بعد تحية حارَّة واجبة لقادة الأحزاب والقوى الساسية الوطنية التى تماسكت واتحدت على موقف هو الأكثر شرفًا والأشد التزامًا بالمسؤولية ومقتضيات الضمير الوطنى عندما أعلنت بالإجماع قرارها الصعب بمقاطعة مهرجان الاستغفال التاريخى والتزوير التشريعى من المنبع، فليكن معلوما أن هذا القرار لم يكن اختيارا مريحا جرى انتقاؤه من بين خيارات متعددة أخرى، وإنما كان فرضًا إجباريًّا لا يستجيب فحسب لاعتبارات المسؤولية تجاه وطن وشعب تحاول وتعافر عصابة شريرة اختطافه من تاريخه وهُويَّته وميراث تحضُّره، بل حتمته حقيقة أن العصابة وتوابعها وخدَّاميها «تأسرلوا» واستعاروا بخيابة منهج العدو الصهيونى فى التمادى والقفز طول الوقت على جثة المشروعية والاندفاع فى الاغتصاب والإجرام اليومى وفرض أمر واقع على الأرض ثم دعوة الضحايا للرقص واللعب عليها، ومن ثم أضحى قرار المقاطعة سبيلا وحيدا معاكسا لمسار إجرامى ملتوٍ حفره الأشرار وظنوا من فرط جهلهم وخيبتهم وظلام عقولهم أن بمقدورهم خداع أو إجبار قوى المجتمع الحية على السير فيه خلفهم كالدوابّ مسلوبى الإرادة حتى تتم «السريقة» وتستقر البلد فى حضن الفاشية والخراب الشامل والظلام الدامس، غير أن معنى قرار المقاطعة أن أصحاب الضمير الوطنى اليقظ يقظون فعلا وقد فطنوا لهذا الشرك الخطير فآثروا ترك «العصابة» وقطعان خدَّاميها يتعثرون ويخوضون وحدهم فى وسخ وأوحال مسارهم بينما هم مفضوحون عراة لا تستر عوراتِهم القبيحة أسمال شرعية أو «زِوَاق» مشروعية كاذبة، إلى أن يندحروا ويندفنوا بعارهم وإجرامهم.. قريبا جدا إن شاء الله. لكن قرار مقاطعة مهرجان التزوير ونشل الشرعية المقبل، ليس ولا يجب أن يكون مجرد «إبراء ذمة» وهروب من العار والوسخ إلى الكسل السياسى اللذيذ وجنة السلبية المريحة، وإنما الواجب يقتضى اعتباره إعلان جهاد وكفاح سلمى وبداية طريق جاد وشاق لتجييش جموع المصريين وانتشالهم من وهدة اليأس والقنوط وإقحام قوتهم الكاسحة الهائلة فى قلب معركة استرداد الثورة المغتصَبة، لا، بل استعادة الوطن نفسه من يد «جماعة الشر» الغشوم التى تسعى مسعورة لسرقته ونشله دولة ومجتمَعًا. واجب كل القوى الوطنية وواجبنا جميعا الآن، أن لا نقعد ولا نضيع وقتا أو ندخر أى جهد مادى وعقلى لكى نوفر ونبدع ونجترح وسائل نضال واحتجاج شعبى جديدة مبتكرة ومتنوعة يكون من شأنها تحويل التململ والاشمئزاز من عربدات «جماعة الشر» والغضب المتنامى من جرائمها اليومية وفشلها الذريع، إلى طاقة مقاومة فعالة ومتحضرة بحيث يأتى يوم بدء «مهرجان التزوير» وقد صارت البلد لوحة انتفاض شاسعة تضج بالحيوية وتضطرم فوق صفحتها شتى ألوان وصور الرفض والعصيان، فلا يعود هناك مجال للنصب والكذب، وتخيب خطة سرقة الشرعية وتسويغ وتزويق عملية السطو المسلح على حاضر المصريين ومستقبلهم، وإغلاق طريق «تمكين» العصابة من رقابهم والرقاد على صدورهم وقلوبهم لطالون. باختصار، لن يكتسب قرار مقاطعة «النصباية» التاريخية (التى قد لا تأتى أبدا بسبب الإمعان فى التهور وممارسة مزيج الشر والغباوة) معناه الحقيقى ومضمونه النبيل إلا عندما يتوج هذا القرار بحزمة مبادرات وأفكار وأفعال سريعة ونشطة على الأرض تلضم وتلحم وتطور كفاح طلائع شعبنا وجحافل شبابنا الرائع الذى يدفع حاليا ضريبة الدم فى مدن ودروب وشوارع الوطن، بسخاء مذهل وكرم زائد. ولتكن بورسعيد الباسلة البطلة قدوة ومثالا يُحتذى ونموذجا مُلهِمًا، و.. صباح الفل.