فى هذا المكان وقبل نحو سبعة أشهر، كتبت مقالا بعنوان «الإفراج لدومة وماهر وعادل»، وأسهبت وأوردت كل الحجج الممكنة لدعم مطلب إطلاق سراحهم بعد أن قضت محكمة بحبسهم ثلاثة أعوام لخرق قانون التظاهر. وقتها قابلنى صديق قديم مطلع من كُتاب هذه الصحيفة المميزين البارزين، وقال لى بضحكة عريضة، وبنبرة سخرية: «القائمة حتطول ومش حتعرف تكتب أسماء كل الناس اللى عايز تفرج عنهم»، صحَّ توقُّع صديقى الذى أيَّد بقوة ترشيح المشير عبد الفتاح السيسى لمنصب الرئاسة، وطالت القائمة كثيرا، ولم يعد من الممكن تضمين أسماء كل من أطالب بالإفراج عنهم فى عنوان لمقال، أو فى مقال منفرد من الأساس. وبعد أن كنت أتحدث فى ديسمبر عن ثلاثة محبوسين على ذمة قانون التظاهر، أصبح هناك عشرات من شباب الأحزاب والحركات التى شاركت فى ثورة 25 يناير، وتمسكت بمواقفها وتقدمت صفوف المعارضة للرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى فى «30 يونيو»، عندما تخلَّى عن أهداف هذه الثورة، إما يُمضون أحكاما بالحبس تتراوح بين عامين وثلاثة لخرق قانون التظاهر أو رهن الحبس الاحتياطى شهورا طويلة، وإما تصدر بحقهم أحكام غيابية بالسجن تبلغ خمسة عشر عاما. ومع دومة وماهر وعادل وماهينور المصرى وعمرو حاذق ومحمد عبد الواحد وأحمد سامر ومحمد نوبى وعلاء عبد الفتاح ووائل الخولى وسناء سيف ويارا رفعت ورانيا الشيخ وعمرو مرسى، وعشرات من أعضاء الحركات السياسية، كثيرون من الشباب صغير السن ممن تم القبض عليهم عشوائيا، وتأتى أمهاتهم تبكين بغزارة، وهن تحملن صورهم فى ميدان التحرير تُظهرن البطاقة الحمراء لمرسى، أو وهن يوقِّعن استمارة «تمرد»، وأحيانا وهن يحملن صورة الرئيس السيسى فى 26 يوليو بعد أن طلب التفويض لمكافحة الإرهاب. وبعد أن كانت قد وردت تسريبات وأخبار سارة من مصادر موثوقة دعمت الرئيس السيسى، مفادها أنه سيبدأ عهده بمراجعة ملف المحبوسين من شباب الثورة، وسيستغل فرصة دخول شهر رمضان الكريم للإفراج عنهم، سواء بعفو رئاسى لمن صدرت بحقهم أحكام نهائية، أو بقرار من النائب العام للمحبوسين احتياطيا، إذا بقوات الأمن تقوم بجولة جديدة من الاعتقالات بحق 17 شابا وسبع فتيات حاولوا تنظيم مظاهرة سلمية يوم السبت الماضى، متوجهين إلى قصر الاتحادية للمطالبة بتعديل قانون التظاهر والإفراج عن زملائهم المحبوسين على ذمته. لم يكن المؤلم فقط ملء زنازين السجون بمزيد من الشباب المحب بقوة لبلده وشعبه، ولكن استمرار النهج المباركى فى التعامل معهم. المتظاهرون السلميون لاحقهم البلطجية بالسيوف والأسلحة البيضاء فى شوارع مصر الجديدة تحت حماية الشرطة. كما لم تلتزم قوات مكافحة الشغب فى العهد الجديد حتى ببنود قانون التظاهر الظالم، فلم توجه تحذيرات عبر مكبرات الصوت وكانت المياه مقطوعة فلم يستخدموا الخراطيم. تمّت مباشرة استخدام قنابل الغاز والضرب والتهديد والإهانة، وقال صحفى «الشروق» الشاب سامر عمر، الذى تم احتجازه لأن الاعتقال كان عشوائيا، إن واحدا من البلطجية الذين تم القبض عليهم عن طريق الخطأ قال للضابط فى البوكس الذى احتُجز به: «يا باشا أنا تبع عمرو بيه وطلب مننا ننزل علشان نضرب الإخوان». متى ندرك أن سياسة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» قد فشلت منذ زمن طويل، وأن نتائجها كانت كارثية؟!