بعد إقرار رفع القيمة وطرد المستأجر| استثناء هؤلاء من تعديلات الإيجار القديم    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الخميس 3 يوليو 2025    أسعار الدولار أمام الجنيه بالبنوك اليوم الخميس 3 يوليو 2025    إسرائيل تعلن فرض السيادة على الضفة الغربية.. ومصر ترد    مواعيد مباريات اليوم الخميس 3 يوليو 2025    وزير التعليم يتابع سير امتحانات الثانوية العامة من غرفة العمليات المركزية    سيولة مرورية بالقاهرة الكبرى وحملات مكثفة أعلى الطرق السريعة للكشف عن المخالفات    الجارديان: إسرائيل استخدمت ذخائر ثقيلة في قصف مقهى الباقة بغزة ما يعد جريمة حرب    بكام الطن؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الخميس 3 يوليو 2025 في أسواق الشرقية    30 دقيقة تأخرًا في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 3 يوليو 2025    البنتاجون: استمرار مراجعة المساعدات العسكرية لأوكرانيا    رئيس كوريا الجنوبية: نسعى للتوصل إلى صفقة تجارية مع واشنطن بحلول 8 يوليو    جثث الأطفال تفحمت.. الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين في حي الرمال ب غزة (فيديو)    أ ف ب: 4 قتلى وإنقاذ 23 شخصًا في غرق مركب قرب جزيرة بالي الإندونيسية    توافد طلاب الثانوية العامة بشمال سيناء على لجان الامتحانات    جدل برلماني حول تعديل قانون التعليم.. النواب يطالبون بسحب المشروع (تفاصيل)    توزيع درجات امتحان الجغرافيا للصف الثالث الثانوي 2025    مهندس ديكور.. تفاصيل شخصية أحمد فهمي في أحمد وأحمد    تغييرات جذرية في "وتر حساس 2".. غادة عادل بديلة لصبا مبارك وغياب أحمد جمال سعيد وجنا الأشقر    وجودك بيخلي اليوم مميز.. رسالة ليلى زاهر ل تامر حسني    سيراميكا يواصل مفاوضاته مع الأهلي لاستعارة رضا سليم    ملف يلا كورة.. الرمادي يكسر الصمت.. السعودية تستهدف إمام.. وشريف يعود للأهلي    تقارير: عقد حمد الله مع الهلال لمدة 6 أشهر    سنتين خطوبة ولقب عقب الزواج مباشرة.. 12 صورة وأبرز المعلومات عن قصة حب محمد شريف وزوجته    أول تحرك من النيابة بشأن واقعة مقتل 3 أطفال على يد والدهم في المنيا    أمريكا تتأهل لنهائي كأس كونكاكاف بثنائية في جواتيمالا    رؤساء النواب الأردني والبريطانى يؤكدون ضرورة وقف الحرب على غزة وإنفاذ المساعدات    40 حكما يجتازون اختبارات الانضمام لدورة الحصول على رخصة "VAR"    عقوبات قانونية للإهمال في تطعيم الأطفال، تعرف عليها    "القائمة الوطنية من أجل مصر" لانتخابات الشيوخ.. تضم 13 حزبًا وتجمعًا سياسيًا    البلشي: لست مسؤولًا عن تظاهرات أحمد دومة على سلم نقابة الصحفيين    بعد 12 عامًا.. الإخوان ترفض الاعتراف بسقوطها الشعبي والسياسي    «الوطنية للانتخابات» تحدد قواعد اختيار رموز مرشحي «الشيوخ» على نظامي القوائم والفردي    تريلا تدهس 7 سيارات أعلى الطريق الدائري بالمعادي.. صور    وفاة طالب جامعي إثر تعرضه لصعق كهربائي بأسيوط    عصام السباعي يكتب: مفاتيح المستقبل    محاضر الغش «بعبع المعلمين» في امتحانات الثانوية!    قوات الدفاع الجوى السعودي تدشن أول سرية من نظام "الثاد" الصاروخي    طارق الشيخ يكشف كواليس صداقته مع أحمد عامر..ماذا قال؟    مي عمر أنيقة ونسرين طافش بفستان قصير على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    هل الجنة والنار موجودتان الآن؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس شعبة الدخان يكشف موعد تطبيق زيادة أسعار السجائر الجديدة    الصحف المصرية.. مجلس النواب يوافق نهائيا على تعديلات قانون الإيجار القديم    "الصحة العالمية" تطلق مبادرة لزيادة ضرائب التبغ والكحول والمشروبات السكرية    إسماعيل يوسف: الزمالك ليس حكرا على أحد.. ويجب دعم جون إدوارد    يكفر ذنوب عام كامل.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة    الأعداد المقرر قبولها ب الجامعات الحكومية من حملة شهادات الدبلومات الفنية 2025    تعرَّف علي قيمة بدل المعلم والاعتماد ب مشروع تعديل قانون التعليم (الفئات المستحقة)    سعر البطيخ والخوخ والفاكهة ب الأسواق اليوم الخميس 3 يوليو 2025    وزيرا خارجيتي الإمارات وغانا يبحثان هاتفيا العلاقات الثنائية    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    ضياء رشوان: الاحتلال الإسرائيلي اعتقل مليون فلسطيني منذ عام 1967    مستشفى الأطفال بجامعة أسيوط تنظم يوم علمي حول أمراض الكلى لدى الأطفال    فريق طبي ينجح في إنقاذ طفلة مولودة في عمر رحمي بمستشفى في الإسكندرية    ما هي الأنماط الغذائية الصحية لمصابين بالأمراض الجلدية؟.. "الصحة" تجيب    هل "الدروب شيبنج" جائز شرعًا؟ أمين الفتوى يجيب    «الإفتاء» توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغة البوح بالحب
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 12 - 2015

كثيرا ما تلفت اللهجة السورية أو المشرقية عموما الانتباه حين يتم تداولها خارج منطقة بلاد الشام، خصوصا فى بلاد عربية أخرى أو فى أماكن تجمع العرب فى الغرب؛ فيرحب المصرى بها بقوله «حضرتك من سوريا ولا من لبنان؟ أحسن ناس»، ويلاحظ المغربى من يتحدثها فيسأل بتأن ووقار «الأخت من سوريا؟» فاللهجة السورية تنقل معها صورا اعتادها غير السوريين بسبب المسلسلات السورية التى انتشرت فى السنوات العشرين الأخيرة، فمن الصور النمطية الكاريكاتورية التى امتعض منها الكثير من السوريين، مثل «القبضاى» الذى يحل كل المشكلات ويتحكم بمن حوله، أو سيدة الدار التى لا تخرج من البيت لكنها تدير حياة زوجها من عقر داره بشكل ملتو، إلى مناظر الحارة المحببة للسوريين ولمن زار المدن السورية عموما، كلها شكلت اليوم صورة تعبر، فى ذهن الناس، عن سوريا وعن دمشق تحديدا، بشوارعها الضيقة فى المدينة القديمة وبسوقها العتيق الحيوى، وببيوتها ذوات الغرف المحيطة بفسحة أرض الدار الداخلية، حيث النافورة وشجرات الليمون والنارنج والكباد تتدلى منها الثمار فتعطر المكان كلها صور تحضر بقوة مع اللهجة السورية، لكن يحضر معها اليوم وبنفس القوة صور الدمار والدم واللاجئين فى الخيام.
***
«نعم أنا من سوريا» يجيب السورى، تتلو ذلك ثوان من الصمت تبدو وكأنها دقائق طويلة، ففى ذهن من سأل تتدافع الصور فجأة: شجرة الليمون ترتمى على أرض محروقة، سيدة الدار تنهار فوق جثث أطفالها المذبوحين، القبضاى يبكى أخاه الذى اختفى منذ عام وأعيد يوما إلى أهله جثة هامدة. التهمت النيران الحارة بمن وما فيها.
«ماذا حدث فى بلدكم؟» يسألوننا، لكن السؤال مجازى. فما من طريقة نستطيع بها أن نشرح ما حدث، ما من وسيلة نعبر بها، نحن السوريين، عن ألمنا ورعبنا وشعورنا بأن البلد يتسرب من بين أصابعنا، تختفى فى رمال متحركة دامية تلتهم حاضرها وماضيها، البلد لم يعد البلد. اليوم نعانق ذاكرتنا، نتمسك بذكرياتنا، نراجع مواقفنا، نتذكر الأعياد والأفراح والمآتم التى كنا جزءا منها، نعيد تصنيف ذكرياتنا وكأننا نخزنها فى ملفات صغيرة فى رأسنا، «شو كان اسمه ابن الجيران اللى دمه تقيل اللى تجوز الفرنساوية؟ فى أية سنة تخرجت بنت خالى فى الجامعة؟ أى متى مرضت الجدة وبدأت ذاكرتها تخونها؟» نسأل علنا نتذكر شيئا يساعدنا أن نتمسك بأى أمل، بأية ذكرى جميلة.
نتمنى أحيانا أن نخرس ذلك الضجيج فى رأسنا، أن نضع صماما على قلبنا فنمنعه من الحزن، نتمنى أن نتملص من تلك القبضة التى تمسك بعنقنا وتزيد ضغطها عليه فنتوقف تماما عن التنفس لحظة تذكرنا لسهرة فى منزلنا هناك، ليلة أعلنا لأصدقائنا أننا وقعنا فى الحب أخيرا.
***
فى المطعم المكتظ جلست مع صديقة تونسية نتحدث عن الشرق الأوسط، وعن خيبة أملنا واقتصار التغيير فى منطقتنا على الخراب فى معظم الأحيان، يرن هاتفى فأرد باختصار ثم أنظر إليها لأعتذر فتجيب: استمرى فى الكلام على الهاتف، فأن تستمع لأحدهم يتحدث باللهجة السورية كأن تسمعه يبوح لك بحبه».
تفاجئنى صديقتى بملاحظتها، هى التونسية التى عاشت معظم حياتها فى فرنسا، وانسلخت عن اللغة العربية إلى حد كبير. «كلامكم مثل اللغة الإيطالية فى أوروبا، يذكر بالحب والموسيقى ورائحة زيت الزيتون».
ماذا بقى لى من سوريتي؟ أتساءل أحيانا. اللهجة وروائح المطبخ ونكهات السوق والبحر، وبعض الأشياء من بيتى هناك التى حملتها معى أو أتانى بها الأصدقاء. فمنذ أن بدأت الأزمة، ومنذ أن انقطعت عن زيارة منزلى هناك، استعدت دون قرار واع منى مفردات وعبارات لا أذكر من أين كنت قد التقطتها. منذ أن عبرت سوريا بوابة الجحيم، حولت مطبخى أينما ذهبت إلى مطبخ شامي بامتياز، لم يعد يخطر فى بالى أن أطبخ أى طعام «فرنجى»، أمضيت ساعات مع أمى، سواء فى المطبخ حين كانت تزورنى أو عبر الهاتف بين نيويورك ودمشق، أسألها عن دقائق أمور الطبخ الشامى وعن طريقة صنع الشيشبرك وكباب الكرز، تصالحت أصلا مع كباب الكرز، الأكلة الحلبية التى لا شبيه لها فى مطابخ العالم كله، والتى أساسها نوع معين من الكرز «الوشنة» الذى ينبت فى مناطق قريبة من حلب ترتبط اليوم فى شريط الأخبار بقصص عن القصف الجوى والموت والنزوح.
أعدت عمل فتة البيتنجان عشرات المرات فى أماكن إقامتى المختلفة، أضعها فى وسط الطاولة حيث أتوجها ملكة الحفلة كل مرة، وفى كل مرة لا تخيب عشمى فيها فتربح قلوب المدعوين بعد بطونهم؛ سرها الذى باحت لى به أمى عبر الهاتف هو ملعقتان من دبس الرمان وملعقة كبيرة من السكر فى صلصة الطماطم، «وما تنسى تحطى بصل بالصلصة حتى تتقل شوى» تضيف أمى من مطبخها هناك، فى دمشق.
***
أتمسك بلهجتى وبمطبخى بتعصب قد يصل إلى حد الشوفينية، أستخدم عبارات كنت أسخر منها حين كنت أعيش هناك، كنت أصفها بأنها قديمة وكوميدية. «لسه فى حدا بقول هيك؟ يا لطيف شو كلامها دقة قديمة». أما اليوم، حين يقول ابنى «ماما بتقول باقى من الوقت عضة كوساية» فى إشارة إلى قصر الوقت الباقى (وكأننا نقول «الوقت الذى يستغرقه أكل لقمة كوسا»)، أشعر أن ذلك الصغير الذى زار سوريا 4 مرات فى حياته، بما فى ذلك حين كان رضيعا، قد أعاد لى بلدى، وباح لى بحبه لها ولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.