منذ اللحظة الأولى لعرض فيلم «الست» يتضح أننا لسنا أمام عمل تقليدى يستعرض مشوارا فنيا حافلًا بالأغانى والحفلات، بل أمام سيرة ذاتية إنسانية تغوص فى تفاصيل حياة أم كلثوم بوصفها امرأة صنعت نفسها وسط تحديات قاسية، قبل أن تتحول إلى أيقونة فنية خالدة. الفيلم لا ينشغل بتعداد إنجازاتها الفنية بقدر ما يركز على تكوينها النفسى والاجتماعي، وعلى اللحظات التى شكلت شخصيتها وقراراتها، وهو اختيار ذكى يمنح العمل عمقا وصدقا. منى زكى فى قلب هذا الرهان الفني، مقدمة أداء يمكن وصفه بالمتميز والناضج. لم تعتمد على التقليد السطحى أو المحاكاة الشكلية، بل نجحت فى الإمساك بروح أم كلثوم: قوتها، هشاشتها، صمتها، ونظراتها التى تقول أكثر مما تنطق. أداء منى زكى يتطور مع تطور الشخصية، ويمنح المشاهد إحساسا بأنه يتابع إنسانة حقيقية من لحم ودم، لا مجرد صورة محفوظة فى الذاكرة الجمعية. أما على مستوى الإخراج، فيؤكد مروان حامد كعادته مرة أخرى مكانته كمخرج يمتلك رؤية بصرية واعية. استخدامه للإضاءة جاء معبرا عن التحولات النفسية للشخصية، حيث لعب الضوء والظل دورا دراميا لا يقل أهمية عن الحوار. كذلك كانت قطعات الكاميرا محسوبة بدقة، تخدم الإيقاع الداخلى للفيلم وتمنحه سلاسة دون افتعال، ما ساعد على شد انتباه المشاهد طوال زمن العرض. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه داخل دور العرض هو التصفيق الحار فى نهاية العرض السينمائي، وهو مؤشر صريح على نجاح الفيلم، خاصة حين نعلم أن الغالبية العظمى من الحضور كانوا من الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم 25 عامًا. هذا التفاعل يؤكد أن «الست» لم يخاطب الحنين فقط، بل استطاع أن يعبر الأجيال، ويقدم شخصية أم كلثوم بلغة سينمائية قادرة على التواصل مع جمهور لم يعاصرها، لكنه وجد فى قصتها ما يمسه ويشبهه. فى المحصلة، «الست» ليس فيلما عن تاريخ فنى محفوظ، بل حكاية إنسانية صادقة عن امرأة استثنائية، صنعت بحساسية فنية عالية، وأداء تمثيلى لافت، وإخراج واع يدرك أن الأسطورة تبدأ دائما من إنسان.