6 سنوات مضت على اللقاء الاخير .. قبلها كان الاستاذ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله قد دخل فى مرحلة صعبة من مراحل المعاناة مع الفشل الكلوى اضطرته للغياب لفترة طويلة كان يستسلم خلالها لاجهزة الغسيل فى احد مستشفيات القاهرة بعد عودته من الخارج .. وعرفت وقتها انه لم يكن يستريح لمحاولات بعض الزملاء لزيارته فى المستشفى .. الاستاذ عبد الوهاب ياجماعة كانت له شخصية قوية .. او هكذا كان حريصا على ان تكون صورته على الاقل امام من يعملون تحت رئاسته .. ولذلك لم احاول ان ازوره فى المستشفى .. وظللت لاكثر من ثلاثة اشهر اتواصل معه بالتليفون عندما كانت ظروفه تسمح .. وحدث أن عرفت بالصدفة من سائقه محمود عبد الستار ان الاستاذ عبد الوهاب قرر ان يخرج من عزلته ويذهب الى التليفزيون ليسجل مجموعة من حلقات برنامجه الذى كان يقدمه على الفضائية المصرية بعنوان " لحظة صدق " وسالت عن موعد التصوير فعرفت انه سوف يبدأ فى الثانية عشرة ليلا .. وفى الساعة الواحدة صباحا تقريبا اصطحبت زميلى محمد صلاح وذهبنا الى مبنى التليفزيون بماسبيرو لنسلم على الاستاذ عبد الوهاب .. انتظرنا فى سيارتى امام الباب لاكثر من ساعة حتى لمحت الاستاذ عبد الوهاب ينزل من الباب الجانبى لمبنى ماسبيرو .. كان وجهه شاحبا و يستند على عصا خشبية غليظة .. اندفعت مع محمد صلاح نحوه لنصافحه واستقبلنا بنظرة لازلت اذكرها وكأنها حدثت بالامس .. عينان شاحبتان قويتان مغرورقتان بدموع ليس مسموحا لها بالنزول .. وبعد السؤال عنا وعن احوالنا سألنى الاستاذ عبد الوهاب : انتم جايين بايه ؟ قلت : بسيارتى .. فقال : اركنها وتعالوا اركبوا معايا جلست بجوار السائق وجلس محمد صلاح بجوار الاستاذ عبد الوهاب الذى طلب من سائقه ان " يلف لفة فى شوارع وسط البلد " كان الاستاذ عبد الوهاب يتكلم عن الشغل والمجلة وبدا لى وكأنه يريد ان يخبرنا بأنه عارف كل حاجة ويتابع كل حاجة برغم الغياب .. وبعد ما يقرب من نصف الساعة طلب من سائقه ان ينزلنا امام الاهرام بعد ان احكم اغلاق ستائر السيارة الخلفية حتى لايراه احد من الزملاء بالصدفة .. وطبعا لم يجرؤ أحدنا على ان يذكّر الاستاذ باننى تركت سيارتى عند مبنى التليفزيون .. كان واضحا جدا انه يتألم .. وان المرض ينتظر صفارة القدر ليعلن انتصاره فى مباراة العمر .. لكن الاستاذ عبد الوهاب كان يدافع عن حقه فى الحياة حتى اللحظة الاخيرة .. فعاد يكتب بريد الجمعة ويرسله الى الاهرام من بيته .. وكان احيانا يطلب بروفات مجلة الشباب ليراجعها بنفسه .. ثم قرر ان يمنح نفسه اجازة قصيرة فى الاسكندرية التى ذهب اليها برفقة صديق عمره الاستاذ سامى متولى .. وطبعا لم يكن الاستاذ عبد الوهاب يعرف ان القدر اختار هذه المحافظة التى احبها كثيرا وارتبط بها جدا ليكون موعده معه هناك .. فى 6 اغسطس 2004 اسلم الاستاذ عبد الوهاب الروح .. استطيع ان اقول لك بعد 6 سنوات من رحيله أننى لم افتقد الاستاذ عبد الوهاب كثيرا طوال هذه الفترة .. فقد اكتشفت انه يعيش فى حياتى .. تماما كما يعيش فى وجدان قرائه ومحبيه .. برغم ان شخصية الاستاذ عبد الوهاب التى كانت تظهر فى كتاباته تختلف كثيرا عن شخصية رئيس التحرير الذى كنت اتعامل معه ، وهذه ليست بدعة بالمناسبة ففى تاريخ الادب العربى كثيرون من الكتاب والشعراء والمثقفين لم تكن كتاباتهم تدل على طبيعة شخصياتهم او كانت على العكس منها تماما ولعل اشهرهم الكاتب الكبير احسان عبد القدوس الذى كان محافظا ومتدينا على النقيض تماما مما يكتب .. اقول لك : كان الاستاذ عبد الوهاب مطاوع الله يرحمه كما الشمس .. تنعم بدفئها كلما ابتعدت عنها .. فاذا اقتربت احترقت .. لانه هو نفسه كان فى حالة احتراق دائم بحثا عن التوهج الادبى الذى جعله يعيش فى حياتى وحياتك .. وفى ذكرى رحيل الاستاذ يعلن موقع الشباب عن مفاجأة لكل قرائه ومحبيه .. فمع بداية شهر رمضان المبارك يمكنك ان تقرأ يوميا حلقة جديدة من رائعة الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع حكايات شارعنا التى كتبها فى المجلة .. انتظرونا ابتداء من الاربعاء القادم باذن الله .