على أرض مصر كثير من الأبنية التي تعبر عن العراقة والتاريخ، وشكلت من خلال أساليبها الفنية المختلفة متحفا مفتوحا يمكنك من خلاله التعرف الطراز المعماري الفني لهذه الحقبة الزمنية. وخلال سلسلة من الحلقات مستمرة طوال شهر رمضان، نغوص في عالم من الفنون تَشكل على أرض مصر، نتعرف على طرزها المعمارية وقصص نشأتها، ونستكشف عوالمها الفنية البديعة، في رحلة عبر التاريخ، من خلال كتاب قصور مصر، للكاتبة سهير عبدالحميد. وتقول الكاتبة في مقدمة كتابها: "قصور مصر تاريخ لا يزال حيا، لأنها ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع إنما هي سجل يخلد أسماء وشخوصاً وأحداثاً رمز لنمط عمارة ساد وظروف عصر خلا وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنون وظلت تحمل شيئاً من توقيعه لا يزال محفوراُ في ومضة هنا وأخرى هناك". ونستكمل اليوم حلقاتنا عن الطرز المعمارية الفنية التي تتواجد على أرض مصر في سائر أنحائها، واليوم نزور بيت السحيمي، أحد رموز عمارة بيوت الأعيان في العصر العثماني، ويرتقي لمنزلة القصر، على حد قول الكاتبة، لعظم مساحته ورقي عمارته، لذلك يراه كثير من المؤرخين كنموذج مثالي لبيوت الأعيان في القرن 17، فهو البيت الوحيد المتكامل الذي يمثل عمارة القاهرة في العصر العثماني، وقد أقيم على مساحة 2000 متر مربع. وفي سقف المقعد الصيفي من المنزل شريط كتابي يؤرخ لتاريخ الإنشاء: "بنى هذا المكان العبد الفقير الراجي عفو ربه الشيخ الهمام عبدالوهاب الطبلاوي عام 1648 م". واشتراه الشيخ إسماعيل شلبي، وأضاف إلى البيت عدداً من القاعات ثم آل إلى بيت عائلة السحيمي شيخ رواق الأتراك بالأزهر، وهي عائلة يقال إن لها أصولها في الحجاز، وأتو إلى مصر حوالي 1700- 1750. وتصف الكاتبة بيت السحيمي: "هنا في هذا المكان تم اختيار كل قطعة أثاث لكي توحي إليك بالحياة داخله كيف كانت، قاعات البيت تطل على فناء مكشوف تتوسطه حديقة، وفي جزء يوجد التختبوش وهو عبارة عن دكك خشبية لطيفة للرجال وهي مسقولة على عمودين لتوفر جلسة هادئة، وفي الخلف منها الحديقة الخلفية التي يوجد بها شجرتان معمرتان من عمر البيت، شجرة زيتون وأخرى سدر، وأغلب قاعات البيت مغطاة بقبة بها فتحتا للتهوية والضوء وتسمى الشخشيخة في العمارة الإسلامية، ويوجد قاعة لتلاوة القرآن وتتشابه مع قاعات المغاني في القصور من حيث البناء، ومستخدم في الزخارف داخل المنزل القيشاني الأزرق، والخزف والسراميك الملون المزخرف بزخارف نباتية". وبحسب قول الكاتبة، فإن الزخارف القيشانية جزء من هذا البيت العتيق، وهذا الأسلوب انتشر في عصر العثمانيين الأتراك، في القرن السادس عشر والسابع عشر، وامتازت بألوانها الجميلة وما فيها من رسوم للزهور والنباتات، كما اشتهر الترك بصناعة السجاجيد الصغيرة للصلاة وبنسج الأقمشة الحريرية وتطريزها بالزخارف النباتية، بحسب ما ذكر في كتاب "في الفنون الإسلامية".