"العريف" و"عبدالعظيم" يهنئان الطفلة الفائزة فى مسابقة الأزهري الصغير بشمال سيناء    تراجع ثقة المستهلكين في أمريكا إلى أقل مستوياتها منذ يوليو 2022    منصة أبشر توفر مهلة إضافية لتسديد المخالفات المرورية بالمملكة السعودية    الفيضانات تقتل أكثر من 300 شخص في شرق أفريقيا مع استمرار هطول الأمطار    قائمة بيراميدز لمواجهة إنبي في الدوري    إخماد حريق شقة سكنية بمنطقة أبو النمرس    انتشال جثة شاب غرق في مياه النيل بمنطقة أطفيح    جنات تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «بنعيش مع ناس»    على طريقته الخاصة.. باسم سمرة يمازح أحمد السقا    المنتج محمد العدل يطالب الوثائقية بتوفير عروض للأفلام القصيرة    وزير النقل يبحث مع رئيس الوكالة الفرنسية للتنمية التعاون في تطوير البنية الأساسية للسكك الحديدية والجر الكهربائي    لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا.. هل يسبب متلازمة جديدة لمن حصل عليه؟ أستاذ أوبئة يجيب    طريقة عمل عصير ليمون بالنعناع.. يروي عطش الحر وينعش القلب    الأهلي يهزم الجزيرة في مباراة مثيرة ويتأهل لنهائي كأس مصر للسلة    ستبقى بالدرجة الثانية.. أندية تاريخية لن تشاهدها الموسم المقبل في الدوريات الخمسة الكبرى    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    «التعليم» تحدد موعد امتحانات نهاية العام للطلاب المصريين في الخارج 2024    إعلام عبري: حزب الله هاجم بالصواريخ بلدة بشمال إسرائيل    لوقف النار في غزة.. محتجون يقاطعون جلسة بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    هيئة سلامة الغذاء تقدم نصائح لشراء الأسماك المملحة.. والطرق الآمنة لتناولها في شم النسيم    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    مدبولي: العلاقات السياسية بين مصر وبيلاروسيا تسهم في دعم التعاون الاقتصادي    دورتموند يستعيد نجوم الفريق قبل مواجهة سان جيرمان بدوري الأبطال    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    كراسي وأحذية وسلاسل بشرية.. طرق غير تقليدية لدعم فلسطين حول العالم    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الهيموفيليا».. الموت من «جرح صغير»
«الوطن» ترصد مأساة 10 آلاف مصاب بالمرض فى مصر
نشر في الوطن يوم 10 - 09 - 2014

محاصرون بالخوف.. من أن تُجرح أجسادهم الرقيقة فتنهمر دماؤهم بغير توقف.. 10 آلاف مصرى يطاردهم الدم فى أحلامهم وكوابيسهم، يرونه إما سائلاً سائباً لا يقف حتى تتصفى أوردتهم، أو يحلمون به وقد هدأ شيطانه وخف تعطشه إلى خروج عن مساراته التى خُلقت له.
10 آلاف مصرى يحملون جينات وراثية لمرض الهيموفيليا الذى يمنع الدم من التجلط تلقائياً، 10 آلاف مصرى يشكلون عالماً من الرعب.. مجتمعاً مستضعفاً يأكله المرض وتستنزفه تكاليف العلاج الباهظة التى تصل إلى 250 ألف جنيه لكل واحد منهم.. 10 آلاف لا يحصل غالبيتهم على الدواء مدعوماً من الدولة فتسيل دماؤهم تحت جلودهم بغير هوادة. «الوطن» دخلت عالم المستضعفين المصابين بمرض النزف «الهيموفيليا» الوراثى.. لترصد معاناتهم التى حصرتهم بين مطرقة الدولة التى تمنع دخول بعض العقاقير المعالجة لهم، وسندان اللجوء لمستشفيات القطاع العام التى تعوضهم بدماء جديد «ملوثة بفيروس سى».
قبل 22 عاماً، حمل «السيد» ابنه إبراهيم، ذا السبعة أيام، لإجراء عملية ختان له.. مزهواً دخل المستشفى وخرج عائداً لبيته، وبعد ساعات، ارتجت جدران المنزل بصراخ الأم التى فُزعت لرؤية ثياب طفلها الباكى مصبوغة بدمائه.. «أبويا جرى على المستشفى وقال للدكتور: ابنى من ساعة ما رجعنا البيت وهو ينزف دم، الدكتور رد عليه وقال له: أنا كسرت له أمبول يوقف نزيف واحدة عاملة عملية استئصال ثدى، ابنك عنده هيموفيليا»، يذكر إبراهيم «أبويا وأمى وقتها كانوا فاكرين إن ده مرض مؤقت هيقعد له كام يوم زى الإنفلونزا ويمشى».
مرض «الهيموفيليا» أو «الناعور» هو مرض وراثى، يعنى نقص عامل تخثر (تجلط) الدم، مما يعطل التوقف التلقائى للنزيف الداخلى أو الظاهرى حال إصابة حامل ذلك المرض بجرح. ولهذا المرض ثلاثة أنواع «A وB وC» ويعتبر النوعان «A & B» الأكثر شيوعاً بين مرضى الهيموفيليا فى مصر.
لا ينعم أطفال الهيموفيليا بحياة طبيعية بداية من الحبو «أنا بدأت حياتى بالمشى على طول مكانش فيه زحف على الإيدين والرجلين زى كل الأطفال لأن تلامس المفاصل مع الأرض كان بيسبب لى نزيف.. حتى لما دخلت المدرسة أمى كانت بتاخدنى من البيت لحد فصلى فى الدور السادس فى المدرسة على ضهرها علشان أحضر الامتحانات والدروس.. ربنا يديها الصحة».
يواصل «إبراهيم» متذكراً مرحلة التعليم الإعدادى والثانوى، حيث كان طالباً متفوقاً «كنت بذاكر بجد علشان أرضى أمى اللى كانت بتتعب بسببى»، يسترجع الشاب المصاب بالنزف قائلاً «لكن فى الفترة دى بدأت أتعب أكتر.. وكانوا يومياً بيحجزوا لى مكان فى المستشفى علشان أنقل بلازما، وكل المدرسين طردونى من الدروس وقالولى: انت طالب متفوق أيوة لكنك مش بتحضر، فبقيت أذاكر لوحدى من غير دروس حتى، ودخلت حقوق.. كان نفسى أدخل الطب بس ظروف المرض».
عدم توافر الحقن اللازمة لعلاج «إبراهيم» تسبب فى تدهور حالته، مما أصابه بأشد أنواع النزف الذى يحدث دون اصطدام، وأصبح معامل التجلط فى الجسم أقل من 1%، لم يتمكن إبراهيم من وقف النزيف لتأخر الحقن بالفاكتور، وهو ما أدى إلى تجمع دموى حول الركبة.
ساءت حالة إبراهيم الذى أصيب لاحقاً بفيروس الكبد الوبائى سى، والسبب بحسب اتهامه «نتيجة عدم الفحص الدقيق لعينات الدم التى يتم نقلها لمرضى الهيموفيليا داخل المستشفيات العامة، وهو ما حدث لما يقرب من 80% من مرضى الهيموفيليا فى مصر».
ترتبط آلية تخثر الدم «تجلطه» ب13 عامل تجلط توجد فى جينات الإنسان العادى. وعند تغيب العاملين «8 و9» يصبح حامل المجموعة الجينية الناقصة مريضاً بمرض النزيف «الهيموفيليا». ولذلك يندرج «الهيموفيليا» ضمن الأمراض الوراثية. حيث يصاب به الابن عن طريق أمه الحاملة للمرض الذى ترثه عن أبيها، دون أن تظهر عليها هى أعراض ذلك المرض. وتحمل الإناث 50% فقط من الجينات المسببة لمرض الهيموفيليا، لذلك لا تظهر عليهن أعراضه، وإنما تظهر على أبنائهن الذكور. ويحتاج مرضى الهيموفيليا إلى جرعات متكررة من عقار «الفاكتور»، غير المتوافر، بحسب ما قاله أطباء متخصصون ل«الوطن» نظراً لغلاء أسعاره.
المشهد ذاته تكرر فى منزل «يحيى»، الذى قرر إجراء عملية «الختان» لابنه «محمود» بعدما أتم عامه الأول، أول أبنائه الذكور فى أسرته المؤلفة من أب وأم وطفلة فى عقدها الأول. وبعدما أجرى الأب عملية «الختان» لنجله الرضيع فى أحد مستشفيات الإسكندرية. استمر نزيف الطفل فى المنزل ليعود به أبوه للمستشفى كى يُعرض على طبيب بشكل فورى.
يقول «يحيى»، والد محمود، الذى يبلغ الآن 16 عاماً «ذهبت مسرعاً إلى المستشفى، وعندما عرضت محمود على الدكتور قال إنه مصاب بجرح بسيط، وقام بإعادة خياطته مرة أخرى، إلا أن النزيف تكرر فى المساء مرة ثانية، فعدت للمستشفى من جديد، وقتها استغرب الطبيب تكرار النزيف، وبعدما أوقف النزيف طلب عمل تحاليل للمولود، وأثبتت التحاليل وقتها أن ابنى محمود يعانى من مرض (الهيموفيليا)».
ويروى «يحيى»، والد محمود، أنه تنقل بين المستشفيات منذ أن عرف بمرض ابنه، وعندما بلغ «محمود» الثانية من عمره أصيب، وقع «محمود» على ظهره فنقله أبوه للمستشفى، حتى يتم حقنه ب«الفاكتور»، العلاج الأساسى للمرض.
لا يستطيع الكثير من مرضى النزيف «الهيموفيليا/ الناعور» توفير المال اللازم لشراء جرعات الفاكتور التى تقلل آثار المرض، حاول «يحيى» مراراً وتكراراً، بحسب ما يرويه، البحث عن وسيلة لتوفير العلاج لابنه، خاصة أنه «راجل على المعاش» كما يصف نفسه، وبالتالى فهو لا يستطيع توفير التكاليف المطلوبة لعلاج ابنه «محمود»، حتى تم نشر موضوع صحفى عنه فى إحدى الصحف. وجاءته وقتها استجابة سريعة من رئاسة الجمهورية، حيث أمر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، علاج «محمود» على نفقة الدولة فى «معهد ناصر»، وفق يحيى. تلقى «محمود» الجرعات اللازمة للعلاج بين عامى 2000 و2009 دون انقطاع، وهو ما ساعد الطفل على ممارسة حياته بشكل مقبول بالنسبة لوالديه، برغم كونه مريض هيموفيليا بمعامل 9، وهو مستوى خطير كما يقول «أبومحمود».
يتهم الأب وزارة الصحة والمستشفيات بالتقصير والإهمال فى رعاية ولده وكثير من أقرانه المصابين بالمرض، حيث يقول «مرضى الهيموفيليا يصابون بفيروس سى، نتيجة نقل البلازما -إحدى مكونات الدم- له داخل المستشفيات الحكومية». الأمر الذى دفعه وعدداً من المرضى لتقديم بلاغ للنيابة ضد بنك الدم بالإسكندرية ومستشفى الشاطبى، طالبوا فيها التحفظ على بنك الدم بالإسكندرية، ومستشفى الشاطبى، وتحليل عبوات وأكياس الدم الفاسدة التى لا تخضع للتحليل نظراً لعدم وجود جهاز تحليل مخصص لذلك.
وجاء تقرير الطب الشرعى، نصاً «يتعذر تنفيذ المأمورية فى الوقت الحالى، وذلك لعدم توافر التكلفة المالية لإجراء التحاليل والأبحاث اللازمة سواء للمرضى أو لعينات الدم المطلوب التحفظ عليها فى بنوك الدم الثلاثة المذكورة بالقضية عاليه، حيث إن البند قد نفذ طبقاً لتأشيرة الموازنة ومرفق إفادة من الموازنة، كما أنه يتعذر فنياً فى حالة ثبوت الإصابة تحرير أسباب وكيفية ذلك، وكذلك توقيت الإصابة بالفيروسات المنقولة عن طريق الدم الآدمى ومشتقاته للمرضى الوارد ذكرها بالقضية عاليه، وقد أشرنا عليه بما يفيد النظر والإفادة بتاريخ الورود، وأقفل المحضر عقب إثبات ما تقرر فيه الآتى وتعرض الأسباب للتصرف، ترفع الأوراق للسيد المستشار المحامى العام لنيابة الإسكندرية يناير 2014». يدرك «محمود»، مثل الكثير من مرضى الهيموفيليا عدم وجود علاج نهائى لمرضهم الوراثى، الذى يسبب نزيفاً داخلياً عند مجرد الاصطدام بأى شىء، لكنه مع ذلك يطمح فى أن يحيا حياة طبيعية.
يقول محمود ل«الوطن»: «أنا عارف إن مرضى مالوش علاج، لكن أنا دايماً بحاول أعمل حاجات تانية ما يكونش فيها ضرر غير لعب الكورة أو السباحة، منها اللعب على الكمبيوتر والرسم وأتمنى أدخل كلية فنون جميلة أو إعلام».
ويوضح الدكتور محسن الألفى، أستاذ أمراض الدم بطب عين شمس، أن مرضى الهيموفيليا فى مصر يعانون من زيادة معدل الإصابة بالإعاقات المختلفة، نتيجة عدم توافر العلاج اللازم لديهم بصورة عاجلة، فالعدد المقدر للمرضى فى مصر هو 10 آلاف مريض تقريباً، ويبدو هذا العدد صغيراً مقارنة بعدد السكان فى مصر، لكن هذا المرض وراثى يصاب به الأطفال وليس له علاج نهائى، بالتالى زيادة الإهمال فى علاج المرض تؤدى لإصابة مريض الهيموفيليا بأمراض أخرى مما يضاعف معاناته، على حد تعبير «الألفى»، الذى يواصل «هناك نسبة 10 إلى 20% من المرضى مصابون بإعاقة شديدة تحول المريض إلى شخص قعيد، أما النسبة الباقية منهم فيصابون بإعاقات متنوعة فى أنحاء الجسد، فضلاً عن إصابة ما يقرب من 80% من المرضى بفيروس سى».
ويشير أستاذ أمراض الدم إلى أن مرضى الهيموفيليا من الذكور فقط، ولا ينتقل مباشرة من الأب إلى أبنائه الذكور وإنما ينتقل إلى أحفاده الذكور من خلال بناته الإناث اللائى يتوارثن جينات المرض لينقلنه إلى أبنائهن الذكور.
كما يلفت «الألفى» إلى صعوبة الحصول على جرعات الفاكتور الذى يحد من أعراض المرض نظراً لغلو سعره، ويقدر «الألفى» أن العلاج الوقائى الكامل للمريض الواحد «يصل إلى نحو 250 ألف جنيه لا توفر الدولة منها سوى 5 آلاف تقريباً لكل مريض».
ويردف أستاذ الطب أن مصر بها أصعب أنواع المرض، وهما الشريحتان «A وB».
محمد حسن، شاب يبلغ 23 عاماً، ويعد الأصغر بين إخوته الثلاثة «شابين وفتاة»، ويعانى محمد وشقيقيه الذكرين من مرض الهيموفيليا. ويتعايش الأشقاء الثلاثة مع المرض الذى يعرفون جيداً أنه بلا علاج نهائى.
يقول «محمد»، الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة الإسكندرية، إن أحد أسباب استمراره فى التعليم هو حرصه على الحصول على خدمة التأمين الصحى، إذ لا يملك حق العلاج الذى يعد بالآلاف، «الحقنة الواحدة تكلفتها 1200 جنيه، وأنا محتاج حقنتين فى كل أسبوع» يذكر محمد. ويوضح الشاب العشرينى أن أكثر ما يعانيه المرضى فى مصر، هو عدم توافر العلاج، خاصة أثناء حدوث النزيف الحاد لأحدهم، مما يسبب إصابات فى المفاصل تؤدى إلى عجز تام.
ويعانى محمد حسن من مشاكل فى مفصل اليد اليسرى، واستدعى ذلك إجراء جراحة له فى العام الماضى فى «كوعه الأيسر»، تكلفتها أكثر من 35 ألف جنيه، «مريض الهيموفيليا لازم يتحقن بكمية كبيرة من معامل التجلط فاكتور قبل العملية وبعدها، علشان كدة تكلفة العملية بتبقى كبيرة جداً» يقول «محمد»، الذى يضيف أنه لم يتلق مساعدة من أى جهة مسئولة، سوى المساعدات التى جمعها لها أصدقاؤه. يوشك «محمد» على إجراء جراحة ثانية ستكلفه آلاف الجنيهات مثل العملية السابقة ليبدأ من جديد رحلة البحث عن متبرعين، حيث يذكر ل«الوطن»: «لو كان فى جرعات وقائية من الفاكتور متوفرة ومدعومة من الحكومة ما كنتش هتعب كدا، أنا كل يوم باخد كيسين بلازما، وإلا يكون فيه ألم شديد فى ذراعى».
يتواصل «محمد» مع إحدى الجمعيات الأهلية المهتمة بمرضى النزف «الهيموفيليا»، المشهرة تحت اسم «جمعية أصدقاء مرضى النزف»، ويقول الشاب المصاب بالنزف إن «الجمعية ملهاش دور فعال فى علاجنا وكل اللى بيعملوه هو إنهم بينفذوا حملات للتوعية فى المحافظات، والاسم إن الجمعية دى واحدة من أعضاء الاتحاد العالمى لمرضى الهيموفيليا، ومن المؤكد أن يكون هناك منح وأدوية من الاتحاد للجمعية هنا فى مصر، لكن لا نرى أى شىء من الجمعية».
حاولت «الوطن» مراسلة الاتحاد العالمى لمرضى الهيموفيليا عبر بريد الاتحاد الرسمى بغرض التعرف على تقييم الاتحاد بشأن حالة مرضى الهيموفيليا داخل مصر. والتعرف عما إذا كانت ثمة منح أو مساعدات يتم إرسالها فى صورة مادية أو فى صورة أدوية لمصر، لكن الاتحاد لم يرد.
ويدافع الدكتور مجدى الإكيابى، نائب رئيس جمعية أصدقاء مرضى النزف، عن جمعيته التى يتهمها مرضى هيموفيليا بالتقصير فى دورها المنوط بتقديم الدعم اللازم لهم، قائلاً إن «الجمعية دورها توعوى فقط، بينما تقدم جرعات العلاج للحالات المتأخرة فقط إذا توافرت لديها تبرعات كافية.. ويرسل الاتحاد العالمى لمرضى الهيموفيليا كميات من عقار الفاكتور يتعذر علينا إدخالها لمصر نتيجة عدم إدراجه فى كشوف الإدارة المركزية للشئون الصيدلية.. لذلك يعزف الاتحاد الدولى لمرضى النزف عن إرسال مزيد من شحنات الفاكتور لمصر بينما يرسلها لدول أخرى أسهل فى إجراءات إدخال الشحنات الدوائية إلى أراضيها».
محمد أبوحجر (30 سنة) أب لولد وبنت يعمل موظفاً فى جامعة عين شمس، ويعتبر «أبوحجر» واحداً ضمن 10 آلاف مصاب بمرض النزف. وله دور في مساعدة المرضى على توفير عقاقير «الفاكتور»، لمنحها للحالات المتأخرة صحيا وغير القادرة مادياً.
يقول أبوحجر «فيه حالات كثيرة بتنزف بصورة كبيرة، وعدم حقنهم بالفاكتور فى أسرع وقت بيسبب لهم فى النهاية إعاقة، علشان كدة بنطالب الدولة إنها تبص لمرضى الهيموفيليا، وإنه يكون فيه مركز متخصص لنا على غرار مستشفى سرطان الأطفال.. يمكن السرطان له علاج، لكن إحنا مرض وراثى مالناش علاج، علاجنا حقنة واحدة لو خدناها هنكون أفضل، ونقدر نفيد المجتمع ونفيد بلدنا». يتقاضى «محمد» راتباً لا يتجاوز 1900 جنيه، ولا يكفى راتبه لشراء جرعة واحدة من العلاج، فضلاً عن نفقاته الأسرية. ويقول الشاب المصاب «وضع مرضى الهيموفيليا فى مصر صعب جداً مع عدم توافر العلاج، بالإضافة للإهمال اللى بيقابله المرضى من المستشفيات والمراكز اللى ماتعرفش حاجة عن المرض، وكمان جمعية أصدقاء مرضى النزف، اللى مش بتقدم لنا أى شىء فى علاجنا، سوى تقديم التوعية عن المرض فقط». يحتاج «محمد» لجرعتين أسبوعياً من عقار الفاكتور لما يعانيه من تشوه فى مفصل ذراعه «الجرعتين بيكلفونى أكتر من 2000 جنيه لوحدهم.. ومش أنا لوحدى لأن عدم توافر العلاج الأساسى من عقاقير الفاكتور هو ما أدى إلى تشوه عظام غالبية المرضى، وإصابتهم بإعاقات مختلفة فى المفاصل، ويكون البديل لوقف النزيف هو الحقن بمشتقات الدم، ومعاها بتنتقل الفيروسات الكبدية للمرضى».
يقول الدكتور مجدى الإكيابى، نائب رئيس جمعية أصدقاء مرضى النزف، إن مصر وقعت فى عام 2003 اتفاقية مع الاتحاد العالمى لمرضى الهيموفيليا تنص على تطوير وتدريب كوادر طبية من أجل التعامل مع مرضى الهيموفيليا، والتعامل مع شبكات بنوك الدم، ونشر التوعية بين التخصصات الطبية المختلفة بالأسنان والعظام، على أن يتم نشر الكوادر القادرة على التعامل مع مرضى الهيموفيليا داخل مركز واحد على الأقل فى كل محافظة، هذه التوعية اللازمة بالتعامل مع مرضى الهيموفيليا». وأشار «الإكيابى» إلى أن عدم توافر العلاج الوقائى من عقاقير «الفاكتور» بالكميات المطلوب توافرها للمرضى يؤدى إلى تفاقم حالاتهم وإصابتهم بإعاقات مختلفة، مما قد يدفع بعضهم لتعاطى المخدرات من شدة الألم. وذكر نائب رئيس الجمعية الناشطة فى مجال رعاية مرضى النزف أن الميزانية المخصصة لعلاج المرضى لا تكفى لتلبية احتياجاتهم من الدواء، حيث تدعم الدولة سنوياً شراء 20 مليون جرعة فاكتور بقيمة تصل إلى 40 مليون جنيه، وهى نسبة ضئيلة لا تكفى سوى لعلاج 2000 مريض فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.