ظاهرتان سوداوان منبعهما واحد (البؤس والتشوه العقلى والروحى) ألحقتا بالإسلام إهانة وعارا لست أظن أن الدين الحنيف تَعرَّض لمثلهما ثقلا وبشاعة منذ انبثاق نوره على الإنسانية قبل أكثر من 14 قرنا.. أولاهما عصابات الإرهاب المسلحة التى تمارس باسمه الجليل عمليات قتل عشوائى منفلتة من أى عقال وتنخرط فى حروب عبثية مجنونة لوثت سمعة المسلمين فى أغلب بقاع الأرض، أما الظاهرة الثانية فهى جماعة أو «جماعات» الشر والتخلف الطافحة حاليا على وجه أوطاننا ومجتمعاتنا متسربلة بشعارات كذوبة تنسبها إلى دين الله مع أنها تستبيح ارتكاب كل شرور الدنيا وآثامها لكى «تتمكن» ويتسلطن أمراء الظلام المتسربون من كهوفها على خلق الله بالعافية والتزوير ومن دون استحقاق ولا جدارة أو كفاءة، وإنما مؤهلاتهم فقط التآمر والمخاتلة وجرأة معجزة على الوقاحة واجتراح سيول لا تنقطع من الأكاذيب الخايبة. أكرر أن الظاهرتين يجمعهما الأصل والمنبع الواحد (وربما المسار أيضا) لكن ما يهمنا الآن هو ظاهرة «جماعة الشر» الراقدة على أنفاسنا هذه الأيام، فهى لا تكاد تكف أو ترتاح ساعة واحدة منذ سطوها على حكم البلاد، عن إتحافنا بخيبات وكوارث وفواحش شنيعة ومتنوعة زادت وفاضت فى شهور قليلة حتى بات صعبا على الذاكرة أن تستدعيها كلها، كما يستحيل رصها وجمعها فى مساحة زاوية محدودة السطور مثل هذه الزاوية، لهذا يلاحظ القارئ الكريم أن العبد لله ينتقى من آخر وأحدث الكوارث اليومية وتفوته مصائب كثيرة لا يعلق عليها، غير أننى لا أستطيع ترك مصيبة وجودية سوداء بحجم ما يسمى مشروع «الصكوك الإسلامية» الذى طبخته الست الجماعة فى كهفها المظلم وأعلنت عنه مؤخرا وأعلن الأزهر الشريف بوضوح وصرامة رفضه وإدانته معتبرا إياه بحق سيكون -لو نجح المجرمون فى تمريره، لا قدَّر الله- أداة خطيرة لبيع مصر وتفكيكها وتبديد ثرواتها الوطنية والتفريط فى أصول وصروح بناها المصريون بالعرق والدم (قناة السويس مثلا)، فضلا عن سحق ما تبقى لهذا الوطن من سيادة وسيطرة على مقدَّراته ومرافقه ومعالم حضارته. وما يهمنى فى هذا المشروع المشؤوم، ليس بيان فساده وحجم الإجرام التاريخى والخراب الشامل المستعجل الذى يبشر به، فكل ذلك أظنه بات من الوضوح والسفور الفاجر بحيث لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والتنبيه وإنما ما يحتاج إلى تنبيه فعلا أمران: أولهما دلالة نعت اختراع مجرم على هذا النحو بأنه «إسلامى»، إذ يبدو الموضوع أسوأ وأفظع كثيرا من أن يُقرأ باعتباره مجرد تدليس ونصب «متكرر» باسم الدين الحنيف.. إنه تجسيد بليغ لمعنى أن الذى يتجرد من أى ضمير لدرجة استحلال يستحل التجارة فى الدين والملة، ليس صعبا عليه أبدا التجارة فى الوطن وبيعه بالجملة والقطاعى، على قارعة الطريق! فأما الأمر الثانى، فهو ضرورة الاعتراف بحقيقة الاختلاف الكبير بين اختراع «جماعة الشر» المذكور أعلاه واختراع سابق آخر يحمل اسم «الصكوك» أيضا، كان نظام الأستاذ المخلوع «افتكسه» قبل أعوام، وقد هاجمناه وقتها وشهّرنا به وبمخترعيه تشهيرا شديدا حتى اضطُرُّوا إلى سحبه ودفنه إلى الأبد.. الاختراع القديم -والحق يقال- لم يكن من مستوى إجرام وبشاعة الافتكاسة الإخوانية الجديدة، فرغم أن الأول مشابه للثانى فى التدليس والنصب فإن نظام المخلوع لم يتجرأ على استعمال اسم «الإسلام» فى هذه الجريمة، كما أن الجريمة نفسها كانت أقل وأخف وطأة وأضيق نطاقا من جريمة «الصكوك» الإخوانية، فبينما هذه الأخيرة تشمل كل ما تملكه البلاد من ثروات وأصول ومرافق ومشروعات إنتاجية وخدمية. وتجعل المضاربة فيها وبيعها مفتوحا على البحرى لكل من هبّ ودبّ، فإن مشروع صكوك نظام مبارك كان ضيقا ومحدودا بحدود وحدات ومصانع القطاع العام فحسب! تسأل، هل الوضع القائم حاليًّا أوسخ من أوضاع عصر مبارك؟! نعم.. بكل تواضع.