رحلت الفنانة الكبيرة سمية الألفي كما عاشت سنواتها الأخيرة: بهدوء، وبعيدًا عن الضجيج. امرأة عرفت الكاميرا مبكرًا، وقدّمت أدوارًا تركت أثرًا واضحًا في ذاكرة الدراما والسينما المصرية، ثم انسحبت تدريجيًا من الأضواء لتخوض معركة مختلفة، أكثر قسوة، مع المرض. ومع إعلان وفاتها، لم يقتصر المشهد على الحزن واستدعاء المشوار الفني، بل تسلل الجدل سريعًا إلى العزاء، متخذًا من غياب نجلها الفنان أحمد الفيشاوي عن الجنازة مادة للنقاش والاتهام، في لحظة كان يُفترض أن تُترك فيها المساحة للحزن والصمت والدعاء. على مدار سنوات، عانت سمية الألفي من أزمة صحية طويلة ومعقّدة، خاضتها بعيدًا عن الاستعراض الإعلامي. لم تكن من الفنانات اللواتي يخرجن للحديث عن الألم، ولا من الباحثات عن تعاطف علني. اختارت أن تواجه المرض في نطاقها الضيق، مدعومة بأسرتها والمقرّبين منها. هذا الاختيار جعل أخبار حالتها الصحية شحيحة ومتقطعة، تظهر فقط عند تحسّن أو تدهور مفاجئ، ثم تعود إلى الصمت. وحين جاء الخبر الأخير، بدا صادمًا لجمهور تعلّق بملامحها الهادئة وأدوارها الرصينة، ولم يتعوّد على فكرة غيابها النهائي. سمية الألفي تنتمي إلى جيل لم يعرف السعي خلف الترند، ولا تحويل الحياة الشخصية إلى مادة عامة. شاركت في أعمال تركت بصمة واضحة، وتميّزت بحضور رقيق، وأداء يعتمد على الإحساس أكثر من المبالغة. لم تكن بطلة شباك بالمعنى التجاري، لكنها كانت ممثلة يعتمد عليها، تعرف كيف تمنح الدور عمقه دون صخب. ولهذا، جاء وداعها حزينًا، لكنه صادق، يليق بفنانة اختارت المسافة الآمنة بينها وبين الأضواء. الحزن يسبق الكلام مع إعلان الوفاة، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي برسائل النعي والدعاء، واستعادت صفحات كثيرة مشاهد من أعمالها، وصورًا قديمة تعكس هدوء ملامحها وأناقتها البسيطة. لكن هذا المشهد لم يستمر طويلًا؛ سرعان ما انتقل الحديث من الفقد إلى تفاصيل الجنازة، وتحديدًا إلى غياب نجلها أحمد الفيشاوي، وهو ما فتح بابًا واسعًا للتأويل. بحسب المقربين، كان أحمد الفيشاوي خارج البلاد وقت وفاة والدته، ولم يتمكن من العودة في التوقيت المناسب لحضور الجنازة، وبالتالى تولى شقيقه عمر الفيشاوي تفاصيل الجنازة والدفن، وبدا عليه التأثر والانهيار، وانتشرت صوره بجوار النعش وهو ينظر إليه وكأنه لا يصدق أن يحوي بداخله أقرب الناس إلى قلبه. معلومة سفر أحمد بسيطة، لكنها لم تمنع موجة من التعليقات المتباينة بين من التمس العذر، ومن رأى الغياب تقصيرًا لا يُغتفر، خاصة أنه كان معروفًا عنه قربه الشديد من والدته. هكذا تحوّل الحزن إلى محاكمة افتراضية، حُكم فيها على الابن في غيابه، دون معرفة التفاصيل الكاملة. ما حدث أعاد طرح سؤال قديم: لماذا نُصرّ على البحث عن "خطأ" في لحظات الموت؟ السوشيال ميديا تمنح الجميع صوتًا، لكنها لا تمنحهم دائمًا صبرًا. غياب أحمد الفيشاوي فُسِّر بطرق متناقضة، بعضها قاسٍ، وبعضها متعاطف، لكن القليل فقط توقّف عند حقيقة أن الظروف الإنسانية لا تُختزل في صورة جنازة. في المقابل، خرجت أصوات كثيرة من الوسط الفني ومن جمهور واعٍ تطالب بوقف الهجوم واحترام خصوصية اللحظة. هؤلاء شددوا على أن الحزن لا يُقاس بالحضور أمام الكاميرات، وأن الفقد تجربة شخصية، لا يحق لأحد تقييمها من الخارج. البعض ذكّر بأن سمية الألفي نفسها كانت ترفض الضجيج، وربما لم تكن لترغب في أن يتحوّل وداعها إلى ساحة جدل. في كل الأحوال، بقي السؤال مطروحًا: هل من العدل محاسبة شخص على طريقة حزنه؟ في النهاية، ما يستحق أن يُذكر هو مشوار فنانة قاومت المرض بصمت، وقدّمت فنًا ذو قيمة، وودّعت الدنيا كما اختارت دائمًا بهدوء. اقرأ أيضا: رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية