لا يمكن قراءة التحركات المتسارعة من الكيان الإسرائيلي نحو الاعتراف ب صومالي لاند أو أرض الصومال باعتبارها شأنًا صوماليًا داخليًا، فنحن أمام مخطط متكامل لإعادة هندسة الجغرافيا والتوازنات في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.. تقف خلفه شبكة مصالح ثلاثية: إثيوبيا الباحثة عن منفذ بحري، والكيان الإسرائيلي الساعي لتطويق المجال العربي والمصري على وجه الخصوص، ودولة عربية أخرى تمتلك أدوات الاستثمار والنفوذ اللوجستي. في هذا السياق، يصبح الاعتراف الإسرائيلي ب صومالي لاند أداة لتفكيك الجغرافيا السياسية، وتحويل الكيانات الهشة إلى منصات نفوذ تخدم مشاريع أكبر ومخططات أخطر، على رأسها إعادة تعريف الأمن في البحر الأحمر بعيدًا عن الدور المصري التاريخي، ومحاولة تنفيذ مخطط تهجير أهالي غزة، وإعادة الحياة لما يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية أو التطبيع عبر اتفاقات أبرهام. إثيوبيا.. الجغرافيا وطموح المنفذ البحري منذ استقلال إريتريا، تعيش إثيوبيا عقدة الجغرافيا الحبيسة وعدم وجود منفذ بحري لها. هذه العقدة تحولت في السنوات الأخيرة من إشكالية اقتصادية إلى عقيدة سياسية، عبّر عنها رئيس الوزراء آبي أحمد بوضوح حين اعتبر الوصول إلى البحر حقًا وجوديًا. اتفاق أديس أبابا مع هرجيسا (عاصمة إقليم صومالي لاند) لم يكن خطوة معزولة، بل كسرٌ متعمّد لقواعد السيادة الإفريقية، إثيوبيا تعرف أن الاعتراف ب صومالي لاند يفتح لها بابًا بحريًا خارج التوازنات التقليدية، ويمنحها ورقة ضغط جديدة في مواجهة القاهرة، ليس فقط في ملف الملاحة، بل في ملف مياه النيل أيضًا. هنا تحديدًا تتقاطع المصالح مع الكيان الإسرائيلي، الذي لطالما رأى في إثيوبيا حليفًا استراتيجيًا في شرق إفريقيا، ومع دولة عربية تمتلك البنية الاستثمارية القادرة على تحويل الطموحات السياسية إلى واقع مادي. إسرائيل.. نظرية الأطراف تعود من البحر التحرك الإسرائيلي تجاه صومالي لاند هو إحياء لنظرية ديفيد بن جوريون (أحد مؤسسي الكيان الإسرائيلي وأول رئيس للوزراء)، والتي تُسمّى شدّ الأطراف، أو ما تُعرف أيضًا ب نظرية الأطراف، وهي محاصرة العرب ومصر من الأطراف، ولكن هذه المرة بصيغة بحرية. فلم تعد الأطراف هي إيران الشاه أو تركيا الكمالية، بل موانئ، وجزر، وسواحل تطل على أهم الممرات الملاحية في العالم.
بعد صدمة السابع من أكتوبر عام 2023م، والهجمات الحوثية على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، أدركت تل أبيب أن البحر الأحمر لم يعد فضاءً آمنًا، فما حدث كان بمثابة إنذار لها بهشاشة عمقها الاستراتيجي في البحر الأحمر، وأثبت أن ميناء إيلات يمكن أن يكون عرضة للشلل الكامل بقرار سياسي أو عسكري من خارج المعادلة الإسرائيلية المباشرة..
من هنا، برزت الحاجة إلى نقاط ارتكاز مستقلة قادرة على تأمين مرور السفن الإسرائيلية والمواد الحيوية، ومن هنا أيضًا انخرط الموساد الإسرائيلي في صومالي لاند، وأقام علاقات سرية مع شخصيات سياسية رفيعة المستوى، وعُقدت اجتماعات بين رؤساء أجهزة الاستخبارات ومسؤولين من صومالي لاند. وهو ما مهّد الطريق نحو اعتراف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذا الإقليم الصومالي كأول اعتراف في العالم بهذا الإقليم كدولة مستقلة، مبررًا هذا الاعتراف بالسعي لتحقيق الاستقرار في البحر الأحمر والتعاون في مكافحة الإرهاب الحوثي. رأس المال حين يصبح أداة جيوسياسية لا يمكن تجاهل دور إحدى الدول العربية في معادلة صومالي لاند. فهذه الدولة العربية، عبر استثمارات الموانئ وسلاسل الإمداد، تحولت من فاعل اقتصادي إلى لاعب جيوسياسي كامل الأدوات.
ميناء بربرة ليس مشروعًا تجاريًا بريئًا، بل حلقة في شبكة موانئ تمتد من خليج عمان إلى القرن الإفريقي هذه الشبكة، حين تتقاطع مع الطموح الإثيوبي والاحتياج الإسرائيلي، تصنع واقعًا جديدًا في البحر الأحمر، يتجاوز فكرة الاستثمار إلى إعادة توزيع النفوذ.
هذه الدولة العربية النافذة لا تعلن اعترافًا سياسيًا، لكنها تخلق وقائع اقتصادية تجعل الاعتراف لاحقًا أمرًا منطقيًا في الخطاب الدولي. هنا تكمن الخطورة: السياسة تُمرر عبر الاقتصاد، والخرائط يُعاد رسمها عبر عقود تشغيل لا عبر اتفاقيات سلام. مصر.. قراءة مبكرة وخطوط حمراء واضحة على عكس كثير من العواصم، لم تتعامل القاهرة مع ملف صومالي لاند بوصفه هامشيًا، الموقف المصري جاء صارمًا ومتعدد المستويات، إدراكًا منها أن المسألة تمس جوهر الأمن القومي، وأن البحر الأحمر لم يعد مجرد عمق استراتيجي هادئ، بل أصبح الجبهة الأولى لحماية السيادة المصرية.
البيان المصري التركي الجيبوتي لم يكن مجرد تنسيق دبلوماسي، بل إشارة تحذير إقليمي بأن العبث بأمن البحر الأحمر خط أحمر. ودخول أنقرة وجيبوتي على الخط يعكس وعيًا بأن القضية ليست صومالية فقط، بل تتعلق بمصير ممرات عالمية.
كذلك، جاء بيان الدول العربية والإسلامية والإفريقية العابرة للأقاليم ليؤكد رفض المساس بوحدة الصومال، ويغلق -نظريًا- الباب أمام شرعنة الانفصال. هذه البيانات تعكس قيادة مصرية واعية لمعركة النفس الطويل، وتشير إلى محور كبير يتشكل في مواجهة العبث في شرق القارة الأفريقية وجنوب البحر الأحمر. القاهرة لا ترفع الصوت عبثًا، بل تبني شبكة ردع سياسية وقانونية، تدرك أن الصراع هنا ليس عسكريًا في جوهره، بل صراع خرائط ونفوذ. البحر الأحمر.. من عمق استراتيجي إلى ساحة صراع مفتوح التحركات حول صومالي لاند تؤكد أن البحر الأحمر لم يعد ممرًا، بل ساحة مواجهة صامتة. من يسيطر على مداخله الجنوبية، يمتلك قدرة غير مباشرة على التأثير في قناة السويس، شريان الاقتصاد المصري، وتطويقها من الجنوب، وبالتالي محاولة خنق مصر عبر البحر. التهديد لا يتمثل في إغلاق القناة، بل في خلق مسارات بديلة، وتقويض مركزية الدور المصري، وتحويل الملاحة إلى ورقة ضغط سياسية.. وهنا، يصبح التحالف الإثيوبي الإسرائيلي كماشة استراتيجية تضغط على مصر من الجنوب، بالتوازي مع ضغوط ملفات أخرى شمالًا وشرقًا. تفكيك الجغرافيا.. خطر يتجاوز الصومال تشجيع انفصال صومالي لاند يفتح بابًا خطيرًا في إفريقيا والشرق الأوسط. إذا أصبح الاستقرار مبررًا للانفصال، فإن دولًا كثيرة مرشحة للتفكك. هذا النموذج يخدم القوى التي تفضّل التعامل مع كيانات صغيرة وظيفية، لا دول مركزية ذات سيادة. إسرائيل تفهم هذه المعادلة جيدًا، وإثيوبيا ترى فيها فرصة تاريخية، ودولة عربية تشارك في تنفيذها. أما مصر، فترى فيها تهديدًا وجوديًا لمنظومة الدولة الوطنية. معركة الوعي قبل معركة النفوذ الاعتراف بصومالي لاند من جانب دول أخرى -إن تم- لن يكون انتصارًا دبلوماسيًا للكيان الإسرائيلي، بل حلقة في صراع طويل على هوية البحر الأحمر. المعركة الحقيقية ليست في هرجيسا، بل في القاهرة، وفي قدرة الدولة المصرية على حماية دورها التاريخي من التفريغ البطيء، والحفاظ على أمنها القومي بعيدًا عن المخاطر المحدقة به، ومنع خطة تهجير فلسطينيي غزة إلى صومالي لاند. محمياتنا الطبيعية في خطر خطوط حمراء في لحظة مفصلية ما يجري هو اختبار للإرادة، لا للنوايا، وفي عالم تُصنع فيه الوقائع قبل الاعتراف بها، تبقى اليقظة المصرية السياسية والاستراتيجية هي خط الدفاع الأول عن قناة السويس، وعن فكرة الدولة، وعن معنى السيادة في زمن هندسة الفراغ ومحاولات إعادة رسم الخرائط في الإقليم. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا