شاهد.. حريق هائل يلتهم أكشاك بمحيط محطة رمسيس| فيديو    ترامب: الولايات المتحدة لن تعترف باستقلال "أرض الصومال" في الوقت الحالي    دوي انفجارات قوية في العاصمة الأوكرانية بعد قصف روسي    وضع حدا لسلسلة انتصاراتنا، أول تعليق من الركراكي على تعادل المغرب مع مالي    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    السحب الممطرة تزحف إليها بقوة، الأرصاد توجه تحذيرا عاجلا لهذه المناطق    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    الجدة والعمة والأم يروين جريمة الأب.. قاتل طفلته    ابني بخير.. والد القارئ الصغير محمد القلاجي يطمئن الجمهور على حالته الصحية    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    منع جلوس السيدات بجوار السائق في سيارات الأجرة والسرفيس بالبحيرة    الرئيس والنائب ب"التذكية"، النتائج النهائي لانتخابات نادي الاتحاد السكندري    البروفيسور عباس الجمل: أبحاثي حوّلت «الموبايل» من أداة اتصال صوتي لكاميرا احترافية    سمية الألفي.. وداع هادئ لفنانة كبيرة    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    مصطفى بكري: "إسرائيل عاوزة تحاصر مصر من مضيق باب المندب"    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    فين الرجولة والشهامة؟ محمد موسى ينفعل على الهواء بسبب واقعة فتاة الميراث بالشرقية    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    بعد تداول فيديو على السوشيال ميديا.. ضبط سارق بطارية سيارة بالإسكندرية    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    في هذا الموعد.. قوافل طبية مجانية في الجيزة لخدمة القرى والمناطق النائية    السكك الحديدية تدفع بفرق الطوارئ لموقع حادث دهس قطار منوف لميكروباص    البنك المركزى يخفض أسعار الفائدة 1% |خبراء: يعيد السياسة النقدية لمسار التيسير ودعم النمو.. وتوقعات بتخفيضات جديدة العام المقبل    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    منتخب مالي يكسر سلسلة انتصارات المغرب التاريخية    يايسله: إهدار الفرص وقلة التركيز كلفتنا خسارة مباراة الفتح    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    لم يحدث الطوفان واشترى بأموال التبرعات سيارة مرسيدس.. مدعى النبوة الغانى يستغل أتباعه    في احتفالية جامعة القاهرة.. التحالف الوطني يُطلق مسابقة «إنسان لأفضل متطوع»    خبيرة تكشف أبرز الأبراج المحظوظة عاطفيًا في 2026    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لإعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    بدون حرمان، نظام غذائي مثالي لفقدان دائم للوزن    أخبار مصر اليوم: رسالة عاجلة من الأزهر بعد اقتحام 2500 مستوطن للأقصى.. قرار وزاري بتحديد أعمال يجوز فيها تشغيل العامل 10ساعات يوميا..التعليم تكشف حقيقة الاعتداء على طالب بمدرسة للتربية السمعية    الشدة تكشف الرجال    جامعة قناة السويس تستكمل استعداداتها لامتحانات الفصل الدراسي الأول    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    رئيس جامعة كفر الشيخ يفتتح المؤتمر السنوي السادس لقسم القلب بكلية الطب    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة العرب القادمة
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 03 - 2011

من الأسر المصرية بعد نجاح ثورة 25 يناير فى فتح آفاق غير مسبوقة لتحقيق الديمقراطية فى مصر، وفى وقت ينشغل فيه الرأى العام المصرى كما فى العالم العربى على اتساعه بحلم الإصلاح والتقدم، فإن المهمة العاجلة لإصلاح منظومة التعليم، سواء فى مصر أو غيرها من الدول العربية، هى بالتأكيد جزء لا يتجزأ من تحقيق النهضة العربية المقبلة. العالم المصرى وحائز نوبل الدكتور أحمد زويل يطرح تحليلًا ورؤية متكاملة لما يراه «ثورة العرب القادمة»، مؤكدًا أن إصلاح التعليم على حيويته ليس بالمهمة المستحيلة كما أنه ليس بالمهمة التى تحتاج عقودا لإنجازها.
«الشروق» تنشر فى حلقات ثلاث قراءة زويل لحال التعليم وسبل إحيائه لتعود مصر ويعود معها العالم العربى فى مصاف الأمم الناهضة.
طالعت مؤخرا دراسة مهمة حول جغرافيا المعرفة والسكان فى عالمنا. وأثارت هذه الدراسة التى نشرها جويل كوهين وديفيد بلوم تحت عنوان «توفير التعليم لكل الأطفال.. خطة عمل دولية» إعجابى واهتمامى فى آن واحد.
وتقول الدراسة بأنه فى الوقت الذى لا يمكن أن يعجز العالم عن القيام بالمهمة الملحة المتعلقة بتوفير التعليم لكل أطفاله فإن الحقيقة الماثلة أمام أعين الجميع تقول بأن هناك نحو ثلاثمائة مليون من أطفال العالم سيظلون محرومين من حقهم فى التعليم مع حلول العام 2015.
التحدى الكبير
إن تمكين الأجيال القادمة من الحصول على تعليم يمكنهم من الإمساك بناصية المعارف الحديثة والمتطورة هو بالتأكيد تحدٍ كبير، حتى إذا ما تعلق الأمر بالدول المتقدمة.
ومنذ عام تقريبا أطلق الرئيس الأمريكى باراك أوباما مشروعا طموحا تحت عنوان «التعليم الهادف لتطوير القدرة على الابتكار». والهدف من هذا المشروع هو أن يتمكن الطلاب الامريكيون خلال العقد القادم من رفع قدراتهم فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة وعلم الرياضيات وهو المنظومة المتكاملة التى يمكن من خلالها ضمان اتساع قدرة المبتكرين وتطويرها.
وفى إطار هذا المشروع يتم تخصيص 250 مليون دولار لإطلاق وتنفيذ مبادرة تدريب وإعادة تأهيل للمعلمين الامريكيين بحيث يتم إعداد عشرة آلاف من المعلمين الجدد للعلوم والرياضيات ويتم بالتوازى مع ذلك إعادة تدريب مائة ألف من المعلمين الذين يقومون بالفعل بتدريس هذه المواد للطلاب الأمريكيين.
إننى أعلم أن التعليم بمختلف مراحله وهو ما يستحوذ على قرابة تريليون دولار من ميزانية الولايات المتحدة الامريكية هو أولوية أولى لدى الحكومة الأمريكية.
أما بالنسبة للعالم العربى فإن تطوير التعليم هو أمر حاسم لضمان مستقبل افضل للشعوب العربية. إن فشل منظومة التعليم فى العالم العربى هو احد اهم أسباب غضب الشباب فى البلدان العربية ذلك الغضب الذى أصبح جليا ولا يمكن الاستمرار فى محاولة تجاهله، خاصة أن تبعات هذا الفشل لها أبعاد ثقافية واقتصادية وسياسية واضحة.
جيل الفيس بوك
لقد أطلق جيل الفيس بوك شرارة انتفاضات متتالية من أجل تحقيق الديمقراطية فى تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية.
إن التعامل مع أصل المشاكل التى نواجهها هو امر لا غنى عنه إذا ما كنا جادين فى حل هذه المشاكل وتجاوز آثارها.
وبالتأكيد فإن تطوير التعليم فى العالم العربى هو امر مفصلى بالنسبة لاستعادة النهضة العربية.
لقد أصبح من الحتمى أن نتحرك بخطوات أسرع نحو وضع التعليم وتطويره أولوية أولى على اجندات دول المنطقة العربية كلها.
ولا يمكن لشخص جاد أن ينكر أن النجاح والتقدم الذى حققته الولايات المتحدة الامريكية كما حققته دول أوروبية عديدة أو دول آخذة فى التقدم فى آسيا أو أمريكا اللاتينية لم يكن من الوارد تحقيقه وضمان استمراره بدون توفير مستوى جيد من التعليم لأبناء هذه الشعوب.
وبلغة اكثر مباشرة فإن هناك علاقة مباشرة لا يمكن اغفالها بين جودة التعليم ومستوى ارتقاء الشعوب.
وبالتأكيد فإن الحالة المصرية تمثل نموذجا جديرا بالتأمل فيما يخص العلاقة بين القوة الناجمة عن المعرفة وتأثير الحضارة العريقة، تلك الحضارة التى عاشت منذ ألفى عام أو يزيد على ضفاف المتوسط معتمدة على منارة مضيئة للعلم هى مكتبة الاسكندرية القديمة.
حضارات وعلماء
إن فكرة الحضارة فى ذاتها هى فكرة نابعة عن المعرفة.
وعلى ضفاف نهر النيل تمكنوا المصريون القدماء من تقديم مفاهيم جديدة فى علوم البناء والطب والفلك والكيمياء وكان لذلك تأثيره الأكيد على الحياة فى مصر القديمة وحضارتها العريقة كما وأن تأثيراته امتدت لحضارات أخرى مجاورة وتالية.
وإذا ما كان لى أن اتحدث عن مجال تخصصى العلمى على وجه التحديد فلابد أن اذكر أن القدماء المصريين كانوا هم من تمكن منذ أكثر من ستة آلاف عام من تعريف الزمن وادخال التقويم الزمنى المعتمد ولأول مرة على حركة الأرض حول الشمس.
ومؤخرا تمكن علماء فرنسيون من تقديم اكتشاف جديد ومذهل حيث أكدوا أن أبحاثهم تشير إلى أن مستحضرات التجميل المستخدمة فى عصر نفرتيتى كانت تحتوى على مواد طبيعية يتم تركيبها بغرض الحفاظ على صحة العيون وشفائها من الالتهابات والامراض المعدية.
وما زالت هذه الحضارة
القديمة للمصريين تقدم للغرب المتقدم اليوم الكثير والكثير من المعلومات والاكتشافات العلمية المثيرة للاهتمام.
ومنذ بداية الألفية سجلت الحضارة العربية الكثير من الإنجازات العلمية.
العام الماضى نشرت كتابا بالاشتراك مع سير جون توماس، من جامعة كمبريدج، حول الرؤية رباعية الأبعاد للميكروسكوب.
وفى هذا الكتاب أشرت للإسهامات المهمة فى مجال الرؤية والبصريات للعالم العربى الحسن بن الهيثم الذى عاش فى الفترة ما بين 965 و1040، متنقلا بين العراق ومصر. لقد طور ابن الهيثم نظريات، حول الإبصار والتقاط شبكية العين للصورة الواقعة تحت الضوء، استفاد منها علماء أمثال نيوتن، وفنانون أمثال دافنشى بل إن الاستفادة من هذه النظريات امتدت لتدخل فى أعمال مصورين فوتوغرافيين فى العصر الحديث.
وكانت تجربة ابن الهيثم المعروفة باسم «الحجرة المظلمة» هى الاساس الذى بنى عليه فيما بعد فن التصوير الفوتوغرافى حيث تعتمد هذه التجربة التى بينت أن الضوء له مسار مستقيم وعليه تتكون الصورة لأى مجسم عندما يمر الضوء خلال ثقب صندوق مظلم وبذلك أدخل ابن الهيثم فكرة الكاميرا الفوتوغرافية.
إن الاعمال التى قدمها ابن الهيثم وابن رشد، ذلك الفيلسوف الملم بالكثير من العلوم، وابن سينا، أبرز أطباء عصره على الاطلاق، والخوارزمى، عالم الرياضيات الذى استحدث مفاهيم جديدة فى علم الرياضيات ارتبطت باسمه، وغيرهم من علماء عصر النهضة العربية منذ قرون، تمكنوا من أن يجعلوا من عالمهم وعواصمهم فى بغداد والقاهرة وقرطبة منارات للعلم والمعرفة.
نهضة محمد على
وفى العصر الحديث ارتبط اسم مصر ايضا بمشاريع طموحة لتحقيق نهضة فى التعليم والثقافة والصناعة، وبالتأكيد فإن الرؤية التى تبناها محمد على لتحديث مصر كان لها دور مهم فى هذا الصدد.
لقد تمكن محمد على من تحويل مصر إلى مركز إقليمى للنهضة الاقتصادية والعسكرية معتمدا فى ذلك على تطوير وتحديث المجتمع المصرى ومستعينا بإرسال بعثات من الطلاب المصريين لتلقى العلم والمعرفة فى أوروبا.
وفى عصر محمد على تمكن رفاعة الطهطاوى ورفاق له، كانوا قد تلقوا العلم فى الغرب، من الاسهام فى تحقيق نهضة تعليمية واسعة فى مصر مستعينين فى ذلك بما ترجموه عن الفرنسية من روافد مختلفة للعلم والمعرفة.
وكان من شأن هذه النهضة التقدم بمصر إلى الصفوف الاولى الممسكة بمقاليد العلوم والآداب والثقافة.
وفى تلك السنوات ظهرت شخصيات مصرية رفيعة كان لها بصماتها فى مختلف المجالات الادبية والعلمية والفنية مثل طه حسين ونجيب محفوظ وعلى مصطفى مشرفة وأم كلثوم وعبدالوهاب وفاتن حمامة.
ومازالت الاسهامات المهمة لهؤلاء الادباء والفنانين والعلماء تمد الاجيال التالية بالإلهام عبر دول المنطقة.
ريادة مصر
ولا يمكن أن نغفل انه منذ قرن واحد فقط كان لمصر ريادة فى الحوكمة الرشيدة، كما أن مصر تمكنت فى الوقت نفسه من بناء مؤسسات تعليمية وعلمية رفيعة مثل جامعة القاهرة ومؤسسات مالية مهمة مثل البنك الأهلى ومؤسسات إعلامية مثل الاهرام الصحفية إلى غير ذلك من مؤسسات التصنيع بما فى ذلك صناعات النسيج وصناعة السينما.
وفى ذلك الوقت وبتلك الإمكانات كان لمصر القدرة على أن تكون المنهل العلمى لشخصيات بارزة ورائدة فى عالمنا العربى من بينهم على سبيل المثال المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد وعالم الرياضيات اللبنانى الاشهر مايكل عطية، وبالنسبة لى على المستوى الشخصى فإن الدكتور شاكر الفحام والد زوجتى هو رجل تعليم وآداب تولى رئاسة مجمع اللغة العربية فى سوريا وقد نهل هو الآخر من الثقافة المصرية.
بل إن قدرة مصر على توفير تعليم جيد لأبنائها استمرت حتى عقد الستينيات من القرن الماضى أى بعد عقد واحد من ثورة يوليو حيث تمكن ابناء جيلى من طلاب الجامعات المصرية من الحصول على تعليم لائق فى وقت كانت فيه الاجواء الثقافية مفعمة بالثراء والتنوع وكانت فيه أحلام النهضة الوطنية احلام كبرى يلتف حولها الجميع مثل بناء السد العالى وانشاء محطات للطاقة النووية بل والتأهب للوقوف على مشارف غزو الفضاء.
العرب اليوم
وعندما يتفكر المرء فى هذه الخلفية الطويلة وعندما يكون الإنسان مدركا فى نفس الوقت أن منابع الطاقة البشرية لم تنضب فإن السؤال الذى لا بد له من أن يطرح نفسه هو: ما الذى حل بمستويات التعليم والبحث العلمى فى عالمنا العربى الراهن؟
إن اسهامات العالم العربى الجماعية فى مجالات البحث العلمى والاختراعات تكاد تكون غير موجودة أو ملحوظة.
إن من يقارن ما تستثمره الدول العربية فى مجالات البحث العلمى والتنمية العلمية والنظر فى النسبة المخصصة من إجمالى الناتج القومى فى مجالات التعليم والبحث وبين النموذجين الايرانى والتركى سيخلص بكل تأكيد أن ما تنفقه إيران أو تركيا على التعليم والبحث العلمى يفوق الميزانية المخصصة لنفس الغرض عن نظيراتها فى العالم العربى.
تركيا وإيران
فى عام 2009 أصدرت تركيا 22 ألف مؤلف علمى مقارنة بخمسة آلاف منشور علمى فى عام 2000، أما بالنسبة لإيران فارتفع عدد الاصدارات العلمية من 1300 فى عام 2000 إلى 15 ألفا فى عام 2009 وفى ذلك بلا شك ما يعبر عن طفرة كبيرة.
وبحسب تقارير موثوقة صدرت مؤخرا فإن كلا من مصر والسعودية لم تنتج فى الفترة نفسها أكثر من 2000 من المطبوعات دون تحقيق زيادة تذكر هنا أو هناك.
ولم تتمكن أى من الجامعات العربية أن تضمن وجود اسمها على قائمة اهم 500 مؤسسة تعليمية فى العالم بصورة منتظمة أحدى هذه القوائم تضمنت فى عام 2010 جامعة الإسكندرية.
ويقدر إبراهيم المعلم نائب رئيس اتحاد الناشرين الدوليين أن حصة العالم العربى من اجمالى المبيعات العالمية للكتب لا يتجاوز الواحد بالمائة، وتحصل مصر على 4.. من هذه النسبة.
بينما يشير إلى أن نسبة الكتب العلمية لا تتجاوز نحو ثلاثة إلى خمسة بالمائة من هذه النسبة المتواضعة.
إن المدخلات التى يحققها البحث والتنمية فى إجمالى الناتج القومى لمصر تبقى شبه معدومة ومازالت مصر التى وصفها هيرودوت يوما بأنها هبة النيل تعتمد أساسيا فى دخلها القومى على هبات مصر مثل قناة السويس والسياحة وموارد طبيعية مثل الغاز والبترول.
فى الوقت نفسه فإن إسرائيل التى ليس لها من الطاقة البشرية سوى أقل من عشر ما تتمتع به مصر تحظى باقتصاد قوامه الرئيسى الصناعات التكنولوجية ويمكن القول إن نحو 90 بالمائة من الناتج القومى الاجمالى لها هو من موارد الصناعة والخدمات.
وإذا ما نظرنا إلى مستويات وسبل الانفاق الحكومى فى بلد عربى مثل مصر فإننا لا نجد الكثير من اسباب التفاؤل لو استمر الحال على ما هو عليه.
يقول الدكتور الشهير محمد غنيم فى تقرير أخير اعده، مستعينا بمعلومات واردة فى تقرير حديث للأمم المتحدة عن التنمية البشرية فى العالم العربى، إن إجمالى ما تنفقه الحكومة المصرية على التعليم سنويا لا يتجاوز 24 بليون جنيه، أى أقل من 5 بلايين دولار. وهذا الرقم لا يتجاوز 2.4 من الناتج القومى لمصر.
وبعملية حسابية بسيطة فإن النظر إلى هذا الرقم يعنى أن متوسط انفاق الحكومة المصرية على كل طالب لا يتجاوز فى العام الواحد 250 دولارا فى العام.
وبالمقارنة فإن إسرائيل تنفق ستة أضعاف هذا المبلغ حيث يحصل الطالب الاسرائيلى فى العام من انفاق حكومته على نحو 1500 دولار أو اكثر.
مصر والعالم
فى الوقت نفسه فإن أيا من طلاب الجامعات المصرية الذين يبلغ عددهم نحو 2.2 مليون طالب لا يحصل من الانفاق الحكومى على تعليمه أكثر من 500 دولار فى العام بينما تتكلف النفقات السنوية لتعليم قرينه من الطلاب المصريين فى بعض الجامعات الخاصة نحو 10 آلاف دولار إلى 15 ألف دولار سنويا.
هذه إذن حقيقة الوضعية المأساوية للتعليم فى مصر التى تدفع بأولياء أمور هؤلاء الطلاب لأن ينفقوا ما بين 10 بلايين إلى 15 بليون جنيه فى العام الواحد على الدروس الخصوصية سعيا وراء تحسين فرص أبنائهم فى تحصيل العلم وبالتالى تحقيق النجاح.
وإلى جانب ذلك فإن البنية التحتية للمدارس الحكومية فى مصر لا ترقى بحال من الاحوال لمستوى نظيرتها فى بلد صغير التعداد مثل فنلندا أو بلد له تقريبا نفس التعداد مثل كوريا الجنوبية، ذلك فى الوقت الذى يزيد فيه عدد التلاميذ فى المتوسط فى الفصل المدرسى بالمدارس الحكومية عن ال60 مما يكاد يستحيل معه على المدرس أن يحقق التواصل اللازم مع التلاميذ لضمان نجاح او كفاءة العملية التعليمية.
أما بالنسبة لقاعات الدرس بالجامعات المصرية فهى دائما مكتظة بمئات أو ألوف من الطلاب.
وسواء تعلق الأمر بالتعليم فى المدارس او فى الجامعات فإن المنهج المتبع هو منهج التلقى المباشر دون تنمية قدرات التحليل او النقد وفى ظل تغييب شبه كامل لنظريات ومناهج التعليم الحديثة التى استفاد منها العالم المتقدم بأسره.
أما المناهج التعليمية سواء فى المدارس أو الجامعات فهى لا ترقى أبدا للمستوى المطلوب لتخريج كوادر بشرية قادرة على التنافس على المستوى العالمى فى عصر الفضاء وزمن ثورة المعلومات.
إلى جانب ذلك فإن الوضع الاقتصادى للمدرسين فى مصر يدعو للأسف وذلك بالرغم من محاولات بذلت أخيرا لرفع دخل المعلم المصرى وهو ما يدفع بالكثيرين للبحث عن تقديم خدمات الدروس الخصوصية لتلاميذهم كوسيلة من وسائل تحقيق دخل إضافى.
وللحديث بقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.