«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذ كريات أمستردام
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 07 - 2010

في أواخر السبعينيات ابتدأ هياجنا، وانقسمنا مع الهياج إلي جماعتين: أصوات وإضاءة، كنا قد خرجنا تقريباً من عباءة ندوة سيد حجاب، في نهايات تلك الفترة أصبحت الأرض خالية، (أحمد عبدالمعطي حجازي هارب إلي باريس، وعفيفي مطر هارب إلي بغداد، ورفاقهما الموجودون بالداخل يفتقرون إلي كاريزما الشاعر، والمجلات الثقافية أغلقت، مطالع الثمانينيات غادر صلاح عبدالصبور وسافر سفره الأخير إلي الله ، بعده فعلها أمل دنقل، فيما بينهما انتقل السادات من بيته بشارع كافور الأخشيدي إلي مقبرته بطريق النصر بمدينة نصر، وحل نظام محل نظام، وحكام محل حكام، وترنحنا حتي أننا كنا طوال الثمانينيات نعاني من تلك اللعبة التي خسرنا فيها أكثر مما كسبنا، لعبة المثقف والسلطة، كنا نقترب دون حذر، ونقيم في باب تجارب بمجلة إبداع، ونبتعد دون حذر، وننزوي في الأزقة، ونزهو بالغبار الذي صنعناه، كل من يرانا كان يعطس ثم يمسح وجهه براحة يده، في النصف الثاني من الثمانينيات، كان الجميع يتلقون دعوات الحضور لمهرجان المربد الشعري بالعراق، طائرة خاصة تحمل الذاهبين، والزعيم العراقي يلتقي بهم ويسلم عليهم، حدث ذات مرة أن توقف أمام شاعر، وسأله: ما صورتي في بلدكم، قال له الشاعر: فخامة الرئيس أنا شاعر من جنوب مصر، من الصعيد حيث تغلب الأمية، ومع ذلك فإن كل امرأة أنثي تلد ولداً ذكراً تسميه صدام، دعينا للذهاب مثل غيرنا، ولكننا أنا ومحمد سليمان كنا الأحمقين الوحيدين تقريباً أيامذاك، لم نقبل الدعوة ثلاث سنوات متتالية، وكنا نفخر لأننا نرفض الذهاب إلي بلد يحكمه الديكتاتور وتشيع فيه المذابح، الآن لا أعرف إلي أي حد كان رفضي زهواً، وإلي أي حد كان عقيدة أم أنه كان الاثنين.معاً.

في المرة الثالثة ذهب أحمد طه بحجة أنه يريد أن يزور مقابر الطالبيين ويدخل النجف الأشرف وحجته صادقة، وفيها أيضاً ذهب الناقد إبراهيم فتحي، وكان أحد الصقور، ذهاب إبراهيم صار الإجابة علي سؤال: لماذا تذهب؟ الإجابة: لأن إبراهيم فتحي ذهب، حتي ذلك الوقت لم أكن ذهبت إلي مطار قط، في 8891 زار أدونيس القاهرة زيارة علنية سبقتها وعلي مدي سنوات زيارات سرية لم يعلم بها أحد، وتعرف علي الحركة الشعرية المصرية الشابة، وتعرف علينا.. كنت أحبه منذ زمن طويل، وأعلق صورته علي جدار غرفتي، لما التقينا أحببته أكثر، وأمسك يدي وضغطها وعرفت أنه أحبني، في أوائل 98 زار أدونيس القاهرة ثانية وشارك بالقراءة في أمسيات معرض الكتاب، أمسيته ضمت بالإضافة إليه سعدي يوسف وأنا ووليد منير، أعتقد أن أدونيس اختار شركاءه في الأمسية، أيامها كان أدونيس يصدر مجلة مواقف عن دار الساقي بلندن، في خريف 8891 فهرست المجلة اشتمل علي قصائد لأحمد طه ووليد منير وحلمي سالم وأحمد إسماعيل وقصيدة لي، وقصة لسعيد الكفراوي، في شتاء 9891 نشرت المجلة قصيدة أدونيس أحلم وأطيع آية الشمس، كتبها عقب زيارته للقاهرة، وفيها يذكر القمر الآخر الذي يتمدد في عقده من الأجنحة، الكفراوي ومطر: يخلط الذكر بورق الغار وتخلط الأنثي بالورد، الغيطاني: أنا العاشق وسكناي في كبد الحب، اعتدال: الحب الماء الوحيد الذي لا نقدر أن نطفو فوقه، رمضان: كشمس أولي يسطع في المدينة الشعر، وكل خلية في جسد القصيدة بيت كريم، طه: رأسي مليء بمشاة التاريخ ولكل طائر قدماي، ويذكر أولئك الذين اختصوا بتأويل الرؤيا من خبز الذرة، الشعير، الشوفان، وما تيسر من القمح من الباعة المتجولين الغرباء المنتشرين بين مقهي محفوظ ومقهي الغيطاني، الأسماء المذكورة أعلاه هي سعيد الكفراوي، عفيفي مطر، جمال الغيطاني، اعتدال عثمان، عبدالمنعم رمضان، أحمد طه، في ربيع 98 نشرت مجلة مواقف قصة لاعتدال عثمان وقصيدة لمحمد سليمان.

كنا أيامها نملأ الدنيا، بزفيرنا وشهيقنا، الذي هو شهيق شبان طالعين يتحمس لهم البعض، وينفر منهم البعض، ولكن لا يصل الأمر بأحد أن ينفعل ويعلق أسفاره ونشاطاته وعلاقاته وندواته بوجودنا أو عدمه، كنا هواء ساخناً يلفح بعض الوجوه ومن لا يعجبه هواؤنا، يكفيه أن ينسحب إلي الحجرات المكيفة دون أن يفكر في خوض حروب مع غيرنا من أجلنا أو من أجل سوانا، لأننا أيامها كنا أبرياء وهم كانوا كباراً جداً ومتحققين جداً، نحن في نظرهم جيل الغضب الذي لم يكتمل نموه بعد، والذي تلزمه أسمدة كثيرة وأكياس مخصبات. لما زار أدونيس القاهرة والتقيناه، وقرأنا أمامه شعرنا وعاملنا بالمثل وقرأ أمامنا، وأعطيناه قصائدنا لينشرها في مجلته، غضب بعضنا، لأنه لم ينشر لهم، محمد عيد إبراهيم، الذي علق علاقاته بزملائه في الجامعة علي أساس من مواقفهم من أدونيس، يحب من يحبه، ويكره من يكرهه، تحول إلي النقيض، أحس أن أدونيس خذله، في الزيارة التالية، قلت لأدونيس هذا بالتحديد أعني محمد عيد، مرفوض من كل المصريين ومحسوب علي التجربة اللبنانية، وينتظر منك أن تنصفه، فطلب أن آتيه، لا بقصيدة واحدة من شعره، ولكن بمجموعة قصائد ينشرها معاً، وفعل، إلا أن الشاعرة لينا الطيبي كتبت في جريدة الحياة تفضح المصادر التي أخذ عنها محمد عيد بعض قصائده، وظننت أن هذا سيؤثر علي علاقتي بأدونيس، ولكنه وهو الرجل الناضج لم يتأثر، وخاصمت محمد عيد فترة، ثم تصافينا، حتي ذلك الوقت كنت قد نشرت نشراً محدوداً ديواني الحلم ظل الوقت الحلم ظل المسافة، الذي أنكرته فيما بعد كانت بقية قصائدي متفرقة في المجلات والصحف، كنت بلا ديوان تقريباً.

في 9891 احتفل المثقفون العرب والأوروبيون بمرور مائتي سنة علي الثورة الفرنسية، وأقيم الاحتفال في صنعاء، وكان أدونيس رائده الأول، ولعله هو من رشحني للمشاركة في هذه الاحتفالية، ولعله هو من رشح جابر عصفور وعفيفي مطر، الاثنان ذهبا فيما اعتذرت أنا لأن الاحتفالية تزامنت مع العيد الرابع لميلاد ابني، ففضلت البقاء، مازلت لم أركب طائرة بعد، حتي الخامس من فبراير 2991 عيد ميلاد ناريمان، ليلتها ذهبت إلي المطار لأول مرة، كنت مدعواً للمشاركة في المهرجان الأول للشعر العربي الهولندي، سأصاحب الشعراء أدونيس وسعدي يوسف وعبداللطيف اللعبي، وفينوس خوري غاثا من لبنان، ومحمد الأشعري وسيف الرحبي، وربيعة جلطي من الجزائر، ونداء خوري من فلسطين الداخل، لا أذكر من الشعراء الهولنديين سوي الشاعرة جوديث أويوديت هيرزبرج لأنني زاملتها القراءة، قرأت شعري بالهولندية وقرأت شعرها بالعربية، وبعد القراءة مدحت قراءتي وشكرتني وعرضت أن نتواصل ونتراسل، وقالت إنها تقيم نصف عامها في امستردام والنصف الآخر في تل أبيب، وبفجاجة أحس بالندم كلما تذكرتها، انصرفت عنها، كان شعار المهرجان: جسر بين ثقافتين، مكتبة الهجرة بأمستردام هي الجهة المنظمة بالاشتراك مع بعض المؤسسات الرسمية وبإدارة السيد عبدالرزاق الثبيتي لعله السبيطي، وزوجته النشطة السيدة سيمون، ولقد سبق كما علمنا لمكتبة الهجرة أن نظمت سلسلة من مهرجانات أخري شارك في بعضها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، والروائي جمال الغيطاني، أما مهرجان الشعر الذي كنت مدعواً إليه، فهذه هي دورته الأولي، فيما بعد وفي الدورة الثالثة 1994سيذهب الشاعر محمد سليمان، وفي الرابعة سيذهب حلمي سالم، ادعي البعض أنهم هم من أشاروا علي عبد الرزاق بدعوتي ، اثنان فقط، أظنهما فعلاً ذلك، أدونيس الذي لم يخبرني بشيء، وجمال الغيطاني الذي أخبرني، وأكد عبدالرازق صحة روايته، الأكيد أن اللعبي كان عراب الدورة الأولي، وكان صديقي وهو الذي راسلني ذهبت إلي أمستردام كأنني ذاهب لمقابلة فان جوخ ورمبرانت وسبينوزا، ومع ذلك لم أذهب إلي أي متحف، التزمت بالمهرجان التزام شاعر خام، والغريب أن المهرجان بعد دورتيه الأوليين أصابه العطب بسبب من سياساته المالية، ثم أصابته حمّي النسيان، أستاذ الأدب العربي بجامعة امستردام المستشرق بيتر سمور دعاني إلي العشاء بمطعم صيني، وعرفت منه ان المثقف الهولندي لايعاني التعقيدات التي يعانيها المثقف العربي، وأن أية محاولة للربط بين الشعر والسياسة تستحق السخرية الكاملة، ورسم أمامي صورة هولندية لايوجد فيها مكان يشغله اليسار علي الاطلاق، أفرادا كانوا أم جماعات، أذكر أنه في ليلة سفري، أصر صديقي الشاعر حسن طلب أن يوصلني، لأنه يعلم خوفي من السفر، فيما أعلم ولعه به، اصطحبني بسيارته إلي المطار، في بادرة من بوادره التي تخلو من كل ادعاء، خاصة أنني كنت قبلها قد شكوت من آلام بقلبي ،في الطائرة تصادف أن جلست إلي جوار فتاة أرجنتينية، بدنية بعض الشيء، ملتهبة، مفتونة بالكلام، وبلغة انجليزية لا يجيدها أحدنا، أحسست أننا نتكلم بطلاقة، تفاهمنا وانسجمنا وضحكنا وأحدثنا بعض الصخب، وافترقنا تحت سلم الطائرة .

قبل نهاية المهرجان وكما يفعلون في كل مهرجان ومع كل الضيوف طلب منا المنظمون أن نكتب أسماء من نرشحهم للحضور في المرات القادمة، وكتبت أسماء من أحبهم، محمد سليمان وحسن طلب وحلمي سالم، في كولومبيا وعندما سافر إليها حسن طلب، كتب اسمي، وفي العام التالي اتصلوا بي فاعتذرت لأن المسافة بعيدة، عموما في حفل الافتتاح، كان أدونيس في مقام رئيس وفد الشعراء العرب، وصعد إلي المنصة وألقي كلمة باسمه واسمنا، لكنه سافر بعد يومين فقط، كان مدعوا إلي مكان آخر، وفي ليلة الختام، تناولنا العشاء الأخير في مطعم تونسي، صاحب المطعم أدار،علي جهاز تسجيله أغنيات محمد عبدالوهاب، فغنينا معه، كنا نحن الشعراء العرب نجلس في صف واحد علي جانب من المائدة، وعلي الجانب الآخر يجلس الشعراء الهولنديون، علي يميني فيما أذكر عبداللطيف اللعبي وسعدي يوسف، علي يساري محمد الاشعري وسيف الرحبي، لا أذكر مكان جلوس الشاعرتين، سيف أيامها كان يقيم بأمستردام، والأشعري ربما كان رئيسا أو نائب رئيس اتحاد كتاب المغرب، اقتربت رؤوسنا نحن الثلاثة، وتآمرنا، وأحببنا أن نلعب، تشتهر هولندا بالدراجات، كل شعب أمستردام من راكبي الدراجات، كل شخص يملك سيارة أو لايملك لديه دراجة، يذهب بها إلي العمل، وإلي الأماكن القريبة، الكوبري الصغير علي النهر الصغير، اذا عبرته ساعة الضحي، لابد أنك ستندهش وأنت تشاهد الدراجات مربوطة بسلاسلها في حديد الكوبري، في كل شارع حارة ضيقة مخصصة لمرور الدراجات، لما سألناهم لماذا؟ قالوا لنا: انه إرث الحرب العالمية الثانية فمع ندرة الطاقة اعتمد الناس علي الدراجات، التي أصبحت فيما بعد علامة قومية، في حي الدام، والدام تعني المرأة، تواجد ڤاترينات زجاجية، يجلس وراءها نسوة عاريات من بائعات المتعة، يجلس في أوضاع تختلف حسب رؤية كل واحدة للوضع الأكثر إغراء، الڤاترينة التي ستائرها مسدلة بحيث لانري أحدا، هي الڤاترينة المشغولة بطالب متعة، تشتهر هولندا باوالدراجات وبالڤاترينات وبجميل حتمل الذي قابلته للمرة الأولي والأخيرة هناك في العشاء الأخير، اقتربت رؤوسنا الأشعري والرحبي وأنا، وتآمرنا، وأحببنا أن نلعب، اتفقنا علي كتابة بيان، صغناه برشاقة، وأعلنا فيه عن قيام تنظيم ذكوري، شاغله الاول هو حماية حقوق الرجال، رئيس التنظيم سعدي يوسف، وكيله وأمين صندوقه عبداللطيف اللعبي، الناطق باسمه عبدالمنعم رمضان، في صيغة البيان الذي قرأته واقفا، وواقفا ترجمه عبداللطيف اللعبي، أشرنا إلي أننا سنشتري لكل رجل دراجة، وأننا سنعتمد عليها في توزيع بياننا علي كل المنازل، والهيئات، وطالبنا بضرورة مساواة الرجل بالمرأة، وأن تقام للرجال ڤاترينات زجاجية مماثلة لڤاترينات النساء، في أثناء القراءة، كانت وجوه الشعراء الهولنديين تحمر وتنغلق وتنفتح ثم قاموا قيامة رجل واحد، وجلسوا في مكان آخر جلسة رجل واحد، وبعد قليل عادوا صامتين، جلسوا جميعا، فيما عدا ميخائيل زيمان الذي ظل واقفا، وشرع يقرأ البيان الذي كتبوه، كان يقرأ كأنه يتوعد، ندد بيانهم بالرقص الشرقي والجلابيب والقباقيب وماشابه، كان عبدالرزاق قد بلغ الشوط الأخير من الحرج، قال سعدي: حتي الروس يضحكون يا أخي، أما الهولنديون فقط اكتشفنا إما أنهم لايعرفون الضحك، واما أننا ضحكنا اكثر من اللازم.

في جلساتنا الممتدة طوال أيام المهرجان كان عبدالرزاق يفخر ويعلن بنود المانفستو الشفاهي الخاص بمهرجانه، وأهمها أنه لن تتكرر أسماء المدعوين، سيحرصون علي أن تكون الأسماء المدعوة في كل دورة جديدة وللمرة الأولي، أعترف أنني في هولندا، كنت مأخوذا، لم نكن أنا وأدونيس قد أصبحنا صديقين بعد، اننا بصدد مشروع صداقة خطونا خطوته الأولي فقط، كنت مازلت العاشق، وكان مازال المعشوق، وأظن أن أصحابي جميعا كانوا مثلي بالنسبة له، المسافة بينه وبينهم كانت هي المسافة بين الميلاد الأول ميلادهم وبين الميلاد المستمر الدائم منذ زمن طويل وإلي زمن طويل، ميلاده، وكانت جملته الشعرية التي أحرص علي ألا أكون موجودا فيها، كانت ترن في أذني وقلبي، كل أعدائي كانوا أصدقائي، غادرت أمستردام دون أن أسهر مع أدونيس سهرة واحدة طويلة، كان مشغولا، وكان الزمن يدخر ما سوف يظل يمنحه لنا من سهرات، أمستردام لم تكن علامة أدونيس، كانت باريس وجبلة هما الابرز بين علاماته، وفي كل مكان قابلني فيه أدونيس لم يكن يسألني للاطمئنان فعلا عن أحد بقدر ما كان يسألني عن حسن طلب وحلمي سالم وأحمد طه ومحمد سليمان: كيف الاصدقاء، كيف محمد سليمان.
مرفق لمزيد من استذكار العذوبة والشجن رسالتنا الدعوة اللتان أرسلهما الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي وبخط يده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.