التراخيص أهم شىء فى مجتمعات ترخُص فيها الحياة. عندما تعم الفوضى وتقع الكوارث ويتعذر الإنقاذ يصبح الضحايا الفقراء من وجهة نظر السلطة مذنبين. الصندل لم يرتطم بمركب الوراق لأنه كان يسبح بلا ترخيص. بل لأن المسؤولين يسترخصون حياتنا. فى نهرنا، المأسوف على فيضاناته القادمة، تتهادى الصنادل القديمة كأنها صنادل بلاستيكية رخيصة يشتريها أصحابها من العتبة، ويمرحون بتعويمها فى «أطشاط» الغسيل بعد أن تبلى من كثرة الاستخدام. ضاربين عرض الحائط بتحذيرات الحكومة لهم بعدم انتعال الصنادل غير المرخصة! الزعم بأن تعويم صندل بحجم حوت بلا ترخيص تسبب فى كارثة هو تلكيكة تدين الشرطة النهرية. لأنه ليس موتوسيكلاً يختفى فى الأزقة. على الجانب الآخر وجود الترخيص لا يضمن الأمان. لأنه يمثل عنوانا للفساد عندما يتم استخراجه لكل ما يسير فوق الماء أو على الأرض، عدا التكاتك المقدسة بالطبع، بالمحسوبية والرشوة، ودون أن يطابق المواصفات التى تضمن قيامه بوظيفته بأمان لنقل البشر أو البضائع. لن أتعجب إذا تعلل مدير القناة الفضائية مالكة الصرصار الذى رأيناه يتنزه على شعر نيللى كريم بأنه كان يحمل رخصة للسير على رؤوس الضيوف. إخوة هذا الصرصار يعيثون فسادا ويستخرجون رخصا بمزاولة العمل فى كل المجالات. هناك واقعة شهيرة نشرتها الصحف عن سائق نقل كان يمارس مهنته برخصة قيادة سارية رغم أنه كان أكتعًا! بعد أن فقد ذراعًا فى حادثة سير وجدد رخصته بعدها بلا مشكلة! صلاحية الترخيص يمكن شراؤها بغض النظر عن صلاحية المرخص له! الجماهير سحبت رخصة الرئيس الإخوانى محمد مرسى وعزلته لأنه أصدر إعلانًا دستوريا يحمى قراراته وقوانينه ويحصنها من الطعون أمام المحاكم واعتبرت، ومعها حق، أنه كان يريد قيادة الوطن برخصة مزورة. لكنها تسامحت معه قبلها عندما منح لنفسه حق التشريع الذى يشبه قيادة الوطن بذراع واحدة! فهذه مجرد مخالفة يمكن قبولها، وقد مارسها من بعده رئيسان وبررنا ارتكابها بغياب البرلمان.. الذى يتم تغييبه عمدا إلى الآن! نحن شعب يسامح فى أى شىء إلا الرخصة! الرئيس السيسى يطالب المواطن بأن يصبر عليه ويتأنى فى تفعيل الدستور لأن ظروفنا العسيرة تمنع تطبيقه كاملاً، ويجب علينا الانتظار لوقت طويل قبل أن يتم تفعيله على أرض الواقع! لا تكن نمكيا يا أخى واعتبرها مجرد مخالفة سير فى عكس الاتجاه تسمح بها الظروف ما دام الوطن يقاد برخصة سارية! الرئيس لم يطلب إلغاء الدستور، لا سمح الله، لكنه طلب السماح بارتكاب مخالفة تعطيله! جرب كسائق أن تطلب من أمناء شرطة المرور، دون أن تدفع المعلوم، إعفاءك من الالتزام بقوانين السير لأن ظروف الزحام العسيرة تمنعك من تطبيقها، وحاول أن تتعلل لهم بأدب بأن الدستور ذات نفسه معطل، وأؤكد لك أنهم سيقومون بتعليقك على باب وحدة التراخيص ولن يمنعهم أحد لأن الدستور لن يتم تفعيله قبل أن تتحسن ظروف البلد! الدولة حامية الفضيلة تحصل من الكباريهات ومستوردى الخمور وبائعيها على ضرائب باهظة ثم تعطل الدستور لمحاربة الإرهاب وتنشغل بالقبض على مفطرى رمضان والراقصات ومن يحملون علبة بيرة! أهى شيزوفرنيا أم استهبال؟ أم إن مجتمعنا يسير إلى المجهول برخصة منتهية؟ يا سيادة الرئيس، عندما يفلح الإرهاب فى استدراج السلطة للوقوع فى فخ إهدار دولة القانون يكون قد قطع أول خطوة نحو تحقيق هدفه فى إسقاط الدولة.