أتمناها انتفاضة سلمية فى كل فلسطين تعلن تجاوز «مرحلة أوسلو»، وتحيد صراعات السلطة الوطنية فى مواجهة حركة حماس. أتمناها انتفاضة سلمية تذكرنا وتذكر شعوب العالم بعدالة القضية الفلسطينية كقضية شعب يقاوم ويناضل من أجل حق تقرير المصير ومن أجل التحرر من سلطة احتلال مجرمة، كقضية شعب قتل وطرد وهجر من أرضه وأجبر على قسوة حياة مخيمات اللاجئين ومرارة العيش فى المنافى الأبدية ولم يتنازل أبدا عن حقه المشروع فى العودة، كقضية شعب يتواصل يوميا اغتصاب هويته وتاريخه وحقوقه وحرياته بإجرام استيطانى فى الضفة الغربية والقدس وباعتداءات عسكرية مستمرة وحصار إجرامى لغزة وبمواطنة درجة ثانية وإجراءات تعقب وتهديد للفلسطينيين الذين يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية. أتمناها انتفاضة سلمية تعيد الاكتشاف الجماعى لاستراتيجيات وأدوات المقاومة دون انجرار إلى فخ العنف الذى تريد سلطة الاحتلال الإسرائيلى فرضه على الشعب الفلسطينى. ولسلطة الاحتلال العديد من الدوافع لتوريط الفلسطينيين فى العنف: 1) لكى تزعم زيفا التساوى بين عنف المستوطنين المجرمين الذين يتشابهون فى دمويتهم ووحشيتهم مع داعش وأخواتها، وبين عنف الفلسطينيين وهم أصحاب الأرض المغتصبة. 2) لكى تصطنع لنفسها زورا وبهتانا دور «الحكم» بين الفريقين المتورطين فى العنف وتخرج على الرأى العام العالمى بمظهر الطرف المسئول الحريص على تطبيق وإنفاذ القانون وتحقيق الأمن، بينما هى كسلطة الاحتلال تحمى المستوطنين المجرمين وتمكن لعنفهم وتتورط أيضا فى العنف. 3) لكى تطلق هى إجرام آلة قتلها، وتتحلل فى قمعها واضطهادها وتعقبها وحصارها للفلسطينيين من جميع القيود الأخلاقية والإنسانية ومن القواعد القانونية بادعاء أنها تواجه أعمال عنف وتخريب واعتداءات ضد مدنيين. 4) لكى تلصق هوية «الإرهابيين» بالفلسطينيين بينما هم ينتفضون ضد الاحتلال والاستيطان والحصار، وتجدد الترويج الزائف لكون «عنف» الفلسطينيين هو سبب «تعثر مفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية» ومن ثم سبب تواصل غياب الدولة الفلسطينية وتأخر حق تقرير المصير، بينما هى كسلطة احتلال التى فرغت مفاوضات السلام من المضمون باعتداءاتها المستمرة على غزة وبنهج المماطلة إزاء المفاوض الفلسطينى وبتمويلها وحمايتها للإجرام الاستيطانى الذى قضى على الشروط الواقعية لحل الدولتين بقضم أراضى الدولة الفلسطينية المنتظرة. أتمناها انتفاضة سلمية تعيد الاكتشاف الجماعى لاستراتيجيات كالعصيان المدنى فى كل فلسطين، ولأدوات كمقاطعة كل إسرائيل وليس فقط المستوطنات والمستوطنين والامتناع عن التعامل مع كل ما هو حكومى إسرائيلى بالنسبة لفلسطينيى 1948 ومع كل ما هو تابع لسلطة الاحتلال أو منبثق عنها فى الضفة الغربية والقدس وغزة. أتمناها انتفاضة سلمية تمكن الشعب الفلسطينى، ممثلا فى السلطة الوطنية بمعزل عن الموقف السياسى منها وفى منظمات المجتمع المدنى التى دوما ما قادت المقاومة، من كشف وتوثيق الجرائم التى ارتكبتها وترتكبها سلطة الاحتلال ومن طرق أبواب المحكمة الجنائية الدولية على نحو متماسك وبهدف معلن هو مساءلة ومحاسبة القتلة الإسرائيليين. وليس لمثل هذا الجهد أن يكتسب فرص النجاح المبتغاة دون أن يبتعد الفلسطينيون عن إعطاء إسرائيل «فرصة ذهبية» جديدة لتشويه المقاومة بالربط بينها وبين أعمال العنف وخاصة العنف ضد المدنيين الإسرائيليين. أتمناها انتفاضة سلمية لا يغتر المشاركون بها والمتضامنون معها بأحاديث «السكاكين التى تغير حسابات القوة والمعادلات الأمنية على الأرض» أو بمقولات تبرير العنف ضد المدنيين الإسرائيليين. فهجمات «السكاكين»، وإن أدركت ذهنيا خلفياتها المتمثلة فى انسداد الأفق وانعدام الأمل فى إيقاف الإجرام الاستيطانى وفى انتزاع حق تقرير المصير تفاوضيا، لن ترتب سوى إطلاق يد آلة القتل الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين وغير الخلط الظلم فى الرأى العام العالمى بين مستوطنين مجرمين وبين فلسطينيين تغتصب أرضهم. ومقولات تبرير العنف ضد المدنيين الإسرائيليين تتجاهل حقيقة أن جرائم الاحتلال والاستيطان وكذلك جرائم العنف الحكومى وغير الحكومى الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى لا تضفى شرعية لا على العنف المضاد ولا على القتل خارج القانون، وتتجاهل أن القتل يظل مدانا حتى وإن اتجه إلى قتلة ومهما كانت المشاعر الإنسانية فى أوج تأججها. أتنماها انتفاضة سلمية فى كل فلسطين، وأتضامن معها فى كل الأحوال.