وزير الخارجية الإيراني: النار التي أشعلتها إسرائيل قد تخرج عن السيطرة    القناة 14 العبرية: ارتفاع عدد القتلى إلى 9 في بات يام    قوات الحرس الثورى الإيرانى تُسقط 3 طائرات إسرائيلية فى زنجان وسنندج    غارات إسرائيلية تستهدف منتظرى المساعدات شمال مخيم النصيرات وسط غزة    عادل عقل: تعادل بالميراس وبورتو يشعل مجموعة الأهلى.. وفوز كبير للبايرن بمونديال الأندية    أحمد السقا يرد على تهنئة نجله بعيد الأب.. ماذا قال؟    ميدو يتوقع خروج الهلال مبكرا من كأس العالم للأندية    «بكاء واعتذار».. تقرير يكشف تفاصيل ما حدث في أزمة تريزيجيه داخل الأهلي    جيش الاحتلال الإسرائيلي: منظومة الدفاع الجوي فشلت في اعتراض 10 صواريخ أطلقت من إيران    الشروق تجيب.. لماذا يتصدر الأهلي مجموعته بعد الجولة الأولى في المونديال؟    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    فيديو.. الأمن الإيراني يطارد شاحنة تابعة للموساد    مجموعة الأهلي.. نتيجة مباراة بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    مفاجآت في تشكيل السعودية ضد هايتي بكأس كونكاكاف الذهبية 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    انكسار حدة الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تعلن مفاجأة بشأن طقس الساعات المقبلة    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    خلال عودته من الديوان العام للاستراحة.. المحافظ يتجول بدراجة هوائية بشوارع قنا    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    أحمد سعد يشعل حفل الجامعة الأمريكية، ويحيي الأوائل    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    زيادة جديدة ب 400 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    ترامب: آمل في التوصل لاتفاق بين إيران وإسرائيل.. وسندعم تل أبيب في الدفاع عن نفسها    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة.. فور ظهورها    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    مصرع طفلتين في حريق بمنزل أسرتهما بالزقازيق    إيران تبلغ الوسطاء رفضها التفاوض على وقف إطلاق النار مع إسرائيل    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سليمان:لست راضياً عما قدّمته!
جيل السبعينيات بائس ولم يقدّم الكثير والنقاد أهملوه
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 07 - 2010

اختار محمد سليمان الطريق الأصعب. أن يكون علي مسافة بعيدة من المؤسسة الرسمية. في مؤتمر بالمغرب عام 96 فوجئ بجمهور الأمسية المدعو إليها يجلس إلي موائد الطعام والشراب.
كانوا مجموعة أسماء يعرفها من أنصاف الشعراء بالإضافة إلي نقاد ومسئولين بوزارة الثقافة. طلبوا إليه أن يلقي بشعره فاحتد وبدا أنّ مشكلة كبيرة ستحدث..
"لم يكن هذا هو الجوّ المناسب لإلقاء الشعر، ناقد كبير كان يعرف أنني يمكن أن أتسبب في مشكلة ضخمة فعمل علي تهدئتي، ولم ألق شعري في النهاية". يصمت لحظات قبل أن يضيف: "بعد هذا الموقف بسنوات أراد أحمد عبد المعطي حجازي أن يرشّحني لحضور مؤتمر في بلد عربي، وفوجئ بهم في العلاقات الثقافية الخارجية بالمجلس الأعلي للثقافة يرفضون اسمي. لم يكن يعرف لماذا، ولكنني حينما علمت بالأمر تأكدت من أنّ المسئولين قرروا معاقبتي علي الموقف السابق، أنني لم ألق بشعري في أمسية المغرب"!
الرفض لم يقتصر علي المؤسسة ولكن سبقه بعض الشعراء الكبار أيضاً، ومن بينهم أدونيس، ففي عام 94 تم ترشيحه للسفر إلي أمستردام علي يد صديق روائي: "هناك عرفت شيئاً غريباً جداً، أن أدونيس كان مدعواً ولكنه سأل القائمين علي المؤتمر عن اسم المشارك من مصر فأخبروه أنه محمد سليمان فاحتد وقال إنه لا يرغب في مجيئي، وطلب شاعراً صديقاً بالاسم، فقالوا له إنهم وجهوا الدعوة إليّ بالفعل وأنني قبلت، فوضعهم أمام شرط قاطع إما الاستجابة لطلبه السابق أو يعتذر عن الحضور، فردوا عليه بقبول اعتذاره"!!
يعلّق ووجهه يكتسي بدهشة من تعرض لذلك الموقف منذ ساعات قلائل: "كان أمراً غريباً بالنسبة إليّ، فلم أتصور أن يبدر من أحد الشعراء هذا الموقف ضد شاعر آخر، لقد أدهشني موقف أدونيس وإصراره علي استبعادي، وإحاطة نفسه بأصدقائه، ومريديه، ورغم مرور كل هذه الأعوام إلا أنني لم أعاتبه، ولم أشر إلي موقفه السابق. ربما لأن أدونيس لا يختلف في تقديري عن معظم المبدعين العرب والمصريين، الذين أدمنوا الحديث عن الحرية والديمقراطية والتعددية واحترام الآخر المختلف، والذين يحشون جيوبهم في الوقت نفسه بصور الديكتاتور وتراثه"..
وأنشد من قصيدة له: "بعيون الديكتاتور يري/ وبقلب الديكتاتور يحبّ/ وفي القاعات الفخمة يشدو/ ويثرثر كالصنبور عن التنوير/ وحق الآخر/ وسماوات المغلوبين/ ويبكي أحياناً كالذئب/ لأن الحب خبا/ والحمل تواري".
رغم النظر إليه كشاعر كبير في الوسط الأدبي إلا أن محمد سليمان حتي الآن لا ينظر خلفه برضي. لماذا؟ يجيب: "لأنني لا أزال أفكر وأحلم بالقصيدة الأخري الجديدة، ستجد أنني في مقطع من إحدي قصائدي. أبدأ بالحديث عن هذه القصيدة المأمولة، فأقول: حين يصير البحر صديقاً، سأغيّر مائي، وأزيح هواء مثل رخام يحبو/ ثم أهزّ دفوف الموج، لأوقظ حوتا،ً وأشدّ من الأطراف قصائد تلهو كدلافين اللؤلؤ فيها".
ويضيف: "إذن ما أزال في رحلة بحث عن هذه القصائد المشحونة باللؤلؤ، لإحساس يضغطني في معظم الدواوين، ستجد في "سليمان الملك، وهواء قديم" وغيرهما سعياً دائماً من أجل اصطياد هذه القصائد الجديدة، وأعتقد أن أي مبدع _يحترم عمله- يظل يحلم باصطياد هذا العمل الذي يرضيه تماماً".
اختار سليمان طريقاً لا يحقق له النجومية في الشعر، بإصراره علي كسر التفعيلة والمزج بين ما هو نثري وتفعيلي. يقول: "لدينا شاعر نجم، ولدينا شاعر كبير، وعادة الشاعر النجم هو الذي يحقق ذلك الانتشار الواسع بين الجماهير، وهذا الانتشار يرجع إلي القيمة المضافة، هناك القيمة الفنية للإبداع بشكل عام، وهناك قيمة مضافة ليست فنية، ويمكن أن تنسحب في أي وقت، نزار قباني، محمود درويش من عينة الشعراء النجوم، نزار تحديداً حقق النجومية بالقصيدة السياسية والغزل، كان أول من تحدث عن الحلمات والأثداء وجسد المرأة في شعرنا الحديث، وكان أول من كتب القصيدة السياسية الجارحة، فكتب بعد 56 "خبز وحشيش وقمر"، قصيدة انتشرت في ذلك الوقت، وبعد 67 نشر قصيدته الشهيرة "هوامش علي دفتر النكسة". كنا ننسخ قصائده الممنوعة في ذلك الوقت، كما أن هناك العديد من قصائده التي تحوّلت إلي أغان، ساهم المطربون في الوصول بجماهيريته إلي ذلك الحجم الذي كنا نراه سنوياً في معارض الكتاب، فقد كانوا يستعينون بالشرطة لتنظيم الجماهير..
منذ خرج محمود درويش من الأرض المحتلة قادماً إلي مصر، تم إلحاقه بالعمل في جريدة "الأهرام" وهو شاب، وقبل أن يصل كتب رجاء النقاش كتابه الشهير "شعراء الأرض المحتلة". أصبح درويش يمثل شعر المقاومة، شعره أعاد للمواطن العربي الأفق والحلم الفلسطينييْن، أصبح الممثل الشرعي لمعاناة الفلسطينيين وقضيتهم، ولذلك ساهم كل هذا في انتشار جماهيريته، وعليك أنْ تتذكر أنّ أمل دنقل الشاعر المصري كان يجلس في مقهي "ريش" بلا عمل، وحينما ذهب إلي لويس عوض في الأهرام طالباً إليه أن يعيّنه قائلاً: درويش ليس أشعر مني.. كان رد لويس عوض: درويش يمثل القضية الفلسطينية".
ولكن ما الفارق بين الشاعرين، الكبير والنجم؟ يجيب:"عادة الشاعر الكبير هو الذي يجدد وليس الشاعر النجم، وجهور الشاعر الكبير من النخب، سنجد عبدالصبور، حجازي، أدونيس، يتوجهون إلي نخب مهتمة بالشعر وبالثقافة وبالإبداع. أحيانا يكون الشاعر النجم شاعراً كبيرا في الوقت نفسه وينطبق هذا علي محمود درويش في رأيي".
هناك من يقسّم النثريين إلي ماغوطيين وأدونيسيين.. كيف يري سليمان ذلك؟
يقول: "أين أدونيس؟ أدونيس الشاعر مايزال موجوداً بإبداعه، لكن الأدونيسية توارت، لم يعد لأدونيس الآن ذلك التأثير الذي كان له في البداية، منذ منتصف الثمانينيات وقصيدته توارت، لم يعد هناك من يقلده في ربع القرن الأخير..
ولا أظنّ أيضاً أن الماغوط له ذلك التأثير الكبير علي شعراء قصيدة النثر الآن، من الممكن أن نقول إن وديع سعادة له تأثير أكبر، وكذلك الشعر العالمي المترجم، المأزق الآن هو في تلك السهولة التي يتعامل بها شعراء قصيدة النشر مع أنفسهم، هناك عبارة نقدية جميلة وبسيطة تقول "القصيدة التي يكتبها الجميع ليست قصيدة".. إذن علي الشاعر الحقيقي أن يبحث عن القصيدة الأخري، النقيض. القصيدة التي يعلن بها اختلافه مع الآخرين، ويرسّخ بها تميّزه، نحن نري الآن قصيدة يكتبها الجميع، ولا نري سوي عدد قليل جداً من الأصوات المتميزة والتائهة تحت ركام من الرداءة والتماثل.
الكتّاب الكبار يريدون بعض المريدين الذين يهللون لهم، ويعملون كصبيان في معيّتهم، ويساعدونهم علي الانتشار أكثر وأكثر، وهم بالطبع ضد كل مختلف، وضد كل من يرسّخ صوته الخاص. يوسف إدريس لم يتحدث مرة عن محمد مستجاب، أو يحيي الطاهر عبدالله، أو معظم كتاب الستينيات وقدّم محمد الجمل. الوحيد الذي كان مختلفاً وكبيراً هو صلاح عبدالصبور فقط.
لابد من وقت ليعرف الذين ألبسوا الصغير بدلة الكبير أنهم خافوا وأنهم علي جذورهم قد أعلنوا حرباً/ لابد من وقت لتسقط الأحجار بعد قذفها معلنة أن الطيور وحدها تطير/ وحدها/ ووحدها تعلو.
الشاعر في نهاية الأمر يطير بجناحيه، سلاحه الوحيد هو الشعر، هناك شعراء ماتوا قبل نشر قصائدهم وأصبحوا شعراء عالميين، مثل إيملي ديكنسون وفرناندو بيسوا، الزمن أعظم النقاد، دعك من الذين يريدون الأكل والشرب والسفريات، الزمن هو الذي يغربل ويفرز الكبير ويمحو الحشائش".
وما الذي تبقي من جيل السبعينيات الآن؟
يجيب: "جيل السبعينيات كان يضمّ ما يقرب من عشرين شاعراً، منهم عشرة شكلوا الجماعات، وعشرة كانوا خارج الجماعات، وسنلاحظ أن أحمد عبدالمعطي حجازي قام قبل عشرين سنة بالفرز الأول لشعراء هذا الجيل فاختار منهم أربعة شعراء، وهم حسن طلب، وعبدالمنعم رمضان، وحلمي سالم، وأنا.
مرت عشرون سنة ولم يقم ناقد واحد بإعادة الفرز أو بفرز ثان، ومن المضحك أننا كنا تقريباً بلا أعمال منشورة حينما قام حجازي بفرز الجيل، ولكن خلال العشرين عاماً الماضية كلنا نشرنا، وأصبحت أعمال الجيل مطروحة علي الطاولة، ورغم ذلك لم نر ناقداً يحاول إعادة الفرز أو تقديم وجهة نظر أخري، والأعجب أن نقاداً اعتبروا فرز حجازي حقيقياً ونهائياً واعتمدوه..وهذا يرجع إلي انشغال النقد بذاته وأدواته وإغفاله للقيمة الفنية، وأذكر أنني كتبت شهادة عن الواقع النقدي تم نشرها في مجلة "الناقد" بلندن قبل 20 عاماً تحدثت فيها عن انشغال النقد الحديث عن القيمة ومن ثم مساهمته في إشاعة الرداءة والبلبلة والفوضي، ونشرت مقالة أخري في جريدة "الجريدة الكويتية" بعنوان "النقد الصامت" وجدتها مترجمة إلي العبرية، تحدثت فيها أيضاً عن انشغال النقد بذاته وأدواته وابتعاده عن تقييم العمل الفني وإبراز أهميته وقيمته الفنية".
يتحدّث سليمان انطلاقاً من النقطة السابقة عن أسباب تراجع النقد الشعري:"مجلة فصول في الثمانينيات عندما قدّمت المدارس النقدية الجديدة رسّخت للنقد وظيفة واحدة وهي وصف العمل الأدبي، التحليل والتفكيك، وأعلنت أنّ النقد ليس مسئولاً عن التقييم، وكان ذلك إعلانا بانتهاء مهمة النقد وسيادة الفوضي. ستكتشف الآن أنّ جابر عصفور في الفترة الأخيرة راجع نفسه وكتب في أكثر من مكان عن القيمة الفنية الغائبة التي لم ينشغل بها الناقد. أدرك جابر جناية المدارس النقدية الحديثة التي تغفل القيمة علي القصيدة والأعمال الإبداعية عموماً.
هذا التقاعس النقدي ساهم بكل تأكيد في البلبلة وإشاعة الفوضي، وكان أحد الأسباب الرئيسية لانعدام قدرة الناقد علي الفرز والغربلة. أصبح لدينا ناقد كبير أحبه يقول في حوار: علي الشاعر أن يبحث أولاً عن الجماهير قبل أن يبحث عن الناقد.. هذه مصيبة، هذا يعني أن كل عمل شائع هو عمل جيد ويستحق انشغال النقاد به، هذا يعني أن نُدخل كل الأغاني الهابطة في حيز الأعمال الشعرية المهمّة، وقس علي ذلك بقية الفنون الأخري. هناك اضطراب نقدي، النقاد أنفسهم لايثقون بقدراتهم وينتظرون من يتولّي الحكم علي الحركة الأدبية نيابة عنهم. في الماضي قدم رجاء النقاش عدداً من المبدعين. غامر وراهن عليهم فقدّم الطيب صالح الذي صار نجماً روائيا، وأحمد عبدالمعطي حجازي، ومحمود درويش"..
ويضيف: "هناك في الغرب نقرأ كثيراً في سير الشعراء عبارة "صحوت فوجدت نفسي مشهوراً" لأنّ ناقداً قديراً كتب عاموداً نقدياً في صحيفة أبرزه وقدّمه إلي الجماهير. ناقد قاض تثق فيه الجماهير".
لم يقل سليمان في إجابته السابقة ما الذي تبقّي من شعراء السبعينيات بشكل محدد. أسأله مجدداً فيقول: "جيل السبعينيات بائس، ولم يقدّم الكثير ببساطة شديدة. يكفي أن أغلب شعرائه تحوّلوا إلي قصيدة النثر بعد أن تجاوزوا الخمسين من عمرهم وبعد أن فشلوا في كتابة قصائد تفعيلية لامعة. هناك أيضا شعراء آخرون انخرطوا في تقليد أنفسهم ومن ثم قلّت المحطات والتحوّلات الشعرية في شعرهم لكنني أقول إن كل جيل من الأجيال الشعرية يغربل نفسه ويواصل الغربلة والفرز بشكل دائم. لم يبق من شعراء الخمسينيات سوي صلاح عبدالصبور، وعبدالمعطي حجازي، وكان هناك عشرات الشعراء ينشرون قصائدهم في مجلة "الشعر" التي كان يرأس تحريرها عبدالقادر القط. أين ذهب هؤلاء الآن؟ الشعر الجيد نادر للغاية، ومن ثم يتراجع الشاعر الضعيف، والمتوسط، ويبقي في النهاية (الشاعر الشاعر). حينما يكتشف الشاعر أنّ وجوده الشعري مهزوز، أو متواضع أو محدود، أو مرهون بسطوة البعض سيقترب من الجنون، ولذلك سنجد معارك عديدة، وجفوة تتسع بين الشعراء والشعراء، وبين الشعراء والنقاد، الوجود يطمئن الشاعر ويمنحه الإحساس بأنه علي الطريق الصحيح وأنه يعمل ويدفعه إلي الكد والبحث عن الأجمل والأقوي.
ما القرار الذي اتخذته ولم تندم عليه؟
يجيب: "أن أكون مستقلاً تماماً، بمعني أكتب قصيدتي وأسعي لنشرها ولا شيء آخر، لايستطيع أحد أن يزعم أنني طلبت مساندة منه في أي وقت. متعة الكتابة بحد ذاتها كانت تكفيني ولاتزال.. وأنا حتي الآن أنشر أعمالاً كتبتها قبل عشرة أعوام ولديّ العديد من الدواوين نفدت ولم أسع لإعادة نشرها، أو جمعها في أعمال كاملة، لأنني لا أريد الاصطدام بهذه المؤسسات..
أنا الوحيد الذي رفضت جائزة في هذا الجيل. لكي أزيح الحرج اعتذرت عن جائزة التشجيعية، وطلبت ألا تُحجب وتمنح لمحمد مهران السيد عن ديوانه "بدلاً من الكذب".. ومنحوها له فعلاً".
ومن الشعراء الذين يلفتون انتباهه في الأجيال الأحدث؟
يقول سليمان: "إبراهيم داود، ومحمود قرني، وجرجس شكري، وإدوارد وهيب، وفتحي عبدالله، والبهاء حسين، وعماد أبوصالح، ولكن الأخير وقع في مشكلة كبيرة هي فخ الذات.
وعلي شاكلته أيضاً وقع كثيرون في الفخ نفسه، والشاعر حينما يقع في ذلك الفخ، تقليد قصيدة أعجبت القراء يصبح في ورطة حقيقية. علي الشاعر باستمرار أن يكسب أرضاً جديدة، ويغيّر لغته، ويتّكيء علي تجربته الشخصية والذاتية، وأن يتمرّد باستمرار علي الشائع، وعلي ذاته في الوقت نفسه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.