية الفريدة لنظام الحكم اللبنانى. وبسبب الطبيعة الطائفية لوسائل الإعلام بلبنان، فإن مختلف المؤسسات الإعلامية عادة ما تركز حصريا على القضايا ذات الصلة بطائفة دينية معينة بدلا من تلك القضايا ذات الصلة بالمجتمع اللبنانى ككل. وبالإضافة لذلك، فإن مجموع سكان لبنان هو فى حد ذاته صغير جدا، حيث لا يسمح بالاكتفاء المالى الذاتى لجميع ال110 صحف المرخصة وعشرات من محطات الإذاعة والتليفزيون. ونظرا لعدم الاكتفاء المالى الذاتى وتدنى معدل رواتب الصحفيين، يسعى الصحفيون والمؤسسات الإعلامية للحصول على الدعم من الخارج. وسائل الإعلام المرئية-المسموعة اللبنانية تعمل بموجب قانون لعام 1994، الذى أنشأ «المجلس الأعلى لوسائل الإعلام المرئية-المسموعة». هذا المجلس غير فعال وقراراته استشارية فقط ويتكون من عشرة أعضاء «خمسة منهم يعينهم مجلس الوزراء والخمسة الآخرون يتم انتخابهم من قبل البرلمان»، وجرت العادة أن يتم الاختيار لأسباب طائفية لا علاقة لها بالخبرة والكفاءة الإعلامية. ولهذا، فإن المشكلات الخطيرة التى تؤثر على وسائل الإعلام اللبنانية لا علاقة لها بالضوابط الحكومية المفرطة «مثل بقية الدول العربية». وقد تمكنت وسائل الإعلام اللبنانية دائما أن تناور وتراوغ الحكومة مخترقة اللوائح التنظيمية ومحافظة على حريتها فى العمل. الخلل الرئيس فى وسائل الإعلام اللبنانية، يكمن فى عدم قدرتها على خدمة المصالح الحقيقية الكبرى لعموم المجتمع اللبنانى بسبب التركيبات المجتمعية «الطائفية» الخاصة التى تتحكم بتنظيمها وإدارتها وتمويلها. الاتجاه التاريخى للصحفيين اللبنانيين للتعبير عن جماعات طائفية وتعزيز مصالح طائفية محددة قاد المؤسسات الإعلامية للتركيز على «التعليق» و«الرأى» أكثر من «الأخبار» و«الحقائق». وهو الأمر الذى أعطى القوى والمصالح الخارجية حافزا للعب أدوار نشطة فى شؤون لبنان من خلال وسائل الإعلام. وأصبح ينظر لكل مؤسسة إعلامية على أنها تمثل وتتحدث باسم هذه المجموعة أو تلك. وبالتالى، أبرزت وشددت المؤسسات الإعلامية اللبنانية على الاختلافات فى المجتمع. وأصبحت هذه سمة واضحة بشكل خاص خلال الحرب الأهلية اللبنانية سابقا، واليوم يتضح هذا فى تغطية وسائل الإعلام للقتال فى سوريا وتأثيره على الجماعات اللبنانية المتنازعة. ولهذا، فإن أى ادعاء بالموضوعية من وسائل الإعلام اللبنانية ينبغى أن ينظر إليه بتشكك. ويعزز هيكل النظام الإعلامى من نزوع وسائل الإعلام اللبنانية، لتتحدث عن بعض الفئات الاجتماعية والسياسية والطائفية. يوجد فى لبنان 110 مطبوعات سياسية مرخصة وعشرات من محطات الإذاعة والتليفزيون لخدمة سكانه الذين لا يتعدون أربعة ملايين نسمة. وبينما تعتبر أرقام التوزيع الصحف من الأسرار التى تحرس بعناية، فإن الافتراض السائد هو أن أيا من هذه المطبوعات لا يبيع أكثر من 10،000 نسخة فى اليوم. وبالتالى، فإن الغالبية العظمى من المطبوعات اللبنانية لا تستطيع تمويل أنفسها من إيرادات التوزيع والإعلانات وحدها. والوضع مشابه فى وسائل الإعلام المرئية-المسموعة. ونظرا لأن كلا من وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية-المسموعة ليست مكتفية ذاتيا من الناحية المالية، فإن لديهم استعدادا لقبول مساعدة مالية من مصادر خارجية، بما فى ذلك الكيانات الأجنبية فى مقابل دعم تقدمه تلك المنابر للكيانات الخارجية فى موادها التحريرية. «2» وهذا يسمح للمصالح الأجنبية والتجارية باستخدام وسائل الإعلام اللبنانية كوسيلة يمكن من خلالها عرض آرائها وممارسة النفوذ على الشؤون الداخلية والإقليمية. وبالفعل، أصبح تقديم الرشاوى للصحف والصحفيين أمرا مقبولا ومعتادا لا بل ومبررا بحسب البعض نظرا لضعف الرواتب وانعدام المزايا المتاحة للصحفيين. صحفى لبنانى بارز: «الناشر الذى لا يقبل رشوة حمار» وهناك أمثلة كثيرة لصحفيين ومحررين يقدمون مرافعات حماسية دفاعا عن هذا النظام أو ذاك. ووصل الأمر، أن يقول ناشر لبنانى مشهور ذات مرة فى منتدى مفتوح عن شؤون الإعلام إن «الناشر الذى لا يقبل رشوة حمار» «3». (تعليق المترجم: ينسب المؤلف هذه المقولة فى الهامش رقم 3 لجبران حايك، رئيس تحرير وناشر جريدة «لسان الحال»، وهى جريدة مسائية لبنانية كانت بارزة ولكنها توقفت عن الصدور، وقالها فى ندوة «حرية الصحافة فى لبنان»، نادى جمعية خريجى الجامعة الأمريكية فى بيروت، 24-25 يناير، 1974. انتهى تعليق المترجم). واعترض الصحفى البارز مدير تحرير صحيفة «المستقبل» حاليا «صيف 2013»، فيصل سلمان فى مؤتمر عام 2002 على وضع تشريع قانونى لأخلاقيات الصحفيين فى نظام فاسد بشكل جوهرى قائلا: «لقد قرأت ميثاق الأخلاق الإعلامية المقترح، والذى نجتمع نحن هنا لمناقشته وإقراره. لقد قرأته أكثر من خمس مرات. وفى كل مرة شعرت بغضبى يتزايد أكثر فأكثر، وقررت أن أبوح لكم بما خطر فى بالى. لقد اقتنعت -وقد أكون مخطئا- أن ما قمنا بإدراجه فى بنود هذا الميثاق الأخلاقى، يجعلنا من الأنبياء أو القديسين، وأننا قمنا بكتابة «الوصايا» المقدسة التى سنبشر بها. أطلب منكم ومن نفسى أن نكون أكثر تواضعا، وأحثكم على أن نكون موضوعيين وعقلانيين ونبسط الأمور ونفهم الواقع الذى نعيشه فى لبنان وفى كل بلد عربى.. نحن لسنا هنا للمزايدة على بعضنا البعض. نحن أناس واعون ومسؤولون رجالا ونساء. لذا، دعونا نكون على مستوى التحدى، ولا نسبح بخيالنا فى أحلام بعيدة المنال.... لماذا تريدون منى أن أحارب التنين؟ لن أكون قادرا على هزيمته. أود أولا، أن أضع خطة لمواجهة التنين، فأين هى الخطة؟ وأحثكم مرة أخرى، لمراجعة هذه البنود التى أجدها مهينة للصحفيين... فليس كل من يعمل فى وسائل الإعلام فاسدا. نحن نتحدث عن جميع الصحفيين هنا... أين هو المنطق فى تحديد أجر الصحفى بمبلغ 200 دولار، وتطلبون منه أن يتصرف كملاك هبط من السماء؟ هذا ليس دفاعا عن الانحراف، ولكنه دعوة إلى العقلانية والموضوعية. «4» ورد على سلمان، الرئيس الراحل لنقابة المحررين اللبنانيين ملحم كرم قائلا: «ما قاله زميلى السيد فيصل سلمان كان صريحا، وهو ما يجب أن يقوله كل صحفى». شارل أيوب يعترف بقبوله رشوة من سعد الحريرى... ولكن مهلا: إنها مجرد تبادل مصالح! وجاء حديثا مثالٌ أكثر جرأة ووضوحا عن موقف بعض الصحفيين فى أعقاب اغتيال اللواء وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات «أى الاستخبارات» فى قوى الأمن الداخلى فى أكتوبر 2012. «5» فقد نشر شارل أيوب، رئيس تحرير صحيفة «الديار»، وهى صحيفة تميل عموما مع سوريا وحزب الله، على الصفحة الأولى مقالا ذكر فيه أنه قبل مساعدة مالية فى مقابل اتخاذ موقع معتدل فى تغطية صحيفته لأخبار التحالفين المتنافسين على الساحة السياسية اللبنانية: تحالف «14 آذار» (مدعوم من الغرب وضد سوريا) بزعامة سعد الحريرى مقابل تحالف «8 آذار» بزعامة حزب الله (موال لسوريا). وهنا جزء من مقال أيوب: نواصل الأسبوع القادم بحول الله.