قارن الناقد أحمد عبد الحميد النجار بين خطابات مبارك الثلاثة أثناء الثورة، وخطابات الرئيسين السابقين عبد الناصر والسادات، وأكد أن خطب الأخيرين كانت تتمتع بالحد الأدني من التأثير وتحريك الناس، وأنها كانت تفعل ولا تقول، بينما خطابات مبارك فقيرة لغويا، وطقوسية، ولها شكل ثابت، ولا يعول عليها كثيرا في تحريك الشارع أو تغيير قناعته أو حتي تثبيتها، ولكنها كانت رسائل إلي النظام، ليتحرك في اتجاه ما. جاء ذلك في الندوة التي عقدتها ورشة الزيتون يوم الاثنين الماضي بعنوان "دراسات في خطاب الثورة المصرية"، أدارها الشاعر شعبان يوسف، قدم فيها الدكتور عماد عبداللطيف أستاذ اللغة العربية بجامعة القاهرة دراسة عن الشعارات والهتافات التي جاءت خلال الثورة، بينما قدم الكاتب سيد ضيف الله قراءة في خطابات المعارضة التقليدية الذكورية، وقارنها بالخطاب الجديد الذي أنتجته الثورة المصرية. واستثني النجار من كلامه خطاب الرئيس السابق مبارك، بعد حادثة حريق قطار الصعيد، وهو الخطاب الذي طمأن الشعب وأقال فيه وزير النقل بعد مقتل ثلاثة آلاف مواطن، وقال النجار: مع تقدم العمر للرئيس السابق مبارك كانت مساحة الارتجال في خطاباته تقل، أما بالنسبة لخطاباته الثلاثة أثناء الثورة، فكانت تعاني من مشكلات منها أن مبارك كان يرتدي نفس الزي، ويقف في نفس المكان، أمام نفس المنصة وبنفس الشكل، أي بنفس الصورة ، ولم تختلف الصورة إلا في الخطاب الثالث، ولكنها كانت للأسوأ، فكان هناك "مونتاج" أعطي انطباعا بوجود حالة من الارتباك. وأكمل: ما سبق رغم كونه ملاحظات شكلية، فإنها بالنسبة للجمهور ملاحظات مهمة، وكذلك وضع اليد أثناء الخطاب الثالث بدي متكأ بيديه في دلالة علي التعب، علي عكس الخطابين السابقين، الذي بدا خلالهما واثقا، علاوة عل تلعثمه في الخطاب الثالث، كما لم تختلف نبرة صوته انخفاضا وارتفاعا في خطاباته الثلاثة باستثناء خطابه الثاني الذي حمل مقدارا كبيرا من التأثير والتعاطف، علي العكس مما كان يفعله عبدالناصر، الذي كان يتكلم بنبرة عالية، وكذلك السادات الذي كان يحرك يديه ويطرق علي المنصة. وتحدث الدكتور عماد عبد اللطيف عن الثورة، مؤكدا علي وجود مادة ثرية في خطاب المتظاهرين، علاوة علي اختلافها وصفيا، قائلا: هناك خطابات سياسية وأخري اجتماعية وأخري اقتصادية، وشكليا هناك خطابات مقروءة ومسموعة ومرئية، تلك الخطابات والتي تتفق مع بعضها من ناحية الهدف إلا أنها أيضا تحمل نوعا من الاختلاف، وجدت خطابات يومية متغيرة، كثيرة التحول وبالغة الثراء، وبذلك تحول ميدان التحرير إلي ساحة كبري للإبداع، وكانت الهتافات هي القوي المسموعة للثورة وقد تمت صياغتها بحرفية عالية، وهي علي الرغم من العملة الجماعية في إبداعها إلا أنها كانت تخضع لعملية فلترة فالهتافات التي تحظي بقبول الجميع يرددها الجميع، وما لا يرضي عنها الجميع تذهب طي النسيان، لتبقي الخطابات التي لا تدعو لمطالب فئوية وكذلك المصاغ منها بإحكام". وتابع: الهتافات كانت تقوم بدور مهم جدا فكانت تعبر عن المطالب، وتقدم إيقاعات إنشادية، في حين كانت اللافتات هي صور للمطالب، ومن التجليات الإبداعية هي الأغاني منها ما يعود إلي التراث لتبحث عن الذاكرة الخطابية وهي مشحونة بالعواطف، وإن أحدث بها المتظاهرون بعض التغييرات لتتناسب مع مطالبهم وهناك أغان أيضا صنعت خصيصا لهذه الثورة، إضافة إلي التسميات البليغة التي أطلقت علي الثورة وأيام الاحتجاجات علاوة علي استخدام التأريخ من خلال إطلاق مسمي اليوم، وهو أمر شديد البلاغة لأنها تبقي محفورة في الأذهان. وفي معرض حديثه تكلم الناقد سيد ضيف الله قائلا: رجعت إلي خطابات ما قبل ثورة يناير وما بعدها لدي المعارضة المصرية فوجدتها صورة طبق الأصل وتعتمد علي ركائز ثقافية واحدة، فهناك اتفاق مع النظام علي عدو واحد دون تحديده، وجعله عدوًا مطلقًا، مع تغير الأوقات والأحداث والأماكن، فالعدو مجهول، بالإضافة إلي استخدام النظام الحكومي لكلمة "الوطن" بشكل دائم واختفاء كلمة "المواطن" من الخطابات، وكأن فكرة الوطن احتكار للحزب وللحاكم وأيضا للمعارضة وأن ما عداهم لا يحمل تلك الوطنية، وأطلق عليها ضيف الله "الرقصة الأولي في ألاعيب الرقص السياسي فيما قبل 25 يناير"، واعتبر أن اختلاف المعارضة مع مظاهرات يناير كانت تنقلها من الرفض للاختلاف إلي الرفض للتشويه، وهذا يدل علي منطقة تشارك ثقافي أخري بين النظام والمعارضة، وهذا المشترك جعل هناك اتفاقًا آخر سياسيا بين النظام والمعارضة، ومن الركائز الثقافية التي استند إليها النظام السابق مع المعارضة هي منطق "العقلانية والحكمة" التي كانت خطابا مشتركا بينهم جميعا. وكان الشاعر شعبان يوسف قد تحدث في بداية الندوة حول مدي التسارع الحادث في الثورة الحالية وعن عدوي الثورات الحادثة بالتتابع في الدول العربية والتي بدأت في مصر وتونس إلي غيرها من البلاد وتطرق للثورات المصرية المختلفة علي مدي القرن العشرين، وعن تأريخ الثورات لدي المثقفين المصريين خاصة عبدالرحمن الرافعي وفتحي رضوان، وتحدث عن المساحات الغائبة في التأريخ والنزعات الأيديولوجية التي تؤثر علي المؤرخين، وأشار إلي وجود حقائق غائبة تظهر للعيان فيما بعد، وأكد أن ذلك يحدث أيضا في الثورة الحالية. ولفت يوسف إلي انه قبل انتفاضة 1977 شهدت مصر انتفاضات فئوية أدت إلي حدوثها، أما ما يحدث الآن أن الثورة تلاها تلك الانتفاضات الفئوية، وأن ما حدث خلال الأيام الماضية هي معمل لصنع قادة لم نكن لندركهم، ونبه إلي وجود قدر كبير من التشابك والتعقيدات الحادثة بين الخطابات والرسائل المختلفة التي تتناولها وسائل الميديا.