هؤلاء الذين لا داعى لوصف حالتهم العقلية والضميرية، وتراهم يمطروننا هذه الأيام كل ساعة تقريبًا بمبادرات عقيمة بقدر ما هى مضرّة بحاضر البلد ومستقبله، لكنهم يزينونها بعنوان مخاتل ومسرف فى الغرابة والشذوذ، ألا وهو «المصالحة» مع جماعة سرية فاشية شريرة يريدون لها أن تفلت مع عصابات توابعها الإرهابيين (القدامى والمحدثين) بقائمة طويلة ومتخمة بجرائم بشعة وارتكابات مروعة وعربدات خسيسة ألحقت بمصر شعبًا ودولة ومجتمعًا أشد أنواع الأذى والخراب، مما دفع عشرات الملايين إلى خروج أسطورى لإسقاطها ودحر مشروعها المدمر. غير أن الإفلات والهروب من وجه العدالة ليس هو الهدف الأخطر لدى أصحاب هذه المبادرات وإنما إذا أمعنت قليلًا فيها فسوف تكتشف هدفًا أشد خطرًا وهولًا هو باختصار، تركيع الشعب المصرى وإجباره على الركوع أمام جماعة الشر الفاشية والاستسلام للعصابات المسلحة الجوالة السارحة بالعربدة والإجرام فى ساحات البلد ودروبه منذ انفجار ثورة 30 يونيو الخالدة، ومن ثَم النكوص والتراجع عن أهداف هذه الثورة والتغاضى عن محاولة هؤلاء السادة الناعقين فى جوقة «المصالحة» إعادة بث الروح فى رمة كيان عصاباتى قاسٍ وشديد الظلام والتطرف ومغلق على التأخر والجهالة، ولا يحفل بل يكره جدًّا كل منجزات الحضارة الإنسانية ولا يقيم أى وزن للقيم والمبادئ ولا حتى الأخلاق ويستبيح فى سبيل تحقيق «تمكين» العصابة كل المحرمات ابتداء من حقوق وحريات الناس وانتهاء بمصالح الوطن العليا إذ يحتقرون ولا يفهمون معنى الوطنية من أصله. ومن دواعى الأمانة والاستقامة الاعتراف بحقيقة أن السادة «المصالحجية» المذكورين أعلاه ليسوا من جنس ولا نوع أو صنف واحد، ففى صفوفهم قد تجد «أنطاعًا» لا قيمة لوجودهم فى الدنيا من أساسه ولا شغلة أو شغلانة معروفة لهم سوى الجهاد والحزق طلبًا للرزق الحرام من دكاكين و«سبابيب» أغلبها خارج الحدود، لكنك ستجد فى الخندق البائس نفسه أناسًا آخرين ربما هم طيبون جدًّا بيد أنهم مساكين فى عقولهم ويدهشونك طول الوقت بقدرتهم على اجتراح آيات معجزات من السذاجة الملامسة حدود البلاهة والهطل شخصيًّا.. غير أن هؤلاء وأؤلائك تتأخر حالتهم يوميًّا وتتفاقم لدرجة أن كثيرًا من خلق الله صاروا الآن يتوقّعون أن يخرج «بتوع المصالحة» علينا ذات صباح مشرق رائع قريب بمبادرة جديدة تطالب صراحة بخروج آمن (أو أى خروج والسلام) للشعب المصرى من بلده وترك الجمل الوطنى بما حمل لعصابة المجرمين الأشرار يمتطونه أو يذبحونه أو يفعلون به أى حاجة، فيهدأ بال قطيع «الأنطاع» وحفنة السذج البلهاء وينامون جميعًا مرتاحين ومتهنيين على تل خرابة مصر. طيب، ومع ذلك هل جوقة «المصالحجية» التافهة هذه تصلح أن تكون هى عنوان الغضب ومقصد اللوم على كل هذه الميوعة وكل هذا الضعف والهوان والتهاوى والارتعاش فى التعامل بقوة القانون وحسمه مع بؤرتى العفن والإجرام المنصوبتين فى إشارة مرور «رابعة العدوية» ومحيط جامعة القاهرة؟! طبعًا لأ، وإنما الغضب واللوم كله لا بد أن يتوجّه لعنوان واحد وحيد هو الست الفاضلة حكومتنا التى رفعها الشعب ومنحها الشرعية وأعطاها ثقة وقوة هائلة وغير مسبوقة، فإذا بها تخذله (لكى لا أقول تهينه) وتضيع فى اللكاعة وقتًا ثمينًا جدًّا تتآكل فيه ساعة بعد أخرى، ليست الثقة والشرعية فحسب، وإنما أيضًا إمكانية أن نعوّض بسرعة ما فاتنا، ونشرع فورًا فى بناء دولة القانون القائمة على احترام أصول ومبادئ وقيم الحق والعدل والحرية.. وكل عام وأنتم بخير!!