كتبت - مروة علاء الدين: يستنزف الهيموفيليا (مرضى نزف الدم)، دماء 10 آلاف مصري سنويًا، ويحولهم إلى أصحاب كراسي متحركة؛ تتآكل مفاصل الجسد، حتى يصبحو أصحاب مقابر، بعد أن يصرعهم المرض بنزيف مفاجئ في المخ، وعدم توافر الفاكتور(المادة التى تسبب تجلط الدم)، أوالقدرةعلى شراء العلاج بالجرعات اللازمة، وبالتالي إزدياد حاد فى عدد المرضى يقابله هبوط حاد لمؤشرات الاقتصاد. بين الهيموفيليا والفاكتور.. يعيش المصريون الآلاف من قصص المعاناة، بداية من الإهمال الحكومي، ومرورًا بالجهل الطبى وغياب الثقافة العلاجية لدى الوطن والمواطن، "التحرير" ترصد كيف أنزل الهيموفيليا ضعفه وبُغضه فى أجساد وقلوب المصريين؟، فى سياق التحقيق التالي.. مأساة البحث عن العلاج فى البداية يقول محمد حسن، أحد مرضى الهيموفيليا، وفيرس سى "تحولت إلى قعيد بعد تآكل ركبتي وذراعي الشمال؛ نتيجه للنزف المستمر فى المفاصل"، واصفًا حالته بأن الجسم يعمل به 13عاملًا (فاكتور) مسؤولون عن ضبط حالة الدم بين التجلط والسيولة، مضيفًا أنه فى حال نقص أى عامل منهم، يحدث انفلات دموى فيما يعرف بمريض هيموفليا. وتابع محمد، أحد أعضاء جميعة أصدقاء مرضى النزف، أن الأطباء ليس لديهم وعى بالمرض، مما يعنى تدهور حالتهم أكثر وأكثر، منتقدًا دور الجميعة بأنها "فاشلة للغاية" ولا تقدم دورها فى مساعدة المرضى، على حد تعبيره. وأضاف محمد حسن، أن الجمعية لا تقدم شئ سوى "كارنيه" يتم تجدده إجبارى ب10 جنيهات شهريًا، كما أنها لا تحصل على تبرعات، ولا تنظم حملات دعائية للتبرع لها. ارتفاع ثمن العلاج يشار إلى أن 85% من المرضى، لديهم نقص فى فاكتور (8)، بينما 15% لديهم نقص فى فاكتور(9)، ووصل سعر الفاكتور (8)إلى 1200 جنيه، وفاكتور (9)إلى 2215 جنيهًا، وغير متوفر فى مصر. السياسة العلاجية ويقول جوزيف نجيب، أحد المرضى، كانت السياسة العلاجية لوزارة الصحة، تقوم على العلاج بمشتقات الدم مثل البلازما، والتى أصابت المرضى ب"فيرس سى"، ووصل سعر البلازما(بنك دم حكومي) 40 جنيهًا، أما البلازما الجافة - كانت متوفرة فى مصنع المصل واللقاح والذى تم إغلاقه عام 2006- فتباع ب 180 جنيهًا. التوزيع الجغرافي تعد هيئة التأمين الصحي هى الجهة الوحيدة التى يتوفر الفاكتور بها، ولكنه مُصنع بكميات غير صحيحة، ولا يتوفر علاج وقائى بمصر مثل باقى الدول، على حسب الوزن. وأكد جوزيف، أن مريض الهيموفليليا ينتقل من كل المحافظات القريبة من الإسكندرية، ليصبح ضمن من يشملهم التوزيع الجغرافي لأخذ العلاج، وينتقل مريض الهيموفليليا من كل المحافظة القريبة من الصعيد إلى القاهرة لعدم توافر الأطباء أو العلاج خاصة فى الصعيد . ووصف جوزيف الفاكتور، بأنه حقنة تساعد على فك التجمع الدموي، ومن المفترض أن يتم أخذها مرتين في الأسبوع، للوقاية، والعلاج الأساسى لهذا المرض هو فاكتور9 أو8، وحاليا يتم علاج المرضى بالبلازما؛ وبسببها أصيب 70٪ من الأشخاص ب"فيرس سى"؛ بسبب عدم تحليل البلازما وبيان مدى صحة العينة. وتابع جوزيف أن هناك عقاقير أخرى للهيموفيليا، مثل الإس دي كرايو، والإس دي بلازما، وهما عبارة عن مشتق دم مضاف إليه مواد كيميائية، إلا أن أحد المرضى أصيب بحالة رعشة، وتشنج وحساسية بعد جرعة الإس دي كرايو. غياب الثقافة العلاجية لدى الطبيب ومن جانبه قال محمد علام، أحد المرضى أيضًا، إن بعض الأطباء بالمرض لا يعلم حقيقة المرض، خاصة أن تخصص أمراض الدم صعب، كما أن الشهادة العملية للأطباء بعد انتهاء الدراسة "الامتياز"على قسم أمراض الدم مدتها شهر واحد فقط، فلا يهتم الطبيب بالتعمق فى القراءة حول المرض، ويكتفى بدراسة الأمراض الشهيرة مثل "الأنيميا والأمراض الخبيثه (السرطان)" أما الهيموفيليا فليس لها نصيب من امتياز الأطباء، ولايعرفون عنها شيء. 2500 جنيه لا تكفى وأكد علام أن قرارات العلاج على نفقة الدولة محدودة، و2500 جنيها المنحة المقرة للمريض، لا تكفى، ومن الممكن أن يستهلكها فى أسبوع، فضلاعن أن ال6 أشهريمكن أن تنتهى دون أن يتم صرف أى علاج للمرضى؛ لعدم توافره. ..والأمراض تورث أيضًا وفى سياق متصل، يقول أرساني أقلاديوس، أحد مرضي الهيموفليا "كنت أعمل محاميًا، وهاجرت مع زوجتي وأبنائي إلى كندا منذ حوالي ست سنوات، والمشكلة أن المرض وراثي، ينتقل من الأم، ويظهرفي الذكور فقط، حيث تكون الأنثى حاضنة للمرض، ولا يظهرفيها، بل تنقلها لأبنائها الذكور". أخي الأكبر ليس مريضًا بالهيموفيليا وأكد أرساني أن الهيموفيليا قد تختفى لعدة أجيال؛ لأن الأم الحاضنة للمرض ليس بالضرورةأن يكون كل أبنائها الذكور مصابين بالهيموفليا، مضيفًا "أخي الأكبرليس مريض بالهيموفليا، وحالات نادرة يظهر الهيموفليا في الإناث حال زواج رجل مصاب، أنثي حاضنة للمرض، وقتها يصبح جميع الأبناء، ذكور وإناث، مصابين بالمرض". وتابع أقلاديوس أن هجرته لكندا كانت لتلقى العلاج المناسب، لأنه يتم إعطاء المريض جرعة كل 3 أيام وقائي، فيحيا حياة طبيعية، لكن في مصر لايزال العلاج قائم على استخراج العنصر الناقص"فكتور 8"من الدم، مايجعل المرضي معظمهم مصابين بفيروس سي، بخلاف صعوبة الحصول على العلاج، مشيرًا إلى أن حق الملكية الفكريه لتصنيع الفاكتورالتخليق يسقط؛ لمرورأكثرمن 20 سنة على اختراعه. وأشار أرساني إلى ضرورة الضغط على وزارة الصحة، لاستيراد الفاكتورالتخليقي، أو فتح مصنع لإنتاجه، لتقليل الفجوة بين ثقافة العلاج فى الدول التى تقضى على المرض، وبين تقافة العلاج في مصر، التى تقوم على وقف الألم من خلال المسكنات التي تعد جدول مخدرات مثل نالوفين و ترامودول. العلاج فى قسم الشرطة يقول محمود يحيي عبد الحليم، طالب فى الصف الثاني الثانوى، مريض فاكتور 9 وفيرس سي، "بدأت رحلة علاجى منذ عام 2000، وزادت المشكلة أكثر بين عامى 2006 و2011؛ بسبب ندرة البلازما، وأحيانا لا أحصل عليها إلا بعد تحرير محضر فى قسم الشرطة، ووقتها يتم صرف البلازما". "اكشف النهاردة واصرف العالج بكرة" وأضاف عبد الحليم، أن مواعيد الأطباء من الساعة 8 صباحًا حتى ال 12 ظهرًا، أى 4 ساعات فقط، وفى الحالات المتأزمة والنزف الشديد، يتم صرف مسكنات، كما أن دور الطبيب ليس الكشف أو التشخيص بل يحجز فقط، وفى اليوم التالى يتم صرف العلاج. وتابع محمود "حالتى تتطلب 4 وحدات بلازما، والمستشفى لا يصرف إلا واحدة؛ لأن المستشفى يتعامل مع بنك دم واحد بالإسكندرية، وبعد الثورة فأن رحلة العلاج زادت صعوبة، وأصبح من الصعب وجود وحدة بلازما، ويتم صرفها - إن وجدت - من مخزن الطوارئ". الهيموفيليا مفيدة فى المواصلات ويقول إسلام يوسف مريض آخر، 25سنة، يعانى من عجز فى اليد اليمنى بسبب الهيموفليليا، "مرضى الهيموفيليا، أكثر فئة مهمشة، وللأسف ليس من حقنا الحصول على سيارات مجهزة مثل المعاقين، ولانحصل إلاعلى كارنيه يخفض لنا أسعار المواصلات فقط". الصعيد فى المؤخرة وأكد يوسف، أن إغلاق المصنع المنتج لعلاج المرض، زاد من حدة الأزمة خاصة بالصعيد، الذى يأتى فى مؤخرة أولويات الدولة، تزامنًا مع أعطال متكررة فى الأجهزة الطبية، تجعل مرضى الدم فى حالة من الألم المتواصل، مضيفًا أن هناك آلاف الأطفال فى خطر؛ بسبب عدم توافرعلاج الهيموفيليا بمحافظات قنا - سوهاج - أسيوط . ويتابع يوسف "نحن بحاجه إلى بروتوكول في علاج مرض الهيموفيليا، على أن تقوم الدولة بتوفيرالجرعات الوقائية حتى لاننزف، ونعيش حياة طبيعية"، مشيرًا إلى الحاجة إلى توحيد العلاج علي مستوي فروع التأمين الصحى، وزيادة مبلغ قرارالعلاج على نفقة الدولة، أو يبقى مفتوح، خاصة فى ظل أرتفاع سعر الفاكتور. وأشار إسلام إلى أنه يوجد 3 أحجام من فاكتور8 فى مصر، 250 مليمترالكورى ب480 جنيهًا، و500 مليمترالأمريكية ب 980 جنيهًا، والألمانية 500 مليمترب 980 جنيهًا، ويوجد أنواع أخرى من البلازما، مثل "الكرايو sd" وهذا العلاج هو السبب فى انتقال فيروس سي وبي، وسعرعلاج فيروس بى يتراوح من 300 إلى2000 جنيه. الهيموفيليا غير دستورى تقول إيفون الزعفرانى، معاقة ومؤسس حركة معاقين ضد التهميش، إن عدم توافر العلاج المطلوب يؤدى إلى تحول المريض لمعاق حركى، قد يصل فى كثيرمن الحالات لإعاقة كاملة بالجسد، وعدم الحركة نهائيًا، مؤكده أن أعداد المرضى فى تزايد مستمر، نتيجة لعدم توافر العلاج لنحو 12 ألف مريض، خاصة أنه مرض وراثى ينتقل للأطفال. وأضافت الزعفراني أن عدم توفير العلاج، يتعارض مع نصوص مواد الدستور، حيث تنص المادة (18) في عدة فقرات بها، أن لكل مواطن الحق فى الصحة والرعاية الصحية المتكاملة، وفقًا لمعاييرالجودة، وتلتزم الدولة بإقامة تأمين صحى شامل لجميع المصريين، يغطى كل الأمراض ويجرم الأمتناع عن تقديم العلاج فى حالات الطوارئ أو الخطرعلى الحياة، مشيرة إلى أن هذا النص واضح وصريح فى أنه على الدولة توفير العلاج لهم مهما كانت تكلفته. محاكمة المسؤولين وتطالب مؤسس حركة معاقين ضد التهميش، بمحاكمة جميع المسؤلين، الذين ساعدواعلى الامتناع عن تقديم العلاج، محذرتًا من خطورة الأمر، فجميع المرضى يتحولون لمعاقين، وتتساءل لماذا تنتظر الدولة حتى يفوق عددهم تعداد المعاقين ككل؟، ووضعهم الحالى يخالف المادة 81 من الدستور، والتى نصت (تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة صحيا)، مضيفةً أن تكلفة علاجهم جميعًا لا تساوى تحمل الدولة سفر شخص من كبار المسؤولين للعلاج بالخارج على نفقة الدولة من أموال الشعب.