استمرار توافد الناخبين بلجان أول الرمل بالإسكندرية للتصويت في انتخابات مجلس النواب    العربية للتصنيع توقع مذكرة تفاهم مع شركة ورك شوب تكنولوجي الصينية لتوطين تكنولوجيات الصناعات الدفاعية    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    البيان الختامي للقمة الخليجية: نؤكد ضرورة تعزيز جهود تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    "القاهرة الإخبارية": إسرائيل ترسل وفدا سياسيا إلى لبنان لأول مرة وسط ضغوط أمريكية    وزير الرياضة يقرر إحالة واقعة وفاة السباح يوسف محمد للنيابة العامة    ماركو سيلفا: كنا نستحق التعادل أمام مانشستر سيتي    وزيرة التضامن تتابع تداعيات حادث حريق سوق الخواجات بالمنصورة.. وتوجه بصرف مساعدات مالية لأسر الضحايا    ضبط طالب طمس اللوحة المعدنية الخلفية لسيارته بالبحيرة    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    عاجل- رئيس الوزراء يهنئ منتخب مصر للكاراتيه على الإنجاز العالمي التاريخي    الصين: خطة أوروبا لاستخدام الأصول الروسية تنتهك القانون الدولي    الصليب والهلال الأحمر الدولي: فيضانات جنوب شرق آسيا كارثة إنسانية تتطلب دعما عاجلا    محافظ الجيزة يتفقد مشروع تطوير حديقة الحيوان ويعاين المسارات المفتوحة لسير الزوار ورؤية الحيوانات بتصميم تفاعلي    محافظة الجيزة ترفع 500 حالة إشغال خلال حملة بشارع عثمان محرم.. صور    الرئاسة الفلسطينية: تصويت الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال انتصار للشعب الفلسطيني    مدينة القصير.. إرث البحر وروح الصحراء.. بالمتحف القومي للحضارة    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    في عيد الكاريكاتير المصري الخامس.. معرض دولي يحتفي بالمتحف المصري الكبير    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا وجاهزون لفلسطين    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحذير من انتشار «التسويق القذر»| أمين الفتوى يوضح مخاطره وأثره على الأخلاق والمجتمع    الكشف على 916 مواطنا ضمن قافلة طبية مجانية فى الإسماعيلية    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    مصر السلام.. إيديكس 2025.. رسائل القوة بقلم    دمشق: تأييد 123 دولة لقرار الجولان يعكس الدعم الكبير لسوريا الجديدة    مراسل إكسترا نيوز: 18 مرشحا يعودون للمنافسة فى الفيوم بعد قرار الإلغاء    محمد صلاح على رأس القائمة النهائية لجوائز جلوب سوكر    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    الداخلية تضبط سيدة توزع أموالا على الناخبين فى طهطا    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    3 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    3 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    وزير قطاع الأعمال العام يشارك في حفل سفارة الإمارات بالقاهرة بمناسبة عيد الاتحاد ال 54    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    «غني بالمعادن ومضادات الأكسدة».. الفوائد الصحية للعنب    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتنة الواعظ الرومي!
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 04 - 2013

لا تغرنك جعجة المتاجرين بشعارات الدين وإفسادهم في الديار، فأمثالهم مروا على مصر كثيرا وذهبوا كغثاء السيل، لأنهم لم يكونوا سوى ظاهرة صوتية لا علاقة لها بهموم الناس وآلامهم، لذلك حتى وإن كَدّر هؤلاء صفو الحاضر ونغّصوه على الناس، سيظلون بلا مستقبل، لسبب بسيط هو أنهم ينتمون إلى الماضي، والإنسان دائما محكوم بالأمل الذي يدفعه إلى الحلم بمستقبل أفضل حتى وإن استولت عليه الشعارات المنتمية إلى الماضي حينا من الوقت.

في الجزء الأول من تاريخه الأشهر يحكي المؤرخ المصري العظيم عبد الرحمن الجبرتي كثيرا عن أولئك الذين يعلو نجمهم في الأيام التي يصفها بأنها «أيام فتن وحروب وشرور»، حيث يبدأون في استقطاب المريدين بإسم الدين ويبدأون في تشكيل قوة هوجاء لا عقل لها، وسرعان ما يغرهم الحشد فيخطئون قراءة الواقع وينجرون إلى معارك غير محسوبة تستعدي الجميع عليهم، وينتهي الأمر غالبا بإختفائهم من مسرح الأحداث، من أبرز الأمثلة على هؤلاء واعظ ظهر في عام 1711 بعد فترة قليلة من وقوع إضطرابات عنيفة شهدتها القاهرة بين عدد من الطوائف والعسكر، سرى بسببها الذعر في القاهرة وهجر الناس منازلهم، وفي هذا المناخ المحتقن بزغ نجم ذلك الواعظ الذي لا يذكر الجبرتي إسمه أبدا، يكتفي طيلة الوقت بوصفه بالواعظ الرومي، ربما لأنه استكثر عليه تخليد إسمه، مع أنه يروي بالتفصيل كيف بدأ ذيوع صيته في شهر رمضان في جامع المؤيد، عندما بدأ يجتذب جمهورا من الذين استهواهم إنتقاده لتبرك أهل مصر بأضرحة الأولياء وإيقاد الشموع والقناديل على قبورهم واصفا ذلك بأنه كفر يجب على ولاة الأمور إبطاله، ويبدو أن عدد مريديه غره فقرر أن يخرج إلى تجمعات المصريين على قبور الأولياء أمام باب زويلة لتغيير ما ينتقده بنفسه، يستخدم الجبرتي هنا تعبيرا تشعر أنه قادم من عصرنا نحن، فيقول أنه أصبح للواعظ الرومي حزب،»وخرج حزبه بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والأسلحة فهرب الذين يقفون بباب زويلة»، وبدأ أعضاء حزب الواعظ يقطعون الجوخ الذي تغطى به الأضرحة وهم يقولون للناس: أين الأولياء، وهنا لجأ بعض الناس إلى العلماء بالأزهر وأخبروهم بقول ذلك الواعظ، فأفتى لهم الشيخان أحمد النفراوي وأحمد الخليفي بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت وأوصوا بأن يقوم الحاكم بقتل الواعظ الرومي، فأخذ هؤلاء الفتوى وأعطوها للواعظ وهو في مجلسه، فغضب وقال لمريديه أنه يريد أن يناظر هؤلاء الشيوخ مناظرة علنية بحضور قاضي العسكر، وألهب مشاعر الحاضرين لكي يساندوه في طلبه، فتجمع حوله ألف شخص مر بهم من وسط القاهرة في مظاهرة كانت حدثا جللا في ذلك الزمن، وعندما وصل بهم إلى بيت القاضي ارتعب القاضي من المشهد، قدموا له الفتوى وطلبوا منه إحضار المفتيين لمناظرتهما، فحاول التهرب، طلبوا رأيه في الفتوى، فقال لهم تحت تأثير الخوف أنه يراها باطلة، فطلبوا أن يكتب لهم حجة ببطلانها، فلما تحجج بأن الشهود غير موجودين، انفعلوا عليه وضربوا ترجمانه، فهرب القاضي هو وأهل بيته، وقام نائبه بكتابة حجة لهم ببطلان الفتوى.

في اليوم العشرين من رمضان اجتمع الناس وقت الظهر بجامع المؤيد لسماع وعظ الرومي ففوجئوا بغيابه، وعلموا أن القاضي منعه من الوعظ، فاحتشدوا وذهبوا إلى المحكمة للبحث عن القاضي، ففر من كان بها من الخوف ولم يبق إلا القاضي الذي أنكر معرفته بمكان الواعظ، فطلبوا منه أن يركب معهم إلى الديوان ليكلموا الباشا في أمر الواعظ، ويطلبوا منه إحضار الشيوخ الذين أفتوا بقتل الواعظ، «فإن أثبتوا دعواهم نجوا من أيدينا وإلا قتلناهم، فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وأمامه إلى أن طلعوا إلى الديوان، سأل الباشا القاضي عن سر حضوره في غير وقته، فحكى له أنه مكره وحكى له ما يريده أنصار الواعظ»، وجد الباشا أن الإصطدام بهذه الجموع أمر غير مأمون فأمر بأن يتم السماح للواعظ بالوعظ ثانية، وعندما صعد الواعظ إلى منبره أخذ يحرض أنصاره على أن يجتمعوا غدا ويذهبوا إلى القاضي لكي ينتصروا للدين ويقمعوا الدجالين، ولم يعرفوا أن الباشا في نفس اللحظة كان قد أرسل إلى كبار الأمراء «يعرفهم مافعله العامة من سوء الأدب وإثارة الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي، ولذلك فقد عزمت أنا والقاضي على السفر من البلد، فلما عرف الأمراء ذلك لم يقر لهم قرار»، وأجمعوا رأيهم على التضامن لتخليص البلد من فتنة هذا الواعظ والمتعصبين له أيا كان الثمن لأنه خرج عن حدود الوعظ المقبولة وبدأ يصبح صاحب سلطة يلتف حولها الناس، وفي حين كان الناس يظنون أن هذا الصدام سيكون داميا بسبب قوة أنصار ذلك الواعظ، إلا أن الجبرتي كما روى نشوء ظاهرة هذا الواعظ في صفحتين فقد روى صدامه مع السلطة في كلمات قليلة حكى فيها عن تضارب الأنباء حول مصير الواعظ الذي اختفى فجأة وقيل أنه باع أنصاره وفر من البلاد، ثم قال كلمتين لا ثالث لهما «وسكنت الفتنة»، مما يوحي أن الآلاف الذين تحلقوا حول الواعظ الرومي انفضوا عنه عندما حانت ساعة الجد، لأنه لم يكن يطرح مشروعا لإصلاح أحوالهم الإجتماعية والإقتصادية، بل كان يقود الناس إلى معركة شعاراتية لا تخص مصالحهم، وهي معركة قد تكون مغرية بالفرجة والتعاطف والمؤازرة بل والتظاهر، لكنها لن تكون أبدا مغرية بالموت من أجلها.

لذلك صدقني، كثير من هؤلاء الذين يملأون الدنيا الآن ضجيجا وصخبا ظنا منهم أنهم يمكن أن يسيطروا على الواقع بالشعارات الدينية التي يرفعونها، لن تذكرهم كتب التاريخ إلا بما يدعو للسخرية والإحتقار، وربما وجد كثير منهم «جبرتيا» لزماننا يروي للأجيال القادمة وقائع مثيرة للسخرية عن فتنة الواعظ الأهطل.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.