المرشد وأعضاء مكتبه يتبادلون الاتهامات.. وعبدالمجيد يسعى لحل قانونى يحتوى الازمة الذبح والاغتيال المعنوى عقوبة افشاء اسرار الجماعة.. وحوار "الشروق" و"الجزيرة" فتح على رصاص بديع وغزلان الجماعة خرجت عن سيطرة عاكف.. والتنظيم وقع فى قبضة مجموعة ضيقة يترأسها صهر المرشد المرشد اعطى صهره صك التصرف وإدارة الأمور.. ويعترف: أنا طرطور عاكف فوضونى فى صلاحياته وكتب استقالته ثم تراجع فيها يواصل محمد حبيب نائب مرشد الإخوان الاسبق فى هذه الحلقة، رصد المعطيات التى صعدت بالجماعة إلى الهاوية، ويحكى بالتفصيل عن الفتنة التى واكبت محاولات مرشد الإخوان السابق محمد مهدى عاكف لتصعيد عصام العريان كعضو فى مكتب الإرشاد، ورفض باقى قيادات المكتب لهذا القرار. ونتج عن تعنت أعضاء المكتب أن تقدم عاكف بخطاب استقالته، ثم عاد وسحبه. واعترف المرشد لنائبه بأن الجماعة تدار من خلف ظهره، حتى تحول إلى «طرطور». وإلى تفاصيل الحلقة: فى يوم الأحد 11 أكتوبر 2009، جاءنى الدكتور محمود عزت، ثم الدكتور محمد مرسى وتحدثا معى قليلا..لكن الحديث المفصل كان بعدها بيوم، أى يوم الإثنين، ولم يختلف فى مجمله عما حكاه الأخوان بديع والكتاتنى.. قلت: سأتصل بالأستاذ المرشد لأسمع منه.. وقد تم ذلك بالفعل فى صبيحة اليوم التالى (الثلاثاء 13 أكتوبر 2009)، حيث دعانى لتناول الغداء معه فى مزرعته. على مدى ثلاث ساعات تقريبا، حكى لى الأستاذ عاكف والمرارة تعتصره، ما كان من أعضاء المكتب.. والحقيقة أن الروايتين لم تختلفا كثيرا، اللهم إلا فى اتهام المرشد لهم بعدم قبول الدكتور عصام العريان كعضو فى مكتب الإرشاد، يقابله بلا شك، اتهام أعضاء المكتب له محاولة فرضه عليهم.. وقال إن الحاج حلمى عبدالمجيد غير مستريح وغير راض عن سلوك أعضاء المكتب فى هذه القضية، وأنهم أحرجوه حرجا بالغا. قلت: كنت أرجو ألا تصل الأمور إلى هذا الحد، وكان من الممكن أن تناقش بهدوء على أساس اللائحة، خاصة أنها فى صالح الدكتور عصام.. وإذا كان ثمة اختلاف فى تفسيرها، فكان بالإمكان اللجوء إلى لجنة قانونية ويكون رأيها ملزما للجميع..أما وقد وصلنا إلى هذا الحال والدنيا كلها تتحدث عنه، فلابد من احتواء المشكلة، حتى لاتتفاقم أكثر من ذلك. قال المرشد: ألايزال أعضاء المكتب على رفضهم قبول الأخ عصام؟ قلت: لاأخفى عليك.. هم مصرون على رأيهم. قال المرشد: وأنا أيضا مصر على رأيى.. وبالتالى فلن نلتقى. قلت: يا أستاذ عاكف.. مع إيمانى بأحقية الدكتور عصام فى عضوية المكتب.. لكن وضع المكتب لايمكن أن يستمر على هذا الحال، خاصة أنه ينعكس سلبا على الجماعة ككل.. أنا معك أنه لابد من آلية لحل المشكلة.. لكن لنفترض جدلا أنها لم تحل، فهل يجلس المرشد فى طرف، والمكتب فى طرف آخر، وتتوقف أعمال الجماعة؟ إن الجماعة أكبر من الجميع، ولا يجب أن تتوقف عند هذه المشكلة، أو غيرها من المشكلات. قلت: يا أستاذ عاكف.. المشكلة فى نظرى أعمق من مسألة الدكتور عصام.. أنت تعلم، كما أعلم، أن أعضاء مكتب الإرشاد لايريدون تصعيد الأخ عصام، ولأسباب ليس هنا مجال بحثها أو مناقشتها.. لكن ما يحتاج إلى بحث ومناقشة، بل مواجهة، هو الأسلوب البائس الذى يدار به المكتب وتدار به الجماعة. الجماعة خارج السيطرة حكيت للمرشد طرفا مما وضعت يدى عليه، وكيف أن الجماعة وقعت تحت سيطرة عدد محدود للغاية من أعضاء المكتب (سميتهم له)، تقوم بالتخديم عليها دائرة محيطة بها من ستة أعضاء (سميتهم له أيضا)، وأن هذه وتلك ليس قرارها بيدها وإنما بيد غيرها (سميته له كذلك)، وأننى على استعداد لمواجهة الجميع.. وقد حملت المرشد المسئولية الكاملة عما جرى وما زال يجرى. اكتنفت المرشد وهو يستمع إلىَّ فى تلك اللحظات سحابة كثيفة من الذهول، أفاق بعدها ليقول: يعنى أنا كنت.. وأشار بيده إلى ما يوضع فوق الرأس.. يقصد أنه كان «طرطورا».. قلت: نعم.. لكنك أنت السبب. قال: وهل هذا جزائى أننى وثقت بهم؟ قلت: لقد تخليت عن دورك الذى كان يجب عليك أن تقوم به. وهذه حقيقة.. «لقد غاب القط فلعبت الفئران».. بل إن القط لم يترك قططا أخرى تقوم بدوره ووقف مانعا وحائلا دون ذلك بشكل مثير للريبة والشك والقلق. الأخطر من هذا أنه لم يكن يثق فى أحد سوى صهره (محمود عزت) الذى أعطاه صك التصرف وإدارة الأمور وفق رؤيته واجتهاده.. لقد كان المرشد ينأى بنفسه عن أى مشكلة تقوم بين أى عضو وآخر، حتى وإن كانت أثناء جلسة مكتب الإرشاد.. كان ينسل من الجلسة ولايعود إليها إلا بعد تصفية المشكلة والانتهاء منها. قال المرشد: وما العمل الآن؟ قلت: ما يهمنا هو إنقاذ الجماعة.. إن أفراد الصف الآن فقدوا القدرة على الابتكار والإبداع.. وأصبح جسم الجماعة متكلسا.. أصابته شيخوخة قبل الأوان.. وهناك تراجع فى منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية.. الهمس الذى كان يحدث فى الماضى تحول الآن إلى لغط يسرى كما النار فى الهشيم. قال المرشد: سوف أكتب لك رسالة تصلك يوم السبت (17 أكتوبر 2009) بالقيام بعمل المرشد فى الفترة الباقية.. وهى عموما شهران ونصف تقريبا.. والحمد لله أننى أخذت القرار بعدم الترشح لولاية ثانية.. وبالتالى سوف يكون الأمر طبيعيا، فالذين يخرجون إلى المعاش فى الحكومة لهم أن يستريحوا قبلها بشهرين أو ثلاثة. قلت: أرجو ألا تفعل، فذلك سوف تكون له عواقبه. قال المرشد: أنا مصرعلى رأيى. قلت: عندى حل.. اذهب غدا صباحا إن شاء الله إلى الحاج حلمى عبدالمجيد وتناقش معه فى الأمر برمته.. والذى تتفقان عليه سيكون فيه الخير. فى العودة من المزرعة، كان الأستاذ المرشد يفكر بانفعال وغيظ.. وسأل: هل من الممكن أن نقيل الأمناء المساعدين (يعتبرون أذرع الأخ عزت بصفته أمين عام الجماعة)؟ قلت: المسألة أكبر وأبعد من ذلك، وتحتاج إلى تفكير هادىء وعميق ولاداع لاتخاذ إجراء متسرع وغير مدروس.. فما حدث من تشويه وتخريب فى الجماعة جرى على مدى سنوات طويلة، ومن غير الممكن إحداث إصلاح بدرجة معقولة فى خطوة واحدة.. دعنا نفكر فى خطة عمل بدايتها ومسارها ووجهتها ومراحلها ووسائلها وأدواتها والوقت الذى تستلزمه.. وهكذا. وافترقنا. فى صبيحة يوم الأربعاء 14 أكتوبر 2009 قمت برئاسة جلسة مكتب الإرشاد، وأخبرتهم بما يلى: أولا: إصرار الأستاذ المرشد على تصعيد الدكتور عصام العريان إلى مكتب الإرشاد، وفى حالة إصرارهم على الرفض، فسوف يبعث برسالة يوم السبت (17 أكتوبر) إلى النائب الأول للقيام بمهام المرشد خلال الفترة القادمة، وأنه لن يحضر إلى المكتب مرة أخرى. ثانيا: ذهاب الأستاذ إلى الحاج حلمى عبدالمجيد للتشاور معه. إزاء ذلك كرر أعضاء مكتب الإرشاد ثباتهم على موقفهم ورفضهم تصعيد الأخ عصام إلى المكتب، مع ضرورة متابعة ما تسفر عنه زيارة المرشد للحاج حلمى عبدالمجيد. لم أستطع الاتصال بالحاج حلمى يوم الأربعاء، لكننى تمكنت من ذلك صبيحة يوم الخميس (15 أكتوبر).. جاء صوته عبر الهاتف مرحبا متهللا كعادته. قلت: أريد أن آتيك. قال الرجل الذى تخطى الثانية والتسعين: لا..أنا الذى آتيك ولو حبوا.. فقط قل لى متى وأين. قلت: لقد زارك الأستاذ عاكف البارحة. قال مقاطعا: نعم.. ثم أردف: ألم يمر عليك؟ قلت: لا. قال: لقد حكى لى الأستاذ عما فعله الإخوة معك من تصرفات صغيرة.. وعموما نحن اتفقنا على أن تحمل أنت العبء كله.. وسيكون الأستاذ قريبا منك لتذليل أى عقبة تعترض طريقك، بحكم المشروعية. قلت: سوف أتصل بالأستاذ لمعرفة التفاصيل، وإن وجدت شيئا يحتاج لأخذ رأيك فسوف آتيك. قال: اتصل بى وأنا أحضر إليك فورا. للأسف لم أستطع لمرضى الاتصال بالأستاذ عاكف يومى الخميس والجمعة.. وفى صبيحة السبت (17 أكتوبر) تغيب المرشد فلم يحضر إلى المركز العام، وقمت برئاسة هيئة المكتب وأخبرتهم بما كان.. ولم يبعث المرشد بالرسالة التى وعد أن يرسلها.. كما أنه لم يتصل بى منذ زيارته للحاج حلمى عبدالمجيد! خطاب الرحيل فى يوم الأحد 18 أكتوبر 2009 حضر الأستاذ المرشد إلى دار المركز العام، ودلف إلى غرفة الاجتماعات مباشرة بعد أن أحضر معه رئيس تحرير موقع إخوان أون لاين بحاسوبه كى يكتب ما سيمليه عليه.. وقد كان ضمن الحاضرين: النائب الأول للمرشد، محمود عزت، محمد بديع، محمد مرسى، سعد لاشين، عبدالرحمن البر، محمد رحمى، محمد عبدالقدوس، أشرف بدر الدين، حجازى إبراهيم، جمال نصار، جمال ماضى، وربما آخرون..ألقى الأستاذ عاكف كلمته فى الحاضرين، وكان نصها ما يلى: سعيا للوفاء بما قطعت رسالة من: محمد مهدى عاكف المرشد العام السادس للإخوان المسلمين انقضت الأيام وانفرط عقدها، وصار لزاما على صاحب الكلمة أن يصل بها لمستقرها، دونما إفراط أو تفريط، ومن ثم فإننى اليوم سعيا لأن أكون ملتزما بما أعلنت، وموفيا لما قطعت، يوم أن تحملت مسئولية الإرشاد فى هذه الجماعة المباركة، أخط إليكم آخر رسائلى من موقعى هذا، سائلا الله جل فى علاه أن يغفر لى كل تقصير وزلل كان، وأن يأجرنى على ما أمضيت، مبتغيا وجهه وطالبا رضاه. وأحب اليوم أن أقدم كل شكر وامتنان وعرفان لكل من شاركنى المسئولية من إخوانى فى الداخل والخارج، وعلى رأسهم أعضاء مكتب الإرشاد، وجميع إخوانى الذين كانوا نعم عون وخير سند. ولئن كنت اليوم أرحل عن موقع المسئولية، فإن هذا لا يعنى بحال من الأحوال إلا الانتقال من ساحة القيادة إلى رحابة الجندية التى لاتختلف مسئولياتها فى العمل.. إلخ. أيها الإخوان.. اعلموا أن جماعتكم ودعوتكم منصورة بإذن الله، ولكن هذا يتطلب العمل الجاد الدءوب، فلا تخافوا المستقبل واقتحموه.. إلخ. وأفوض أخى الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام فى تسيير شئون الجماعة لحين اختيار المرشد العام الجديد. وعاد حبيب فى مذكراته إلى الكلمة التى ألقاها محمد بديع عقب عرض خطاب تنحى عاكف حيث قال بديع موجها حديثه للمرشد: انتظر حتى تعرض هذه الكلمة ولو غدا على مكتب الإرشاد، فرفض المرشد ذلك بشدة. حاول محمد عبدالقدوس وبعض الإخوة الآخرين إثناء الأستاذ عاكف عن عزمه والرجوع عما قال، فأصر وقام من فوره وغادرغرفة الاجتماعات، والتقى وهو ذاهب إلى مكتبه بالدكتور محمد البلتاجى فكلفه هو والدكتور عبدالرحمن البر بأن يقوما بتشذيب الكلمة التى ألقاها. وبعد أن قرأها الأخوان قال الدكتور البر للأستاذ: لتأذن لنا فى تضبيط صياغة بعض الألفاظ، فوافق على ذلك وقال: إذن نجتمع عندى فى البيت الساعة 7 مساء يوم الثلاثاء 20 أكتوبر للانتهاء منها، وجاءنى ودعانى إلى حضور هذا اللقاء فلم أبد رفضا. وكان السؤال الذى تبادر إلى ذهنى هو: لماذا قام المرشد بترحيل إعادة صياغة الكلمة يومين، من الأحد إلى الثلاثاء، وهى فترة طويلة؟ إن المسألة لاتستلزم أكثر من دقائق.. فما الذى دفعه إلى ذلك، خاصة أنه رفض تأجيل عرض الكلمة يوما واحدا لحين اجتماع مكتب الإرشاد؟ فهل أراد الرجل أن يعطى لنفسه فرصة التفكير فى الأمر؟ أم أراد كعادته أن يعطى فرصة لأعضاء مكتب الإرشاد ولآخرين أن يذهبوا إليه وتنساب دموعهم أمامه، رجاء واستعطافا، أن يتنازل عن الاستقالة؟ فى اعتقادى أن المرشد لم يكن صادقا فى استقالته.. كان يريد استعادة كرامته المسلوبة التى أهدرها أعضاء المكتب يوم رفضوا الاستجابة لرغبته ورجائه فى تصعيد الدكتور عصام إلى مكتب الإرشاد.. كنت فى قرارة نفسى على يقين من أن الأستاذ عاكف يقوم بتمثيل دور مسرحى (ميلودرامى) فى محاولة لجذب أنظار المشاهدين إليه والتعاطف معه إذا لزم الأمر.. فهذه هى طبيعته التى لاتنفك عنه فى أى مأزق يضع نفسه فيه.. وهذا فى الحقيقة لايتعارض، بل يتسق مع شخصيته الكوميدية التى لاتجد غضاضة أو حرجا فى أن تدعى أنها كانت تهزل حال ضبطها متلبسة بتصريح أو موقف مناقض لما هو متفق عليه. جدير بالذكر أن أقول إن كلمة المرشد التى انتهى من إلقائها فى الساعة 11 قبل الظهر، قد انتقلت على الفور (وفى لحظتها) بالصوت والصورة إلى كل الجهات المعنية التى تطلع على كل كبيرة وصغيرة داخل المركز العام.. كما قام بعض الموجودين آنذاك باستنساخ نص الكلمة المكتوبة وإرسالها إلى بعض الصحف فى أقل من نصف ساعة.. ومن ثم، يمكن القول إن خبر الرحيل عن القيادة (أو الاستقالة) طار إلى جميع أنحاء العالم فى دقائق معدودات. وغنى عن البيان أن خبر رحيل المرشد كان له وقع الصاعقة على الإخوان، سواء من كان حاضرا أو غير حاضر . فى الساعة السابعة والنصف مساء من نفس اليوم، بلغ القلق بالمرشد مداه.. ويبدو أنه أدرك أن المسألة فى حاجة إلى من يفتيه فيها قانونيا (أو لائحيا)، فاتصل بالأخ عبدالمنعم عبدالمقصود المحامى، الذى كان متواجدا قريبا منه بمجمع النيابات فى التجمع الخامس.. فلما جاءه عرض عليه المرشد نص الكلمة المكتوبة. فقال له: هذه استقالة يا أستاذ، وأرجو ألا تعلنها (!!) وأن تؤجلها لآخر يوم تتقاعد فيه. ونسى عبدالمنعم أن الاستقالة قد وصلت إلى الدنيا كلها، وأن نفيها سوف تكون له تفسيراته وتأويلاته التى لاتخفى على لبيب. المهم أن المرشد استدعى على عجل رئيس تحرير موقع إخوان أون لاين، وأمره أن يبث خبرا على الموقع ينفى فيه موضوع الاستقالة! هذا فى الوقت الذى كانت الفضائيات تتحدث فيه عن الاستقالة.. ناهينا عن الصحف التى خرجت ليلا وهى تحمل فى صفحاتها الأولى خبر الاستقالة. اتصل بى الأستاذ المرشد صباح يوم الإثنين (19 أكتوبر) ودعانى إلى منزله، وأخبرنى بما حدث فى الليلة الفائتة، وكيف أن الأخ عبدالمنعم عبدالمقصود "صحاه"، أى أيقظه. فقلت: ألم أحذرك من هذا الأمر؟ ألم أقل لك لاتقدم على هذه الخطوة؟ يا أستاذ عاكف.. إن الإعلان بهذه الكيفية يفقدنا مصداقيتنا أمام الإخوان والرأى العام، ويهز ثقة الجميع فينا.. إن أمورنا أصبحت تجرى بعشوائية وعفوية ودون أية ضوابط. من المؤكد أنه كان من الأسلم ألايدلى المرشد أصلا بالكلمة التى أعلن فيها أمام إخوانه الذين حضروا كلمته، والتى نقلتها وكالات الأنباء بأنه قرر الرحيل عن القيادة.. أما وقد حدث فكان من الأوفق والأفضل ألا يلجأ إلى الإنكار، إذ ليس فى الرحيل ما يعيب أو ينتقص من القدر، لامن المرشد ولامن المكتب ولامن الجماعة. من نافلة القول التذكير بأن خبر نفى الاستقالة على النحو المفاجىء الذى جرى مساء الأحد 18 أكتوبر كان صادما لى بكل المقاييس.. لكننى لم أشأ وقد نشر الخبر وانتهى الأمر أن أتسبب فى مزيد من التعقيدات، فاخترت أن أمضى فى طريق نفى الاستقالة رغم أنفى، من باب اختيار أخف الضررين.. إذ لم يكن من الصالح ولامن المعقول أن أقوم بنفى النفى. هكذا كانت طريقة المرشد فى معظم الأحوال خلال ستة أعوام.. يقوم بإصدار تصريحات واتخاذ مواقف منفردة ومباغتة وغير مدروسة، وتكون النتيجة وقوعنا فى حرج وحيرة، لاندرى ساعتها ماذا نفعل! لقد أشعل كثيرا من النيران فى تلك المدة، وكانت مهمتنا الرئيسية هى إطفاء هذه النيران! نزلت من عنده بعد أن أكد أن تفويضه لى ما زال قائما. حاولت معه جاهدا أن يأتى معى إلى المركز العام، لكنه رفض، فرجوته ألايتغيب عن مكتبه وإن لم يكن حضوره يوميا فلا أقل من أن يكون مرة كل يومين. أخبرت أعضاء المكتب بما كان من المرشد. وبعد نصف ساعة تقريبا فوجئت به يأتى إلى المركز العام، فقمت إليه طالبا منه الحضور إلى غرفة الاجتماعات ليترأس الجلسة، فرفض. قلت: إذن يأتيك الإخوان.. ولم أكمل كلماتى حتى وجدت أعضاء المكتب يتوافدون واحدا بعد الآخر إليه فى مكتبه. ودار حديث ودى، لكن المرشد كان بادى التوتر والعصبية رغم محاولتهم جميعا خطب وده بشتى الوسائل والطرق. ولما كنت قد شرعت فى كتابة تصريح صحفى حول موضوع الاستقالة قبل دعوة المرشد لى إلى بيته، فقد قمت سريعا لاستكماله. وبعد الانتهاء منه، قرأته عليهم فحاز قبولهم وتم بثه. الإعلام داخل الأزمة فى هذا اليوم (19 أكتوبر)، اتصل الأستاذ ضياء رشوان بالمرشد لترتيب لقاء معه فى الليلة ذاتها مع الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه المعروف «القاهرة اليوم» بقناة «أوربت». رفض المرشد وأوصاه بالاتصال بى. وبعد حوار معى، وافقت على الظهور فى البرنامج. بعدها بدقائق جاءنى الصحفى محمد سعد عبدالحفيظ من جريدة «الشروق» لعمل حوار معى حول الأزمة وما انتهت إليه، فوافقت على أن يأتينى بمنزلى فى التاسعة مساء قبل ذهابى إلى قناة «أوربت». وفوجئت بتلميذنا الدكتور جمال نصار يأتى إلى مكتبى ليخبرنى بأن الأستاذ حسين عبدالغنى مدير مكتب قناة "الجزيرة" فى القاهرة آنذاك قد اتصل به يطلب تسجيل حوار معى لبرنامج «لقاء اليوم». فقلت: لانريد أن نلهث وراء الفضائيات. فقال جمال: قناة «الجزيرة» أولى مائة مرة من قناة «أوربت»، وإذا كنا قد وافقنا لها فمن الأوفق والأفضل أن نوافق لقناة «الجزيرة». ولما وجدت الكلام منطقيا، وافقت. جاء الأستاذ حسين عبدالغنى إلى المركز العام، وأجرينا تسجيلا للحوار على أن تبثه القناة عصر اليوم التالى، أى الثلاثاء (20 أكتوبر)، ويعاد بثه صباح الأربعاء (21 أكتوبر). وحين علم أننى سأظهر على قناة «أوربت» مساء الإثنين (19 أكتوبر)، اقترح أن تبث فقرة بسيطة من الحوار فى نفس الليلة، أى قبل بث قناة «أوربت». وقد بثت قناة «الجزيرة» فقرة مجتزئة من الحوار تركت أثرا سيئا لدى عموم من شاهدها من الإخوان، خاصة أن تقرير الأستاذ حسين عبدالغنى الذى سبقها كان على حد قول من سمعه وشاهده غاية فى السوء. لم أذهب إلى المكتب يوم الثلاثاء.. وتناول بعض أعضاء المكتب التعليق بالسلب على الفقرة التى بثتها قناة "الجزيرة"، وقام أحدهم باستحضار تفريغ للحوار، وقرأه على الأستاذ المرشد فكان رأيه إيجابيا.. ربما كانت هناك عبارة واحدة تخصه لم تعجبه، لكن الحوار كان فى مجمله طيبا. فوجئت فى جلسة مكتب الإرشاد التى كنت أترأسها صبيحة يوم الأربعاء (21 أكتوبر) بهجوم شديد كأنه طلقات الرصاص، خاصة من الأخوين محمد بديع ومحمود غزلان، وبدرجة أقل كثيرا، من الإخوة محمد مرسى ومحيى حامد وجمعة أمين. كان الهجوم بسبب حوارى فى قناة «الجزيرة» وصحيفة «الشروق». أما الأخ لاشين أبوشنب فقد أثنى على حوار «الجزيرة»، إلا أنه كان معترضا فقط على وصف ما حدث بين المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد بالأزمة. كان مجمل رأى الأخوين بديع وغزلان يتلخص فى أن كاتب هذه السطور أفشى أسرار الجماعة!!! وقد استمعت إلى الإخوة بإنصات كامل على مدى ساعة تقريبا لم أقاطع فيها أحدا، لكننى كنت فى قمة الذهول وأنا أستمع إليهم.. إذ محال أن يكون هذا هو تفكير أعضاء مكتب إرشاد يقود جماعة بهذا الحجم والتاريخ!! ولما كان وقت صلاة الظهر قد دخل، فقلت: نقوم إلى الصلاة ثم نعود لمناقشة ما تكلمتم فيه. وبعد الصلاة اجتمعنا مرة أخرى، وإذا بهم يقولون: خلاص..انتهى الأمر. قلت بحسم: لا.. لم ينته، فقد تكلمتم وقلتم ما عندكم، ومن حقى أن أرد على كل ما أثرتموه.. ثم توجهت بحديثى إلى الأخ بديع وقلت: يا أخ بديع.. لم أرك يوما عنيفا بهذا الشكل. فرد قائلا: من الألم.. من المعاناة.. انزل إلى الصف وأنت ترى.. الإخوان فى الصف فى غاية الغضب!! قلت: نحن الآن نواجه ثورة فى المعلومات والاتصالات.. نحن نعيش عصر السماوات المفتوحة.. لقد انهارت الخصوصية؛ بين الدول وبعضها، وبين الأنظمة والحكومات من جانب والأحزاب والجماعات والمنظمات من جانب آخر.. لم تعد هناك أسرار يمكن إخفاؤها كاملا.. الأسرار بيننا وأهلنا وأولادنا أصبحت للأسف متاحة ومباحة.. وما كان جائزا بالأمس لم يعد جائزا اليوم.. يجب ألا ننسى أن حديثنا هنا منقول على الهواء مباشرة، بالصوت والصورة. يا إخوان.. يجب ألا نكون خارج خريطة الزمن.. للأسف لايزال منا من يعيش بعقله فى «بئر السلم»، غير قادر على الخروج إلى الفضاء الواسع.. نعم سوف يحتاج الأمر إلى وقت وجهد لاستيعاب ذلك، لكنه ضرورى وحتمى. يا أحباب.. دعونا نفرق بين ما هو عام وخاص، بين ما يجب أن يعرف وما لا يعرف.. أنتم للأسف تريدون اعتبار الجماعة كلها كيانا سريا لايعرف عنه أحد شيئا.. هل نسيتم أن محاور الخطة الماضية (2005 2008) هى الانفتاح على المجتمع وإيقاظ الأمة لمواجهة التحديات؟ فقولوا لى بالله عليكم: كيف يتم ذلك؟ هل يتم بالريموت كنترول؟ كيف يتم الانفتاح على المجتمع وأنتم معزولون عنه، لايعرف عنكم شيئا؟ تقولون له: لاشأن لك بنا، فما يجرى هو شأن داخلى!