"الشيوخ" يوافق على دراسة بشأن كليات التربية ويحيلها للحكومة    الرقابة النووية والإشعاعية تستأنف حملتها التوعوية من مكتبة مصر    البورصة المصرية تربح 43 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    محافظ الغربية يشهد تدشين مبادرة سكن كريم من أجل حياة كريمة    السيسي يوجه بتكثيف جهود تعزيز الإنضباط المالي لتطوير أداء الاقتصاد ودعم جهود التنمية    مسئول بالاتحاد الدولي للغاز: نستهدف استقرار الأسعار وتعزيز التحول الطاقي في إفريقيا    محافظ الجيزة يشارك في فعاليات تدشين مبادرة سكن كريم من أجل حياة كريمة    وزير الإسكان: نستهدف زيادة المساحة المعمورة في مصر إلى 18%    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الباكستاني تطورات الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل    خامنئي يبدأ مسار تسليم الراية.. كيف تختار إيران مرشدها الأعلى؟    وفاة 3 وإصابة 70 في حادث تدافع بملعب كرة قدم بالجزائر    بايرن ميونخ يستغل مكاسب مونديال الأندية في إبرام صفقات جديدة    جوارديولا لا يستبعد التدريب في أمريكا الجنوبية.. ويعلق على مصير جوندوجان    شوبير يدافع عن لاعبي الأهلي: "كانوا محتاجين يغيروا جو.. ومفيش تجاوزات"    «هل انشغلنا أكثر بتقديم الصفقات؟» عبد الحفيظ يحرج مسؤولي الأهلي بسؤال شائك    هدوء في لجان الثانوية العامة خلال امتحان اللغة العربية.. وتشديدات على الانضباط والمراقبة الإلكترونية    السجن المشدد 5 سنوات لعاطل هدد فتاة بصور خادشة وابتزها جنسيا وماليا بشبرا الخيمة    انفجار أنبوبة غاز السبب.. تفاصيل حريق محلات في سوق تجاري بمنطقة فيصل    وزارة الثقافة تحتفي بالجراح المصري العالمي الدكتور مجدي يعقوب ووزير الثقافة يعلن عن تفاصيل تمثاله    زينة تُفاجئ جمهورها بدور مذيعة في فيلم "الشيطان شاطر"    تحرك ميداني بعد شكوى على فيسبوك.. وكيل صحة قنا يزور مريضا في منزله ويعتذر عن تقصير طبي    تجديد حبس المتهمين باحتجاز أجنبي بسبب خلافات مالية بمدينة نصر    منها «7 تماثيل لأبو الهول».. «سياحة الإسكندرية» تستعرض اكتشافات أثرية ب6 مواقع (صور)    تأجيل دعوى هيفاء وهبي ضد نقيب الموسيقيين إلى 10 يوليو للاطلاع    حالة الطقس اليوم في السعودية.. أمطار رعدية وتقلبات بمكة والمدينة    اتحاد الكرة يعلن.. اخطار كاف بالأندية الأربعة المشاركة في دوري الأبطال والكونفدرالية    غسلو 90 مليون جنيه.. سقوط شبكة خطيرة حاولت تغطية جرائمها بأنشطة وهمية    3 طلاب يتسلقون طائرة هيكلية في الشرقية.. و«الداخلية» تكشف الملابسات (تفاصيل)    ماتيرازي: محمد صلاح أسطورة.. ويستحق الكرة الذهبية    زلزال بقوة 5.2 درجة قرب جزر توكارا جنوب غربي اليابان    كورتوا: لا نلتفت للانتقادات وعلينا الفوز على باتشوكا لانتزاع الصدارة    أوبزرفر: خيارات إيران للرد على الضربات الأمريكية محدودة ومحفوفة بالمخاطر    الليلة.. نانسي عجرم تغنى في موازين بعد غياب 7 سنوات    الحرس الثورى الإيرانى: الطائرات المشاركة بالهجوم على إيران تحت المراقبة    في ذكرى ميلاده.. عمرو الليثي يعرض أخر لقاء تلفزيوني أجراه أشرف عبدالغفور    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات والتداولات تتجاوز 1.5 مليار جنيه    وزير التعليم العالي يتفقد مركز أسوان للقلب ويشاهد إجراء عملية جراحية للقلب المفتوح من خارج غرفة العمليات    د.عبدالراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "15" .. التساؤلات العشر حول ناكر الجميل    الحرس الثوري الإيراني: القدرات الأساسية للقوات المسلحة لم يتم تفعيلها بعد    مصدر إيراني: نقلنا معظم اليورانيوم من منشأة «فوردو» إلى موقع آخر    محافظ أسيوط يبحث آليات دعم المنظومة الصحية وتحسين مستوى الخدمات الطبية    تداول حل امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2025 في جروبات الغش.. والتعليم تحقق    «الرعاية الصحية»: إطلاق برنامج «عيشها بصحة» لتعزيز الوقاية ونمط الحياة الصحي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    "الصحفيين" تطالب باجتماع عاجل مع "الأعلى للإعلام"    رئيس حزب المصريين الأحرار ل«روزاليوسف»: عصام خليل: نستعد للانتخابات بكوادر جديدة    هل يجوز إعطاء زكاة المال للأبناء؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    بعد آخر انخفاض.. سعر الذهب اليوم الأحد 22-6-2025 في مصر وعيار 21 الآن    قبل فتح أبواب اللجان.. طلاب الثانوية يراجعون اللغة العربية فى الدقائق الأخيرة    أبرزهم زيزو.. محسن صالح منتقدًا ثلاثي الأهلي: «ليس لهم عنوان في القلعة الحمراء»    ترامب عن مهلة الأسبوعين لإيران: الوقت وحده هو الذي سيخبرنا    إيران: " فوردو" النووية لا تحتوي على مواد مشعة    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر    ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دنيا العلم .. إعصار (سنثيا): ماذا بعد؟
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 06 - 2010

ليس هنالك ما يدل على التطور النوعى فى تقدم العلم وآفاق تطبيقه من المقارنة بين صيحة أرشميدس الشهيرة «وجدتها»، عندما اكتشف قانون الإزاحة، وصيحة فنتر «أوجدتها»، عندما قام مع فريقه بتركيب برنامج وراثى (جينوم) لأحد أنواع البكتريا معمليا، ووضعه فى خلية نوع آخر، حيث نتج عن انقسامها المتكرر خلايا تتصف بخصائص الجينوم المعملى المذكور.
ولتأكيد ملكيته لهذه الخلايا «ملكية فكرية» كاملة، تخول له الحصول على براءة اختراع لها، زود الجينوم المعملى بما سماه «علامة مائية»، استخدم فيها شفرة الجينات والبروتينات، بحيث تشير إلى أرقام وأسماء للعلماء المشاركين وبعض العبارات المشهورة! ومن يعرف مشروع فنتر الكامل يدرك أن هذه الخلايا ما هى إلا القمة الظاهرة من جبل الثلج فهو يستهدف، بعد النجاح فى تركيب هذا الجينوم البكتيرى شبة الكامل (حيث حذف منه 14 جينا فقط) أن يختصره إلى الحد الأدنى، ويزيل منه الأجزاء التى يرى أنها لا تؤثر على قدرته على العمل.
وهذه خطوة مهمة تمكنه من الانتقال إلى التصميم الكمبيوترى لجينومات جديدة تماما، لم تعرفها الطبيعة من قبل. حيث إن الخلايا التى أعلن عنها وسماها «سنثيا»، أى المركبة أو المُخَلّقه، تعد تركيبا معمليا بنى على أساس محاكاة جينوم معروف، فمجال «البيولوجيا التخليقية» الذى يعتبر كريج فنتر من رواده يعد بالكثير، الذى يحمل فى طياته المزيد من أشكال الطموح واحتمالات الجموح.
وكما هو متوقع، أثار الخبر، الذى غطته «الشروق» بامتياز إعصارا من المناقشات المتعلقة بجوانبه الأخلاقية والدينية والمجتمعية، التى ركز فنتر بذكائه على احترامها والالتزام بها لأن ما يعنيه هو جانب «البيزنس» والحصول على براءات الاختراع التى حصل من قبل على العديد منها.
وهذا يذكرنا بدوره فى مشروع الجينوم البشرى. لقد كان عالما «حكوميا» لكنه ترك ذلك وأنشأ شركة خاصة لإتمام المشروع كادت تسبق المشروع الدولى، واتفق على الإعلان المشترك لعدم إحراج أحد الطرفين. لقد نشر نتائجه عن الجينوم فى مجلة «سيانس» التى لا تمانع فى «بيزنس العلم»، ووعد بإتاحة النتائج الخاصة للجهات البحثية بشروط معينة، أما المشروع الدولى فقد نشر نتائجه فى مجلة «نيتشر» التى تتبنى الإتاحة الكاملة للمعلومات والمعارف العلمية، وكما هو معروف فإن نتائج «سنثيا» قد نشرت أيضا فى «سيانس». ومن منطلق الاختلاف الفكرى والمنافسة العلمية معا يرى البعض مثل «جون سولستون»، الحائز على جائزة نوبل، التحفظ على حصول فنتر على براءة اختراع لما قام به.
إن البعض يرى فى السماح ببراءات اختراع تحفيزا وتشجيعا على البحث وإنتاج معارف علمية جديدة، وهذا أمر منطقى. لكننى أتساءل مع كثيرين هل تعد «سنثيا» اختراعا؟ إنها تركيب معملى لجينوم معروف، وليست تركيبا مصمما. لقد أثير هذا الموضوع عند «اكتشاف» شركات التكنولوجيا الحيوية لتتابعات الجينات التى تحدث الأمراض الوراثية فى الإنسان ورغبتها فى الحصول على الملكية الفكرية وبراءة اختراع لهذه التتابعات.
لقد وصفت حينئذ بأنها «تسرق الله» لأنها لم تصمم التتابعات السليمة أو الممرضة للجينات!!! لكن البيزنس بقدرته وأخلاقياته، أو لا أخلاقياته التى تفرض نفسها على المنظمات الدولية نفسها، لا يعترف بهذا، واسألوا المشتغلين باتفاقيات نقل التكنولوجيا والعقبات التى توضع أمام التكنولوجيا مزدوجة الغرض وتأثير الشركات العابرة للقوميات فى مجال الأدوية والتكنولوجيا الحيوية عن ذلك.
وبعيدا عن الخلط المتعمد بين مفهوم الاكتشاف والاختراع، ودوافع الغيرة المهنية والمنافسة والبيزنس، نرى أن «إعصار فنتر» ومجال البيولوجيا التخليقية بشكل عام، يثيران من جديد موضوع المسئولية المجتمعية للعلماء، والمسئولية العلمية للمجتمع، الذى يمولهم ويتأثر إيجابيا وسلبيا بنتائج بحوثهم وتطبيقاتها.
إن سنثيا، رغم ما تعنيه من أهمية وإثارة لا أتفق مع من يشكك فيها، فهى تعد خطوة صغيرة فى طريق طويل. هذا الطريق يعد بالكثير من الفوائد ولا يخلو من الكثير من احتمالات المخاطر. ومن واجب البشرية وحقها أن تتدارس الطرق التى تعظم بها الفوائد وتقلل المخاطر. ومع ضرورة أن نعتمد فى ذلك على العلماء المهتمين بمسئوليتهم المجتمعية، لابد أن تتسم المجتمعات بالقدر الكافى من الثقافة العلمية والتكنولوجية التى تمكنها من المشاركة الواعدة بالرأى الذى يؤثر فى سياسات العلم وتشريعاته فى بلدانها. ولنأخذ «سنثيا» نموذجا على ذلك.
إن أصحابها يعلنون استهدافهم إنتاج كائنات دقيقة تمكنهم من التوصل إلى أشكال جديدة من الوقود الحيوى ومعالجة تلوث البيئة وإنتاج الأدوية والأمصال واللقاحات. وهذا جميل، ولكن المتحفظين يخشون تصميم سلاح بيولوجى فتاك، أو حدوث تلوث بيولوجى غير محدود. إن كيلوجراما واحدا من الملوثات الكيماوية قد يكون عظيم الضرر للبيئة لكن ضرره سيظل محدودا بانتشاره وكميته. لكن كيلو جراما واحدا من الملوثات البيولوجية، القادرة على التكاثر ذاتيا، سيصير مليونا ثم بليونا من الكيلو جرامات.
من يستطيع تقدير أخطاره على البيئة وعالم الكائنات الحية كلها؟ إن الموضوعية تقتضى أن نذكر أن هذه الأخطار غير مؤكدة الحدوث، لكن الموضوعية تقتضى أيضا الاعتراف بأن الفوائد غير مؤكدة. من هنا تأتى أهمية الوعى المجتمعى العام والضبط التشريعى على المستوى العالمى، مع أخذ آراء العلماء المهتمين، الذين لا يستهدفون الربح، بالجدية المطلوبة وبصورة لا تعيق البحث والتطوير، ولكن ترشد مسيرتهما لصالح الإنسان.
أخيرا، أود أن يمثل لنا تلاحق المنجزات وأهميتها دعوة إلى اهتمام أكبر بالثقافة العلمية الجادة وجودتها. إن الإعلام لم ولن يتوقف عن صبغ الأخبار بالبروباجندا الجاذبة والمرء يحتاج إلى ثقافة علمية كافية وتفكير نقدى يمكننا من فهم مغزى الأحداث. لقد صاحب الإعلان الاستعراضى عن «سنثيا» خلط غير علمى بين الخلق، الذى لا يدعيه أى عالم عاقل، والتخليق أو التركيب ومحاكاة الطبيعة.
ونظرا لأن السياق الثقافى فى الغرب يسمح بالكثير من التجاوز اللفظى الذى لا نرتضيه، والذى وصل إلى حد وصف التركيب المعملى لجينوم بكتريا بسيطة «بالخلق الثانى» فإن بعضنا قد ينفر من العلم والعلماء، وينجذب إلى الكثير مما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة من مواد مضادة للعلم والعقل، بل وللإيمان الصحيح، وهذه قصة أخرى نستحق أن نعود إليها فى معالجة منفصلة. ولكن دعونا الآن نتفق على أننا أصحاب حضارة ساهمت فى مسيرة العلم، عندما سمحت بالاجتهاد والإبداع. وشهد لنا الجميع بذلك. وآن الأوان أن نعمل على استعادة عطائنا العلمى وتدعيمه بالثقافة العلمية العقلانية المستنيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.