الطريق ما زال طويلًا، لكنه الآن ممهد. الطريق إلى الديمقراطية وتخليص البلاد من الخونة والعملاء هو معركتنا الكبرى. كثيرون ممن يوجهون العقول المصرية منذ اندلاع ثورة يناير هم من الخونة والعملاء أو البلهاء ممن يسيرون خلف الأفكار والشعارات ويرددونها دون ثقافة ودون علم. سياسة غريزة القطيع مسيطرة لا تزال على مسيرتنا السياسية. تغييب العقول بشعارات رنانة ما زالت تتحكم فى عقولنا وتضربها بلا هوادة. الخونة والعملاء معروفون، يكاد يكون بالاسم، لكن الأخطر هم البلهاء والجهلاء والبلداء وأصحاب -السبوبة- ممن يرون إلى أين تسير الرياح التى تجلب الشو والكاميرا والمال، ويرددون ما يقال دون وعى. وهم كثرة وعلى السطح. ولو سألتهم كم كتاب قرأت، يسألك فى دهشة مستغربًا ساخرًا: كتاب، هوّ فى حد دلوقتى بيقرا كتب. كل حاجة على النت، وهو نفس الأمر ينطبق على قارئ الصحف. هنا لا نحتاج إلى تعليق. فالبلاد التى اخترعت النت والفيس وغيرهما هى أكثر البلاد التى تطبع وتوزّع الكتب، كما أنها نفس البلاد التى تطبع وتوزّع عددًا ضخمًا من الصحف. إذن مصر فى ورطة تدوير العقول من الخارج. لا أحد يمكنه أن يصدق أن الغرب بقيادة أمريكا يهمه مصر ومستقبلها ومسار الديمقراطية والتعايش السلمى، ومثل ذلك الكلام الفارغ من أى حقيقة وأى مضمون، الأمريكان بترساناتهم المهولة من العلم والتكنولوجيا توصّلوا إلى قرار مهم وهو الانتهاء نهائيًّا من احتلال الجيوش والمضى قدمًا نحو احتلال العقول والسيطرة عليها. اختيار الحكام التابعين لها بدلًا من احتلال الدول. يُربى الحاكم فى معطفها تحت أى مسمى، ديمقراطيًّا إخوانيًّا إسلاميًّا يساريًّا ليبراليًّا، أى مسمى، المهم أن يكون تمامه من الأمريكان. ويصله الدعم المادى واللوجستى والأعوان ممن ينفّذون خطط وصوله إلى الحكم، أعوان قريبون يعرفهم وأعوان لا يعرفهم، بل ويبدو أنهم أعداء له ولفكرته، لكنهم ينفّذون الخطط التى تعمل لمصلحته. مصر تعيش تلك الحالة الآن، ومما أربك الغرب وأمريكا هو توقف مسيرة الخطط فجأة. وهم برجماتيون لا يتعاملون مع المجهول، لذلك زيارتهم كثيرة بعد ثورة 30 يونيو، يريدون أن يعرفوا ويتأكدوا مَن يحكم مصر. وعندما عرفوا مَن الحاكم القادم، قلّت الزيارات وبدأت الضغوط للدخول فى صفقات للوصول إلى صيغة ترضيهم بشكل أو بآخر، كى لا تتكرر تجربة عبد الناصر الوطنية المستقلة عن أى تبعية. لهم دينهم ولنا دين، لهم شروطهم ولنا شروط. وعندما يصل الجميع إلى الصيغة التوافقية ستهدأ الأمور فى مصر تمامًا وسيهدأ الشارع وتختفى كل تلك القلائل ويعود الهدوء والاستقرار وستتراجع كل التيارات الإسلامية عن عنفها بما فيها الإخوان وستتغير لهجتهم. الأيام القادمة ستُبث فى مصر نغمة حكم العسكر أو باللغة الشيك حكم المؤسسة العسكرية، وذلك لغلق الطريق أمام القائد العام عبد الفتاح السيسى لحكم مصر. سيرددها الخونة والعملاء والجهلاء والبلهاء وأصحاب المصالح، ويستعينون بالتاريخ -التاريخ القصير لمصر- ويستشهدون بالديكتاتورية وعسكرة الدولة ويركزون على مفهوم الدولة المدنية بالكذب والتضليل، ليأتوا دون أن يدرى بعضهم أو بدراية بعضهم بما تريده الولاياتالمتحدة. هنا لا بد أن ننظر إلى الحقائق وإلى التاريخ وإلى المستقبل، لكل دولة من دول العالم الكبيرة والمؤثرة طبيعة خاصة فى الحكم. المصالح الثلاثية ما بين المال والأعمال والمخابرات والمؤسسة العسكرية هى مَن يأتى بالحاكم فى أمريكا. الحزب الحاكم الأوحد هو مَن يأتى بالحاكم، فى الصين المؤسسة العسكرية، والمخابرات هى مَن تأتى بالحاكم فى روسيا، وهكذا، ومصر المؤسسة العسكرية هتى التى تفرز الحاكم. وهو ليس عيبًا ولا ميزة، لكنها طبيعة دولة كبيرة، وكل صناع تاريخ مصر العظيم كلهم من المؤسسة العسكرية. فليس عيبًا أو ميزة أن حاكم مصر من تلك المدرسة الوطنية. مصر بعد ثورتى يناير ويونيو تغيّرت كثيرًا، المواطن نفسه تغيّر ولم يعد يعرف طريق الخوف. حق التظاهر والاعتصام والاعتراض حصل عليه بيده ولن يتنازل عنه، إذن تلك المخاوف من الديكتاتورية والفاشية العسكرية انتهت إلى الأبد، لكن لا بد أن نضع معايير وضمانات فى دستور لكل طوائف مصر يوافق عليه الجميع وبأغلبية ساحقة، دستور يحدّد شكل مستقبل مصر لمئة عام قادمة، بلا ثغرات أو تصفية حسابات أو تفصيل لشخص أو مؤسسة أو جماعة، وقتها لو وصل الحكم أى شخص مهما كان انتماؤه السياسى أو جهته التى أتى منها، لن يغيّر فى مصر ومستقبلها وهو ما لا يريده الغرب أبدًا ولا يطيقه أن تصل مصر إلى تلك المرحلة المهمة المستقلة فى قرارها وسيحاربون حربًا شرسة بأنفسهم وحربًا بالوكالة من عملائهم وأتباع العملاء والمنساقين، ولا بد أن يتذكر هؤلاء أن مؤسس الدولة الأمريكية جنرال اسمه جورج واشنطن، ومؤسس الإمبراطورية الأمريكية جنرال اسمه أيزنهاور، ومؤسس الجمهورية الخامسة فى فرنسا جنرال اسمه شارل ديجول، ومؤسس الدولة الحديثة فى مصر ضابط جيش ألبانى اسمه محمد علِى. لماذا لم نسمع وقتها عن حكم العسكر. مصر الآن تحتاج أكثر من أى وقت مضى إلى الوطنيين الشرفاء ليعرف الشعب الحقيقة الكاملة ويبصر طريقه ناحية المستقبل. نحتاج إلى رجل ذى شعبية طاغية يثق فيه الناس ويتحمّلون من أجله طريق الإصلاح الطويل ويصبرون. وإلى الآن لا توجد شخصة ذات شعبية سوى اثنين، القائد العام وبعده بمسافات المستشار مصطفى حجازى، وتوقيت مصر الحرج يحتاج وبشدة وبحكم الضرورات إلى حاكم يبنى وخلفه الشعب.