محمود فتحي … ليس باحثا وناقدا فنيا فقط ، فضلا عن دراساته الحرة بمعهد الموسيقي و عضويته بنقابة المهن الموسيقية وإعتماده مطربا ،وله إصدارات عدة كباحث وناقد فني أخرها " بانورما فنانو العالم " ، والعديد من التحليلات الفنية للوحات التشكيلية ، والخطوط العربية خاصة ، والمنشورة والتي تحظي بتقدير عال وتصنيف متميز بين النقاد والفنانيين العرب وغير العرب ، فإنه شاعرأيضا – وكغيره من شعراء صعيد ضفاف النيل – وكإبن لمحافظة المنيا عروس الصعيد وعاصمته الثقافية والتي قدمت لمصر العديد من القامات الثقافية الريادية ومنهم طه حسين عميد الأدب العربي وفي المنيا ومنها تصدح عديد من اصوات الفن وفي كل مجالاته اصوات تغرد بالكلمة ، وبالفرشاة ، تجسد جماليات أدبية ، وفنية ، وكأئن الفن يسكن ، ويزهر ، ويطرح باقات ورودِ كهدية لمصر كلها ، وهؤلاء بإبداعاتهم يمثلون قمما هرمية تنتشر علي إمتداد الوادي ونهر النيل من اسوان وحتي مصبه في دمياط ورشيد ، وعاصمة الثغر الأسكندرية . وأجد عند الفنان التشكيلي المنياوي / خالد عبد الراضي ، وايضا الشاعر والباحث / محمود فتحي ، واخرين لا يتسع المجال لذكرهم ، اجد عند هؤلاء " تيمة " واحدة هي حب النهر ، بضفتيه ، وحب التراث عليهما ، وتسجيل حياة البشر من خلال السلوكيات ، والأدوات ، والارواح التي لم تنلها أحماض المستحدثات العصرية التي تحاول ان تذيب موروثات الهوية المصرية القديمة الضاربة في عمق التاريخ والمسجلة والمنقوشة في بطون الجبال ، والراقدة في سفوحها كأثار غير قابلة للتأكل لتعضدد أن مصر وأهلها ليسوا فقط هبة النيل ، لكن إنجازاتهم الحضارية تتوازي عمقا وثراءا بعمق وأزلية هذا النهر الخالد ، نهر النيل الذي قدم لنا شعراء وادباء وفنانون عظام تفخر بهم . نتوقف لنمضي معا ، مع شاعرنا / محمود فتحي وإحدي قصائده في ديوان " مرافئ للحلم والشجن " … وقصيدته ….. " حبيبك محمود " . في مقطع من الأربعة والعشرين مقطعا في معلقته التي يتغني ، او كما قلت يصدح بها كشاعر محب لوطنه .. مصر ، يتجول علي ضفاف نيل المنيا ، يلتقط مشهدا بعد مشهدِ ، وبلغة تتناغم لحنا ، وبساطة يناجي ، بل يتحدث إلي مفرادات الصورة التي يلتقطها بعينيه حبا ، ويشرع في الحديث معها وإليها ، يتأرجح وهو يناجيها كتأرجح باسقات النخل ، حيث يُمايلها هواء النهر وهو يعبر ما بين ضفتيه ، وعلي الحان خرير مياه السواقي يُسمعها كلمات العشق والحب كما الطير في تغريده ، وزقزقته وهو يناجي بعضُه بعضاً … يقول : " أشوفِك سواقي وهز النخيل أصدق هوايا وأحلم أطير وآخذ شهيقي وأطلق زفيري هواكي اكسوجين ملامح شطوطك إبتسامة نخيلك وأسمع لخيلك لخيلك صهيل خرير السواقي خيال المآتة ونايي الحزين وأعشق أغني كرهت الرحيل وأصدق هوايا وأحلم اطير " . ***** بهذا العشق وهذا التناجي بسلس الكلمات ، وعذوبة الإيقاع يفرد لنا معلقته ذات الأربعة والعشرين مقطعا نتبعه في تبتله الحالم ونجواه وهو سادر علي ضفاف نهره ملتقطا ما بين السماء والأرض من وجود صامت وناطق لمفرادت أنبتها النهر والإنسان ورعاها فكانت جنة من جنات الأرض ، بارك فيها الرحمن ، وبعث فيها شاعرا يجيد الغناء والتبتل بلغة العاشق للحب وللجمال إينما تلمسه ووقعت عليه عيناه وأبصرته حنايا المشاعر والوجدان ، فكانت سطوره وكلماته آية أخري من آيات الجمال . وفي المقطع الرابع .. يقول : " وقمرك ليلاتي سهير يوماتي قناديل تدفي وقلبك مكفي وكلمة في نفسي اقوك باحبك وحبك دا نيل دا ليلك وحشني أشيلك ف رمشي عيونك مراسي واحض شوارعك واسكن مزارعك وأحلم أجيلك مواسم نخيلك ، ونبقك وعنبك ورمانك وتينك غرامك دا نيل " . …. ويمضي بنا حبا ، وغناءاِ فيقول في مقطع اخر رقم " 12 " هواكي دا فينا ومنا وعلينا نسايم عليل وننده تجينا تسمي علينا أسامي العيال عيالك عيالنا وشوقك وصلنا وحلمك طويل وفيكي اللي فينا همومك كثيرة وحزنك كبير همك وصلني وشوقك تملي وحلمك وسيم أشوفه منمنم أشوفه وسيم وأشوفه منور مخضر معنبر بريحة عبير ملون مزهر بطول النخيل .. " هذا الشاعر الهائم في حب عشيقته ومحبوبته ، يناجيها ، يستدعي جمال كل شئ فيها ، يغزل منه كلمات قصيدته ، بعد أن جسدها أمامه " جميلة " ، و اتخذ من جمالها دائرة طوافه تسبيحا وتهليلا . ويختم وأختم معه بالمقطع الأخير حيث يقول : " كحل الشطوط كحلها عمر الشجر… عمرها أحزان وها تفوت شجر الليمون زيها سمي الحارات باسمها … ست البيوت تفاح علي خدها لمة ولادها جنبها ماسكة بإيدها العود طعم العسل طعمها ضحك القمر ضحكها بريحة مسك العود والطبل مسحراتي عواد … نا ياتي هل شهر زاد ها تموت ؟ والمركبة نفسي بالحلم لو ترسي يامصر أوعي تنسي حبيبك … محمود " . **** لن تموت شهرزاد " مصّرُنا " ….. ستعود يا شاعرنا فا النيل يجري ما دامت " مصر" ودام شعراؤها . هذه قراءة سريعة لشاعر المنيا وباحثها وناقدها القدير / محمود فتحي .