ليست المرة الأولى التى يشن فيها الشاعر السورى أدونيس هجوما حادا على شعراء القومية العربية متهما إياهم بأنهم «شعراء السلطة» و«أنهم أصحاب اتجاهات مغلقة تدفع المجتمع إلى الخراب»، لكنه فى الوقت الذى أعلن فيه عن «اكتمال تجربته الشعرية» و«اعتزاله الشعر» أبى أن تمضى المناسبة دون إطلاق النار مجددا على منافسيه فى حوار أجرته صحيفة الوطن السورية قبل أيام. وقال: «معاركى بشكل عام كانت كلها مع الاتجاهات السياسية التى أدعوها بالدكتاتورية ومع شعراء ينتمون لهذه الاتجاهات ودون أن أسمى الاتجاهات القومية العربية بشكل عام هى اتجاهات شبه دينية لأنها مغلقة». وأضاف: «كان هؤلاء الشعراء يريدون أن يجعلوا من الشعر رسالة أو وسيلة لخدمة قضايا قومية عربية أو إقليمية، وقد كنت أقول لهم عبر الشعر، الشاعر عندما يريد أن يعبر عن نفسه بصدق وبحرية فكأنه يعبر لا عن العربى وحده وإنما عن الإنسان فى العالم كله». ويخلص أدونيس إلى أن التجربة أثبتت إلى أن توجهه إلى التجربة الصوفية كان «أكثر صحة» وأن جميع اليساريين الآن يكتبون عن الصوفية. ويرد على ما أطلقه أدونيس من اتهامات لشعراء القومية العربية الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى قائلا: «حين يلصق الأخ أدونيس هذه الآراء بغيره، فتارة يدّعى أن أمل دنقل ليس شاعرا، وتارة يدعو إلى أن ينفصل الشعر عن قضايا الناس ومصائر أمتنا، ويتعلق بالفضاء باحثا عن جماليات خائبة ولغة مستلبة من واقع آخر وحضارات أخرى». ويؤكد الأبنودى أن الكثير من الشعراء استجابوا لهذه الدعوة ومنذها لم ترى مصر قصيدة تقترب من الناس والذين هم هدف الأدب والفن أولا وأخيرا، ويقول: «لا أعنى بالناس هنا العمال والفلاحين لكن أن يكتب الشعراء قصائد تصلح أن يقرأها المثقفون ومن هنا انفصل الشعر عن اهتمامات القراء واكتفى كل شاعر بأن يقرأ لنفسه والمحيطين به». ويتابع الأبنودى: «بدلا من تشييد الشعر لغة وأداء وصورا كما حقق ذلك محمود درويش عقدة أدونيس الكبرى صار الشعر يمارس ألعابه البهلوانية والعبثية التى يدعونا إليها نبى الشعر الجديد أدونيس». أما الشاعر محمد سليمان، الذى كتب القصيدة الصوفية وتأثر بتجربة أدونيس وصلاح عبدالصبور فى فترة السبعينيات، فيؤكد أن المبالغة فى الاتكاء على الصوفية أدى بقصائد السبعينيات إلى الغموض والعزلة عن القراء، لكنه هو وأبناء جيله لجأوا لهذه التجربة بعد انكسار تجربة القومية العربية والشعور بالخيبة الذى أضناهم بعد نكسة 1967، وقال: «لم أعد أرى أثرا لتجربة أدونيس فكل الأجيال الجديدة يتجهون إلى لغة مختلفة وبسيطة ومفردات شديدة اليومية، كلهم يحاولون التعبير عن قضايا الشارع وهموم الانسان والهم الوطنى». وأضاف سليمان أن الشعراء الذين حملوا حلم القومية العربية فى كتاباتهم لم يكونوا شعراء سلطة على الإطلاق فقد كان الحلم الناصرى حلما عاما ولم يكتشف هؤلاء انهيار تجربة النهضة إلا بعد 1967. جدير بالذكر أن أدونيس أعلن اعتزاله الشعر وتفرغه لاصدار مختارات جديدة من الشعر العربى، وكتابة سيرته الذاتية.