قبل أيام كتبت هنا معترفا بأننى أكره وأبغض جدا القسوة والعنف بكل صوره وأشكاله وألوانه، غير أن المجال لم يسمح بإعلان اعتراف آخر وهو أننى أكره أكثر الكذب والخداع والمخاتلة والنصب على خلق الله.. وربما ليس فى هذه الدنيا الواسعة المتخمة بالشرور والآثام كذب ونصب وفحش واحتيال أسوأ مما تفعله حاليا الست «جماعة الشر» التى تحكمنا بالعافية ومعها ثُلّة من أوطى الأتباع والمنافقين (بعضهم كتبة ماتت ضمائرهم أو هم ولدوا من دونها أصلا)، فالست المذكورة وتوابعها الأذلاء هؤلاء يملؤون الدنيا الآن صخبا وضجيجا وعويلا على «السلمية» التى ماتت وقتلها شيوع ظاهرة «العنف» السياسى، وبمنتهى البجاحة والوقاحة رأيناهم جميعا يخلعون أردية الشياطين التى تعودنا على منظرهم وهم يرفلون فيها ولبسوا فجأة مسوح المرحومة الأم «تريزا» طيب الله ثراها، وراحوا يلقون علينا محاضرات ومواعظ كذابة تتغنى بالسلمية التى قتلوها بميليشيات وعصابات إجرامية جوالة سرّحوها وأطلقوها تعربد فى الشوارع وتبلطج وتضرب وتحاصر بل وتُعذب أيضا (كما حدث تحت أسوار قصر الاتحادية). طبعا أى شخص متوسط الذكاء يعرف ويدرك جيدا أن «زفة» الكذب والاحتيال المنصوبة حاليا تحت شعار نبذ العنف ليست سوى محاولة خائبة وبائسة لتغيير الموضوع والهروب من استحقاقات الأزمة الشاملة التى تحتكم وتطبق حاليا على رقبة جماعة الشر وتوابعها، بسبب شروعهم الأحمق المتهور فى تنفيذ خطة «التمكين» وخطف مصر دولة ومجتمعا وجرجرتها إلى مهاوى التخلف والظلم والظلام والخراب، ومع ذلك فالنصب الفاجر ليس هنا بالضبط، وإنما يتجلى على نحو مذهل ومثير للغيظ فى حقيقة أن الذين يرقصون الآن كالأفاعى فى تلك الزفة الكذوب بعضهم (على الأقل) قتلة وإرهابيون محترفون، وأغلبهم إما شاركوا (ويشاركون حتى الساعة) مباشرة فى ارتكاب جرائم وعربدات يندَى لها الجبين، وإما شجعوا وحرضوا علنا على هذه الجرائم واستخفوا بمن جاهر بإدانتها وفضحها، لكن التدليس والعهر وصل بهؤلاء إلى حد الجرأة على اختلاق وتضخيم ظواهر هى فى حقيقتها (لو كانت موجودة فعلا) ليست سوى أعراض ارتدادية للمرض الأصلى والبيئة المجتمعية المسمومة الناجمة عن وجودهم فى دنيانا أصلا، فضلا عن صعودهم وسطوهم على سلطة الحكم، بمعنى آخر فإن ظواهر من نوع إعلان بعض شبابنا الصغار الأبرياء عن تأسيس جماعة تدعى «بلاك بلوك» بغرض مواجهة عنف وإجرام الميليشيات «الإخوانية الحازمية» ورد عدوانها وحماية المتظاهرين السلميين من بلطجتها، هى فى الواقع رد فعل اجتماعى تلقائى (ربما لا يخلو من سذاجة) لأفعال متوحشة ممنهجة ومستمرة على كل صعيد وتأخذ صورا شتى، لا تبدأ بتقويض أبسط شروط ومتطلبات دولة القانون وبهدلة مؤسسة القضاء والعدالة ومرمطتها تماما، ولا تكاد تنتهى بالإرهاب وممارسة أشد وأفدح جرائم القمع والقتل والتصفية البدنية لشباب بواسل فى عمر الزهور (هل نستطيع أن ننسى استشهاد زميلنا الصحفى الشاب الحسينى أبو ضيف بيد عصابات الإخوان عند قصر الاتحادية؟!). تآكلت المساحة، غير أننى لا أستطيع أن أختم هذه السطور من دون سؤال حفنة الأشرار المنافقين الناعقين فى الزفة: هل هناك «عنف جيد» وإجرام حلو ومقبول خليق به الخرس والصمت والطناش، مقابل عنف آخر مُستهجن ومرذول، هو وحده الذى يستحق الإدانة ولطم الخدود وشق الجيوب؟! يا أقلام وحناجر العار، يشفى الكلاب ويضركم.. آمين يا رب!