حضرت هذا الأسبوع مناقشة رسالة ماجستير بجامعة عين شمس، كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، وكان موضوعها "دور الأسرة في تحديد المسارات التعليمية للأبناء"، وأشرف على العمل أستاذان جليلان هما الأستاذ الدكتور محمد منصور، والأستاذة الدكتورة نجلاء المصيلحي، وناقش العمل أستاذان عملاقان هما الأستاذة الدكتورة شادية قناوي، والأستاذ الدكتور خالد فوزي. وقد جسد العمل مأساة التعليم في مصر، وما وصل إليه من تفاوت اجتماعي رهيب حول التعليم من أداة للعدالة إلى آلية لإعادة إنتاج اللامساواة، لذلك سأحاول خلال السطور التالية إيجاز فكرة العمل، الذي يدق ناقوس خطر يهدد أمن واستقرار المجتمع المصري.
لم يكن التعليم في مصر يومًا مسألة تقنية أو خدمية محايدة، بل كان دائمًا انعكاسًا مباشرًا لطبيعة المشروع الاجتماعي والاقتصادي السائد، ومن هذا المنطلق، فإن فهم التفاوت الطبقي وأثره على التعليم لا ينفصل عن التحولات البنيوية التي شهدها المجتمع المصري منذ مطلع السبعينيات، مع تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي مثلت قطيعة تاريخية مع نموذج العدالة الاجتماعية الذي تبلور في الخمسينيات والستينيات.
في مرحلة ما بعد ثورة يوليو 1952، جرى التعامل مع التعليم باعتباره حقًا اجتماعيًا وأداة أساسية للحراك الطبقي الصاعد. فقد أتاح التعليم المجاني، من الابتدائي حتى الجامعة، لأبناء الفلاحين والعمال والطبقات الوسطى الدنيا فرصًا حقيقية للترقي الاجتماعي. كانت الجامعة آنذاك فضاءً عامًا، يعكس تنوع المجتمع، ويعيد إنتاج النخبة على أساس الكفاءة لا القدرة المالية. لم يكن التعليم بلا مشكلات، لكنه كان مندمجًا في مشروع وطني واضح المعالم، يربط بين العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة.
غير أن هذا المسار بدأ في الانكسار مع الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، حين أعيد تعريف دور الدولة، لا كضامن للحقوق الاجتماعية، بل كمنسق للسوق. هنا تحديدًا بدأت الفجوة الطبقية تتحول إلى فجوة تعليمية صارخة. تراجع الإنفاق العام على التعليم، وجرى تفريغ التعليم الحكومي من مضمونه، في مقابل صعود التعليم الخاص والدولي بوصفه امتيازًا طبقيًا. لم يعد التعليم وسيلة لتقليص اللامساواة، بل صار أداة لإعادة إنتاجها عبر الأجيال.
ومع مرور الوقت، تشكل نظام تعليمي مزدوج: تعليم حكومي متدهور لأبناء الأغلبية، وتعليم خاص عالي التكلفة لأبناء الأقلية القادرة. هذا الانقسام لم يكن مجرد اختلاف في جودة المدارس أو الجامعات، بل اختلاف في الفرص الحياتية ذاتها، من سوق العمل إلى المكانة الاجتماعية. وهكذا انتقلت مصر من مجتمع يسعى –ولو نسبيًا– إلى تكافؤ الفرص، إلى مجتمع تحدد فيه فرص الفرد التعليمية منذ لحظة الميلاد وفقًا لموقعه الطبقي.
في هذا السياق، تطرح الدولة اليوم نموذج الجامعات الأهلية بوصفه حلًا لأزمة التعليم الجامعي. غير أن هذا الطرح يكشف عن تناقض جوهري، فالجامعات الأهلية، في المفهوم الاجتماعي والسياسي، هي مؤسسات ينشئها المجتمع المدني، غير هادفة للربح، وتعمل على سد فجوات التنمية والعدالة. أما ما نشهده في مصر، فهو إنشاء جامعات بواسطة الدولة، برسوم مرتفعة، وبمنطق تنافسي مع القطاع الخاص، لا تصحيحي له. إنها في الجوهر، جامعات حكومية خاصة، لا تمت للأهلية بصلة سوى في الاسم.
خطورة هذا المسار لا تكمن فقط في تكريس التفاوت التعليمي، بل في ضرب فكرة العدالة الاجتماعية ذاتها. فحين تتخلى الدولة عن دورها التاريخي في ضمان التعليم كحق، وتتحول إلى فاعل اقتصادي ينافس المواطنين في السوق، فإنها تفرغ مفهوم المواطنة من مضمونه الاجتماعي. يصبح التعليم استثمارًا فرديًا لا مسؤولية جماعية، وتتحول الجامعة من فضاء وطني إلى سلعة. إن المقارنة بين الخمسينيات والستينيات واليوم ليست حنينًا رومانسيًا للماضي، بل قراءة نقدية لمسار اختار الانحياز للطبقة على حساب المجتمع. وإذا استمر هذا المسار، فإننا لا نواجه فقط أزمة تعليم، بل أزمة عدالة اجتماعية تهدد الاستقرار والتنمية والهوية الوطنية. فالأمم لا تبنى بجامعات فاخرة معزولة، بل بنظام تعليمي عادل يفتح الأفق أمام الجميع، لا أمام القادرين فقط، اللهم بلغت اللهم فاشهد. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا