أصابتنى حالة من الركود والهروب والفزع والدهشة والهم والغم فأبعدتنى عن الكتابة تماماً.. فكنت أمسك بالقلم لساعات وساعات ولا أجد ما استحق أن أكتبه عن هذا السيرك البهلوانى العظيم الذى نعيش فيه الآن ورغم أن اللعبة أو الجحيم بلغة الفرنجة لم ولن تنتهى بعد إلا أن كل الكلام حولها ومنها وفيها قد انتهى ولا جدوى للحديث فما زالت الغيوم تملأ سماء الحقيقة ولم نتحقق بعد من الخيط الأبيض والخيط الأسود امتلاك القدرة على العمل المشترك الذى تنخرط فيه كل الطاقات والعقول والسواعد المصرية أيها القارئ العزيز سأخرج من صمتى لأتساءل إن كان من حقى كمواطنة مصرية تعشق هذا الوطن أين برامج أصحاب الثورات؟ وما هى رؤيتهم لإنقاذ اقتصاد الوطن المتدهور إلى حد الدمار والجوع؟ وما رؤيتهم لمعالجة الأزمات التى يعانى منها الشعب المصرى؟ أعتقد أنه من الضرورى لأى قوة سياسية أن تملك رؤية شاملة للإصلاح على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. وربما تكون الأوضاع الاقتصادية أكثر حرجاً وصعوبة، لذلك فمن الضرورى امتلاك البرنامج البديل المقنع والسريع للجماهير التى تنتظر الفرج وتعانى الكثير من الأزمات اليومية التى تتفاقم كل يوم عن يوم ولا تنتهى... واعلم علم اليقين أن عملية النهوض والإصلاح ليست مهمة شخص أو فئة أو قوة معينة وإنما النهوض مهمة الشعب كله بكل مكوناته وقواه لذلك أشير أيضاً إلى جماهير الثورة التى ملأت الميادين هل انتهى دوركم بهذا الحشد والتشدق بالشعارات والصراخ والعويل وتبادل الاتهامات. أعتقد أنه لن يكون هناك نهوض حقيقى وتغير جوهرى وإصلاح شامل إلا بقدرة الشعب المصرى على صناعة النهوض الجماعى وامتلاك القدرة على العمل المشترك الذى تنخرط فيه كل الطاقات والعقول والسواعد المصرية... لذلك فمهمة القائد الفذ الملهم القوى إن كان عسكرياً أو غير عسكرى هى استنهاض كل ما فى المجتمع من طاقة والعمل على توظيف كل عناصر القوة وليس فرض رؤية محددة مسبقاً على المجتمع بمعنى أنه يجب أن تنتقل من ثقافة الزعيم الأوحد الذى يطعم ويسقى ويشفى ويمنح ويمنع ويفكر نيابة عن الشعب فهذه ثقافة العبيد والأسياد وليست ثقافة دولة أرادت الخلاص من العبودية بثورة هائلة وعظيمة، فثقافة الدول الحديثة لا بد أن تتشكل من مجموع الجهود المبذولة من طوائف الشعب المختلفة ... فوظيفة الثورة يا إخوانى وأخواتى وأبنائى وبناتى الثائرين ليست استبدال زعيم بزعيم أو حاكم بحاكم وإنما استبدال ثقافة تامة لتغير منهجية إدارة الدولة وتغير منهجية الحكم بحيث يصبح الشعب كله صاحب السلطة العليا والقرار وهو صاحب المراقبة والمحاسبة لكل من يريد العبث بكيان الدولة وأرضها وحدودها ومقتنياتها وخيراتها ففكرة المهدى المنتظر والمخلص العظيم والرجل الأوحد فكرة مريضة وغير صائبة فلكل إنسان دوره وما الحاكم الجديد إلا معبر عن إرادة الشعب ... ومع اعتزازى للشاعر مختار عيسى عن قصيدته «نساؤنا حبلى بنجمك» والذى نشر صورة السيسى معها وكأنها تعنيه بشكل أسطورى هذا شىء مؤسف مع احترامى الشديد للفريق البطل السيسى إلا أننى لا أؤمن بالرجل الأوحد وفرعنة الحاكم والمبالغة الشديدة بتأليه الأشخاص، فالشعب المصرى بأجياله الجديدة الآن يخوض معركة الإدراك والوعى واليقظة بضرورة إعادة تصحيح المسار وقلب الصورة المقلوبة وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح .. نريد من الحاكم الموعود سواء كان الفريق السيسى أو غير السيسى أن يعيد الحقوق إلى أصحابها بطريقة سليمة وصحيحة بعيداً عن العنف والدماء والقتل والانتقام من أجل توفير التوتر والاحتقان بأقل الأثمان والتكاليف، نريد أن نخطوا إلى الأمام فهل من محال؟ إن نجاح الشعب المصرى فى اكتمال ثورته وتحقيق أهدافها فى التغير والإصلاح وتمكنه من اختيار الرئيس القادم الذى يعبر عن إرادة الشعب الحقيقية سوف يكون مصدر إلهام لكل الثورات العربية فى كل الأقطار الأخرى ولتكن مصر أم الدنيا وقد الدنيا كما قال الفريق السيسى. نشر بالعدد 676 بتاريخ 25 /11/2013