الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: (فان الله تعالى خلق الناس منهم المؤمن ومنهم الكافر، والدليل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)}[التغابن]. وأوجب الله تعالى علينا ان نحكم على المسلم بالاسلام وعلى الكافر بالكفر كما حرم علينا ان نكفِّر المسلمين وأيضاً حرم علينا ان نحكم للكفار بالاسلام. ولا شك ان الذي يتوقف عن تكفير الكفار على خطر عظيم ويخشى عليه من الكفر، بل نستطيع ان نجزم بكفره لاسيما اذا أقمنا عليه الحجة وبينا له حكم الله عز وجل من كتابه وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم من سنته. وذلك لأن عدم تكفير من كفره الله ورسوله يعدُّ تكذيباً لله ورسوله. مثال ذلك: لو قال قائل «ابليس» ليس بكافر!! قلنا له لكن الله تعالى قال في كتابه العزيز {إلَّا ابْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}[البقرة]. فان كان له شبهة بينا له الجواب عليها وان أصر على تكذيب الله تعالى وأبى الا ان يقول بكفر ابليس حينئذ قلنا عنه بأنه كافر ولا كرامة وذلك لأنه كذب الله تعالى بقوله {إلَّا ابْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}[البقرة]. مثال آخر: لو قال قائل: النصارى ليسوا كفاراً!! قلنا له: لكن الله تعالى يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا ان اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ان أَرَادَ ان يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}[المائدة]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا ان اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي اسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ انَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا ان اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ الَهٍ الَّا الَهٌ وَاحِدٌ وَانْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}[المائدة]، ويقول تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)}[البينة]. فإن أصر على عدم كفر النصارى وأورد شبهة بيّنا له الجواب عليها فان كذب الله تعالى وقال بل النصارى ليسوا كفاراً كان لزاماً علينا ان نكفره لتكذيبه لله تعالى فيما أخبر به في كتابه. وبهذا يتبين لك أخي القارئ وجوب تكفير من كفره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن مَنْ كفَّر مَنْ كفَّر الله ورسوله لا يلام على ذلك ولا يجوز تلقيبه على سبيل اللمز ب«التكفيري» بل هو محسن بذلك ومؤمن بما أخبر الله به ورسوله. (لا يذم من كفَّر من يستحق التكفير) أقول: ولمزيد من البيان لا يجوز ان نذمَّ من كفَّر من يستحق التكفير ولا يجوز تلقيبه بالتكفيري على سبيل اللمز. وبيان ذلك من كفَّر من أنكر ان القرآن كلام الله تعالى أو قال انه مخلوق أو محرف أو أنكر البعث والنشور أو قال لن تقوم الساعة ولن تحق الحاقة ولن تقع الواقعة أو أنكر الملائكة أو النبيين أو سبَّ الله ورسوله أو قال ثمَّ إله أو آلهة غير الله يستحقون العبادة مع الله، أو قال اتخذ الله ولداً أو قال ليس فوق العرش إله يعبد أو كفَّر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو طعن بزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكر أنهن أمهات المؤمنين أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة كالصلاة والزكاة والصيام والحج أو أنكر تحريم ما عُلم تحريمه من الدين بالضرورة كالقتل بغير حق والزنا...الخ. فمثل هؤلاء يبين لهم الحق فإن كان عندهم شبهة أجبنا على شبهاتهم فإن أصروا قلنا بكفرهم ولا نلام على ذلك. (التكفير منه ما هو حق) لا شك ان المسلمين لا يكاد يخفى على أحد منهم كلام الله تعالى في سورة كاملة اسمها سورة (الكافرون) وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}. فهذا ظاهر جداً من أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولكل من يصح ان يوجه له الخطاب ان يقول للكفار {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فمن ذا الذي يتجرأ ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «تكفيري» أو ان الله تعالى أمر رسوله بتكفير الناس؟!. التكفير بمسوغ شرعي جائز وكذلك لا يعتبر «تكفيرياً» بالمعنى المذموم من كفَّر بمسوغ شرعي واستدل بأدلة من الكتاب والسنة ولو كان هناك من يخالفه في تلك المسألة. ومثال ذلك: حكم تارك الصلاة تكاسلاً فالعلماء أجمعوا على ان من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها ومشروعيتها فهو كافر واختلفوا في حكم من تركها تكاسلاً مع اعتقاده بوجوبها. فمنهم من قال: مثل هذا قد كفر كفراً أصغر لا يخرجه من الاسلام وان كان تركه للصلاة أكبر من كل الفواحش والمنكرات ومستحقاً لدخول النار دون الخلود فيها ومنه من قال بل هو كافر لا حظ له في الاسلام وهو في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. وهذه مسألة خلافية مشهورة منذ زمن التابعين ولم يضلل العلماء فيها من اختار أحد القولين ولم يُؤْثر عن أحد قال عمن كفر تارك الصلاة بأنه «تكفيري». التكفير منه حق ومنه باطل اذن تكفير من يستحق التكفير واجب ولا يجوز ان ننكر على من كفر من كفّره الله ورسوله، بل ننكر على من لم يكفر من كفره الله ورسوله، وننكر على من كفر من لا يستحق التكفير وذلك كتكفير الخوارج لعصاة المسلمين بل من الخوارج من يكفر أتقياء المسلمين كما فعل الأوائل منهم لما كفّروا علياً بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكفروا جيوشهما، وكما يفعل المعاصرون من تكفيرهم للعلماء الأجلاء. والخلاصة: من كفر من لا يستحق التكفير من المسلمين بغير مسوغ شرعي بل لمجرد شبهة أو سوء فهم لنصوص الكتاب والسنة فهذا هو التكفيري الخارجي، والتكفير كالقتل، منه قتل بحق ومنه قتل بغير حق والله تعالى انما حرم القتل بغير حق كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]، والمفهوم من هذه الآية وأمثالها أنهم يقتلون الأنفس بحق. وبعد هذا التفصيل والبيان أقول: التكفيريون هم أولئك الذين يكفرون بغير مسوغ شرعي وبغير دليل من الكتاب والسنة وهم أهل البدع والأهواء كالخوارج والمعتزلة. فائدة تكفير المسلم الذي لا يستحق الكفر لارتكابه كبيرة من الكبائر ورد في الترهيب والتحذير منه أحاديث منها: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ان كان كما قال والا رجعت عليه» [رواه البخاري 6104 - ومسلم 60]. وعن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بملة غير الاسلام كاذبا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله» [رواه البخاري (6105) و(110)]. أما تكفير الصحابة ولاسيما الخلفاء الراشدين كلهم أو بعضهم أو واحد منهم وتكفير أمهات المؤمنين فهذا كفر مخرج عن ملة الاسلام باجماع العلماء لما في تكفيرهم من تكذيب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولما في تكفيرهم من هدم الاسلام أو على الأقل التشكيك فيه. تكفير الكافر لا يعني قتله أو استباحة دمه ولا يعني إثارة الفتنة الطائفية المسلمون والكفار اليوم وقبل اليوم تقريباً يعيشون في كل بلاد العالم جنبا الى جنب وكثير منهم يجمعهم بلد واحد ومصير واحد، ومصالح مشتركة، لكن هذا لا يلزم المسلم ألا يقول عن الكافر بأنه كافر، اذ المعنى أنه على غير دين الاسلام، بل حتى لو سألت الكافر فقلت له: هل أنت مسلم؟ فسيقول: لا، اذن كيف لا أقول عنه كافر وهو أصلا لم يرتض الاسلام ديناً؟!. فالكافر شاهد على نفسه بالكفر كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)}[التوبة]، قال بعض أهل التفسير قوله (شاهدين على أنفسهم بالكفر هو قول أحدهم «هو يهودي» «هو نصراني»). فسبحان الله كيف لا أقول عن الكافر انه كافر وهو يشهد على نفسه بالكفر؟ وكيف لا أقول للكافر يا كافر والله تعالى يقول: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}[الكافرون]، ويقول تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38)}[الأنفال]. ثم أعلم أيها القارئ الكريم أنه لا تلازم بين الكفر والقتل فهناك من الكفار من لا يستحق القتل كالكافر المعاهد الذي بيننا وبينه عهد على عدم القتال. كما ان من المسلمين من يستحق القتل كما لو كان قاتلاً أو باغياً او من قطاع الطريق اذ ان القتل له موجباته وليس مجرد كفر الكافر يستوجب قتله وهذه مسألة مهمة ينبغي التنبه لها. فان وجد من المسلمين من يقتل الكفار لمجرد كفرهم فهذا انحراف فيهم لا يقره الاسلام، وليس نابعاً من عقيدة الكتاب والسنة ولا أفتى به علماء الاسلام. لذا هؤلاء القتلة يقتلون المسلمين أيضاً بل ربما في بعض أفعالهم التخريبية لا يقتل فيها سوى المسلمين. ثم أقول أيضاً: كذلك الكفار فيهم من يقتل ويسفك من دماء الأبرياء ما لا يحصيه الا الله تعالى لكن لا تجد من يعيب عليهم ذلك الا قليلاً. والله المستعان. هذا والله أسأل ان يرزقني واياك أخي القارئ حسن الاعتقاد والعمل، والحمد لله أولا وآخر وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.