«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زويل : نحتاج لنهضة في التعليم والإعلام بدلا من التركيز على الفيديو كليب!
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 10 - 2009

قدم الإعلامى أحمد المسلمانى فى برنامجه الطبعة الأولى من السعودية الدكتور أحمد زويل بكلية اليمامة بالرياض لإلقاء محاضرته والتى تدور حول «حالة العلم والتكنولوجيا فى العالم العربى».
وقال المسلمانى إن زويل تعدى حيثية العالم وأصبح ظاهرة، وأنه فى مجمل ظاهرة أحمد زويل كان هناك من يفهم إنجازاته ويعى إضافاته للعلم وكان هناك من يرى فى ظاهرة أحمد زويل فرصة لانطلاق الحضارة بعد أن عجزت السياسة، وكان هناك من يقدم ذلك على العاطفة الشخصية والشعور الإنسانى تجاه الدكتور زويل، وكان جليا أن يلازم الحب التقدير وأن الارتياح يلازم الاحترام.
وأكد المسلمانى خلال تقديمه لزويل أن الأخير جاء فى ميعاده نتيجة لتمتعه بمكانة استثنائية فى تاريخ العلم وحاضره ويعد إضافة نفسية لحياة العرب الذين التفوا حوله كما لم يفعلوا مع رجل بلا سلطة من قبل، وأنه جاء فى علم الكيمياء بما كان يبدو مستحيلا قبل ظهوره وحين يشير علم الكيمياء إلى رجلين كان لهما الإسهام الأكبر فى بنائه واستعلائه طيلة القرن العشرين، فليس غير لينس بولنج الحائز على جائزتى نوبل وأحمد زويل، وهو رأى جون تومس المدير السابق لمؤسسة الملكية لبريطانيا العظمى وقال فيه: «إن زويل مثل بوليج فقد منح جائزة نوبل منفردا من أجل انجاز علمى كبير وابتداعه الفمتو، وحتما سيغير فى علوم القرن الواحد والعشرين. وقال ربورت رودسكى الأستاذ فى جامعة روشستر للتكنولوجيا: «أصبح زويل كرستوفر كولمبس لعالم الفانتم»، وقال البروفيسور بينجت نوردن رئيس لجنة جائزة نوبل للكيمياء فى الأكاديمية السويدية للعلوم أن استخدام زويل لتقنية الليزر فائق السرعة فانت سكوب يمكن وضعه فى سياقه التاريخى جنبا إلى جنب مع استخدما جاليلو التلسكوب والذى صوبه شطر كل شىء مضىء فى القبة السماوية الزرقاء، أما زويل فقد صور ليزر الفمتوثانية على كل شىء يتحرك فى عالم الجزيئات.
وفى مقدمته لكتاب عصر العلم يقول الأستاذ نجيب محفوظ: «لقد أعطا لنا الدكتور زويل دروسا وآراء مفيدة فى نهضتنا نرجو أن نستفيد منها وأن تكون منارة للجميع وأنى لأتنبأ له أن يأخذ جائزة نوبل مرة أخرى فى بحثه العلمى الجديد».
وقال المسلمانى إن وجود زويل فى الرياض هو دليل على علاقة الود والدفء بين العاصمتين وفصل جديد فى الوظيفة الحضارية التى ينهض بها زويل فى العالم العربى.
وإلى نص المحاضرة التى ألقاها زويل:
إننى أعتبر هذا اليوم خاص لأنه يتم الاحتفال فيه بمناسبة ثقافية فى المملكة العربية السعودية، وكما سمعنا عن عقول مبدعة فأنا مؤمن بوجود عقول مبدعة فى العالم العربى وهم آلاف أحمد زويل. وتمثل الرياض لى معزة خاصة، حيث كان أول لقاء لى فيها عام 1989 عندما حصلت على جائزة الملك فيصل وكنت أول عربى يحصل عليها فى العلوم والطب، وكان القائمون على جائزة الملك فيصل قد رتبوا لمقابلة زوجتى وكنت أعزب وقتها وتزوجتها من عام 1989 إلى وقتنا هذا وأنا أشكر مدينة الرياض، وأنا سعيد بالمشاركة فى الوقت الذى يتم فيه تغيير كبير فى قضية التعليم واتجاه تطوير البحث العلمى وبعضكم يعلم أننى عضو المجلس الذى تكون لإنشاء الجامعة الجديدة، وهى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا.
وأنا فى اعتقادى أن هناك ثلاثة أسئلة محورية لنكون أمناء ونتفهم حالة العالم العربى، السؤال الأول أين نحن من الخريطة العالمية، والسؤال الثانى كيف يستطيع الإنسان القيام بنقلة حضارية من حالة التخلف أو حالة عدم التطور إلى حالة التطور السريع حتى على المستوى الشخصى، أما السؤال الأخير فكيف يمكن للعالم العربى والإسلامى أن يصنع التاريخ ويصنع النقلة إلى العالم المتطور.
ونحن فى محاولتنا الإجابة عن هذا الموضوع، أرجو ألا نأخذ الموضوع من ناحية التشاؤم، وأنا أقول دائما إن من يعانى من مرض السرطان لا يصلح أن تعطيه أسبرين يجب أن تحاول معالجته بطريقة علمية وآمنة، وأنا أريد توضيح الرؤيا وهى كيف نقوم بنقلة تاريخية.
وإذا نظرنا إلى الوضع الحالى فى العالم العربى وأنا مهموم بهذه القضية من 20 سنة وهى قضية التطور فى العالم العربى والإسلامى، فمن ناحية التعليم هناك بعض الدول العربية نجد أن نسبة الأمية انخفضت بس التقدير من الأمم المتحدة أن العالم العربى ككل الأمية 30% يعنى تقريبا ثلث العالم العربى، واليوم فى العالم المتقدم الأمى الآن هو الذى لا يعرف التعامل مع الكمبيوتر، وآخر إحصائية حول أفضل 300 جامعة على مستوى العالم غابت عنهم الجامعات العربية، ولا نملك فى العالم العربى مؤسسة علمية قوية مثل مؤسسة «التتنيم» بإسرائيل، وأنا مازلت أصف وضعنا على الخريطة العالمية فقد زرت كوريا وزرت معهد علمى من أعظم المعاهد العلمية المتخصصة فى «الروبتكس» وكوريا الآن دخلت العالم المتقدم، والهند أيضا بها معهد الهند التكنولوجى وهو شىء مشرف جدا.
أما بالنسبة للتنمية فى العالم العربى فالعالم يعتبر بلاد العالم العربى من أقل البلاد فى الدخل القومى للفرد، وهناك مشاركة فقيرة فى الاقتصاد العالمى، ولا أعتقد أن هناك ناتجا عربيا من السوق العالمية، فنحن نعرف بعض الماركات العالمية لكن لا نعرف شيئا من الإنتاج العربى المعروف عالميا.
وأعتقد أن وضعنا السياسى على الخريطة العالمية خفيف أو ضعيف لأن القوة هى التى تحدد وضعك السياسى، فالعواطف وغيرها لا تصلح فى العالم الذى نعيش فيه، وإذا شاهدنا الخريطة العالمية سنجد معظم المشكلات موجودة عندنا مثل الأحداث فى العراق وفى لبنان وفى السودان وغيرها.
فهل نتيجة هذه الأشياء المؤلمة لأننا عرب أو مسلمون؟، وهل هذا يدخل فى تركيبتنا كعرب وكمسلمين؟ والإجابة قطعا بالنفى، وقد كتبت مقالات فى هذا الموضوع ونشرت فى كتب وفى غيره.
وإذا حاولنا معرفة الأسباب الدقيقة لهذه المشكلات، يجب أن ننظر أولا من الناحية الجينية، الDNA الموجود فى خلية جسد كل منا 99% من خواصه موجودة فى القردة، فليس من المعقول هذا التشابه بين الإنسان والقرد، وهذا الاختلاف الكبير بيننا كعرب وبين الغرب، والأمر الثانى الذى يثبت كلامى أنه عندما يخرج شخص عربى من هذه المنظومة، ويذهب لمنظومة واضحة ودقيقة يبدع والأمثلة كثيرة جدا.
أما بالنسبة للإسلام هناك الآلاف من المقالات فى الغرب، والتى تقول إن الإسلام رجعى وأن الإنسان لا يستطيع عن طريقه أن ينتج خاصة بعد 11 سبتمبر، وأنا كتبت مقالات كثيرة فى هذا الموضوع، وأقول إن هذا مستحيل، فلو نظرنا إلى ما فعله المسلمون منذ 1000 سنة مضت نجد أنهم المتربعون على عرش العلوم والتكنولوجيا، لكننا الآن لا نستطيع إظهار علمائنا مثل ما يفعل الغرب، ونحن لا نملك القوة الفكرية بالفعل على الرغم من امتلاكنا للكتب وللمراجع، وهناك كتب كثيرة جدا لم تصل للغرب، فهناك حسن بن الهيثم وجابر بن حيان، فالهيثم معروف بكتب الطبيعة، وعندنا أيضا ابن سينا وابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وغيرهما، وكان الإسلام وقتها فى أوج عظمته.
وإذا نظرنا لدولة ماليزيا مثلا فكانت نسبة الفقر فيها 57% أوائل السبعينيات اليوم ماليزيا انعدم فيها الفقر تقريبا، وأصبحت من الدول المتقدمة الأولى أو الثانية، وهم أغلبهم من المسلمين 58%، والباقى صينيون وهنود وغيرهم.
وأعتقد أن ما وصلنا له الآن هو لأننا تأخرنا كثيرا فى مشكلة التعليم لأن التعليم دينامكى متغير، وليس ثابتا ويتغير مع تغير الشعوب والحضارات والصناعات والتكنولوجيا، ونحن توقفنا ولم نفهم أن التعليم الحديث يحتاج لفكر ويحتاج مراعاة الإبداع من الحضانة إلى الجامعة.
أما بالنسبة للثقافة فقد حدث ما يسمى باختلاف ثقافى لأنها لم تفرز بالطريقة، التى كان يفرز بها العالم العربى قبل ذلك. وهناك بالطبع بعض المشكلات السياسية ونحن منطقة حساسة جدا من ناحية الحروب وتعرضت لكثير من الملابسات فى نظام الحكم، والاستعمار الذى دخل مناطق الشام ومصر والعراق وغيرهم من البلاد وكلها عوامل أدت للتأخر.
وبالتالى المشكلات التى نعانى منها لا هى جينية ولا هى من الإسلام لكن لدينا مشكلات.
وسأشير إلى بعض المحطات الخاصة فى حياتى لمعرفة الطريق الصحيح. ولو كانت جائزة نوبل موجودة قبل ثلاثة آلاف سنة لكانت مصر قد حصلت على 90% لأنها كانت متقدمة فى كل المجالات.
والسؤال الآن: كيف يأتى شخص مثلى من دولة نامية وينجح فى الخارج؟، وأنا اعتقد أن أول محطة مررت بها ألا، وهى التربية والتعليم فى مصر كانت الجزء الأساسى فى تركيب شخصية أحمد زويل، فليس من السهل أن تحصل على شخصية لديها تعليم جيد ولديها مبادئ وعقيدة فمثلا مسجد عبدالرحيم الدسوقى كان بالنسبة لنا محوريا، وكنا نتلاقى فى المسجد لكى نحصل على أفضل تعليم حتى من أمام المسجد، والمسجد بالنسبة لنا لم يكن للصلاة فقط ولكن كان مهما للقاءات الفكرية والعلمية، وأتذكر هذا كما لو كان بالأمس، ففى رمضان كنا نتلاقى بعد الإفطار وإلى السحور ندرس الرياضيات وفيزياء وغيرها، وكانت هذه محطة مهمة جدا أعطته لى مصر من قيم سواء كانت أسرية أو قيما اجتماعية أو دينية، أما المحطة الثانية فكانت وقت ذهابى للولايات المتحدة وكنت قد ذهبت لها بعد أن كنت أول دفعتى، وذهبت هناك للحصول على الدكتوراه وأعود لمصر لأكون أستاذا بالجامعة، وقد أعطتنى أمريكا مناخ التفوق بمعنى أن هناك بعض الثقافات تساعد على النجاح وهناك بعض الثقافات تعطل النجاح، وهناك فى الولايات المتحدة منظومة يقومون مثل ما يقولون فى مصر ب«غربلة» حتى يجدوا ما يريدونه ويعرفوا الجيد من المتوسط من الممتاز ولا يتبعوا مبدأ الاشتراكية فى الإبداع أو الشيوعية فى الإبداع فليس لديهم هذا الكلام.
ومناخ الإبداع معناه تعلم العلوم الحديثة بالطريقة الصحيحة فلم يكن مطلوبا منى الحفظ أو أبحاثا لكى أحصل على ترقية، فهذا كله مناخ، ولم يكن مطلوبا منى لكى أذهب لمؤتمر أن احصل على 12 إمضاء، وهذا مناخ أيضا، وإذا قمت بعمل جيد يعطونى أكثر وأشعر بأنى قمت بشىء جيد، والمكتبات تعمل والمعامل تعمل وحتى التعاون، فالكل مقتنع بالعمل الجماعى.
وأنا أتذكر لما كنت معيدا بجامعة الإسكندرية كانوا يرسلوا إلينا كيماويات باهظة الثمن، ولأننا لم يكن لدينا الكثير من النقود كنا نأخذها ونضعها فى المكاتب ونغلق عليها ونضع عليها الأقفال، وعندما ذهبت للولايات المتحدة وجدت الكثير من هذه الكيماويات فقمت بجمعهم ووضعتهم فى مكتبى وأغلقت عليهم، وكان الجميع مندهشا من فعلتى هذه، فالكل يتعاون ويستفيد من الآخر، وعملية النجاح أيضا فقبل أن يقوم شخص بإحباط آخر يجب عنه مساعدته.
أما المحطة الثالثة التى أدت لاكتشافات علمية فهى أنه لا تصدق أى أحد يقول لك «أنا عملت»، وأنا لا أقول ذلك تواضعا لأنه لو عالم حقيقى لا يقول ذلك لأنه لو عالم حقيقى يجب أن يعترف بالناس الذين عملت معه واشتغلت معه. فأنا لا أقول إننى حصلت على نوبل لأننى كنت أعمل بمفردى، فقد كنا 200 عالم حصلوا على الدكتوراه والآن فريق العمل وصل ل300، وهذا معناه أنك لا تستطيع أن تقول إن تلك المنظومة العلمية هى التى تؤدى إلى بيئة الإبداع فأنا عملت مع مجموعة كبيرة جدا وتوافرت لنا بعض الأشياء التى نبحث فيها، والمهم أننا كانت لدينا حرية الإبداع، فنحن فى المجموعة كنا نعمل سويا، ولم يأت رئيس القسم قبل ذلك وقال لى إنه ليس لديه نقود لى أو أن ما أقوم به كلام فارغ، فحرية الإبداع التى أخذتها مع منظومة عمل جماعى هو الذى أدى إلى حصولى على جائزة نوبل، فكيف أنه فرد يستطيع العمل من منظومة لأخرى ويستطيع الحصول على شىء والعالم كله يعترف بها.
هناك ثلاثة أشياء أود طرحها، أولها هناك عوامل سياسية لا بد من تغييرها من الدستور وتطبيق القانون، فى العالم العربى كله والعالم الإسلامى، ويحتاج لنظرة جديدة وأمينة وصادقة حتى يكون مستقبل أبنائنا واضحا.
وهناك موضوع ثقافى حضارى جديد لابد من النظر إليه نظرة جديدة فى العالم العربى، ونحن نحتاج لنهضة فى التعليم ونهضة فى الإعلام، وكل التفكير فى التعليم هو كيف يتم استخدام أفضل الأشياء، التى أعطاها الخالق وهى العقل البشرى، وليس الحفظ والتلقين ودخول الامتحان ووضع كل الإجابات والانتقال للمرحلة الأخرى، فقضية التعليم قضية أمن قومى، أما بالنسبة للميديا أو الإعلام فأنا شخصيا مهتم بالفن وكوكب الشرق أم كلثوم، لكن عندما ننظر الآن فى العالم العربى نجد أن الفضائيات وصلت ل300 أو 400 قناة مهتمة بالفيديو كليب، وأين المحطات التى تحوى مناقشات ثقافية ونحن نذهب إلى أين، وأين هذه المحطات التى تغذى العقل البشرى ولا تسطح العقل البشرى، فالإعلام يحتاج لنهضة وثورة كبيرة جدا، ونحن فى القرن الواحد والعشرين.
وأنا أعتقد أن الشىء الأخير الذى أدعو إليه هو الاستثمار فى المستقبل، وسأذكر بعض الأشياء التى يسير إليها العالم، فإذا لم نقم بعملية الاستثمار لأولادنا فليس فقط أننا سنترك لهم الوضع الحالى، بل ستكون الفجوة كبيرة بيننا وبين العالم المتقدم.
كنت قد سمعت من بيل كلينتون وقت حصولى على جائزة نوبل كلمة من أعظم الكلمات التى سمعتها من رؤساء الدول وكانت حول مستقبل أمريكا فى ضوء البحث العلمى للقرن الواحد والعشرين، بمعنى أن الولايات المتحدة أعلنت تخوفها من التطور العلمى الحديث، وأنه يجب أن تكون جزءا من هذا التطور وسريعة التحرك.
وإذا تطرقنا إلى أهم ثلاثة أشياء بالنسبة للإنسان سنجدها الصحة والتعليم، الدفاع، وهناك أمثلة على ذلك ففى الصحة مثلا فإذا أصيب شخص بالزهايمر أو السرطان، بالماضى لم نكن نفعل شيئا لمساعدته، لكن العالم الحديث اليوم رفض ترك هذه الأمراض دون علاج وليس بطريقة نقل الأعضاء أو طريقة التشخيص التقليدية، فيجب أن نكون بطريقة حديثة جديدة ونفهم مصدر هذه الأمراض، وبدأ العلم الحديث الدخول حتى على مستوى الذرة والجزئ، فكان تفهم هذه الأمراض هو جزء من عملنا الآن، وبعد نوبل حاولنا أن نرى فى الخلية الإنسانية أو الحيوية، وكيف هذه الخلايا تصاب بهذه الأمراض، وهل نستطيع رؤيتها فى المكان والزمان؟، وهذه الفكرة قد حصلنا على براءة اختراع عالمية فيها، فهل نستطيع بالفعل أن نراها فى المكان والزمان، وأصبحت الآن هناك الكثير من الحلول لكثير من الأمراض فمن الممكن الآن نقل الخلايا الجذعية وإعطاء المركبات والأدوية، والتى تستطيع التعامل مع المادة التى تكونت على الخلايا، أو الرجوع للجين الأصلى الذى تسبب المشكلة ونتعامل معه من أول ولادة الطفل.
هناك الكثير من الدول النامية التى تنادى لبناء المستشفيات والاهتمام بالجانب الطبى، لكن لو لم يكن لدينا قاعدة علمية، وبالتالى سنكون خلف العالم بخمسين سنة، وفى رأيى أنا فى المنظومة العلمية المتكاملة أنه لا يمنع الإنسان أنه بالتعامل مع الإمكانات الموجودة بقاعدة علمية سنلاحق التقدم العلمى مع الدول المتقدمة.
والآن هناك تعامل مع الجين مباشرة ويعالج بأدوية الواحد منها يكلف بليون دولار، واليوم بالأبحاث التى تقدم على مستوى الجزئ والذرة من سيستطيع أن يكتشف دواءنا من غير تجارب سيقوم بثورة علمية هائلة لأنه سيتعامل مع الجين مباشرة.
أما بالنسبة للتعليم فهناك بعض الأشياء أود الإشارة إليها مثل انتشار الهاتف المحمول بصورة كبيرة والغرض فقط التسلية، والآن العالم المتقدم يصنع ما يسمى بالذاكرة السليكون، والتى إذا نجحت وتم تطبيقها ستغير فكرة التعليم كلية، فلن يحتاج أحد للحفظ لأن هذه الذاكرة واسعة التخزين، وحتى تعريف الذكاء يجب أن نفكر فيه بطريقة مغايرة. وأريد أن أوضح أن التعليم الآن أصبح متغيرا نتيجة التغيرات الهائلة فى العالم المتقدم، ونحن لا نستطيع أن نتعلم سوى على الطريقة الكلاسيكية، فمثلا هناك أقسام كانت ثابتة فى كلية العلوم مثل نبات وحيوان نرى أنها غير موجودة فى جامعة مثل كالتاك وأصبحت جزءا من البيولوجية الحديثة وانتهت الحوائط العريضة بين الفروع.
أما بالنسبة للدفاع فإذا نظرنا إلى الثورة المعلوماتية فى العالم الحديث فقد ذكرت مسبقا فى القاهرة أننا وفى جامعة كالتاك نرى صورا للمريخ تنتقل فى 15 دقيقة للأرض فحين أن المسافة ملايين الكيلومترات.
من الممكن أن يأتى الوقت الذى يذهب فيه الكثير من الدول لاحتلال كواكب ويشاهدوننا كعالم متنامى نصنع دبابة أو طائرة إف 16، وما رأيكم أن هناك من يقوم بتصنيع بكيتريا على نوع معين، فالحروب القادمة قد تستعمل أجزاء بسيطة من هذه البكيتريا أو الفيروس عوضا عن الأسلحة الثقيلة، والأمر الآن يشكل خطورة حقيقية خاصة بعد 11 من سبتمبر، والآن يتم تصنيع ملابس للحرب ضد بعض المواد الخارقة للحديد.
أود أن أختم ولكن بالإشارة لبعض النقاط، أولا لابد من التعامل مع العالم الحديث، وهذا العالم الحديث ينكمش فى الزمان والمكان وأصبح العالم الحديث الآن متشابكا، ولا تصلح عملية العزل أيا كان شكلها سواء اقتصادية أو علمية أو سياسية.
العالم الآن يعتمد على المصالح المتبادلة فلا وقت لما يسمى بصراع الحضارات أو صراع الأديان أو غيرها وأنا أؤمن بعدم وجود صراع الحضارات وكله كلام إنشاء وكلام للتسويق للمشكلات بعد 11 سبتمبر، أما العولمة بالنسبة للتعليم فقد أصبح الأمر غاية فى الأهمية، وكذلك فى الاقتصاد فأى رجل أعمال إذا لم يكن على قدر من العلم أمام من يتعامل معهم من الدول المتقدمة فلن يستطيع تحقيق النجاح، وحتى الثقافة أصبح بها مزج، فالثقافة اليابانية لم تكن معروفة جيدا، اليوم من الممكن أن تجد مطعم «سوشى» أصبحت الثقافة اليابانية حتى فى الطعام تنتشر فى العالم الغربى، فالمزج بين الثقافات والشعوب لن يأتى سوى بالفعل.
وأهم شىء للعودة للنهضة الإسلامية العظيمة، التى غزت العالم كله أعتقد انه ليس هناك حل سوى لاستثمار المستقبل، ولابد من حرية الإبداع، ولابد من تحسين التعليم، والاهتمام من مرحلة الطفولة إلى الجامعة ولن يحدث ذلك إلا عندما يحدث استثمار فى العقل العربى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.