عيد العمال الليبرالي    رئيس «إسكان النواب»: توجد 2.5 مليون حالة مخالفة بناء قبل 2019    أسعار النفط تسجل أكبر تراجع أسبوعي في 3 أشهر    بالصور.. وزير الشباب والرياضة يتفقد معسكر "يلا كامب" بمدينة دهب    بعد «اتفاقية التكييف».. محافظ بني سويف: تحوّلنا إلى مدينة صناعية كبيرة    إدخال 349 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبري رفح وكرم أبو سالم    البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني الأسبوع المقبل    موريتانيا.. أقدم معارض يدعم الرئيس الغزواني في الانتخابات المقبلة    أخبار الأهلي : عاجل .. استبعاد 11 لاعبا من قائمة الأهلي أمام الجونة    بحضور 25 مدربًا.. اتحاد الكرة يُعلن موعد الدورات التدريبية للرخصة «A»    تير شتيجن على موعد مع رقم تاريخي أمام جيرونا    التحقيقات تكشف سبب مقتل شاب علي يد جزار ونجله في السلام    تحرير 12 محضرا تموينيا خلال حملة مكبرة في البحيرة    ريم أحمد تتعرض للإغماء في عزاء والدتها بالحامدية الشاذلية (صور)    آمال ماهر تتألق بأجمل أغانيها في جدة | صور    قصر أثري للبيع مقابل 10 يورو بشرط واحد.. كان يسكنه رئيس وزراء بلجيكي سابق    فريدة سيف النصر ترد على اتهامات توترها للفنانين داخل لوكيشن "العتاولة"    هند صبري وابنتها يقلدان مشهد من «نيللي وشريهان»    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    5 فئات ممنوعة من تناول الرنجة في شم النسيم    لعنة تخطي الهلال مستمرة.. العين يخسر نهائي كأس الرابطة من الوحدة    عمرو أديب ل مصطفى بكري: التعديل الوزاري إمتى؟.. والأخير يرد    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    بعد غيبوبة 10 أيام.. وفاة عروس مطوبس تفجع القلوب في كفر الشيخ    "قطّعت جارتها وأطعمتها لكلاب السكك".. جريمة قتل بشعة تهز الفيوم    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    كيف يعاقب قانون العمل المنشآت الممنتعة عن توفير اشتراطات السلامة المهنية؟    بعد محور جرجا على النيل.. محور يربط «طريق شرق العوينات» و«جنوب الداخلة - منفلوط» بطول 300 كم لربط الصعيد بالوادي الجديد    أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    بمشاركة كوكا، ألانيا سبور يتعادل مع أنقرة 1-1 في الدوري التركي    أنشيلوتي يؤكد مشاركة نجم ريال مدريد أمام قادش    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    خدمة الساعات الكبرى وصلاة الغروب ورتبة إنزال المصلوب ببعض كنائس الروم الكاثوليك بالقاهرة|صور    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الأقباط بعيد القيامة    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    سوسن بدر تعلق على تكريمها من مهرجان بردية لسينما الومضة    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإذاعى المخضرم فهمى عمر: أعطيت الميكروفون للسادات ليلقى بيان الثورة
نشر في أكتوبر يوم 12 - 09 - 2010

الإذاعى الكبير فهمى عمر أحد أبرز الأسماء التى أضاءت مسيرة الإذاعة المصرية على مدار 50 عاما قدم خلالها نموذجا مشرفا للإعلامى العاشق لمهنته، المبدع فى برامجه، والمقدر لعقلية المستمع الذى ينتظره بجوار الراديو..
اشتهر بلقب «المذيع الصعيدى» وساهم فى العديد من المواقف التاريخية للإذاعة، ويكفى أنه هو الذى فتح ميكروفون الإذاعة للرئيس الراحل أنور السادات ليلقى بيان ثورة يوليو 1952، وخلال رئاسته للإذاعة تخرجت على يديه أجيال من الإذاعيين واستعادت الإذاعة الكثير من بريقها..
فى حواره الشامل مع «أكتوبر» يحكى الإذاعى اللامع فهمى عمر الكثير من أسرار حياته ومواقفه مع السادات وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ويتحدث أيضا عن أهم محطات مشواره الطويل مع الإذاعة التى عشقها حتى فضلها على التليفزيون والسينما..
*نود أن نتعرف على تفاصيل مرحلة الطفولة وتأثيرها فى شخصية الإعلامى الكبير فهمى عمر؟
**فى حقيقة الأمر كانت طفولتى شاقة للغاية فقريتى التى ولدت بها لم تكن بها مدرسة ابتدائية إذ كانت المدرسة بمدينة (دشنا) بمحافظة قنا ولم يكن فى دشنا من مظاهر المدينة سوى مركز البوليس والمستشفى ومحطة القطار ومبنى المحكمة أما ما دون ذلك من منازل فهى تماما مثل منازل قريتى ولم تكن بها كهرباء أو مياه وهى إلى الجنوب من قريتى بحوالى 20 كيلو مترا وهى على الضفة الشرقية للنيل وقريتى على الضفة الغربية من النيل ولم يكن يوجد طرق ممهده أو أتوبيسات تنقل الناس من القرى إلى المركز ولم تكن هناك إلا وسيلة مواصلات وحيدة هى (الرفاص) عبارة عن مركب نيلى، آلاته الميكانيكية كانت تدور بالبخار وكانت قوة البخار تدفع الآلة فى الماء وكأنها ترفعه فيتحرك «الرفاص» شاقا عباب المياه من قرية إلى أخرى حتى يصل إلى دشنا قاطعا مسافة 20 ك فى نحو ساعة ونصف الساعة.
وكانت المشقة التى أعانيها وأنا طفل صغير تتمثل أيضا فى اغترابى عن أسرتى لمدة ستة ايام كل اسبوع ولن أنسى أبدا تلك الدموع التى كانت تظرف من عين والدتى وهى تودعنى صباح السبت ألما على فراقى ثم دموع الفرحة والسعادة التى كانت تنسكب من عينيها عند اللقاء مساء الخميس حينما كنت عائدا من دشنا. هذا الشقاء جعلنى أفكر فى البقاء بالقرية مع أقاربى وترك المدرسة وكان والدى يعنفنى بشدة عندما كنت أبدى رغبتى فى أن أساعده فى العمل بالزراعة حتى أيقنت أنه لا مفر من مواصلة التعليم وكانت فرحة غامرة لى ولأسرتى وأبناء عمومتى عندما حصلت على الشهادة الابتدائية سنة 1940 وعندما انتقلت إلى المرحلة الثانوية كان على أن أذهب إلى مدينة قنا عاصمة المحافظة وكان ذلك نقلة حضارية كبيرة فكان بها كهرباء ومياه موصلة بالمواسير ودار للسينما قلبت كيانى ومدرسة ثانوية فاخرة شيدتها الدولة ضمن سبع مدارس أخرى فى سبع عواصم للمحافظات.
*وماذا عن أحلامك وطموحاتك وأنت تقترب من الالتحاق بالجامعة بعد أن كانت الابتدائية حلما فى حد ذاتها؟
**بعد أن اتممت 5 سنوات بالمرحلة الثانوية كان حلم أبى أن أعمل بالنيابة بينما كنت أريد الالتحاق بالمعهد العام للكيمياء الصناعية وكان ذلك على غير رغبة أبى الذى كان يريد ان التحق بكلية الوزراء ورجال القضاء وهى كلية الحقوق وهذا ما حدث فالتحقت بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية وكان اسمها جماعة (فاروق الأول) وأصبحت اعيش على أمل تعيينى بالنيابة وكنت أسكن فى بنسيون يملكه يونانى بالإسكندرية التى كانت فى ذلك الوقت مليئة بالأجانب من كل مكان ولكن أكثرهم كانوا يونانيين وكانت الجامعة فى أوئل سنة 1946 تموج بالمظاهرات التى تطالب برحيل الاستعمار وكان يؤجج شعلة المظاهرات مجموعة من الطلاب على رأسهم الشاعر الكبير (محمد التهامى) الذى كان يلهب خيالنا بقصائده الوطنية بالإضافة إلى (سعد التائه) الخطيب المنوه، وأثناء دراستى بكلية الحقوق عشقت كرة القدم والرياضة عموما وكنت أحرص على مشاهدة مباريات الاتحاد السكندرى والأوليمبى وهو دربى الإسكندرية مثل الأهلى والزمالك بالقاهرة، بالإضافة إلى متابعة مباريات كرة السلة المثيرة بين أندية الأهلى والجزيرة والزمالك واليونانى وسبورتنج وسان مارك.
وعقب تخرجى فى الكلية فى صيف سنة 1949 بدأ انتظارى للالتحاق بالنيابة العامة ومرت الشهور دون ظهور أية نتيجة تبشر بالالتحاق بالنيابة العامة. وفى تلك الأثناء كنت أتدرب كمحام تحت التمرين بالقاهرة فى مكتب الدكتور (محمد صالح) عميد الحقوق الأسبق. وبدأ اليأس يتطرق إلى قلبى جراء هذا التأخير وفى أحد الأيام جلست مع صديق لأحد أقاربى وصهر الدكتور محمد صالح هو المهندس أبو الفتوح طلبه صقر وأشار على بالتقدم للعمل بالإذاعة ويمكننى أن أستقيل إذا ما جاءتنى وظيفة وكيل النيابة.
العمل بالإذاعة/U/
*وهل كان العمل الإعلامى من بين اهتماماتك؟
**لم أفكر فى وظيفة غير وظيفة وكيل النيابة وعلى الرغم من أن كل الوظائف تقريبا كانت تطوف بذهنى إلا أن حكاية الإذاعة هذه كانت بعيدة عن خواطرى وتطلعاتى..
والمهندس أبو الفتوح هو من قدم لى الطلب لاختبارات الإذاعة وبعد أيام قليلة جاءنى خطاب بالبريد على عنوانى فى القاهرة سطوره كانت تقول يجب أن أذهب فى اليوم الفلانى إلى مبنى ستديوهات الإذاعة فى رقم 5 شارع علوى لأداء الامتحان أمام لجنة اختبار المذيعين وقد كان. حيث ذهبت يوم 15 إبريل 1950 إلى مكان الاختبار فوجدت عشرات الشبان والشابات قد سبقونى لكى يؤدوا الامتحان وكانت أعصابى هادئة جدا فأنا لن أخسر شيئا إذا لم أنجح فى الاختبار وإذا نجحت وأصبحت مذيعا فأنا سأستقيل عندما أعين فى النيابة العامة. وكانت المفاجأة أن اسمى كان من بين الشبان الذين سيحضرون فى الغد للتصفية وفى التصفية كان اسمى ضمن التصفية التالية التى ستجرى بعد غد إلى أن صدر قرار تعيينى بالإذاعة.
*وكيف استقبلت قرار تعيينك بالإذاعة وأنت تنتظر قرارا آخر تماما فى سلك النيابة؟
**شعرت بشىء من خيبة الأمل وخصوصا عندما قالت لجنة اختبار المذيعين فى تقريرها إن صوتى صالح للميكروفون ومخارج الألفاظ عندى سليمة والحنجرة قوية ولكن يشوب أدائى لهجة صعيدية عندئذ عرفت لماذا كانت تصلنى ضحكات لجنة الاختبار وأنا فى ستديو الامتحان بعد كل حوار يجرى بين اعضائها وبينى وأتذكر أن واحدا منهم سألنى لماذا تقول (جلنا) و(جال) ولماذا تعطش الجيم ولماذا لا تتحدث باللهجة القاهرية؟ فكنت أصر على عدم التحدث إلا باللهجة الصعيدية لذلك ظللت طيلة 15 شهرا أعمل خارج الهواء ولم أنطق بكلمة واحدة فى الميكروفون حيث كنت استقبل التسجيلات الإذاعية وأقوم بإعداد الميكروفون وتعرفت على العديد من ضيوف الإذاعة من المتحدثين الذين سجلت لهم مثل عباس محمود العقاد ومحمد فريد أبو حديد والدكتور محمد عوض محمد والفنان سليمان نجيب وفكرى أباظه وكثيرين غيرهم. وجاهدت كثيرا لأن أصبح مذيعا يقرأ نشرة الأخبار ويقدم فقرات البرنامج وبالتالى يعرفه الناس ويصبح نجما إذاعيا معروفا، ومع الوقت نسيت حكاية (وكيل النيابة) وعشقت العمل بالإذاعة. وكنت لحوحا فى طلبى بعقد امتحان لى حتى استطيع أن اعمل كمذيع هواء وظل هذا الحال قرابة العام حتى استطعت التخلص من اللهجة الصعيدية شيئا ما أمام لجنة الاختبار حتى كان يوم 23 أغسطس 1951 الذى خرج فيه صوتى أخيرا عبر الأثير يردد عبارة (هنا القاهرة).
*وأين والدك من هذه التطورات وهو الذى أدخلك كلية الوزراء (الحقوق)؟
**عملى بالإذاعة سبب فتورا فى العلاقة بينى وبين والدى حتى أنه أمر ألا يفتح الراديو الذى يشبه الدولاب فى منزلنا وأحسست أنه غير راض عن هذا العمل خاصة أن البعض همس فى أذنه أن ابنه يعيش ويعمل فى مجتمع أغلبه من المغنين والموسيقيين وأن الإذاعة (هيصه فى هيصه). وطبقا لأوامره لم تستطع والدتى ان تدير جهاز الراديو الذى كان يعمل بالبطارية السائلة وهى بطارية كبيرة الحجم ولابد من شحنها كل أسبوعين على الأكثر حيث يذهب أحد الأشخاص إلى مدينة نجع حمادى لتظل فى الشحن حوالى 5 ساعات ويعود بها لتركب بمقابض تتصل بسلك مع الراديو وكانت الرحلة من القرية إلى نجع حمادى تتم عن طريق ركوب الحمار والذى يقطع المسافة فى ساعتين ذهابا ومثلهما إيابا ولم يسمح والدى بأن يفتح الراديو فى منزلنا إلا بعد أن فاجأه الباشا مدير قنا فى جلسة مع «عمد» المراكز وسأله: «كيف استطاع ابنك يا عمده أن يصبح مذيعا، انا أسمعه دائما ودى حاجة عظيمة».
وبعد العودة من الجلسة أشار أبى بفتح الراديو وأصبحت الفترة التى أقوم بتنفيذها صباحا أو ظهرا أو مساء هى الفترة التى لا يغادر والدى المنزل أثناءها حتى تنتهى.
البيان الأول للثورة/U/
*ماذا عن علاقتك القوية مع ثورة يوليو وضباطها؟
**كان من حسن حظى أن أكون أول إعلامى يلتقى بالثورة المصرية حيث كنت حسب جدول العمل بقسم المذيعين المذيع الذى ينفذ فترة الصباح من البرامج يوم الأربعاء من كل أسبوع والثورة بدأت فجر الثالث والعشرين من يوليو سنة 1952 الذى وافق يوم أربعاء وكان الإرسال صباح كل يوم يبدأ فى الساعة السادسة والنصف وبالتالى كان لزاما على أن أكون فى استديوهات الإذاعة حوالى الساعة السادسة صباحا. وأنا ذاهب إلى الإذاعة بشارع الشريفيين استرعى انتباهى الحصار المفروض حول مقرها من رجال الجيش. وعندما حاولت دخول الشارع استوقفنى ضابط من القوات المسلحة برتبة ملازم ثان ولما عرفته بنفسى رحب بى وصعد معى سلالم المبنى إلى أن وصلت إلى استراحة المذيعين حيث كان يجلس البكباشى (مقدم) أنور السادات عرفته على الفور لأنه كان ملء السمع والبصر وقرأنا عنه الكثير أدركت أن الضباط والجنود الذين ملأوا جنبات الإذاعة والشوارع المحيطة بها جاءوا من أجل تحقيق الحلم الذى داعب خيالنا سنوات طويلة وهو جلاء المستعمر والقضاء على فساد الملك والاحزاب، وقال لى السادات مبتسما إن هناك تعديلا سيدخل على برامج الإذاعة وأنه سيقوم بإلقاء بيان خلال الميكروفون عقب بدء الإرسال مباشرة. ولم أتردد لحظة واحدة فى تلبية الطلب وقلت له إننى سأقول بعض الكلمات التى نحيى بها المستمعين وعرضت عليه أن يذاع البيان حيث دقائق من الموسيقى العسكرية التى كانت الإذاعة تفتتح بها الإرسال عادة لكن الإرسال انقطع لمدة ساعة من محطة الإرسال فى أبو زعبل وظللت أذيع الفقرات كما هى حتى يعود الإرسال. وقبل السابعة والنصف موعد إذاعة نشرة الأخبار بدقيقتين عاد الإرسال ودخل السادات الاستديو وقلت الجملة التى لن أنساها وهى «سيداتى وسادتى» أعلنت ساعة جامعة فؤاد الأول السابعة والنصف من صباح الأربعاء الثالث والعشرين من يوليو وإليكم نشرة الأخبار التى نستهلها ببيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يلقيه مندوب القيادة وانساب صوت السادات يعلن أول بيان للثورة بعدها امتلأت الشوارع المحيطة بالإذاعة بالمئات من المواطنين وهم يقبلون جنود القوات المسلحة المحاصرين للمكان وقدموا لهم الشاى والبسكويت مرددين (تحيا مصر) وكرر البيان أكثر من ضابط بعد ذلك وكنت قد سألت السادات عما إذا كان بمقدورى أن أقرأ البيان ولكن الرجل قال إن السادة الضباط هم الذين سيقرأون البيان وقال نحن لا نريد أن نقحمكم فى هذا الأمر. ولكن للأسف كان قارئو البيان من الضباط طوال يوم الأربعاء يقرأون البيان بلغة ركيكة وبها أخطاء نحوية كثيرة ولم تعتدل قراءة البيان ويلقى بلغة سليمة إلا فى فترة السهرة عندما أيقن المسئولون أن الأمر قد استتب لهم وأن الثورة قد نجحت، فرحبوا بقراءة المذيعين للبيان وخرج صوت الراحل جلال معوض فى نشرة الثامنة والنصف مساء الأربعاء 23 يوليو يصافح آذان المستمعين ببيانات الثورة.
المذيع الصعيدى/U/
اشتهرت فى بداية عملى بالإذاعة بلقب المذيع الصعيدى حيث تم تعيينى مذيعا لكن مع إيقاف التنفيذ بسبب لهجتى الصعيدية وقد كتب عنى الراحل جليل البندارى مقالا فى مجلة «آخر ساعة» حكى فيه قصة لهجتى الصعيدية وكيفية التخلص منها فى أواخر عام 1951 والتصق هذا اللقب بى على الدوام وكنت سعيدا به وأذكر أننى ظللت طول فترة دراستى الجامعية بالإسكندرية متمسكا بلهجتى الصعيدية. وعرفنى النجوم وقتها بهذا اللقب مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ حتى أن الرئيس السادات كان عندما يلقانى فى اى مناسبة كان يحتفى بى ويهش فى وجهى ويبش قائلا أهلا يا صعيدى وأذكر أنه ليلة عرس ابنته إلى محمود عثمان ابن الراحل عثمان أحمد عثمان كنت أحد المدعوين فى الفرح من قبل المهندس عثمان وكان السادات وعثمان يقفان بجوار بعضهما ليسلما على المدعوين وعندما لمحنى الرئيس أنور السادات صاح بملء فيه تعالى يا واد يا صعيدى وسلم على بحرارة وأردف يقول للمهندس عثمان أحمد عثمان أهو ده يا عثمان الولد اللى فتح لى الميكروفون يوم 23 يوليو وتبسط معى الرجل وسألنى عن حالى وأحوالى وكان ودودا حفيا باسما وستظل هذه اللقاءات حية فى الذهن.
*كيف جاءت صلتك مع كوكب الشرق أم كلثوم؟
**فى أحد الأيام جاءت أم كلثوم إلى استديو رقم 1 بمبنى الاستديوهات لتستمع إلى تسجيل الحفل الغنائى الذى تقيمه فى الخميس الأول من كل شهر وكانت تحرص على الحضور إلى الاستديو لتجهيز بعض الأغانى لإذاعتها حسب رضاها وأذكر أننى دخلت الاستديو لأبحث عن سماعة الأذن الخاصة بى والتى كنت قد نسيتها فى الاستديو فى اليوم السابق وفوجئت بوجود السيدة أم كلثوم بالاستديو وكان لها هيبة وشموخ لا أستطيع أنا المذيع حديث العهد بالإذاعة إلا أن أهتز أمامها وكان إلى جوارها ابن شقيقتها المهندس محمد دسوقى الذى كان يعمل فى إدارة تشغيل استديوهات الإذاعة. وعندما شاهد ربكتى هدأ من روعى قائلا: أهلا.. اتفضل تعالى سلم على الست.. وقال لها ده فلان، المذيع الصعيدى وكانت يرحمها الله تتمتع ببديهة وذكاء فقالت على الفور وهى تسلم على يعنى اللى بيسلم عليه يقول «صعيدى» وظل هذا اللقب يلازمنى سنوات عمرى وأذكر أن الراحلة همت مصطفى وهى تحاور الرئيس السادات عندما كان يحكى لها تفاصيل قيام ثورة يوليو سألته عن صباح الثورة وكيف اذاع بيانها الأول فقال الرجل إن المذيع الذى قدمه عبر الميكروفون كان المذيع الصعيدى فهمى عمر.
وقد كان المذيع منا نحن جيل الخمسينيات من القرن الماضى يمنى نفسه بأن يقوم بتقديم حفل من حفلات كوكب الشرق أم كلثوم وكان يتساءل بينه وبين نفسه متى يحين الوقت الذى يخطره فيه كبير المذيعين بأن الأمنية على وشك ان تتحقق لكن ما الذى سيقوله الواحد منا بعد تقديم الرواد أمثال محمد فتحى وعبد الوهاب يوسف وحافظ عبد الوهاب حيث كانوا يتصفون بالكلام الجميل وبالأسلوب المشوق. وعندما أبلغنى كبير المذيعين فى نهاية شهر فبراير 1954 بأننى سأكون مذيع حفل أم كلثوم ليلة الخميس الأول من شهر مارس كانت سعادتى غامرة وكان خوفى وفزعى كبيرين وظللت قرابة أسبوعين قبل الحفل وأنا أعيش الحلم الممزوج بالخوف حتى جاءت الليلة الموعودة وكان الحفل بمسرح الأزبكية وتوجهت إلى خلف المسرح حيث كانت كوكب الشرق تأخذ أهبتها لبدء الحفل وعندما دخلت عليها استقبلتنى بابتسامة عريضة وعرفها بى للمرة الثانية ابن شقيقتها محمد الدسوقى وقالت هى على الفور أنا فاكراه المذيع الصعيدى وضحكت ضحكة عالية. ورتبت على كتفى مشجعة مما ادخل الطمأنينة إلى قلبى، جمهور الحفل كان يسترق النظرات لى وأنا امام الميكروفون فضلا عن الملايين التى ستستمع إلى عبر الراديو كل ذلك شد من أعصابى وحان موعد البدء وانتقل الميكروفون من الاستديو إلى مكان الحفل بمسرح الأزبكية وهدأت شيئا ما وأخذت أقول ما حلا لى من القول على مدى خمس دقائق قبل أن يرتفع الستار عن كوكب الشرق أم كلثوم وعندما بدأت دقات المسرح التقليدية الثلاث التى تسبق رفع الستار انطلق صوتى بقول والآن أيها الستارة ترتفع السادة عن أم كلثوم وفرقتها الموسيقية لتغزلنا وكانت هذه هفوة طريفة ضحك لها زملائى الذين استمعوا إلى وقالوا: «بتحصل مع أحسن المذيعين».
مع عبد الحليم/U/
*وماذا عن صداقتك مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ؟
**لا أدعى أننى كنت على صداقة قوية مع عبد الحليم حافظ ولا أزعم أننى كنت من بين من يسهرون فى منزله أو أدعى كما يقول البعض من أعز معارفه. وعلاقتى معه بدأت من خلال تواجده كعازف موسيقى فى فرقة موسيقى الإذاعة. وكنت اشاهده شابا ضئيل الحجم وسط مجموعة من العازفين أغلبهم من ضخام القامة وأشهد أنه كان له حضور يجعلنا نحن المذيعين نسلم عليه ونتجاذب معه أطراف الحديث. كان اسمه عبد الحليم شبانه وله شقيق اسمه إسماعيل كان يغنى فى الأركان الإذاعية مثل ركن الريف والعمال. وكان عبد الحليم يجلس معنا فى استراحة المذيعين عقب الانتهاء من تسجيلات الفرقة الموسيقية وكان يحاول أن يثبت لنا بأنه يجيد الغناء. وكان يغنى أغنيته التى دخل بها امتحان الصوت (صافينى مرة) وكان الاستاذ حافظ عبد الوهاب يرأس قسم الموسيقى واستمع إليه ثم جمع له لجنة الموسيقى واستمعت إليه وأجازته اللجنة وبدأت الصلة تقوى مع عبد الحليم والموجى وكاتب أغنياته سمير محجوب كان ذلك فى بدايات الخمسينيات حين بدأ عبد الحليم يشق طريقه فى مجال الغناء وبعد أن أعطاه عمنا حافظ عبد الوهاب اسمه أصبح يسمى عبد الحليم حافظ. وشهدت شقة الراحل جلال معوض بشارع سليمان جوهر بحى الدقى أمسيات جميلة شاركنا فيها. وكثيرا ما صاحبنى عبد الحليم ليشاهد المباريات وتعرف على نجوم كرة القدم عصام بهيج ويكن حسين وعلاء الحامولى وكانت له سهرات معنا فى نادى الزمالك حيث كنا نعتقد جميعا أنه من مناصرى نادى الزمالك. وعندما اشتهر عبد الحليم وأصبح نجما قال لى إنه أهلاوى صميم وقد حدثت معه حكاية قبل رحيله. ففى نهاية الموسم الكروى 1976 وصل إلى نهائى كأس مصر الأهلى والاتحاد السكندرى والتقيت عبد الحليم فى طرقات الإذاعة وقال لى طبعا حنكسب الكأس وقلت له بل الاتحاد سيكسب الكأس من قبيل العند وقلت له متحديا هل لو كسب الاتحاد سنحتفى به فوافق على الفور وفاز الاتحاد فهاتفته ليفى بوعده ووافق على الفور وحددنا موعدا لمجئ الفريق إلى منزل عبد الحليم وقدم للاعبين هدايا قيمة وأقام حفل عشاء باذخا وغنى لهم على العود وسجلت انا فقرات الحفل وأذعتها بعد ذلك فى البرامج الرياضية. وأذكر أننى كنت السبب فى صداقة عبد الحليم ومجدى العمروسى، ومجدى كان زميل دراسة بكلية الحقوق بالإسكندرية حيث كان شديد الاهتمام بالموسيقى والمطربين وفى إحدى المناسبات دعيت مع مجموعة من الأصدقاء من بينهم عبد الحليم حافظ والموجى وجلال معوض وفى ذلك اليوم تعرف مجدى العمروسى إلى عبد الحليم وتشاء المقادير أن تتوثق الصلة بينهما إلى درجة كبيرة جدا حتى أصبح العمروسى مستشاره القانونى.
عشقى للرياضة/U/
*متى بدأ عشقك للرياضة حتى أصبحت أبرز نجومها الإعلاميين؟
**بدأ عشقى للرياضة عندما كنت طالبا بكلية الحقوق ورأيت شغف الجماهير هناك بفريقى الاتحاد والأوليمبى وكنت أحرص على مشاهدة المباريات فى كرة القدم والسلة وباقى الألعاب الرياضية وبعد تعيينى بالإذاعة لم ابتعد عنها فقد كنت أقوم بالتعليق على مباريات الدورى سواء للأهلى أو الزمالك أندية القاهرة بالإضافة إلى البرنامج الرياضى الذى كنت أعده وأقدمه وكان عبارة عن تقرير من كل مباريات الدورى وعهدت إلى مراسلين متطوعين من كل الأقاليم بأن يلخصوا أحداث المباريات وكان لذلك صدى واسع وكان البرنامج كثير الانتشار وكنت ألح على رئيس الإذاعة بأن يطيل مدة البرنامج بل سافرت مع البعثة المصرية لتغطية دورة ألعاب البحر المتوسط وهى فكرة مصرية خالصة التى نظمتها برشلونه فى أوائل يوليو 1955 وأذكر أنه عندما ركبت الطائرة للسفر إلى أسبانيا كانت المرة الثانية لى التى أسافر فيها للخارج بعد المرة الأولى التى سافرت فيها مع صلاح سالم إلى الأردن وكانت دورة ألعاب البحر المتوسط وهى الدورة الأولى وقد تكون الأخيرة التى نحرز فيها الميدالية الذهبية بعد الفوز على أسبانيا فى المباراة النهائية بعد هدف الرائع عصام بهيج.
وكنت مرافقا للبعثة المصرية فى كل الدورات الأولمبية التى شاركت فيها ولن استطيع أن أنسى ما حدث لى فى دورة ميونخ الألمانية خصوصا بعد أن احتجز عدد من الفدائيين الوفد الإسرائيلى وتدخل عبد العزيز الشافعى أحد مسئولى البعثة والتقى بالفدائيين وكانت مطالبهم أن يفرج عن كل المعتقلين الفلسطينيين وهذا شرط الافراج عن البعثة الاسرائيلية وانتهى الأمر بالمطار حيث قتل من قتل ورأى المسئولون عن البعثة عودتها جميعا وعادت معظم الفرق العربية تقريبا إلى أوطانهم ما عدا تونس وقمت أيضا بتغطية كأس العالم الذى نظمته المكسيك عام 1970 فضلا عن دورة الألعاب الأولمبية التى نظمتها المكسيك أيضا قبل بث نهائيات كأس العالم بعامين 1968 واقتصر الوفد الإعلامى وقتها على أربعة إعلاميين هم نجيب المستكاوى وعبد المجيد نعمان وناصف سليم وأنا.
ومع قرب موعد إقامة الدورة الأولمبية فى مدينة لوس أنجلوس صيف 1984 وجدت الحنين يشدنى إلى الدورة خاصة وأنى تقريبا رجل الإعلام الإذاعى الوحيد الذى قدر له أن يغطى 5 دورات أولمبية من قبل بدءا بدورة روما سنة 1960 ومرورا بدورة طوكيو والمكسيك وميونح ثم مونتريال ولم يقدر لى أن أقوم بتغطية دورة موسكو التى قاطعتها مصر. وبالفعل ذهبت لأغطى أحداث الدورة بلوس انجلوس وكان التنظيم رائعا للغاية واللجنة المنظمة قد ربحت أرباحا طائلة من وراء تنظيم هذه الدورة وكانت هى المرة الأولى التى لا تخسر فيها البلد المنظم لكنى لم أسعد فيها كثيرا فالملاعب بعيدة عن بعضها وليس هناك وسيلة مواصلات مخصصة لرجال الإعلام مثل ما جرى فى دورة طوكيو وقطعت إقامتى وعدت إلى القاهرة قبل أن تنتهى الدورة تاركا امر تغطيتها إلى زميلى أحمد عبد الفتاح.
رئيسا للإذاعة/U/
*كيف تقيم تجربتك فى رئاسة الإذاعة المصرية؟
**كانت السيدة صفية المهندس رئيسة الإذاعة على وشك أن تخرج إلى المعاش بعد شهور قليلة وكانت الراحلة همت مصطفى رئيس التليفزيون على وشك ان ترتحل إلى لندن لتعمل مستشارا إعلاميا فى سفارتنا هناك وعندما عدت من الخارج فى مهمة قمت بها إلى لندن وباريس بشأن الإذاعات الإقليمية فوجدت شائعة تملأ جنبات ماسبيرو بأننى مرشح لأتولى منصب أمين عام اتحاد الإذاعة والتليفزيون وسمعت شائعة أخرى مفادها ان زميلا آخر سيتولى رئاسة الإذاعة على الرغم من أننى أقدم منه إن لم أكن أكفأ وذهبت لوزير الإعلام لأضع حدا لهذه الشائعات وقلت له: إن هناك شائعة تقول كذا وكذا فقال (طيب وماله) ممكن أن تكون أمين اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعد ذلك وهنا قلت بصوت عال: إننى على مدى أكثر من 30 عاما تعاملت فيها مع الميكروفون والبرامج الإذاعية فلا أود لنفسى ان اختم حياتى الإذاعية بأن أعمل باشكاتب الاتحاد ووظيفة أمين الاتحاد لا علاقة لها بالميكروفون.. فقط عمل إدارى وقلت أيضا ان الوزير صاحب القرار ولكننى انا صاحب القرار الأخير فنظر إلى الوزير مستفسرا عن معنى ان القرار الأخير انا صاحبه فقلت أنا املك أن استقيل من العمل فأبدى الرجل دهشته من قولى..
وصدر قرار تعيينى رئيسا للإذاعة بالفعل فى 1982/12/12. بعدها طلبت من رئيس كل شبكة أن يفكر معى فى خريطة برامج تتسم بالجديد وعدم النمطية بل قمت بتوزيع منشور على كل المذيعين بأن من يتقدم لرئيسه بفكرة برنامج إذاعى شائق سيكون محل التقدير الأدبى والمادى، وتجاوب الأبناء والبنات خاصة وأن باب مكتبى كان مفتوحا للجميع دون تحديد مواعيد ثابتة. بل كنت اترك مكتبى وأتوجه إلى الأبناء والبنات فى مكاتبهم أحييهم وأشرب معهم كوبا من الشاى واناقشهم فى برامجهم الحالية. وظللت فى أغلب ساعات اليوم أتابع اداء المذيعين ومقدمى البرامج وعندما كنت استشعر هفوه من أحد المذيعين كنت أتصل به على الفور تليفونيا وأقول إننى واخد على خاطرى بسبب تلك الهفوة التى أرجو ألا تعود إليها وفى نفس الوقت كنت اتصل بمن يجيد الأداء لأقول له كلمات تشجيع. واتخذت سياسة الثواب والعقاب بكل ما يمليه على الضمير. وكم كان لكل ذلك أثره فى نفوس العاملين واستعاد الميكروفون بريقه من خلال استعادة أغنيات أم كلثوم فى الخميس الأول من كل شهر وأعدت للميكروفون أحاديث الشهر معدة كل حديث عشر دقائق وجئنا بأساتذة الأدب والعلوم والفنون ليقدموا أحاديثهم وتجاربهم ولا أنسى الراحل ثروت أباظه الذى كان أول من نقل لى خبر تعيينى رئيسا للإذاعة فقد دق جرس التليفون فى منزلى وهاتفنى الأديب ثروت وقال لى: مبروك رئاسة الإذاعة فقلت له من أين لك بهذا الخبر فقال يا صديقى أنا لا أقول أخبارا ولكن أقول حقائق. وضحكنا معا بعد أن قدمت له الشكر والتحية.
وسارت الأمور على خير ما يرام فى الإذاعة حتى حان وقت الخروج للمعاش لبلوغى السن القانونية وتحدث الكتاب وقتها عن جهدى فى تطوير الإذاعة مثل الراحل موسى صبرى وجاءت اللحظة التى سأترك فيها الإذاعة والتى تحددت فى 5 مارس 1988 وكانت المفاجأة السارة التى كان لها وقع طيب فى نفسى وهو الحفل الشائق الذى ازعم أنه لم يقم حفل مثله من قبل ولا من بعد لأحد من رؤساء الإذاعة. فزينو مكان الحفل بالبلونات وعقود الزهور ولم أعلم أنهم اشتروا لى 10 جنيهات ذهبية لتكون هديتهم لى بمناسبة انتهاء عملى بالإضافة إلى هدايا أخرى قيمة جدا لم أكن سعيدا بها بقدر سعادتى بهذا الحب الجارف لى بحضور وزير الإعلام ورئيس الاتحاد وكل الزملاء بالإذاعة. وانتهى الحفل وسط عنان وقبلات طبعها الجميع على وجهى حيث لم اتمالك نفسى فانهمرت دموعى من عينى.
*لكنك غيرت بوصلة حياتك تماما بعد ذلك نحو العمل العام؟
**بعد المعاش تفرغت للعمل العام تماما بعد الحاح عائلتى على ترشيحى لمجلس الشعب قبل خروجى للمعاش بعام وازعم أننى منذ الوهلة الأولى لاحتلالى موقع النائب فى مجلس الشعب لم اهدأ ولم أتوان عن خدمة الدائرة ورشحت ضمن قائمة الحزب الوطنى وظللت فى مجلس الشعب ثلاثة عشر عاما من 1987 إلى 2000 عن دائرة نجع حمادى.
وفى انتخابات 1995 كان جميع اهالى الدائرة على يقين بأن أحدا لن ينازعنى أو ينافسنى فى الانتخابات لكن أصحاب النفوس الضعيفة كان يملؤهم الحقد بسبب فوزى بالتذكية فى انتخابات 1990 وبسبب شعبيتى الكبيرة. وبدأت بوادر اشتعال المعركة عندما جيشوا البلطجية وقطاع الطرق للتأثير على الناخبين وكانت تأتينى أخبار هؤلاء البلطجية الذين كانوا يجوبون أنحاء الدئرة الانتخابية حاملين الأسلحة النارية.
فى صباح يوم الانتخابات علمت أن أحد أفراد تلك العصابات قد توفى بزراعات القصب بعد إطلاق نار متبادل مع الشرطة وأصبحوا يبحثون عن الكلاب المسعورة بعد أن تضاعفت رغبتهم فى القضاء على. فقد عثروا على ابنى وابن شقيقى وانتزعوهما تحت تهديد السلاح وأمام جموع البشر فى إحدى الدوائر الفرعية وامطروهما بوابل من النيران دون ذنب ارتكباه.
جائنى الخبر مخففا فى البداية ولكن عندما شاهدت الجموع المحيطة بالمستشفى تأكد لى أن ما حدثتنى نفسى به هو الواقع بعينه وهو مقتل ابنى. أحاطتنى رحمة الله عز وجل والهمنى الله سبحانه وتعالى الصبر وملأ قلبى بالإيمان. وسار موكب جنازة الفقيدين من مستشفى نجع حمادى إلى مقابر الأسرة لمسافة حوالى 20 كيلومترا. كان الموكب يضم مئات السيارات الخاصة بالمعزين وعلى مدار ثلاثة أيام تقبلت العزاء فى السرادق الكبير ولن أنسى القلوب الرحيمة الحانية التى أحاطتنى برعايتها وحبها ولن أنسى مواساة الرئيس محمد حسنى مبارك التى جاءتنى عبر الهاتف والتى بث خلالها تعازيه مؤملا أن أتماسك وأرضى بقضاء الله. وجاء العديد من الأصدقاء من القاهرة ليقدموا واجب العزاء ولم انس أى أحد منهم.
حفل دار المعارف/U/
جاءتنى فكرة تأليف كتاب (نصف قرن مع الميكروفون) والذى أصدرته دار المعارف من خلال طلب الصديق العزيز صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة التى اكتب فيها أسبوعيا مقالا تحت عنوان (خواطر إذاعية) وقال لماذا لا تكتب كل ذكرياتك مع الإذاعة ومسيرة حياتك وستجد صدى لدى القراء وظللت اكتب هذه الذكريات لمدة عام من 2006 حتى 2007 حتى أقنعنى بعض الأصدقاء حسين قدرى كاتب أدب الرحلات والإذاعى والكاتب فايز فرح بأن أجمع هذه الذكريات واضعها فى كتاب وساعدونى فيه وسعدت جدا بأن الذى قام بنشره دار المعارف هذه المؤسسة الثقافية العريقة بل وأقامت الدار حفل تكريم وتوقيع للكتاب وحضر الحفل الاستاذ إسماعيل منتصر رئيس مجلس إدارة دار المعارف وكنت دائما أقرأ عن حفلات التوقيع لكن عندما كنت أنا صاحب الحفل كنت فى غاية السعادة فهذا تتويج لجهد كبير بدأته من فترة كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.