الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا شك ان من أصول الاسلام وجوب محبة الصحابة وآل البيت - رضي الله عنهم أجمعين- وتعظيم قدرهم واحترامهم واجلالهم، وحرمة الطعن فيهم أو سبهم أو اهانتهم أو الانتقاص منهم. وذلك لما لهم من المكانة العليا في الاسلام بحكم معاصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيامهم بواجب نصرته وموالاته، وتفانيهم في سبيل الله ببذلهم أموالهم وأنفسهم، والدفاع عن الدين، والنصح لله ورسوله ودينه، وحمل هذا الدين والعلم الينا. ولهذا اتفق أهل العلم على أنهم صفوة هذه الأمة وأفضلها، وأن الله شرفهم بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهم في كتابه الكريم بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الفتح/29. وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ} البخاري (3650) ومسلم (2535). وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من ينتقصهم أو يسخر منهم أو يسبهم، فقال:(من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).السلسلة الصحيحة (2340). ومع ذلك تستمر بعض شركات الانتاج السينمائي في اخراج أفلام ومسلسلات تمثل أشخاص الأنبياء والصحابة وتجسيد صورهم، ومن ذلك ما يروج في هذه الأيام لمسلسل(الحسن والحسين ومعاوية رضي الله عنهم) لعرضه في القنوات الفضائية ومشاهدته. وقد وقف علماؤنا الأجلاء الموقف الحازم منذ أكثر من ثلاثين سنة بتحريم انتاج هذه الأفلام والمسلسلات، وترويجها والدعاية لها واقتنائها ومشاهدتها والاسهام فيها وعرضها في القنوات، وصدرت بذلك الفتاوى من المجامع الفقهية ودور الافتاء في العالم الاسلامي، ومن ذلك على سبيل المثال: -1 رابطة العالم الاسلامي(1). -2 المنظمات الاسلامية العالمية(2). -3 هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (3). -4 اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالمملكة العربية السعودية(4). -5 المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي(5). وقد حرمها العلماء– كما جاء في فتاواهم - للأسباب الآتية: -1 ان الله سبحانه وتعالى أثنى على الصحابة - رضي الله عنهم - وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة، وفي اخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله -تعالى- عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها. -2 ان تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء به، لعدم امكانية الممثلين مطابقة ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من سمت وهدي.حيث يتولى تمثيلهم أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى والأخلاق الاسلامية مكان في حياتهم العامة، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة الى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة - رضوان الله عليهم - في أنفس الناس وضعا مزريا، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم، وكتاب ربهم، وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.وقد يتضمن ذلك ان يمثل بعض الممثلين دور الكفار ممن حارب الصحابة أو عذب ضعفاءهم، ويتكلمون بكلمات كفرية كالحلف باللات والعزى، أو ذم النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الاسلام، ولا شك ان هذا منكر، لا يجوز التلفظ به ولا اقراره. -3 ما يقال من وجود مصلحة، وهي: اظهار سير الصحابة رضوان الله عليهم وما تتضمنه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة، وعدم الاخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه، رغبة في العبرة والاتعاظ.فهذا مجرد فرض وتقدير، فان من عرف حال الممثلين وما يهدفون اليه عرف ان هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم. كما ان الذين يقومون باعداد السيناريو في تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم ينقلون الغث والسمين، ويحرصون على نقل ما يساعدهم في حبكة المسلسل أو الفيلم واثارة المشاهد، وربما زادوا عليها أشياء يتخيلونها وأحداثاً يستنتجونها، والواقع بخلاف ذلك. -4 من القواعد المقررة في الشريعة ان ما كان مفسدة محضة أو راجحة فانه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة.فرعاية للمصلحة، وسدا للذريعة، وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يجب منع ذلك. فبناءً على ما سبق يحرم تمثيل أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأل بيته أو تجسيد صورهم في الأفلام أو المسلسلات أو المسرحيات أو غيرها.ويلحق الاثم كل من ساعد على هذا العمل أو شارك فيه أو أعان عليه. ويجب على ولاة الأمور، والمسؤولين ووزارات الاعلام ومالكي القنوات الفضائية وأصحاب وسائل النشر وعموم المسلمين، منع تمثيل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام – والصحابة وأل البيت - رضي الله عنهم - في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، كما يجب انكار ذلك ومقاطعته وعدم مشاهدته أو الاعانة عليها بدعاية أو اتصال أو تسهيل لنقله في القنوات الفضائية وغيرها.والله تعالى أعلم.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هوامش: ( ) انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 269/3 (2) المنعقدة في دورتها في مكةالمكرمة في ذي الحجة سنة 1390ه. انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 269/3. (3) كما في قرار رقم (13) تاريخ 1393/4/16 ه، و قرار رقم (107) تاريخ 1403/11/2 ه. انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 332-328/3. (4) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 712/1، مجلة البحوث الإسلامية 248-223/1. (5) في دورته الثامنة المنعقدة بمكة سنة 1405ه، وفي دورته العشرين المنعقدة بمكة سنة 1432ه - 2010م. انظر: قرارات المجمع الفقهي الإسلامي 179-178. د. حمد محمد الهاجري