حيث أعتبر ذلك بمثابة إعلان عن ولادة "الخلية الحية المصنعة"، وذلك ضمن مشروع علمى تولاه معهد "كريغ فنتر" فى ولاية ميريلاند الأمريكية. يعتبر كريغ فنتر، "63عاما" أحد الباحثين الرواد على الجينوم البشرى "الخريطة الوراثية"، من العلماء المثيرين للجدل، حيث يشتهر بوضعه مختصرا لفك شفرة الجينوم قبل عشر سنوات، ويعرف أيضا بكتابه "حياة غير مشفرة" وهو سيرة ذاتية له، كما أن الصحافة الغربية أجمعت تقريبا على إضافة عناصر أخرى للتعريف به، بينها إمتلاكه ثروة تقدر بملايين الدولارات، وكان من المشاركين فى حرب "فيتنام"، بل وتزيد أنه مبدع أيضا فى مجال الترويج لأعماله وعقد صفقات لتمويلها مثل اتفاقه مع شركة "أكسون موبيل" النفطية باستثمار نحو 600 مليون دولار. جدير بالذكر، أن ما توصل إليه فنتر وفريقه المؤلف من 24 عضوا، يعتبر بلا شك إنجاز علمى كبير، أحدث صدى واسعا، شأنه شأن عمليات الاستنساخ ووضع خريطة الجينات وغيرها. والتقنية العلمية التى أعلن عنها، هى عبارة عن تصنيع خلية حية، بواسطة حقن مادة وراثية عبارة عن سلسلة قصيرة من الحامض النووى "دى أن أيه" الى داخل ميكروب "من نوع مايكوبلازما" فرغ من مادته الوراثية... والخلية المنتجة بدت مشابهة تماما للخلية الطبيعية، كما أنها دخلت أيضا فى دور الانشطار الحيوى وانقسمت مليارات المرات، منتجة نسخا تتحكم فيها البرمجية المصنعة التى أدخلت للخلية الأم... وسلسلة ال "دى أن أيه" التى تم إدخالها الى الخلية محمولة على الكروموسوم المصنع، تم تركيب شفرتها كاملة على الكومبيوتر.. ولذلك قال فنتر عند إعلانه عن التقنية الجديدة، إن هذا أول مخلوق انجبه الكومبيوتر.. ومثلها مثل التقنيات الجديدة،تعددت الآراء منها، فهناك من يراها نقطة تحول فى سيرورة علم الجينات وأهم خطوة فى أبحاث الجينوم، وهناك من يعتبرها تدخلا فى هرمونية الطبيعة، ويرى فريقاً ثالثاً أن تصنيع الحياة يشكل خطرا على الحياة ذاتها. فى السياق ذاته، أوضح د. محمد الربيعى، بروفيسور فى التكنولوجيا الطبية فى يونفرسيتى كوليدج - دبلن، قائلاً: "بالرغم من ان هذا الانجاز يمثل تقدما ملحوظا فى مجال هندسة الخلايا، حيث ثبت للمرة الأولى إمكانية السيطرة على نشاط الخلايا من قبل جينوم اصطناعي، إلا إن ذلك لا يعد الإنجاز الأول فى ميدان انتاج خلايا اصطناعية"، وتابع، قائلاً: "جرى فى السابق انتاج كروموسومات اصطناعية وخلايا تصنّع الهيموغلوبين كبديل لخلايا الدم الحمراء إضافة إلى فيروسات البوليو (شلل الأطفال)، إلا أن هذا العمل العلمى سيمهد الطريق نحو إنتاج خلايا تعمل وفق ما يريده العلماء، لإستخدامها فى أغراض مختلفة". ويرى د. عبد الرزاق أن د. فنتر يتمتع بقدرة فائقة على الترويج لنفسه على غرار "بيل غيتس (مؤسس مايكروسوفت)"، بالإضافة إلى أن الفرصة واتته ليجد تمويلا كافيا للمضى قدما ببحثه بالرغم من وجود دراسات أخرى لا تقل شأناً، حيث إن منهج عمل "فنتر" لم يتضح بعد إذا كان سيقدم ميزة أكبر مقارنة بالأبحاث التى زامنته أو سبقته. وهو ما أكده د. حسن عبد الرزاق، باحث فى إمبريال كوليدج فى لندن، قائلاً: "هذا الإنجاز يعتبر تقدما تقنيا كبيراً، فقد طور كريغ تقنية لإنتاج سلسلة قصيرة نسبيا من حامض "دى أن أيه" النووى وربطها بجزيئة أطول مستخدما خلايا الخمائر كمصنع للتجميع من أجل تخليق جينوم لخلية البكتريا، ومن ثم حقنها فى ميكروب طبيعى". كما أنه اتفق مع د. الربيعى فى أن هناك فرقاً علمية أخرى تمكنت قبل ذلك من انتاج ميكروبات محورة وراثيا كهذه، وان هناك دراسات أخرى لا تقل شأناً، موضحاً أن فنتر بالغ فى أهمية النتائج التى توصل إليها. وتكمن الأهداف العلمية من التجارب التى أجراها فريق فنتر العلمى، فى توليد أحياء مجهرية "ميكروبات" جديدة يتحكم فيها الجينوم المصنع، حيث يمكن استخدامها لإنتاج أنواع جديدة من الأدوية واللقاحات، وتنقية البيئة من المواد الضارة، بالإضافة لإنتاج أنواع جديدة من الوقود (وهو الجزء الذى تموله أكسون)، وذلك عن طريق إجراءات تحويرات فى بنية البكتريا الموجودة فى الطبيعة أصلا، وبالتالى يمكن لهذه التقنية إذا تم تطويرها، أن تساعد على معالجة مشاكل محددة مثل انتاج لقاحات الانفلونزا بطريقة فعالة وسريعة لا تسمح بها التقنيات السائدة حالياً.