فى الدور الأول بمكتب بريد العتبة الفرع الرئيسى للهيئة القومية للبريد يجلس أحمد ضاحى على مكتبه وسط مجموعة تطوير الخدمات بالهيئة ليبحث معهم خطط تحسين خدمات الهيئة التى بدأ العمل بها منذ 11 عاما تنقل خلالها بين مكاتب وفروع مختلفة ليصبح اليوم مدير مشروع «الطرود من الباب للباب» فى قطاع تطوير الخدمات. «العامل بالأماكن الخدمية لابد يكون باله طويل، لأنه يتعامل مع كل الفئات، وكل أنواع البشر» هكذا يوضح أحمد (39 عاما) ما يجب أن يكون عليه موظف الهيئة القومية للبريد التى يصل عدد مكاتبها إلى 3800 مكتب فى جميع أنحاء الجمهورية ويعمل بها نحو 52 ألف موظف. بدأ أحمد عمله فى الهيئة القومية للبريد عام 1998 بعد أن ترك مجال السياحة فى أعقاب سلسلة الهجمات الإرهابية التى أصابت القطاع فى مقتل، وكان أول مكان يعمل به هو منطقة توفير الجيزة، واحدة من 38 منطقة عمل إدارية جغرافية تقوم بتجميع بيانات التوفير من كل المكاتب التابعة فى هذه المنطقة، وكانت مهمته فيها على مدار ثلاث سنوات هو متابعة حساب الإيداع والسحب ونسبة العائدات ولم تكن الخدمات وقتها مدعومة بالكمبيوتر. بعد منطقة توفير الجيزة انتقل أحمد للمكاتب العادية المختلفة التى يستدعى العمل بها الإلمام بكل الخدمات التى تقدمها الهيئة بدءا من إرسال الرسائل والطرود، وفتح دفاتر التوفير، والحوالات، إلى إصدار رخص وتأمين السيارات والشهادات الحكومية، حيث بقى فى المكتب ثلاثة أعوام أخرى قبل أن يصبح مدير الفترة المسائية بمكتب بريد القاهرة الرئيسى ثم مكتب الحرية هليوبوليس ثم مدير تسويق لفترة وجيزة وأخيرا مسئول خدمة من الباب للباب فى قطاع تطوير الخدمات بالهيئة. لا يرى أحمد اختلافا كبيرا بين العمل فى مكاتب منطقة التوفير والمكاتب العامة ففى كليهما يكون التعامل مباشرة مع الجمهور، وإن كان التعامل فى الأولى يكون مع العملاء الراغبين فى الإيداع أو السحب فقط، أما فى المكاتب العامة فالتعامل يكون مع كل فئات الشعب. يقول أحمد «فى مكتب البريد يأتى إلى عميل البنك الذى يرغب فى إرسال رسالة أو طرد، أو رجل الأعمال الراغب فى تجديد رخصة قيادته، فى مكتب البريد يكون الاحتكاك مع الجمهور أكثر من منطقة التوفير». وتنقل أحمد الحاصل على بكالوريوس إدارة أعمال بين الأماكن المختلفة داخل الهيئة جعله أكثر تفهما لاحتياجات القطاعات المختلفة وجعله أكثر قدرة على تطوير الخدمات وإعادتها إلى سوق المنافسة التى تشهد العديد من الشركات المحلية والعالمية. ويشير أحمد أن هيئة البريد تسعى منذ فترة لتحسين الخدمة لديها والبدء فى أنشطة جديدة لمواجهة منافسة الشركات الأجنبية ضاربا مثلا على ذلك بنظام الطرود من الباب للباب الذى يعتبره تطورا طبيعيا لفكرة تسليم الطرود. كان لابد للهيئة أن «تقف مع نفسها»،على حد تعبيره، لمعرفة لماذا تفوقت الشركات الأجنبية عليها والبدء فى إصلاح العيوب وإدخال التكنولوجيا «لتبدأ من حيث انتهى الآخرون». ولم يقتصر أثر تنقل أحمد بين القطاعات المختلفة فى الهيئة على تطوره فى العمل، فهو يرى أن التعامل مع الجمهور أعطاه خبرة فى الحياة، حيث يتعامل مع الزحام والعميل العصبى والعميل الذى لا يفهم الخدمة حيث لا مجال لمفهوم فوت علينا بكره أو أنا مش فاضى. «التعامل مع الجماهير أثر فى شخصيتى طبعا، علمنى الصبر بشكل أساسى، كيف تتعامل مع الناس بكل فئاتها مما يصقل الشخصية ويوسع المدارك، ويعطى الجرأة والقدرة على النقاش وإدارة حوار، وامتصاص غضب الشخص الذى يقف أمامى». حاليا يحاول أحمد ضاحى «أن يضع نفسه مكان الآخر» على حد قوله ليحدد ماذا يريده «الزبون»، كما يحب أن يطلق على عميل البريد، ليبدأ بعد ذلك يبحث فى كيفية تطوير الخدمة بما يتماشى مع حاجة جميع العملاء. وبالفعل تمكن أحمد من تطبيق هذه النظرية على خدمة «من الباب للباب» التى يشرف على تطويرها، حيث إنه بالحديث مع العملاء والتعرف على ما تقدمه الشركات الأخرى بدأت الخدمة تتحسن، فحاليا ليس على العميل الذى لا يستطيع النزول للمكتب لإرسال الطرد سوى أن يتصل برقم مجانى وتحديد نوع الخدمة التى يريدها ليصله بعدها مندوب من الهيئة لتسلم الطرد وإعطائه إيصالا برقم خاص ليتمكن بعدها من متابعة خط سيره عبر الإنترنت إلى أن يصل إلى المرسل إليه. ويتحدث أحمد عن خدمات الهيئة القومية للبريد كأنه يتحدث عن أركان منزله الذى يفخر بتجديد كل جزء به وإعجاب الآخرين به، وهو ما حدث الشهر الماضى عندما سافر إلى سويسرا لحضور مؤتمر البريد العالمى الذى وجد فيه مصر تتقدم على العديد من الدول بل وتفوز بالمركز الثالث بعد اليابان واليونان فى انتخابات مجلس الاستثمار البريدى، مما يبرهن على قدرتها على توظيف موارد الاستثمار فى البريد. وتشمل الخدمات المالية التى تقدمها الهيئة العامة للبريد، إلى جانب خدمة التوفير التى بدأت عام 1901، الحوالات البريدية، نظام الحساب الجارى ذى العائد اليومى بالتعاون مع بنك مصر والذى يبدأ أحيانا من عشرة جنيهات، وخدمة كروت «الإيه تى إم» للسحب وتحصيل المعاشات والرواتب، وغيرها من الخدمات. «نفسى الناس تغير نظرتها لموظف البريد المقتصرة على أنه مجرد بوسطجى لأنه فعلا ليس كذلك» هذا هو أكثر ما يضعه أحمد فى اعتباره منذ أن بدأ عمله منذ 11 عاما، فحتى قبل أن يكون فى قطاع التطوير كان يقوم بإرسال اقتراحات للإدارة يتم الرد عليه بشأنها ومناقشته فيها والأخذ بالجيد منها، وهذا هو «الفرق بين موظف وموظف» كما يقول «لما تحب الشغل تحب تطوره». ويوضح أحمد الفرق بين ساعى البريد وموظف المكتب، فالأول يطلق عليه حاليا «مندوب البريد» ويقوم بنقل الرسالة أو الطرد من الراسل للمرسل إليه وهو موجود فى الشارع تحدد له خطوط سير فى مناطق التوزيع، أما الموظف فإلى جانب أنه يكمل عمل المندوب من حيث تسجيل الرسالة التى يوصلها المندوب، فهو يتعامل مع العملاء فى باقة الخدمات التى يقدمها البريد، ومثله مثل موظف البنك بل قد يكون عمله أكثر «لأن البنك فى النهاية يتعامل فى مجموعة محدودة من الخدمات تشمل الإيداع والسحب والإقراض وشهادات الاستثمار، بينما يتعامل موظف البريد فى 35 خدمة ومن المفترض أن يعرفها كلها». ولأنه مواكب لعمليات التطوير التى تتم فى الهيئة العامة للبريد يرى أحمد أن «المرحلة المقبلة مرحلة البريد، قد يقول البعض إنى متحيز للبريد وأنا كده فعلا، لكن النتائج التى ستظهر الفترة المقبلة ستثبت صدق كلامى، خاصة أننا بدأنا بما انتهى إليه الآخرون». ويقول أحمد الذى فضل عدم ذكر راتبه الشهرى الذى يحصل عليه باستخدام كارت إيه تى إم الخاص بالبريد أن رواتب العاملين فى البريد تتباين على حسب درجتهم الوظيفية كما هو الحال فى أى مؤسسة، وأيضا على حسب درجة المكتب التابع إليه، موضحا أن الموظف يتقاضى راتبه الأساسى علاوة على ما يطلق عليه «حافز تميز» الذى يتم تحديده على حسب درجة المكتب أولى أو ثانية أو ثالثة. أحمد لم يتزوج بعد لكنه يؤكد أن راتبه الحالى يكفيه بشكل جيد لكنه لا يعرف إذا ما كان سيكفيه بعد الزواج أم لا؟. ولايزال المشوار أمام أحمد كبيرا فهو يقول «طموحى لا نهاية له، فأنا لم أكتفى ببدايتى فى مكتب التوفير، وانتقلت إلى المكاتب وبعدها إلى التطوير، وأعتقد أنه لازال أمامى الكثير لأقوم به وأحققه، لكن فى البداية أعمل الواجب على وأجتهد وأطمح لأكون شيئا مرموقا» ويتمنى أحمد أن ينظر الناس لموظف البريد وتعامله نفس التعامل مع موظف البنك لأنه لا يوجد اختلاف بينهما، مشيرا إلى أنه بالفعل هناك بعض الاختلاف فى المنظور القديم لموظف البريد على أنه «بوسطجى»، مضيفا «نحن قادرون على ذلك بما لدينا من الطاقة البشرية والكوادر الإدارية التى تجعلنا ننافس الشركات الأجنبية».