كانت هناك عدة مناسبات اعتاد الرئيس السابق مبارك إلقاء خطابات للشعب فيها مثل ثورة 23 يوليو - و عيد العمال وأعياد الشرطة وليلة القدر وغيرها ودائما كانت عبارات هذه الخطابات مرتبة نوعا ما وتحتوي علي جمل انشائية ومثالية ونادرا ما كان يخطيء في قراءتها لكن كل ما قاله خلال 30 عاما سينساه المصريون ولن يتذكروا سوي آخر 3 خطابات وهي التي ألقاها خلال أيام ثورة 25 يناير والسبب في الخطاب الاول يندرج تحت مسمي ( خطاب الاستقواء ) 1- كان الرئيس السابق هو المعبر عن ثبات النظام في مواجهة المتظاهرين وسبقه الكثير من الارتباك الاعلامي .. إذ أذيع في البداية ان هناك كلمة سوف يلقيها رئيس مجلس الشعب علي المواطنين ثم تم تصحيح الخبر بتحويل الكلمة إلي الرئيس . 2- مبارك بدا متماسكا واستعان بكل مقولاته وأفكاره القديمة فبدأ يركزعلي تخويف المتظاهرين مشيرا إلي أن الحكومة سوف تتعامل بمنتهي القسوة مع أي خروج عن الشرعية واتهم المتظاهرين بالخروج علي أحكام القانون وبدأ ايضا يكيل الاتهامات لجماعة الاخوان المسلمين مشيرا إلي انها المحرك الاكبر للتظاهرات التي شهدتها شوارع ومدن مصر وهذه هي مجموعة الافكار التقليدية التي دأب علي توظيفها في مواجهة أي احتجاجات . الخطاب الثاني ( الاستجداء ) 1- تحول خطاب الرئيس السابق إلي التهدئة علي عكس الخطاب الاول .. كان معدوم الحدة وبدا الرئيس كشخص ضعيف وحاكم اهتزت من تحته الارض يحاول استجداء شعبه من أجل الاستمرار ومن هذا المنطلق ركز مبارك علي إنه لم يكن ينتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة وهي عبارة في حقيقة الامر تعبر عن رجل مراوغ .. فلو كان الرجل مباشرا لقال ' انا لا أنتوي الترشح لانتخابات قادمة ' لكنه صاغ الرسالة بشكل مراوغ ' لم اكن أنتوي الترشح ' وبالتالي هذه العبارة تشير إلي انه قد تحضره النية بعد ذلك ومن ناحية اخري قد يدل هذا التركيب اللغوي علي إنها محاولة من مبارك لحفظ كرامته لكن الصياغات التي دأب علي توظيفها في خطاباته الثلاثة تعكس تصوره كديكتاتور سياسي لا يتواضع لشعبه ولا يستمع اليه أبدا .. فالرئيس خلال خطابه الاول كررعبارة ' وأنا كرئيس مصر ' اكثر من مرة وهي لغة أي مستبد سياسي وحاكم ديكتاتور وحتي عندما يقدم تنازلات فانه يقدمها في عبارات مغلفة بفكر استبدادي كما بدأ في القول باتخاذ حزمة من الاجراءات لاسترضاء الشارع . 2- الفاصل الدرامي الذي ألفه من قام بكتابة هذا الخطاب وقام الرئيس نفسه بتلحينه وغنائه هو الفاصل الذي ركز فيه مبارك علي فكرة انه خدم مصر 61 عاما وانه اعطي هذا البلد في السلم والحرب وأنه عاش علي أرض مصر وسوف يموت فيها ويدفن في ترابها وبالتالي فقد كان هذا الخطاب يحمل الكثير من الشحنات العاطفية ويستخدم لغة وجدانية من العيار الثقيل انطلاقا من وعي الرئيس ومستشاريه بأن عاطفة المصريين يمكن ان تغلب عقلهم ولذلك زاد الزمن المخصص للخطاب حتي يساهم في تهدئة الشارع وصرف المتظاهرين وللانصاف فقد كاد الرئيس يحقق هدفه لكن الله سلم ووقعت في اليوم الثاني معركة الجمال والحمير والبغال ضد المتظاهرين . الخطاب الثالث ( النهاية ) 1- بدا الرئيس في هذا الخطاب غائر العينين ومضطرب النظرة وفاقد التوازن وقليل الحركة .. فقد كانت معالم الرئيس جميعها عندما أطل بوجهه علي الشاشة تشير إلي حالة الارتباك العنيف التي يعاني منها كما بدا هذا الخطاب مرتبكا علي مستوي آخر .. إذ ظهر وكأنه خليط من خطابين تم تركيبهما معا واتضح أن هذا حدث بالفعل . 2- هذا الخطاب ركزعلي حديث مكررعن القوي الاجنبية التي تريد أن تملي ارادتها علي مصر وكأن الرئيس يتوقع عندما يقول للمصريين إن امريكا أو أوروبا لا تريد استمراره فإن الناس سوف تهب للدفاع عنه والتمسك به وتعطينا هذه الفكرة التي ظهرت بوضوح في الخطاب مؤشرا علي ان الرئيس كان قد خرج في هذه اللحظة من التاريخ ومن الاحساس بالزمن والاحساس بما يقع حوله .. فتكرار هذه الفكرة في الخطاب الثالث كشف عن حالة الغيبوبة الفكرية التي كان يعاني منها . 3- الاخطر من ذلك ان الرئيس جعل نفسه ومصر وجهين لعملة واحدة .. فأمريكا وأوروبا كانت تريد منه الرحيل ولم تكن تريد لمصر ان ترحل عن الوجود .. فالكلام كان موجها له وليس إلي مصر حينما قال ' هناك قوي اجنبية تريد ان تملي قرارها علي مصر ' ويدل هذا الامر علي ان مبارك ظل ديكتاتورا حتي النفس الاخير فإذا كان لويس التاسع عشر قال ( انا الشعب ) فمبارك خرج لنا ليقول ( أنا مصر ) 4- العبارة التي قال فيها الرئيس ( انه شعر بالأسي عندما سمع بني وطنه يتحدثون عن اسقاطه ) والشئ العجيب انني لا أذكر ان مبارك استخدم هذه التركيبة اللغوية ' بني وطني ' من قبل علي مدار سنوات حكمه فقد كان دائم الاستخدام لعبارة ( أيها الاخوة المواطنون ). وما يجمع بين الخطابات الثلاثة ان صوته ظهر متحشرجا في بعض المقاطع في الخطابات الثلاث ولغته كانت الي حد كبير مرهقة وآداؤه كان مرهقا واتصور ان مبارك لم يكن يريد ان يخطب اصلا .. وفي تقديري الشخصي جاءت خطاباته بضغط من مستشاريه وافراد عائلته وظهر هذا الامر بصورة كاملة في الخطاب الثالث الذي اكتشف فيما بعد انه صيغ بواسطة جمال مبارك وان الرئيس السابق قرأه بضغط من زوجته وولده فالرئيس كان يعلم بانه سوف يغادر مصر منذ 25 يناير ولكنه كان يماطل بإيعاذ ممن حوله .