جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤكد فشله في اعتراض صاروخ اليمن وسقوطه بمحيط مطار تل أبيب    مينا مسعود يحضر العرض المسرحي في يوم وليلة ويشيد به    رئيس وزراء أستراليا المنتخب: الشعب صوت لصالح الوحدة بدلا من الانقسام    وزير الصحة يوقع مذكرة تفاهم مع نظريه السعودي للتعاون في عدد من المجالات الصحية الهامة لمواطني البلدين    تعاون مشترك بين الهيئة العربية وXGY الصينية في تصنيع الرنين المغناطيسي    مصر تدشن مشروعًا وطنيًا لتصنيع أكياس وقرب الدم بالشراكة مع اليابان.. استثمارات ب1.4 مليار جنيه في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    طفل مصري يحصد المركز الأول عالميًا في تكنولوجيا المعلومات ويتأهل لمنافسات الابتكار بأمريكا    الصحفيون المصريون يتوافدون فى يوم عرسهم لإجراء انتخابات التجديد النصفى    كامل الوزير عن أزمة بلبن: تلقيت توجيهات من الرئيس السيسي بحل المشكلة بسرعة    كامل الوزير: هجمة من المصانع الصينية والتركية على مصر.. وإنشاء مدينتين للنسيج في الفيوم والمنيا    كامل الوزير: 2700 قطعة أرض صناعية خُصصت عبر المنصة الرقمية.. وأصدرنا 1439 رخصة بناء    الرئيس السيسي يشهد احتفالية عيد العمال بالسويس    وزير الإسكان يتابع تنفيذ المشروعات التنموية بمدينة السويس الجديدة    قفزة مفاجئة في أسعار الذهب اليوم في مصر: شوف وصل كام    روسيا تحث أوبك+ على المساهمة بشكل متكافئ في توازن العرض والطلب    النواب عن تعديلات الإيجار القديم: مش هنطرد حد من الشقة والورثة يشوفوا شقة بره    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    السيسي يوجه الحكومة بالانتهاء من إعداد مشروع قانون العمالة المنزلية    حزب الله يدين الاعتداء الإسرائيلي على سوريا    سوريا: قصف الاحتلال الإسرائيلي للقصر الرئاسي تصعيد خطير وسعي لزعزعة استقرار البلاد    مصر : السياسات الإسرائيلية تستهدف تقويض الوضع الإنساني بغزة وتؤجج الوضع الإقليمي    ترامب لا يستبعد حدوث ركود اقتصادي لفترة قصيرة في أمريكا    رئيس الوزراء يُشارك في حفل تنصيب الرئيس الجابوني بريس نجيما    مكتب نتنياهو: لم نرفض المقترح المصري بشأن غزة وحماس هي العقبة    تمهيدا للرحيل.. نجم الأهلي يفاجئ الإدارة برسالة حاسمة    الأهلي سيتعاقد مع جوميز ويعلن في هذا التوقيت.. نجم الزمالك السابق يكشف    إنتر ميلان يواصل مطاردة نابولي بالفوز على فيرونا بالكالتشيو    نادي الهلال السعودي يقيل مدربه البرتغالي.. ويكشف عن بديله المؤقت    رسميًا.. الأهلي السعودي بطلًا لدوري أبطال آسيا    الإسماعيلي يطالب بإعادة مباراة سموحة وسماع تسجيل الفار    بورنموث يحقق مفاجأة بالفوز على آرسنال بهدفين    مصر تحصد 11 ميدالية في البطولة الأفريقية للسباحة بالقاهرة    طقس اليوم الأحد.. موجة أمطار تضرب القاهرة وباقي المحافظات    الشرطة الألمانية تلاحق مشاركي حفل زفاف رقصوا على الطريق السريع بتهمة تعطيل السير    «إدمان السوشيال ميديا .. آفة العصر».. الأوقاف تصدر العدد السابع من مجلة وقاية    مصرع شخص وإصابة 6 في انقلاب سيارة على الطريق الصحراوي بأسوان    ضبط 39.9 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    الأرصاد الجوية تحذر: أجواء شتوية وأمطار رعدية حتى الأحد    توجيه وزاري باتخاذ الإجراءات العاجلة لاحتواء تلوث بترولي قرب مدينة أبورديس    سبب حريق الأتوبيس الترددي علي الطريق الدائري| المعاينة الأولية تكشف    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : ردا على غارات تزوير عبدالناصر    كامل الوزير: البنية التحتية شرايين حياة الدولة.. والناس فهمت أهمية استثمار 2 تريليون جنيه    50 موسيقيًا يجتمعون في احتفالية اليوم العالمي للجاز على مسرح تياترو    تامر حسني ينعى المنتج الراحل وليد مصطفى برسالة مؤثرة على إنستجرام    الرئيس السيسي يتابع مستجدات مشروع تطوير محطة «الزهراء» للخيول العربية    كشف أثري جديد عن بقايا تحصينات عسكرية ووحدات سكنية للجنود بسيناء    ابجد ..بقلم : صالح علي الجبري    قصة قصيرة بعنوان / صابر..بقلم : محمد علي ابراهيم الجبير    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    " قلب سليم " ..شعر / منصور عياد    أزهري يكشف: ثلاثة أماكن في المنزل تسكنها الشياطين.. فاحذر منها    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : هيّا معا نفر إلى الله ?!    "ماتت من كنا نكرمك لأجلها".. انتبه لخطأ كبير في هذه العبارة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المعركة لازالت مستمرة?!    رسميًا| خالد البلشي نقيب للصحفيين لفترة ثانية والمسلماني يهنئ    عاجل| موعد امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 في الجيزة    فحص 700 حالة ضمن قافلتين طبيتين بمركزي الدلنجات وأبو المطامير في البحيرة    الصحة: العقبة الأكبر لمنظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ضعف الوعي ونقص عدد المتبرعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دنيا العلم .. إعصار (سنثيا): ماذا بعد؟
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 06 - 2010

ليس هنالك ما يدل على التطور النوعى فى تقدم العلم وآفاق تطبيقه من المقارنة بين صيحة أرشميدس الشهيرة «وجدتها»، عندما اكتشف قانون الإزاحة، وصيحة فنتر «أوجدتها»، عندما قام مع فريقه بتركيب برنامج وراثى (جينوم) لأحد أنواع البكتريا معمليا، ووضعه فى خلية نوع آخر، حيث نتج عن انقسامها المتكرر خلايا تتصف بخصائص الجينوم المعملى المذكور.
ولتأكيد ملكيته لهذه الخلايا «ملكية فكرية» كاملة، تخول له الحصول على براءة اختراع لها، زود الجينوم المعملى بما سماه «علامة مائية»، استخدم فيها شفرة الجينات والبروتينات، بحيث تشير إلى أرقام وأسماء للعلماء المشاركين وبعض العبارات المشهورة! ومن يعرف مشروع فنتر الكامل يدرك أن هذه الخلايا ما هى إلا القمة الظاهرة من جبل الثلج فهو يستهدف، بعد النجاح فى تركيب هذا الجينوم البكتيرى شبة الكامل (حيث حذف منه 14 جينا فقط) أن يختصره إلى الحد الأدنى، ويزيل منه الأجزاء التى يرى أنها لا تؤثر على قدرته على العمل.
وهذه خطوة مهمة تمكنه من الانتقال إلى التصميم الكمبيوترى لجينومات جديدة تماما، لم تعرفها الطبيعة من قبل. حيث إن الخلايا التى أعلن عنها وسماها «سنثيا»، أى المركبة أو المُخَلّقه، تعد تركيبا معمليا بنى على أساس محاكاة جينوم معروف، فمجال «البيولوجيا التخليقية» الذى يعتبر كريج فنتر من رواده يعد بالكثير، الذى يحمل فى طياته المزيد من أشكال الطموح واحتمالات الجموح.
وكما هو متوقع، أثار الخبر، الذى غطته «الشروق» بامتياز إعصارا من المناقشات المتعلقة بجوانبه الأخلاقية والدينية والمجتمعية، التى ركز فنتر بذكائه على احترامها والالتزام بها لأن ما يعنيه هو جانب «البيزنس» والحصول على براءات الاختراع التى حصل من قبل على العديد منها.
وهذا يذكرنا بدوره فى مشروع الجينوم البشرى. لقد كان عالما «حكوميا» لكنه ترك ذلك وأنشأ شركة خاصة لإتمام المشروع كادت تسبق المشروع الدولى، واتفق على الإعلان المشترك لعدم إحراج أحد الطرفين. لقد نشر نتائجه عن الجينوم فى مجلة «سيانس» التى لا تمانع فى «بيزنس العلم»، ووعد بإتاحة النتائج الخاصة للجهات البحثية بشروط معينة، أما المشروع الدولى فقد نشر نتائجه فى مجلة «نيتشر» التى تتبنى الإتاحة الكاملة للمعلومات والمعارف العلمية، وكما هو معروف فإن نتائج «سنثيا» قد نشرت أيضا فى «سيانس». ومن منطلق الاختلاف الفكرى والمنافسة العلمية معا يرى البعض مثل «جون سولستون»، الحائز على جائزة نوبل، التحفظ على حصول فنتر على براءة اختراع لما قام به.
إن البعض يرى فى السماح ببراءات اختراع تحفيزا وتشجيعا على البحث وإنتاج معارف علمية جديدة، وهذا أمر منطقى. لكننى أتساءل مع كثيرين هل تعد «سنثيا» اختراعا؟ إنها تركيب معملى لجينوم معروف، وليست تركيبا مصمما. لقد أثير هذا الموضوع عند «اكتشاف» شركات التكنولوجيا الحيوية لتتابعات الجينات التى تحدث الأمراض الوراثية فى الإنسان ورغبتها فى الحصول على الملكية الفكرية وبراءة اختراع لهذه التتابعات.
لقد وصفت حينئذ بأنها «تسرق الله» لأنها لم تصمم التتابعات السليمة أو الممرضة للجينات!!! لكن البيزنس بقدرته وأخلاقياته، أو لا أخلاقياته التى تفرض نفسها على المنظمات الدولية نفسها، لا يعترف بهذا، واسألوا المشتغلين باتفاقيات نقل التكنولوجيا والعقبات التى توضع أمام التكنولوجيا مزدوجة الغرض وتأثير الشركات العابرة للقوميات فى مجال الأدوية والتكنولوجيا الحيوية عن ذلك.
وبعيدا عن الخلط المتعمد بين مفهوم الاكتشاف والاختراع، ودوافع الغيرة المهنية والمنافسة والبيزنس، نرى أن «إعصار فنتر» ومجال البيولوجيا التخليقية بشكل عام، يثيران من جديد موضوع المسئولية المجتمعية للعلماء، والمسئولية العلمية للمجتمع، الذى يمولهم ويتأثر إيجابيا وسلبيا بنتائج بحوثهم وتطبيقاتها.
إن سنثيا، رغم ما تعنيه من أهمية وإثارة لا أتفق مع من يشكك فيها، فهى تعد خطوة صغيرة فى طريق طويل. هذا الطريق يعد بالكثير من الفوائد ولا يخلو من الكثير من احتمالات المخاطر. ومن واجب البشرية وحقها أن تتدارس الطرق التى تعظم بها الفوائد وتقلل المخاطر. ومع ضرورة أن نعتمد فى ذلك على العلماء المهتمين بمسئوليتهم المجتمعية، لابد أن تتسم المجتمعات بالقدر الكافى من الثقافة العلمية والتكنولوجية التى تمكنها من المشاركة الواعدة بالرأى الذى يؤثر فى سياسات العلم وتشريعاته فى بلدانها. ولنأخذ «سنثيا» نموذجا على ذلك.
إن أصحابها يعلنون استهدافهم إنتاج كائنات دقيقة تمكنهم من التوصل إلى أشكال جديدة من الوقود الحيوى ومعالجة تلوث البيئة وإنتاج الأدوية والأمصال واللقاحات. وهذا جميل، ولكن المتحفظين يخشون تصميم سلاح بيولوجى فتاك، أو حدوث تلوث بيولوجى غير محدود. إن كيلوجراما واحدا من الملوثات الكيماوية قد يكون عظيم الضرر للبيئة لكن ضرره سيظل محدودا بانتشاره وكميته. لكن كيلو جراما واحدا من الملوثات البيولوجية، القادرة على التكاثر ذاتيا، سيصير مليونا ثم بليونا من الكيلو جرامات.
من يستطيع تقدير أخطاره على البيئة وعالم الكائنات الحية كلها؟ إن الموضوعية تقتضى أن نذكر أن هذه الأخطار غير مؤكدة الحدوث، لكن الموضوعية تقتضى أيضا الاعتراف بأن الفوائد غير مؤكدة. من هنا تأتى أهمية الوعى المجتمعى العام والضبط التشريعى على المستوى العالمى، مع أخذ آراء العلماء المهتمين، الذين لا يستهدفون الربح، بالجدية المطلوبة وبصورة لا تعيق البحث والتطوير، ولكن ترشد مسيرتهما لصالح الإنسان.
أخيرا، أود أن يمثل لنا تلاحق المنجزات وأهميتها دعوة إلى اهتمام أكبر بالثقافة العلمية الجادة وجودتها. إن الإعلام لم ولن يتوقف عن صبغ الأخبار بالبروباجندا الجاذبة والمرء يحتاج إلى ثقافة علمية كافية وتفكير نقدى يمكننا من فهم مغزى الأحداث. لقد صاحب الإعلان الاستعراضى عن «سنثيا» خلط غير علمى بين الخلق، الذى لا يدعيه أى عالم عاقل، والتخليق أو التركيب ومحاكاة الطبيعة.
ونظرا لأن السياق الثقافى فى الغرب يسمح بالكثير من التجاوز اللفظى الذى لا نرتضيه، والذى وصل إلى حد وصف التركيب المعملى لجينوم بكتريا بسيطة «بالخلق الثانى» فإن بعضنا قد ينفر من العلم والعلماء، وينجذب إلى الكثير مما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة من مواد مضادة للعلم والعقل، بل وللإيمان الصحيح، وهذه قصة أخرى نستحق أن نعود إليها فى معالجة منفصلة. ولكن دعونا الآن نتفق على أننا أصحاب حضارة ساهمت فى مسيرة العلم، عندما سمحت بالاجتهاد والإبداع. وشهد لنا الجميع بذلك. وآن الأوان أن نعمل على استعادة عطائنا العلمى وتدعيمه بالثقافة العلمية العقلانية المستنيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.