بدون مقدمات.. وفى ظل ارتباك لكل الأوضاع فى مصر واختلاط الأوراق أظن أنه ينبغى أن نقول لا للتعديلات الدستورية، وأقول بكل صراحة إننى أرفض من حيث المبدأ تلك التعديلات الدستورية التى سيجرى الاستفتاء عليها يوم 19 مارس بدعوى أن رئيس مصر القادم هو الذى سيتولى الدعوة لجمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا لمصر على اعتبار أن وضع هذا الدستور الجديد لمصر يحتاج إلى شهور طويلة وأن الوقت لا يسمح بذلك والقوات المسلحة ترغب – ومعها كل الحق – فى العودة إلى أداء مهامها الأساسية فى الدفاع عن أمن الوطن وحدوده!! ومع ذلك فإن الاستسلام لفكرة ترقيع الدستور بمسمى التعديل سوف يقود مصر إلى المجهول الذى لن ينقذ مصر من المخاطر التى تهددها.. فالرئيس القادم لمصر- كما قلنا وقال غيرنا – سوف يأتى مسلحا بترسانة رهيبة من الصلاحيات والسلطات التى تجعله قادرا على أن يقود الأمور نحو الاتجاه الذى يريده. وللذين يرفعون شعار أن الوقت يطاردنا وأن الأوضاع لا تحتمل الانتظار لعدة شهور حتى يتم وضع دستور جديد متكامل أقول لهم إن كلية الحقوق بجامعة القاهرة قد انتهت من خلال أساتذة قسم القانون الدستورى بها وهم من كبار الفقهاء الدستوريين فى الوطن العربى من وضع مشروع متكامل لدستور مصرى جديد يمكن أن يطرح للمناقشة المجتمعية وإبداء الآراء المختلفة. وإذا كنا فى ظل هذه الظروف المرتبكة فى الوطن - حيث مازالت أصابع فاسدة فى أجهزة الأمن وفلول الحزب المحروق تحاول حرق الوطن - نستعد لإجراء استفتاء على مستوى الجمهورية لإقرار تعديلات دستورية سوى تجعلنا أمام دستور مهلهل فإننا يمكن أن نستبدل ذلك بإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تناقش مشروع الدستور الجديد لمصر الذى انتهت إليه جهود كبار أساتذة القانون الدستورى فى العالم العربى. ورغم أننى ضد الترقيع الدستورى بصفة مبدئية ولكن لأنه على ما يبدو سوف يفرض علينا الاستفتاء على هذه التعديلات فإن علينا أن نناقش هذه التعديلات المطروحة على اعتبار أننا قد نجد أنفسنا أمامها بالفعل وفى هذه التعديلات العديد من النقاط التى يجب إعادة النظر فيها وأولها وجود حد أدنى لعمر من يتقدم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية دون وجود حد أقصى لسن هذا المرشح، وبالتالى نحن أمام مادة دستورية تشترط فيمن يرشح لمنصب رئيس الجمهورية ألا يقل عمره عن 40 سنة دون أن تحدد السن التى لا يجوز أو يصلح بعدها هذا الشخص لمسئولية منصب رئيس الجمهورية.. وبصراحة فإن هذا الشرط كله لم يعد مقبولا حيث يجب تخفيض الحد الأدنى لعمر من يتقدم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية إلى 35 عاما.. ولا ننسى أنه قبل نصف قرن من الزمان تولى منصب رئيس الجمهورية فى مصر شاب لم يتجاوز عمره 34 عاما هو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ولا ننسى أن هذه كانت الفترة التى شهدت نهضة فكرية وثقافية وفنية وظهور كل رموز مصر فى مختلف المجالات.. فظهر يوسف إدريس ومصطفى محمود ونجيب محفوظ وأحمد بهاء الدين وعبد الحليم حافظ وسعاد حسنى وغيرهم. وكذلك لا نريد لمصر أن تحكمها عقول بعيدة بل وخارج العصر بحكم سنوات العمر والشيخوخة ولذلك فإن المطلوب أن تتضمن هذه التعديلات الدستورية – إذا لم يكن منها مفر- تحديد حد أقصى لعمر من يتولى حكم مصر ولا نريد أن تعود مصر إلى الحالة التى وصفها يوما الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بأننا أمام سلطة شاخت فوق كرسى الحكم.. وبمعنى أكثر وضوحا لا يجب أن يتقدم للترشيح للرياسة أساسا من تجاوز عمره 65 عاما على أساس أنه لو بقى فى موقعه رئيسا لمدة 8 سنوات كما تقترح التعديلات فإنه سوف يغادر السلطة وهو على أبواب الخامسة والسبعين من العمر وهو كاف جدا. أما ما نسمعه حاليا عن وجود نية لدى بعض الشخصيات التى تجاوزت من العمر الخامسة والسبعين عاما وتريد الترشح للرياسة وقد تنجح فإن ذلك معناه أننا سوف نجد رئيس مصر فى تلك الحالة وقد اقترب من الخامسة والثمانين عاما من العمر.. باختصار نريد نصا يفتح الباب للترشح لمنصب رئيس الجمهورية لمن يزيد عمره على 35عاما ولا يتجاوز 65عاما.. وانظروا للعالم من حولنا.. من هم الذين يقودون إنجلترا وألمانيا وفرنسا وأمريكا وتركيا وإسرائيل وغيرها من الدول التى أكرمها الله بقيادات شابة فتدفقت فيها الحيوية والنمو.. وفيما يتعلق بفترة الرياسة فإننى اتفق مع كاتبنا الأستاذ صلاح منتصر الذى يرى أن تكون مدة الرياسة فترة واحدة غير قابلة للتجديد لفترة ثانية تحت أى ظرف من الظروف وأضيف إلى ما يراه الأستاذ صلاح منتصر ضرورة أن تتضمن التعديلات المقترحة نصا لا يجوز المساس به مطلقا وهو نص يلزم كل رئيس قادم لمصر بعدم تعديل المادة التى تحدد مدة الرياسة بفترة واحدة وفى هذه الحالة يمكن زيادة فترة الرياسة من أربع سنوات إلى ست سنوات.. بحيث يتاح للرئيس الجديد فرصة كافية لتنفيذ البرنامج الذى يتم انتخابه على أساسه وفى نفس الوقت لا ينشغل على الإطلاق بالتفكير فى الفترة الثانية للرياسة لأنه لن تكون هناك فترة ثانية.. ثم يبقى فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية أهمية ألا يجرى هذا الاستفتاء على تلك التعديلات كلها فى ورقة واحدة بنعم أو لا.. فقد يوافق البعض على مادة معدلة ولا يوافق على مادة أخرى.. ولكن فى ظل المطروح حاليا فإنه ليس أمامه سوى أن يوافق على الكل أو يرفضه.. نحن أمام لحظة فارقة فى تاريخ مصر وليس أمامها سوى أن تختار طريق السلامة بما سيتضمنه هذا الدستور أو لا قدر الله طريق الندامة الذى لا يعرف إلا الله سبحانه وتعالى إلى أين يهوى بنا؟! لبيب السباعى