في أمسية ثقافية جمعت بين عبق البحر ورائحة التاريخ، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية فعاليات مميزة حملت عنوان "القصير: مدينة البحر والتاريخ"، ضمن النسخة الحادية عشرة من مبادرة "محافظات مصر" التي يطلقها المتحف لإبراز ثراء التراث المحلي في ربوع الوطن. وقد جاءت هذه الفعالية بالتعاون مع مشروع "وجهات وحكايات"، لتسلط الضوء على مدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر، باعتبارها إحدى أقدم المدن الساحلية التي لعبت دورًا محوريًا في حركة التجارة البحرية ومسارات الحج على مر العصور. ومع كل محطة من محطات الفعالية، انكشفت ملامح مدينة عريقة تمتد جذورها إلى آلاف السنين، تجمع بين التنوع الثقافي والحرفي، وبين التاريخ القديم وهوية السكان البحرية والصحراوية التي لا تزال نابضة بالحياة. - مدينة القصير.. ميناء التاريخ وملتقى الحضارات تُعد مدينة القصير من أبرز المدن الساحلية المصرية ذات الجذور العميقة، إذ تمتد أهميتها إلى العصور المصرية القديمة والرومانية والإسلامية، حين شكّلت أحد أهم الموانئ على البحر الأحمر، ومركزًا رئيسيًا لتجارة الشرق وحركة الحجاج. هذه الرحلة الطويلة جعلت القصير مدينة تتقاطع فيها الحضارة بالتجارة، وتتشابك هويتها بين البحر والصحراء، وبين تراث القبائل وطابع الحياة الساحلية. - رؤية حضارية يقدّمها المتحف القومي للحضارة وفي كلمته أمام الحضور، أوضح الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف، أن تنظيم هذه الفعالية يأتي ضمن استراتيجية المتحف لتعريف الجمهور بالتراث المتنوع في محافظات مصر المختلفة. وأكد أن القصير ليست مجرد مدينة ساحلية، بل نموذج حي لمدينة تحمل ذاكرة حضارية ممتدة وموروثًا أصيلًا، مضيفًا أن مبادرة "محافظات مصر" تهدف إلى إعادة وصل الجمهور بتاريخ هذه المدن وإلقاء الضوء على هويتها الثقافية والحرف التقليدية التي تميزها. - حرفهم تحكي حكايتهم.. عروض حيّة تعيد نبض المهنة شهدت الفعالية سلسلة متنوعة من الأنشطة والبرامج التي عكست عمق التراث المحلي للقصير، حيث جاءت عروض الحرف اليدوية في صدارة المشهد. فقد شاهد الزوار إبداعات الحرفيين في: مشغولات الجلد الطبيعي الحُلي والصدف الكليم اليدوي معروضات بيئية وتراثية متوارثة عبر الأجيال وتكوّنت ورش تفاعلية أتاحت للزوار الاطلاع عن قرب على أسرار هذه الصناعات التقليدية، وأساليب تنفيذها، وقيمتها في تشكيل الهوية الاقتصادية والثقافية للمدينة. المدينة بعدسة التاريخ.. معرض صور يوثق الحكاية وتضمّن البرنامج معرضًا للصور الفوتوغرافية قدّم بانوراما بصرية للقصير، شملت معالمها التاريخية، شوارعها القديمة، تفاصيل الحياة اليومية، والحرف التقليدية التي لا تزال قائمة حتى اليوم، هذه الصور أعادت سرد تاريخ المدينة بروح معاصرة تقرّب الحكاية إلى الجمهور. الزيّ التقليدي والتراث الموسيقي.. لغة أخرى للذاكرة قدّم القائمون على الفعالية عرضًا تعريفيًا للأزياء التقليدية في القصير، بما تحمله من رموز اجتماعية وجمالية تعبّر عن طبيعة المدينة الساحلية وتنوع سكانها. كما شهد الجمهور ورشة لصناعة آلة السمسِمية، وهي الآلة الموسيقية البحرية الأشهر في المنطقة، رافقتها حكايات عن مكانتها في تراث أهل البحر الأحمر. وقدّم الفنان عمرو الراوي فقرة موسيقية مميزة استلهم فيها روح البيئة البحرية مستخدمًا السمسِمية في مقطوعات تُبرز العلاقة الوثيقة بين المدينة وموسيقاها. - قبائل العبابدة.. صوت الصحراء في قلب المتحف حضرت قبائل العبابدة لتقدم جزءًا من هويتها الثقافية الأصيلة، من خلال فقرات تضمنت: رسم الحناء استعراض الزي النسائي التقليدي التعريف بمشروب الجبنّة التراثي الذي يُعد أحد أهم عناصر الضيافة في ثقافتهم وبذلك اجتمعت في الفعالية بيئة البحر وهوية الصحراء في لوحة تراثية واحدة. نكهات القصير.. المذاق الذي يحكي تاريخ المدينة استمتع الزوار بعروض حيّة للأكلات والمشروبات المحلية التي تشتهر بها القصير، وفي مقدمتها عيش الحوح، إلى جانب مجموعة من الأطعمة ذات الجذور الشعبية التي ارتبطت بالهوية البحرية والساحلية للمنطقة. أنشطة تفاعلية موجهة للأطفال والشباب لم تغب مشاركة الصغار، فقد شارك الأطفال والشباب في ورش للرسم على القماش باستخدام رموز مستوحاة من التراث البحري، بإشراف الفنانة جرمين جورج، بالإضافة إلى ورشة صناعة الكليم بالنول اليدوي القديم التي قدمتها الأستاذة زينب شحاتة، مما أتاح لهم فرصة لمس التراث من خلال العمل والإبداع. وفي ختام اليوم، قام المتحف القومي للحضارة المصرية بتكريم جميع المشاركين تقديرًا لجهودهم في إحياء التراث المحلي وتعزيز الوعي لدى الجمهور، وأكد المتحف أن مبادرة "محافظات مصر" مستمرة في رحلتها للاحتفاء بالهوية المصرية في جميع أنحاء الجمهورية، عبر فعاليات تعكس ثراء التراث وتنوّع الثقافة المصرية عبر العصور.