يهتم التاريخ بتوثيق الأحداث أكثر من اهتمامه بتسجيل سير الأشخاص، إلا هؤلاء الذين غيروا مجريات الأمور وأثروا في حركة التاريخ، ومن هذا الباب، فإن بدء رئاسة الرؤساء وفترات توليهم الحكم وموعد خروجهم من السلطة تبدوا أمورا أكثر أهمية من التهاني في ذكرى ميلادهم والتعازي في ذكرى وفاتهم. يلقي هذا التقرير بالضوء على رؤساء حكموا بلدانهم في شهر يناير، منهم المنتحر ومن تم اغتياله ومن ضمن موقعا خاصا في سجلات الخلد، ومنهم من أسس الجمهورية التي تولى رئاستها ومن أنهى حقبة تاريخية سابقة وبدأ عهدا جديدا لشعبه، ومنهم بالتأكيد من فشل فشلا ذريعا ووضع الإنسانية على حافة هلاكها ودفع بها إلى نيران الحرب العالمية. شارل ديجول: إنها الحرب العالمية الثانية كان ديجول أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة في 8 يناير 1959، وظل رئيسا لها حتى 28 إبريل 1969، وفي الأثناء خرج الشعب الفرنسي في مظاهرات مناوئة له عام 1968، وقرر ديجول أن يجري استفتاء حول تطبيق المزيد من اللامركزية في فرنسا، تعهد قبل ذلك بالتنحي عن منصبه إذا لم توافق نسبة كبيرة من الفرنسيين على تطبيق اللامركزية في البلاد. امتنع عن التصويت 4 أشخاص من كل 10 في فرنساوالجزائر ممن يحق لهم التصويت، وفي مساء 28 أبريل عام 1969 أعلن ديجول تنحيه عن منصبه بعد أن حققت الموافقة على الاستفتاء نسبة أقل قليلا من النسبة التي حددها. في 8 يناير كذلك من العام 1961، استفتى شارل ديجول فرنسا على مصير الجزائر واستقلالها، وكان نص الاستفتاء: "هل توافق على مشروع القانون المقدم من رئيس الجمهورية إلى الشعب الفرنسي بشأن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وتنظيم السلطة العامة في الجزائر"؟ قبلت فرنسا استقلال الجزائر واعترفت بحقها في تقرير مصيرها بنسبة 74%، لكن هذه النتيجة عبأت رجال ديجول في الجزائر بالغضب، ما دفعهم لتشكيل مجلس عسكري نفذ فيما بعد انقلابا معروفا بانقلاب الجنرالات في إبريل من العام نفسه. ظهر الرئيس شارل ديجول على شاشة التلفزيون، مرتديًا زيه العسكري القديم، وكان عمره 71 عامًا، وطلب من الشعب الفرنسي والجيش مساعدته، وتم حظر جميع الرحلات الجوية والإنزالات في مطارات باريس، وصدر الأمر للجيش بمقاومة الانقلاب. لكن الظهور الأبرز للقائد العسكري شارل ديجول كان في خطاب 18 يونيو 1940، حين دعا إلى عدم وقف القتال ضد ألمانيا النازية، وقال لأول مرة "إنها الحرب العالمية الثانية". نشرت الصحف الفرنسية كلمة ديجول في 18 يونيو اليوم التالي وبثته محطات الإذاعة، ولم يزل هذا الخطاب رمزا للمقاومة الفرنسية وقوات فرنسا الحرة في الجبهات الداخلية والخارجية. جوزيف تيتو هاربا من سجن إلى آخر في 14 يناير 1952 أعيد انتخاب جوزيف بروز تيتو رئيسًا للجمهورية اليوغسلافية، وليست المرة الأخيرة، بل أعيد انتخابه عام 1971 ليقدم هذه المرة 20 تعديلا على الدستور، شملت التعديلات الحكم الذاتي للجمهوريات الست اليوغسلافية، ومنحها حكما مستقلا عن سلطة الحزب الشيوعي. بعد وفاة ستالين عام 1953 أنهى تيتو علاقته بالاتحاد السوفيتي، وأنشأ حركة عدم الانحياز بالاشتراك مع جمال عبد الناصر والزعيم الهندي نهرو، وانضمت إليها الدول التي لاتريد الوقوف مع الكتلة الشرقية أو الغربية خلال الحرب الباردة، وهي السياسة التي أثارت حنق الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف وطرد يوغسلافيا من الكتلة الشرقية بسبب وقوف تيتو على الحياد أثناء الحرب الباردة وانعزاله عن الدول الشيوعية، وعكف السوفييت على استئصال جذور التيتوية والتنكيل بكل شيوعي يحمل أفكار تيتو باعتبارها انحرافا عن الماركسية. دعا تيتو إلى السلام بين العرب وإسرائيل، لكنه أرسل فوجا من المقاتلين الكرواتيين إلى فلسطين للقتال ضد إسرائيل عام 1948، ورفض الاعتراف بها وقاطع العلاقات الدبلوماسية معها أثناء حربها مع الدول العربية عام 1967، ودعم تيتو الجيش المصري ب100 دبابة أثناء حرب أكتوبر 1973. كان تيتو عاملا في مصنع ثم سائقا قبل تجنيده في الفوج الكرواتي التابع للجيش النمساوي المجري، وخرج من الحرب العالمية الأولى بميدالية فضية وتم اعتقاله لاحقا في رومانيا، وفي يناير 1915 تم إرساله إلى الجبهة الشرقية للقتال ضد الروس وبفضل شجاعته تم تكريمه بالميدالية الذهبية لكنه أصيب في أحد المعارك وتم أسره. اختاره السجناء زعيما لهم قبل اندلاع الثورة واقتحام السجون وتحرير السجناء، فانضم تيتو إلى البلاشفة عام 1917 قبل القبض عليه وتمكنه من الفرار مجددا ليشارك في أحد المظاهرات في سانت بطرسبرغ، وتم اعتقاله وسجنه هذه المرة في حصن بول بيتر. كينيدي والمنظمات السرية التي تحكم العالم جون كينيدي هو الرئيس ال35 للولايات المتحدة في الفترة من 20 يناير 1961 حتى اغتياله في 22 نوفمبر 1963، وكانت هذه الفترة هي ذروة الحرب الباردة وركز كينيدي طاقته فيها على إدارة العلاقات مع الاتحاد السوفيتي. ترشح كينيدي في الانتخابات الرئاسية عام 1960، وانتصر بفارق ضئيل على منافسه نائب الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، وكان كينيدي عضوا في الحزب الديمقراطي وممثلا لولاية ماساتشوستس في مجلس النواب ومجلس الشيوخ. فاز كتاب كينيدي "مشاهد من الشجاعة" بجائزة بوليتزر في السيرة الذاتية عام 1955، لكن العام السابق 2018 شهد إعادة بناء الخطاب الأهم في حياة كينيدي، الخطاب الذي حال اغتياله دون إلقائه على مأدبة غداء في دالاس، حيث اشتركت "تايمز أوف لندن" وشركة تكنولوجيا بريطانية ووكالة أيرلندية في معالجة الخطاب لبثه بصوت كينيدي. أعلنت وفاة كينيدي في 22 نوفمبر 1963 عن عمر ناهز 46 عاما، وتم إنقاذ الخطاب الذي يرى محللون أنه تسبب في وفاته وأعيد بثه خاليا من الحديث المزعوم عن "المنظمات السرية التي تحكم العالم"، وجاء في المقطع الصوتي المنشور أن "العالم مليء بالإحباطات والغضب والمشاكل المعقدة والمستمرة، ويجب أن تسترشد قيادة أمريكا بالتعلم والعقل". ونستون تشرشل في الفنون والآداب 24 يناير 1965 هو آخر أيام تشرشل، ولأنه الوحيد في هذا التقرير الذي لم يتول مقاليد الحكم في يناير بل انتهت حياته، فهذا الجزء يلقي الضوء فقط على الجانب الفني والأدبي من شخصية تشرشل وليست الجوانب السياسية والعسكرية. كان تشرشل مولعا بالكتب والروايات، وألف سيرتين ذاتيتين و3 مجلدات عن مذكراته، بالإضافة ل6 مجلدات تؤرخ الحرب العالمية الثانية، كذلك تاريخ الشعوب الناطقة بالإنجليزية في 4 مجلدات من غزوات القيصر لبريطانيا 55ق.م وحتى بداية الحرب العالمية الأولى 1914م. حصل تشرشل على جائزة نوبل في الأدب عام 1953، واعتاد أن يقتات من تأليف الكتب ونشر مقالات الرأي في الصحف والمجلات في الفترة من عام 1898 وحتى ولايته الثانية كرئيس للوزراء. كان لتشرشل الحاصل على الدكتوراة في القانون 3 مرات من روتشستر ومونتريال وهارفارد، العديد من الهوايات الخاصة مثل البناء، فقد شيد حوائط المباني والحدائق بمنزله الريفي في تشارتويل، وكان يهوى كذلك تربية الفراشات، لكن هوايته الأبرز كانت الرسم الذي أظهر فيه براعة خاصة تتضح في لوحاته المعروضة بمتحفه في لندن، ومن أشهر أقواله: "لا أكره أحدا سوى هتلر". هتلر وقصة الاستيلاء على السلطة في صباح 30 يناير 1933، أدى هتلر "يمينا دستورية" وتولى منصب مستشار الدولة في ألمانيا، وذلك بعد فشل محاولاته العديدة للسيطرة على الحكم، أبرزها محاولة الانقلاب المحبطة في بافاريا الواقعة جنوبألمانيا بعد نجاحه في الاستيلاء على عاصمتها ميونيخ، وقد خطط للتقدم من ميونخ نحو برلين، ولكن تم اعتقال هتلر وحكم عليه بالسجن 5 سنوات وتم العفو عنه في ديسمبر 1924 وأطلق سراحه بعد 9 شهور في السجن. فور أن وصل هتلر إلى منصب المستشار أحبط كل محاولات خصومه للفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان "الرايخستاغ"، واستمرت حملة الحزب النازي في استغلال العنف الذي ساد البرلمان وهستيريا معاداة الشيوعية، وزادت الأصوات التي حصل عليها الحزب النازي في انتخابات لاحقة ليحتفظ بأكبر نسبة للتمثيل في البرلمان، وحظر هتلر نشاط الحزب الشيوعي الألماني والحزب الديمقراطي الاشتراكي بينما أجبر الأحزاب الأخرى على حل نفسها، ثم أعلن أن الحزب النازي هو الحزب الشرعي الوحيد في ألمانيا، وتم دمج اتحادات العمال مع الاتحادات الفيدرالية للموظفين في منظمة يرأسها الزعيم النازي، كما ألغى الحكم الذاتي للولايات الألمانية. وبدلاً من إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد وفاة هايندنبورغ، وافق مجلس الوزراء الذي يرأسه هتلر على قانون يضع سلطة رئيس الدولة في يد "الفوهرر ومستشار الرايخ"، وتمكن هتلر من تمرير "قانون التفويض" في البرلمان، ومنح حكومته سلطات دكتاتورية لمدة 4 سنوات ثم لفترة غير محدودة من الزمن، وتم القضاء على الدستور الديمقراطي، وأسس النظام النازي الجديد أول معسكر اعتقال وهو "داخاو"، وبصفته رئيسًا للدولة أصبح هتلر القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعندما جاء أعضاء القوات البرية والبحرية ليؤدوا اليمين التقليدي اكتشفوا تغييره ليصبح يمينًا بالولاء الشخصي لهتلر.