أطلق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مصطلح «حرب الاستنزاف» على العمليات العسكرية، التى كان الجيش المصرى ينفذها فى عمق سيناءالمحتلة، وهى العمليات التى كبدت العدو الإسرائيلى خسائر فادحة منذ انطلاقها فى مارس 1969، وانتهت حرب الاستنزاف بموافقة عبدالناصر على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى وليم روجرز لوقف إطلاق النار فى 8 أغسطس 1970. ويروى كتاب «أسرار جديدة عن حرب الاستنزاف» الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب فى 2005 أن اللواء محمد صادق، مدير المخابرات الحربية فى هذا الوقت، أقنع الرئيس عبدالناصر بأن صورة القائد والضابط والجندى الإسرائيلى فى مخيلة القوات المصرية على ضوء هزيمة يونيو 1967 هى صورة المقاتل السوبر الذى لا يقهر، ولو تم ترك هذه الصورة لترسخت، ولأصبح من المتعذر على القوات المصرية أن تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلى فى أى صراع عسكرى مقبل. وكانت الخطوة الأولى هى تحطيم صورة المقاتل الإسرائيلى السوبر فكان من الضرورى أن تبدأ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى فى شرق قناة السويس، بهدف إسقاط قتلى وجرحى وأسرى فى صفوف العدو لاستنزاف قواه ونزع الهالة التى اكتسبوها فى يونيو 1967. وشهدت حرب الاستنزاف هجمات متعددة ضد قوات الاحتلال فى سيناء، وحتى فى مناطق خارج منطقة الصراع تماما مثل عملية تفجير حفار إسرائيلى فى المحيط الأطلنطى وعملية إيلات، التى تم خلالها الهجوم على ميناء «أم الرشراش» الذى سمته إسرائيل إيلات بعد احتلاله حيث تم تلغيم الميناء وقتل عدد من العسكريين وإغراق بارجة إسرائيلية بواسطة رجال الضفادع البشرية المصريين بالتعاون مع القوات الأردنية والعراقية ومنظمة التحرير الفلسطينية. الملحمة البطولية نفذتها «المجموعة 39 قتال» بقيادة العميد إبراهيم الرفاعى، الذى استشهد فيما بعد فى حرب أكتوبر، وأدت إلى إصابة جنود إسرائيل بما يمكن وصفه بالحالة الهيستيرية، وحاولت القيادة الإسرائيلية الحصول على أى معلومات عن تلك المجموعة وأساليب عملها، بل إنهم حددوا أسماء 3 من رجالها للوصول إليهم أحياء أو أمواتاً وهم الشهيد إبراهيم الرفاعى والقائد الثانى للمجموعة الدكتور على نصر، ثم المقاتل الفذ على أبوالحسن، الذى شارك فى 44 عملية خلف خطوط العدو فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر. كانت إسرائيل بعد النكسة قد حاولت الدخول واحتلال مساحات أوسع من أرض سيناء، حيث تحركت قوات العدو من القنطرة فى اتجاه بورفؤاد فى 1 يوليو عام 1967، ولكن بعض قوات الصاعقة المصرية قامت ببث الألغام فى طريقهم، وعندما تقدم العدو انفجرت هذه الألغام فمنعت العدو من التقدم، وفى 2 يوليو 67، حاولت إسرائيل الاستيلاء على بورفؤاد، ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا لهم بالأسلحة الخفيفة ودمروا عربات المدرعات المتقدمة، واضطر العدو أن ينسحب بقواته وسميت هذه المعركة «معركة رأس العش» وفى 14و15 يوليو 67، أطلقت القوات المصرية قذائف مدفعية عنيفة على طول الجبهة بعد اشتباكات مع العدو فى الجنوب باتجاه السويس والفردان، وكان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية، حيث خرجت القوات الجوية بأكملها وهى تضرب فى الجنوب، فتحول العدو بقواته إلى الجنوب وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصرى إلى الشمال، وأوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الإسرائيلية. وعلى أثر هذه الضربة الجوية طلبت إسرائيل وقف إطلاق النار فكلفت أمريكا سكرتير عام الأممالمتحدة بإبلاغ الرئيس جمال عبدالناصر، عبر التليفون، بهذا الطلب، وكان قائد الطيران فى هذا الوقت هو الفريق مدكور أبوالعز. وفى 21 أكتوبر67، دمرت البحرية المصرية المدمرة الإسرائيلية إيلات. ويروى اللواء محمد عبدالغنى الجمسى فى مذكراته عن حرب اكتوبر تفاصيل ما حدث فى هذا اليوم، قائلا: «جاء يوم 21 أكتوبر 1967، وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى، رئيس عمليات الجبهة، (وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة) يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد. كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية، التى كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ. وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها». وأضاف الجمسى قائلا: «وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة. هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة، فأخذت تميل على جانبها، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية (إيلات) شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها. وغرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى. عاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذى تم بسرعة وكفاءة وحقق تلك النتيجة الباهرة» وأصبح هذا اليوم بجدارة هو يوم البحرية المصرية.