"الوطنية للانتخابات": 2826 مرشحا لمجلس النواب 2025    شباب قنا يدشنون «بازاري» لإحياء الصناعات التراثية واليدوية    عمرو موسى: خطر التهجير مازال قائما ويجب أن نكون حذرين للغاية    متحدث إيجل نوار: لا نخشى الأهلي.. ونحب مواجهة الفرق الكبيرة    "مصلحة الدمغة" تعتمد أول معمل X-RAY في مصر وإفريقيا والشرق الأوسط لفحص وتحليل الذهب    Firefox يضيف محرك الإجابة الذكى Perplexity كخيار بحث جديد    تفاصيل مسلسل حلم أشرف الحلقة 18.. أحداث مثيرة وموعد العرض والقنوات الناقلة    إيناس الدغيدي تقطع شهر العسل رفقة زوجها.. والسبب غريب    محمد العمروسي يخرج عن صمته ويرد على طليقته بشأن تخليه عن أولاده    خبير تربوي يكشف أسباب التعدي على المعلمين وكيفية معالجته    ترامب يهدد بنقل مباريات كأس العالم من مدن أمريكية «غير آمنة»    «لبيب» يمنح «فيريرا» فرصة أخيرة مع الزمالك    تعرف على موعد صرف مرتبات شهر نوفمبر 2025    حسين هريدي: القمة المصرية السودانية بحثت جهود وقف حرب السودان والتحضير لاجتماع واشنطن    تركيب القضبان والفلنكات بالخط الأول من شبكة القطار الكهربائى السريع..فيديو    رئيس هيئة الدواء: مصر تمتلك منظومة رقابية متكاملة تغطي صناعة وتوزيع الدواء    فتح باب الترشح للعمل بلجان مراقبة امتحانات الدبلومات الفنية بالمنيا والمحافظات    ميسرة بكور: أوروبا تسعى لاستقلال أمنى عن واشنطن فى ظل التباعد عبر الأطلسى    بعد شائعات اعتقاله.. ياسر أبو شباب لقناة 14 العبرية: لسنا خائفين من حماس    بينها «فوكس نيوز».. رفض واسع من مؤسسات إخبارية لقرارات وزارة الحرب الأمريكية    محلل سياسي من غزة لحديث القاهرة: شبح الحرب الأهلية يخيف الشارع وحماس تفرض سيطرتها    المتحف القومي للحضارة المصرية يحتفي باليوم العالمي للتراث الثقافي غير المادي بفعالية «حضارة وشعوب»    «نكديين ومش بيحبوا السهر».. 4 أبراج تفضل الهدوء على الخروج في عطلة نهاية الأسبوع    قصور الثقافة بالغربية تحتفل باليوم العالمي للمرأة الريفية    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية التي تدر أرباحًا مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    رئيس هيئة الدواء ل"dmc": وقف بيع المضادات الحيوية المحفوظة للاستخدام الطارئ إلا بالمستشفيات    الصحة العالمية: نموذج برنامج التطعيم الإجباري فى مصر يحُتذى به على مستوى العالم    «تجهز في 5 دقايق».. حضري طبق «السبانخ بالكريمة» وتمتتعي بالمذاق الشتوي (الطريقة والخطوات)    برشلونة يعلن تمديد عقد دي يونج حتى 2029    انطلاق الدورة السادسة عشر من مهرجان المسرح العربى من 10 ل 16 يناير    بعد دعوته للانعقاد.. تعرف على الضوابط التنظيمية للجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ    كرة يد - إلى ربع النهائي.. سيدات الأهلي تكتسحن اتحاد النواصر في بطولة إفريقيا    حازم هلال: فخور بالانضمام لقائمة الخطيب.. ونسعى لاستكمال مسيرة الإنجازات    محافظ جنوب سيناء يبحث آليات البدء في تنفيذ مشروع محطة إنتاج الطاقة والهيدروجين الأخضر بمدينة الطور    بقبلة على يده.. رينارد يوجه رسالة قوية عن موهبة المنتخب السعودي    من قلب غزة: تحيا مصر.. ويحيا السيسى    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا تدريبيًا توعويًا بمدرسة الجلاء الابتدائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    صحة المنوفية تواصل استعداداتها للاعتماد من هيئة الاعتماد والرقابة    شفاء المرضى أهم من الشهرة العالمية    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    رفع كفاءة المنشآت لخدمة الشباب..محافظ الجيزة يتفقد مركز شباب المناجم بالواحات البحرية    وزير المالية: تحسن أداء الاقتصاد المصرى خلال الربع الأول من 2025-2026    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    سلوك عدواني مرفوض.. «خطورة التنمر وآثاره» في ندوة توعوية ل«الأوقاف» بجامعة مطروح    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    القومي لحقوق الإنسان يشارك في مؤتمر الحوكمة ب كيب تاون    ب 20 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    عاجل- مجلس الوزراء يشيد باتفاق شرم الشيخ للسلام ويؤكد دعم مصر لمسار التسوية في الشرق الأوسط    الكرملين: بوتين سيجري محادثات مع الرئيس السوري اليوم    أسرة سوزي الأردنية تساندها قبل بدء ثاني جلسات محاكمتها في بث فيديوهات خادشة    رغم منع دخول أعلام فلسطين.. إيطاليا تهزم إسرائيل وتنهي فرصها في التأهل    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى الطريق إلى أكتوبر حرب «الاستنزاف».. الأخرى
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 10 - 2013

تفضل بعضُ من قرأ مقال الأحد الماضى من أبناء جيل جديد أعتز به فسألنى عن «سنوات الصبر والصمت» تلك، التى تحدث عنها المقال، وكيف عاشها شعبُنا «وجيشه»، منذ التاسع من يونيو التى أعلن فيها بوضوح عزمه على «هزيمة الهزيمة»، وحتى انتصاره فى السادس من أكتوبر 1973، بغض النظر عما جرى بعد ذلك فى دروب السياسة، دولية وإقليمية.
وظنى أننا، وبالأخص جيل أبنائنا، ونحن نعيش أيامنا الصعبة تلك، التى لا يتردد فيها البعض فى «استنزاف الوطن»، بعد تمزيقه وتشتيت بوصلته، بأمس حاجة إلى استعادة ذكرى أيام صعبة «لحرب استنزافٍ» مختلفة نفخر بها. كنا فيها «يدًا واحدة»، لا نكتفى بأن نُذَّكِر أنفسنا بأن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، بل نحرص أيضًا على ألا نخطئ تحديد «ميدانها» ولا من هو «العدو الحقيقى». نسمى الأشياء بمسمياتها، حينما نتنادى لحرب أو «جهاد»، أو تضحية بدماء. نحرص على «وحدة جبهتنا الداخلية» التى كانت، بعد توفيق الله وعونه السند الأول لأبناءٍ «لنا جميعا» على خط النار الذى امتد يومها بطول الوطن كله، وبعرض الشعب كله، من مهندسين فى أسوان يبنون حائط الصواريخ، إلى أطفال فى «بحر البقر» تختلط دماؤهم بصفحات دفاترهم الدراسية.
•••
عندما كان الأبنودى يرسم لنا بصوته، وليس فقط بكلماته «وجوهًا على الشط» ممزوجةً بطين هذا الوطن عَبِقةً برائحتة، لم يكن «سؤال الهوية المزيف» الذى جرى تسويقه فى سبعينيات القرن الماضى حاضرًا، ولم تكن جريمة التسعينيات ومابعدها فى حق سيناء وأهلها قد جرت. كان «إبراهيم أبوالعيون» بطل الأبنودى «يزرع ظلا» على ضفة القناة الغربية، وكان «إبراهيم الرفاعى» على الضفة الأخرى يشكل مع أبنائها «منظمة سيناء العربية» لمحاربة جنود «العدو» لا لخطف الجنود «المصريين» أو قتلهم على الإفطار فى رفح(!)
لم يكن ابراهيم الرفاعى «القائد العسكرى» ابن الدقهلية، يختلف فى «مصريته»، وربما فى ملامحه، عن إبراهيم أبوالعيون «الفلاح» ابن أبنود. الذى استقبل يومها العائدين من سيناء «منكسرين» بأحضان الأخ، وحكمة الأب... «وكوباية الشاى». ورغم تاريخ طويل ومعروف للفلاح المصرى مع السلطة «والسُخرة» لم تكن هناك أبدا مشاعر، لا تسمح بها تربيته وثقافته المتراكمة «لشماتة أو تشف». فالجسد واحد، والهم واحد. هكذا تقول المواويل فى الصعيد، وتعلمنا الأمهات.
لا تكتمل صورة المصريين «فى الطريق إلى أكتوبر»، دون الاستماع إلى الأبنودى يحكى عن «إبراهيم أبوالعيون»، ودون قراءة ماتيسر مما نُشر عن «إبراهيم الرفاعى»، الذى استشهد فى أكتوبر بعد أن صار قائدا للعمليات الخاصة. وكان فى الطريق إلى أكتوبر قائدا «للمجموعة 39 قتال»، التى ضمت خيرة مقاتلى الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية، ربما لا نعرف أسماءهم، شهداء أو أحياء، ولكننا قطعًا مدينون لهم بكل إعزاز وتقدير وفخر.
•••
حسب الجنرال عيزرا وايزمان نائب رئيس الأركان العامة الإسرائيلية أيامها ورئيس الدولة بعد ذلك فى كتابه On Eagles' Wings فإن حرب الاستنزاف هى واقعيا «أول حرب لم تكسبها إسرائيل». وحسب رواية عميد بحرى إسلام توفيق، التى ينقلها عنه د. يحيى الشاعر (صاحب الجهد المميز فى توثيق المقاومة المصرية، وأحد أبطالها فى بورسعيد ضد الاحتلال الانجليزى)، فقد كان اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية فى ذلك الوقت هو الذى أقنع عبدالناصر بأن صورة الجندى الإسرائيلى فى مخيلة القوات المصرية على ضوء ما جرى فى يونيو 1967 هى صورة المقاتل «الذى لا يقهر»، ولو تم ترك هذه الصورة لتترسخ لأصبح من المتعذر على القوات المصرية أن تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلى فى أى صراع عسكرى مقبل. ووفقا للواء صادق أيضا، فإنه إذا كان على مصر أن تخوض معركة مقبلة لتحرير أرضها واستعادة كبريائها، فإن الخطوة الأولى هى تحطيم صورة المقاتل الإسرائيلى «السوبر» قبل أن تترسخ فى عقول المقاتلين المصريين، ولتحقيق هذا الهدف فإنه من الضرورى، مهما كان الثمن أن تبدأ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى فى شرق القناة تؤدى إلى «استنزافه» ومن ثم نزع الهالة الأسطورية التى اكتسبها بما حققه واقعيا فى 1967
كان الهدف المحدد من حرب الاستنزاف هو الحفاظ على الروح المعنوية للمقاتلين، واكتساب الكفاءة القتالية «الميدانية»، بالاحتكاك المباشر مع العدو، وإبقاء مسألة الاحتلال الإسرائيلى للأرض العربية فى قائمة المشاغل الدولية، ووضع إسرائيل تحت الضغط المعنوى المستمر نتيجة ما يقع بجنودها من خسائر. فضلا عن رفع معنويات الشعوب العربية، التى كانت، رغم الهزيمة قد أعلنت فى الخرطوم (أغسطس 1967) لاءاتها الثلاث.
يسميها الإسرائيليون «حرب الألف يوم»، ويعتبرونها الأطول على الإطلاق فى تاريخ الحروب العربية الاسرائيلية. وفى حين تختلف رؤى المؤرخين العسكريين والسياسيين فى تحديد نقطة بدايتها، يتفقون على أنها انتهت بقبول عبدالناصر لمبادرة روجرز (أغسطس 1970) لوقف إطلاق النار «لنتمكن من إتمام دفع حائط الصواريخ إلى حافة القناة..» كما تقول محاضر آخر اجتماع حضره للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. (حسب سامى شرف، سكرتير الرئيس للمعلومات، فالتسجيلات محفوظة مكتوبة وبالصوت فى أرشيف سكرتارية المعلومات بمنشية البكرى. كما يوجد صورة منها فى سجلات القيادة العامة للقوات المسلحة. وكان يقوم بالتسجيل كل من العميد إبراهيم سلامة من المخابرات الحربية والمقدم عادل إبراهيم محمد السكرتير العسكرى لرئيس الجمهورية).
حكايا الألف يوم كثيرة، ولم نعرف عن «تفاصيل» معظمها للأسف إلا من المراجع الإسرائيلية (حيث مازلنا هنا بحاجة إلى تقنين «عصرى» للتأريخ والتوثيق وتداول المعلومات)، إلا أنه مما يذكر على أية حال أن السلاح البحرى الإسرائيلى لم يعرف الخسارة الا فى حرب الاستنزاف، بدءًا بإغراق المدمرة «إيلات» (21 أكتوبر 1967)، فالغواصة «داكار» (25 يناير 1968) والتى كان عبدالناصر قد رفض الإعلان عن إغراقها فى حينه، ومرورا بتحطيم السفينتين المسلحتين «دهاليا» و«هيدروما» (نوفمبر 1969)، ثم تدمير الحفار «كيتينج» (مارس 1970)، وبعده ناقلتى الجنود «بات يام» و«بيت شيفع» (مايو 1970) عن طريق الأراضى الأردنية، وبمساعدة كوادر منظمة التحرير الفلسطينية، وانتهاء بقصف ميناء إيلات ثلاث مرات متتالية. فلولا حرب الاستنزاف، كما يقول المؤرخون العسكريون، لظلت البحرية الإسرائيلية تتباهى بأنها السلاح الذى لم يتعرض لخسارة قط.
يعرف الباحثون فى التاريخ أننا لم نهتم فى مصر، كما ينبغى بتوثيق تاريخنا، ومنه هذه الفترة (لولا جهد متناثر لأبطالها على الانترنت)، إلا أن الواقع يقول إن «مكتبة أكتوبر» والطريق اليها مزدحمة بالوثائق والكتب التى تستحق العودة اليها. وأحسب أن فهما مطلوبا لما جرى، فى سياقه «التاريخى» لا يكتمل الا بقراءة متأنية للعمل الضخم «حرب الثلاثين سنة» لمحمد حسنين هيكل فى مجلداته الثلاثة (3298 صفحة)
ثم أحسب أن من يظن أن حرب أكتوبر بدأت «بالأيام الستة» من يونيو 1967، أو أنها انتهت بتلك الابتسامات العريضة فى حديقة البيت الأبيض (مارس 1979) عليه أن يراجع نفسه، فالتاريخ لا يقلب صفحاته أبدًا هكذا. بل وربما كان ما نعيشه اليوم، إن فى سيناء، أو حتى بعرض المنطقة من العراق شرقًا إلى تونس غربًا ليس أكثر من «فصل فى قصة».
•••
وبعد..
فقد سررت بقرار صدر قبل أيام، يمنح اسم الفريق محمد فوزى قلادة الجمهورية ووسام النجمة العسكرية مما يعيد الاعتبار «لملحمة حرب الاستنزاف»، والتى لعبت «السياسة» يومًا دورًا «يذكره جيلنا» فى تجاهلها. وقى الله العسكريين شر السياسة ورجالها.. وأهوائها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.