التمويل هو العمود الفقرى للمشروعات الاقتصادية ويتوقف عليه نجاح أى مشروع من عدمه، وشهدت مصر على مدى سنوات ماضية تعثر العديد من المشروعات القومية الكبرى لعدم وجود التمويل اللازم لها، وبالمثل كان سببا رئيسيا لنجاح مشروعات كبرى أبرزها مشروع حفر قناة السويس الجديدة، التى تحتفل به مصر اليوم. ولا شك أن القطاع المصرفى المصرى كان له دور حاسم فى نجاح المشروع وإنجاز فى زمن قياسى، وذلك من خلال توفير الاحتياجات المالية لهيئة قناة السويس بقرض مشترك يبلغ 600 مليون دولار، بخلاف إصدار شهادات قناة السويس، التى جمعت 64 مليار جنيه بمشاركة بنوك الأهلى ومصر القاهرة وقناة السويس وبمشاركة مع البنوك الأخرى. وفى الوقت الذى نجح مشروع قناة السويس الجديدة بفضل توفير التمويل اللازم له، فإن مشروعا قوميا آخر هو استصلاح المليون الفدان، يواجه صعوبات فى تمويله قد تحول دون تنفيذه. وكان للبنوك المصرية دور مهم فى تمويل عدد من المصانع والشركات التى أسستها الدولة للنهوض بالصناعات المختلفة فى الحديد والصلب والنسيج والأسمنت والأسمدة والبتروكيماويات، سواء عن طريق المساهمات فى رءوس الأموال أو التمويل المباشر، أبرزها مصانع الحديد والصلب وعز الدخيلة ومصر للأسمدة والإسكندرية الوطنية للتكرير والبتروكيماويات وأسوان لصناعة الأسمنت وسيدى كرير للبتروكيماويات والمصرية لإنتاج الإيثيلين، ومصر العامرية للغزل والنسيج والعربية لحليج الأقطان وطلعت حرب للأقطان. عمرو عبدالبارى الخبير المصرى، يقول إن البنوك المصرية تقوم بدور مهم فى تمويل المشروعات القومية على مدى تاريخها، خاصة فى قطاعات الكهرباء والبترول وغيرها من المشروعات التى تخدم الاقتصاد القومى للبلاد. أضاف أن الفترة المقبلة ستشهد تزايدا ملحوظا فى تمويل المشروعات الكبرى خاصة تلك المرتبطة بمشروع القناة، لكن العقبة التى قد تواجه البنوك أو البلاد بشكل عام، هى وجود المستثمر الجاد، الذى يستطيع ضخ أمواله فى مصر، وهنا يطرح التساؤل حول ما هى حوافز الاستثمار التى توفرها الدولة لتشجيع المستثمرين، خاصة فى ظل حالة عدم الاستقرار السياسى للبلاد لعدم وجود مجلس تشريعى. يضاف إلى ذلك، كما يؤكد عبدالبارى صعوبة قيام البنوك المحلية بتدير القروض الدولارية، نتيجة تراجع موارد النقد الأجنبى واعتماد الاحتياطى الأجنبى على الودائع الخليجية، وبالتالى سوف تضطر الشركات الأجنبية التى ترغب فى الاستثمار فى مصر أن توفر تمويل مشروعاتها بالعملة الصعبة من البنوك الخارجية. توقع عبدالبارى أن تشهد الصناعات اللوجيستية، والنقل وخاصة البحرى، منافسة كبيرة من جانب البنوك على تمويلها، بجانب قطاع البتروكيماويات، بينما تاتى المشروعات العقارية والسكنية فى مرحلة أخرى. الفترة المقبلة تشهد تزايدا ملحوظا فى القروض المشتركة، والتى يشارك فيها أكثر عدد من البنوك لتمويل المشروعات ذات التكاليف الضخمة، والتى لا يستطيع تمويلها بنك واحد، تبعا لعبدالبارى. وسجل إجمالى ودائع المصريين بالبنوك بما فيها الودائع الحكومية 1.676 تريليون جنيه مصرى، مما يؤكد جاهزية القطاع المصرفى لتوفير الاحتياجات المالية للمشروعات، التى تقوم بها الدولة. من جانبه قال مسئول بقطاع الاستثمار ببنك مصر إن البنوك المصرية خاصة العامة قامت بدور وطنى خلال السنوات الماضية خاصة فى فترة السيتينيات، التى شهدت تأسيس العديد من المصانع فى الصناعات الكبرى، التى كانت تسعى مصر للدخول فيها بعد ثورة يوليو خاصة صناعة الحديد والصلب، وكان للبنوك دور عام فى المساهمة فى تأسيس هذه الشركات وليس فقط التمويل كتسهيلات ائتمانية، فكانت التوجهات فى ذلك الوقت أن تتولى البنوك بنفسها تأسيس هذه الشركات بالتعاون مع الدولة، وبالفعل تأسست فى هذه المرحلة قلاع صناعية كبرى، ودخلت مصر عصر الصناعات الثقيلة بفضل مساهمات البنوك، التى تراجعت عن القيام بهذا الدور فى السنوات الأخيرة، وتفضل المشاركة كمقرض، باعتبار أن التمويل هو العمل الأساسى للبنوك.