طالبات "تمريض الأزهر" يصممن نموذج "طمأنينة" للكشف المبكر عن سرطان الثدي    البدوى وسرى يقدمان أوراق ترشحهما على رئاسة الوفد السبت    جامعة الأزهر تعلن جاهزيتها للامتحانات، وتعليمات عاجلة ل عمداء الكليات    هيئة الدواء: مصر تحقق توطين 91% من صناعة الدواء لأول مرة    «الاتصالات» تعزز استخدام تقنيات التشخيص عن بُعد لخدمة القرى والمناطق الحدودية    توزيع الأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية مجانًا على 260 أسرة بالشرقية    جهود وزارة التموين في ضبط الأسواق وصون حقوق المستهلك خلال 2025    سلطات الاحتلال تمنع 37 منظمة إغاثة دولية من العمل في الأراضي الفلسطينية    منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بالسودان: الأوضاع الإنسانية الراهنة في البلاد صادمة للغاية    5 نجوم بالكونغو الديمقراطية يرعبون "محاربي الصحراء" قبل مواجهة أمم إفريقيا    محافظ قنا يوجه بتعديل موعد امتحان الصف الثاني الثانوي    تعزيزات أمنية وانتشار مكثف بمحيط الكنائس بالقليوبية احتفالًا برأس السنة    شكرًا سيادة الوزير محمد جبران    الصحة: فحص مليون و719 ألف طالب بأولى إعدادي للكشف عن فيروس سي    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    «حافظ على نفسك»    هل يوم الخميس عطلة رسمية بمناسبة السنة الميلادية؟    اقتحام البلدات وهدم المنازل.. سياسة تنتهجها إسرائيل في الضفة الغربية    إسرائيل تصطاد في "الماء العكر".. هجوم رقمي يستهدف السعودية بعد أزمة الإمارات بين لجان "الانتقالي" و"تل أبيب"    كييف تعلن إسقاط 101 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    الاحتلال يقتحم قرية المغير وبلدة الرام ويطلق قنابل الغاز والرصاص المطاطى    الري: متابعة معدلات العمل في كل مشروعات الحماية من أخطار السيول    الفراعنة يدخلون من «الباب الكبير».. منتخب مصر يبدأ الاستعداد للأدوار الإقصائية    أمم إفريقيا - مدرب بنين يرفع راية التحدي أمام مصر    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    تفاصيل فشل انتقال حامد حمدان لصفوف النادي الأهلى    بتروجت يواجه البنك الأهلي في صدام قوي بكأس عاصمة مصر    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    لحمايةً مستقبل الطلاب.. الوزراء: خطوات صارمة للحد من الغش بالامتحانات    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء    الأرصاد: طقس شديد البرودة صباحًا ومائل للدفء نهارًا    ضبط 98 ألفًا و700 مخالفة مرورية خلال حملات مكثفة فى 24 ساعة    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    قتل بلا شفقة.. النيابة تروى لحظات النهاية المروعة لأطفال فيصل    ممثل النيابة في محاكمة قاتل أسرة اللبيني: المتهم ارتكب الجريمة بكامل قواه العقلية    إصابة 8 عاملات في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي القاهرة–الإسكندرية بالبحيرة    الارتقاء بأوضاع ملايين المواطنين    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة.. 2026 عام الاحتفال بالفنانين المعاصرين    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    كريم محمود عبد العزيز يبدأ تصوير مسلسل «المتر سمير» | رمضان 2026    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    تنمية زراعية متكاملة    الذهب يتراجع مع اتجاه المستثمرين لجني الأرباح عقب موجة ارتفاعات قياسية    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    صحة بني سويف ترفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات خلال الاحتفالات رأس السنة وعيد الميلاد    108 دقة جرس كيف يحتفى العالم برأس السنة كل عام؟    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد زويل يكتب : أوباما والنهضة الإسلامية
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 10 - 2009

النص الكامل لمقال الدكتور أحمد زويل.. مستشار الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى افتتاحية البوسطن جلوب
عدت فى شهر أغسطس من العام الحالى إلى مسقط رأسى لأول مرة منذ أن تحدث الرئيس أوباما هناك فى أوائل شهر يوليو بجامعة القاهرة. وحين كنت فى القاهرة ناقشت خطاب الرئيس مع دبلوماسى مصرى مخضرم لم يتردد فى استعمال كلمة «تاريخى» لوصف أثره. وقال صديقى إنه فى أنحاء كثيرة من العالم الإسلامى كان يُنظر إلى كلمات السيد أوباما على أنها انفصال خطير عن الماضى، حيث كانت صادرة عن رئيس أمريكى يحترم الدين الإسلامى والثقافة الإسلامية على نحو واضح، كما أنه متفائل بشأن العلاقات بين الدول الإسلامية والغرب.
شعرت فى ذلك الوقت بأن هذه كانت تصريحات «دبلوماسية». إلا أننى وفى أثناء تلك الزيارة نفسها، تكوَّن لدىّ كذلك تذوق بالمعنى الحرفى إلى حد كبير كيف وصل الخطاب إلى الشارع العربى التقليدى، أو على الأقل الشارع القاهرى كانت أسواق المدينة مكدسة بأكوام البلح استعدادا لشهر رمضان المبارك، الذى يصوم المسلمون نهاره. وغالبا ما يكون الإفطار على البلح عند الغروب، وهناك أنواع مختلفة تسمى بأسماء الشخصيات المحبوبة وغير المحبوبة، بناء على نوعية الثمار التى يتوقف سعرها عليها. وهذا العام كان «بلح أوباما» فى أسواق القاهرة هو أفضل نوعية وكان سعره هو الأعلى.
واقع الأمر أنه كان فى ذلك رد مبشر وحلو على مقترحات الرئيس فى مصر! إلا أننى عندما سألت صديقى الدبلوماسى عما يظن أنه ينبغى أن يحدث الآن، تحدث عن إحساس عام بأن الخطوة التالية تعود كذلك إلى السيد أوباما. ولابد أن أقول إننى وجدت أن موقف «انتظر وسترى» هذا لا يُرضى إلى حد كبير.
ففى الداخل والخارج، هناك تحديات ضخمة على الرئيس أوباما مواجهتها. وباعتباره رئيسا للولايات المتحدة قد يكون فى وضع فريد لتحفيز التقدم على الجبهة العربية الإسرائيلية، ولكن فيما غير ذلك لا يمكن أن تأتى قوة دفع التغيير إلا من المسلمين أنفسهم.
وهنا أعتقد أن مصر بحكمتها ينبغى عليها أن تسترشد بحقيقة أن الرئيس اختار ألا يتحدث أمام مسئولين حكوميين أو نخب مهنية، بل أمام جمهور من الشباب المتعلم، الذى سوف تشكل اختياراته ورغباته المستقبل وتضع نموذجا للجيل القادم. وكعالم تلقى تعليمه فى كل من مصر وأمريكا، يمكننى بشكل خاص تقدير دعوة الرئيس إلى شراكات جديدة فى التعليم والعلوم بين الدول الإسلامية والغرب، ذلك أن هذه المجالات على وجه الدقة لديها القدرة الأكبر على دفع المجتمع إلى الأمام.
ليست هذه الفكرة غريبة بحال من الأحوال عن مصر أو الإسلام. فقد بلغت سن النضج فى مصر بعد ثورة 1952 بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، وهو وقت اتسم بقدر كبير من الاضطراب والإصلاح واسع النطاق. ولم تُكسِب القومية العربية ناصر أصدقاء كثيرين فى الغرب، وعليه ربما لا يدرك معظم الغربيين فى الوقت الراهن المدى، الذى شجع فيه نظام الرئيس عبد الناصر التعليم باعتباره المحرك الحيوى للتقدم. وكنت واحدا من شبان مصريين كثيرين جنوا الفوائد، حيث كنت محظوظا بما يكفى لتلقى تعليما ممتازا فى إحدى المدارس العامة، فى نظام كان يشجع النساء على دخول الجامعة مع الرجال، ومكَّن العديد من المسيحيين الأقباط من أن يكونوا مدرسين وأساتذة بارزين.
كنا نسكن بجوار مسجد كبير، ولكن الدين أيام شبابى لم يكن يدعو إلى عدم التسامح مع الأديان الأخرى، كما أنه لم يحاول التدخل فى حريتنا الفكرية. لقد نشأت فى أسرة متدينة، ولكن عندما كنا نتقابل أنا وأصدقائى فى المسجد كان ذلك فى الغالب لمناقشة علم الجبر وغيره من الموضوعات العلمية، وكثير ما كنا نتسامر. وعندما سمعنا كلمة «جهاد» كانت تعنى الاجتهاد، بمعنى الكفاح من أجل التفوق على المستويين الشخصى والعلمى. وتلك هى البيئة التى دفعتنى إلى دخول جامعة الإسكندرية، للتفوق فى دراساتى العلمية هناك مع معلمين وأساتذة بارزين، ثم بعد ذلك للحصول على منحة للدراسات العليا فى جامعة بنسلفانيا ثم إلى الأستاذية بجامعة كالتك، حيث مازلت أعمل اليوم.
لم تكن تجربتى فريدة، ولكن هى تقدم مثالا توضيحيّا لما يمكن أن يحققه الالتزام بالتعليم الذى لا تقيده أى تقاليد دينية جامدة. كما أنه يبرز نقطة أن التغيير، بأفضل معنى للكلمة، ممكن. وعندما يتحدث المتفائلون اليوم عن زرع روح التقدم والتنوير بين الدول الإسلامية العربية وغير العربية فلا نحتاج إلى أن نعود ألف عام إلى عصر قرطبة والأندلس الملحمى، عندما كان العالم الإسلامى بمثابة منارة للعلم والتسامح. فقط أن ننظر إلى الوراء إلى مصر فى طفولتى، عندما كانت بها أفضل الجامعات وكانت أغنى وسط ثقافى فى المنطقة، وأيضا مركز إشعاع للتعليم الدينى والعلمانى. واليوم نرى ديناميكية شبيهة، إلى جانب درجة أكبر من التحول الليبرالى الداخلى، تعمل بنجاح فى بلدان متنوعة من الناحية العرقية والجغرافية مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا وبعض دول الخليج. وتصب تلك الدول موارد ضخمة فى بناء بُناها التحتية التعليمية والمدنية وتعمل على نحو يقظ للتغلب على النمط الشائع بكون العالم الإسلامى غارقا بشكل ميئوس منه فى القمع والتطرف الدينى والصراع الطائفى. ولكن ما زال هناك ما يجب عمله مما يزيد على ذلك بكثير.
الآن فى مصر، وجزء كبير من العالم الإسلامى، أكثر من ربع السكان تحت سن الثلاثين. ولا يمكن للحكومات الإسلامية أو الغرب تحمل أعباء التغاضى عن هذا المخزون الضخم من الموهبة والقدرة البشرية. وأكثر الطرق فاعلية للاستفادة منهما هى من خلال النظام التعليمى المتميز الذى يجب أن يتم إحياؤه، من صفوف المدرسة الابتدائية حتى الجامعة، أى الاستعداد للاستفادة من أفضل تقاليد التعلم الإسلامية والغربية. وبذلك لابد أن يكون هناك منظومة جديدة لبناء قاعدة العلم والتكنولوجيا، وفى موضع القلب من ذلك الاعتراف بأن التطلع إلى المستقبل واستيعاب الأفكار الجديدة لا يمثل ابتعادا عن الميراث الإسلامى الأصيل بل عودة إليه. فالاستثمار المستدام فى التعليم هو ما سوف يؤدى فى نهاية الأمر إلى رخاء اقتصادى أكبر، ونوعية من الحياة الأفضل، وإصلاح ديمقراطى حقيقى. ومن الضرورى أن يستعيد المسلمون ثقتهم ويحرروا عقولهم ويتقبلوا بهذه الروح عرض الرئيس الأمريكى الخاص بالتعاون فى إقامة «مراكز الامتياز» وغير ذلك من المبادرات فى التعليم والبحث العلمى. وينبغى أن تكون الريادة لمصر فى تقدم الإصلاح التعليمى والحكومى، والذى لدى الرئيس أوباما الآن الثقة الجماهيرية لإقراره بشكل حقيقى. ولو ترك المسلمون والعرب شئونهم إلى نظرية «انتظر وسترى» فسوف يظل «بلح» أوباما الرمضانى، بالرغم من بدايته المبشرة، لا يزيد كثيرا عن كونه لقاء عابرا ذا احتمالات محدودة، وفى النهاية بدون دور فعال لعلاقة حقيقية دافعة للتقدم.
مصر التي في خاطر زويل
خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة، التى يكتب عنها فى مقاله، زار العالم الكبير الدكتور أحمد زويل مقر جريدة الشروق ، وعبر ساعتين من الأسئلة التى تبحر فى المستقبل، لم يهدأ عقل الرجل، ولم تتوقف كلماته فى قاعة الاجتماعات بمبنى الشروق، فتح د. زويل قلبه لأسرة تحرير الجريدة، عبر رحلة إلى المستقبل.
عن الولايات المتحدة، ودوره كمستشار للرئيس باراك أوباما .
عن مصر، وأحلامه المتجددة للوطن، والأم.
6أسئلة تحدد مستقبل أمريكا
لا يوجد فى علمى رئيس دولة ولا عالم ولا مفكر ولا أى فرد فى الدنيا يقدر أن يعالج المشكلات بمفرده أو فقط بإصدار الأوامر، مثل هذه الأمور ليس لها فاعلية فى نظام الحكم فى الشعوب المتقدمة، الرئيس أوباما مثلا يريد فكرا جديدا وهو كثير السؤال، وبالذات عن مستقبل أمريكا.
أنجح علماء العالم، هو الذى يعرف كيف يسأل السؤال الصحيح، وعليه تجد أننا كمستشارين للرئيس أوباما مشغولون منذ 4 أشهر تقريبا في صياغة أهم 6 أسئلة تتعلق بمستقبل أمريكا خلال القرن الحادى والعشرين.
الشروق: وما هي أكبر مشكلة تواجه أمريكا حاليا؟
د. زويل: المشكلة الأكبر هي التعليم والابتكار، حيث بهما يصنع المستقبل، أمريكا تحتل المركز الأول فى التعليم بعد كوريا وفنلندا وغيرهما .كما أن هناك خطرا يأتى من الصين التى أصبحت منتجاتها تغزو أسواق العالم بنظامها التعليمى الذى أثبت كفاءة واضحة.
الشروق: نريد أن نحدد الأسئلة الست التى قلتم إنها تحدد مصير الولايات المتحدة فى المستقبل؟
زويل: ما يشغل أمريكا الآن هو أن تظل محتفظة بموقع الصدارة علميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، ولذا فإن أمريكا تفكر جديا فى 6 قضايا أساسية، مثل: مستقبل التعليم والابتكار، والطب وعلوم الحياة، والأمن القومى، والطاقة والمناخ، والاقتصاد والعولمة، وأخيرا مستقبل علوم وتكنولوجيا الفضاء.
إذا أخذنا ملف التعليم والابتكار، سنجد انه يرتبط بالأمن القومى وبالفضاء، وكل هذا يمكن من خلاله طرح العديد من الأسئلة الفرعية، منها: هل الحروب القادمة ستندلع من الفضاء؟ وهل سيتم استخدام الفضاء لجمع معلومات عن جميع البشر علي الكرة الأرضية؟ هل من مصلحة أمريكا إرسال سفن فضائية إلى المريخ للبحث عن حياة هناك أم لا؟ هل يمكن أن نجد على كوكب آخر غازا أو بترولا، أو معادن؟
وهناك أيضا ملف المناخ وتغيراته التى تؤثر على كل دول العالم، ففى مصر مثلا نحن نواجه مشكلة مياه مع أثيوبيا ولكننا قد نواجه مشكلة أخطر، فلو أن الثلج فى القطب الشمالى سيواصل الذوبان بنفس المعدلات الحالية، فإن الدلتا قد تختفى تحت المياه وقد تغرق مساحات كبيرة من مصر.
الشروق: هذا خطر حقيقى ولكننا لا نواجهه بما يستحقه من اهتمام ؟
زويل: التغيرات المناخية واضحة جدا، ودرجة الحرارة ترتفع، والعلماء يؤكدون أن الارتفاع لدرجة مئوية واحدة فقط أمر فى منتهى الخطورة على الحياة على كوكب الارض. ونحن مثلا فى كاليفورنيا نشعر بتغيرات غريبة، فما كنا نسميه صيفا أوشتاء أصبح شيئا آخر، وأنا عمرى ما رأيت السماء تمطر في موسم الصيف، وهذه تغيرات واضحة ليس فقط فى كاليفورنيا وإنما فى أنحاء العالم.
أما بخصوص الطاقة فإن مايشغل أمريكا هو سبل الخروج من عنق الزجاجة الذى تمثله الدول الغنية بالبترول، والاهتمام فى أمريكا الآن ينصب على البحث عن مصادر جديدة للطاقة سواء الطاقة الشمسية أو النووية أو الوقود الحيوى، بهدف أنهم خلال 10 إلى 20 سنة يكون وضع أمريكا فى هذا المجال قويا جدا.
وعموما نظرية الأمن القومى الأمريكى لا تقبل بوجود قوة عسكرية أكبر منها، وهناك عمليات تطوير دائمة للأسلحة بمختلف أنواعها من الطائرات والمدافع والصواريخ عابرة القارات. مع الاهتمام بالسياسة الخارجية ومواجهة التطرف الدينى الذى يهدد أمن أمريكا.
أما بخصوص الصحة وعلوم الحياة، فإن أوباما لديه برنامج وطنى، وهو يعلم جيدا أن 30 مليون أمريكى ليس لديهم تأمين صحى، وأصبحت هذه المسألة قضية قومية فى غاية الأهمية حاليا .
وأنا أتصور أنه فى خلال 10 أو 20 سنة سنشهد تطورا فوريا فى مجال الطب من استخدام الخلايا الجذعية إلى الهندسة الوراثية، وسوف يصبح الطب أكثر «شخصيا» وأيضا الطب الوقائى.
قريبا من الرئيس الأمريكي
الشروق : خلال اجتماعات مستشارى الرئيس الأمريكى، هل تشتركون كلكم في المناقشة؟
زويل: هناك استعدادات قبل الاجتماعات، قد يتقابل كل اثنين من المستشارين 6 مرات أو اكثر لبحث موضوع ما، وعندما نلتقى جميعا فى اجتماع نشارك كلنا فى المناقشات.
الشروق: هل يمكن أن تعطينا تصورا لواحد من هذه الاجتماعات؟
الحياة الأمريكية تتميز بأنها بدون تعقيدات كثيرة، فعندما تتلاقى مع الرئيس أوباما. يكون فيه بساطة، لكن هناك احتراما بالطبع، فمثلا أنا أخاطبه ب «مستر بريزيدنت». وهو نفسه يتكلم معنا بطريقة لطيفة ومحترمة نتبادل فيها الآراء وليس الأوامر. الخوف لا يساعد على الإبداع، وأوباما لن يسمع من مستشاريه «الكلام الصح» إذا كانوا يخافون منه .
الشروق: يعنى كلكم تتكلمون فى كل شىء وفى مجالات خارج تخصصكم؟
زويل: هذه هى الفكرة.. يعنى لو أنت تريد فكرة من أحد المتخصصين فى موضوع النشر مثلا فمن الطبيعي أن نختار رائدا فى النشر ليكون هو الرئيس والقائد فى هذا الموضوع لكن هذا الرائد يحتاج لأن يسمع آراء من أناس خارج مجال النشر، وبالتأكيد سوف يقدمون له أفكارا جديدة تفيده وتفيد المجتمع ككل.
الشروق: هل ترى أن أوباما «مالى مركزه» أمام المؤسسات الأمريكية؟
زويل: أوباما إنسان ذكى يتمتع بكاريزما، ويستطيع بسهولة أن يوصل المعلومة للناس. وهذه نقطة مهمة وهى فى رأيى موهبة من عند ربنا. ولكن هذا غير كافٍ فى القائد، القائد لا بد أن يكون عنده رؤية ومعرفة.
الشروق: هناك شىء غريب في العقلية الأمريكية، فهناك رئيس مثل بوش كان يقول لنا إنه يتكلم مع ربنا، ثم يأتى بعده الرئيس أوباما ويقوم بتشكيل مجلس مستشارين، ما سبب هذا التناقض الكبير فى هذين التوجهين؟
زويل: أمريكا أكثر بلد متدينة في العالم الغربى. وأقل بلد هي السويد. والتاريخ يقول إن الأمريكيين أتوا إلى أمريكا من أوروبا فى عصر الاضطهاد الدينى. وبالتالى كثيرون منهم كانوا أصلا متدينين من أيام جدود جدودهم، ومنهم جزء كبير جدا أصوليون متعصبون لمذهبهم.
أمريكا ليست فقط نيويورك أوكاليفورنيا، أمريكا أيضا هى الوسط الغربى والولايات الزراعية، وهى أيضا الولايات الحمراء والزرقاء والمحافظة وذات النزعات التحررية.
وأنا نفسى تنتابنى أحيانا حالة ذهول مما يحدث فى أمريكا، فمثلا مجلس التعليم فى ولاية كنساس صوّت بعدم تدريس نظرية داروين فى المدارس، وهذا ما قد يدفعك إلى القول إنها بلد غير عادية. لكن قوة أمريكا الحقيقية كامنة فى دستورها القوى وفى مؤسستها القوية وفى احترام حرية الفرد، ففى الكثير من القضايا الاجتماعية المهمة يحدث نقاش حاد قد يصل للمحكمة العليا للفصل فيه، وكما تعلمون هى نفس أمريكا التى أخرجت رئيس جمهوريتها من الحكم بأسلوب دستورى.
هموم مصرية
الشروق: دون الدخول فى مقارنات، ما هي هموم مصر أو أكثر مشكلاتنا تأثيرا على المستقبل؟
د. زويل: مشكلتنا نحن هنا فى مصر إن السائد هو التجمد الدينى وكثرة الفتاوى.
وقضية التعليم فى صناعة المستقبل أعتبرها مشكلة أمن قومى ، وهناك أيضا تشتت سياسى فى الطاقة البشرية من أجل البحث عن مستقبل ديمقراطى لمصر ، كما توجد العوامل البيئية الخطيرة مثل الغزو المائى على الدلتا ومشكلة المياه فى الجنوب والحدود الشرقية والعشوائيات والتباين الطبقى الغير مسبوق، هذه أو هؤلاء بعض الهموم والمشكلات مما أراها شخصيا.
الشروق: هل النظام فى مصر سيستفيد لو أنه يمتلك الإرادة والمنظومة والرؤية، أم أنه يكتفى بالوضع الحالى لانه يدرك أنه «ما فيش فايدة» ؟
زويل: الجميع يعرف الإجابة (ضحك). المشكلة أن العملية التنفيذية فى مصر تسير في طرق مختلفة،وفى حالات كثيرة ليس لصالح البلاد، فى مصر هناك دوائر كثيرة وتفاصيل تستغرق الوقت فيما لا طائل من ورائه، رغم أن الوقت مهم جدا، وأذكر أن آنسة سألتنى في اإسكندرية سؤالا أعجبنى عن الذى تغير فى حياتى بعد حصولى على نوبل؟ وأجبت أنه يمكن أهم شىء نوبل عملتها في حياتى، إن احترامى للوقت والذى كنت أفعله قبل نوبل زاد إلى حد كثير جدا وبالتالى أصبح لكل دقيقة أهمية ومعنى ،. لكن مشكلتنا فى مصر أننا نهدر الوقت.
الشروق: لو كنت عضوا فى مجلس مستشارين للرئيس مبارك وطلب منكم تحديد 6 نقاط استراتيجية لمصر. فماذا تقول؟
زويل: سؤال صعب، يتطلب تفكيرا عميقا.
أولا، الأمن القومى الداخلى بما يتطلبه من الحفاظ على الوحدة الوطنية وفض الاشتباك بين الدين والفكر والعلم وخلق نظام دستورى جديد لحكم رشيد، وبالذات فى الفترة القادمة من تاريخ مصر وإعادة هيكلة التعليم والبحث العلمى والإعلام . هذا كله نسميه الأمن القومى الداخلى، لأنه لا تقدم فى أى بلد إلا إذا بدأ افراد الشعب يشعر أن هناك تغيرا شاملا وصادقا.
أما الأمن القومى الخارجى فعناصره معروفة، لكن لابد من التأكيد على تأمين الحدود الشرقية وتعمير سيناء،
وأيضا ينبغى الاهتمام بقدراتنا الزراعية والصناعية ولابد أن يكون لدينا اكتفاء ذاتى من القمح، فلا يصح أبدا أن نستورد القمح في القرن ال 21. بعد أن كنا أول دولة زراعية من 21 قرن قبل الميلاد ولابد من الاهتمام بالصحة العامة للناس وبالذات الغير قادرين، وحينها يمكن أن نبنى مصانع ومعامل تساير أحدث التقنيات التكنولوجية.
الشروق:ما هو أكثر شىء يفرحك وأكثر شىء يزعجك فى مصر؟
زويل: ما يزعجنى التجمد الفكرى والضعف الثقافى، لأن مصر طول عمرها تنجح بقوتها الثقافية. ولكن هناك جمودا، والقوة الفكرية المصرية مشتتة.
وأكثر شىء يسعدنى أن أجد جموعا من الشباب تهتم بالمعرفة، وأرى ذلك مثلا عندما أجدهم يتابعون محاضراتى العامة فى كل مكان، وهذا يمنحنى الأمل فى المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.