محافظ أسيوط يعلن الجاهزية الكاملة لانطلاق انتخابات النواب بالدائرة الثالثة    بعد واقعة التعدي.. مدرسة الإسكندرية للغات تعلن خطة شاملة لتعزيز الأمان داخل المنشأة    وزير الخارجية يؤكد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لدعم الاقتصاد الوطني    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة منتصف الأسبوع    أمين عام مجموعة الدول الثماني النامية: التجارة البينية بين الأعضاء لا تتجاوز 7% من تجارتها مع العالم    هيئة الاستثمار تشارك في العرض النهائي لبرنامج Elevate Lab لدعم الشركات الناشئة    وزير الخارجية يشدد على ضرورة تمويل «الأونروا»: «دورها لا يمكن الاستغناء عنه»    ترفع علم روسيا، سفينة تتعرض لهجوم في البحر الأسود    ما هو موقف بكين من تهديدات ترامب ل فنزويلا؟ خبيرة في الشأن الصيني ترد    تقرير سوري: 16 آلية عسكرية إسرائيلية تقيم حاجزا وتفتش المارة بريف القنطيرة    سلوت يعلن موعد انضمام محمد صلاح لمنتخب مصر للمشاركة فى أمم أفريقيا    المملكة المتحدة توفر مأوى ل 12 ألف مدني في غزة عبر خيام إنسانية    مصر في مواجهة صعبة أمام المغرب في نهائي بطولة شمال أفريقيا للشابات    موعد مباراة مصر ونيجيريا المقبلة استعدادًا للكان    مواعيد مباريات الثلاثاء 2 ديسمبر - مصر تواجه الكويت.. وبرشلونة ضد أتلتيكو مدريد    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام فولهام.. موقف مرموش    عودة الحركة المرورية لطبيعتها على الأوتوستراد بعد رفع آثار حادث سير    ضبط 122 ألف مخالفة مرورية متنوعة في حملات أمنية    بدأت مبكرًا.. نوة «قاسم» تضرب الإسكندرية بأمطار غزيرة    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    القبض على تشكيل عصابى لاتهامه باستغلال الأطفال فى التسول    الفيشاوي وجميلة عوض يعودان للرومانسية في فيلمهما الجديد «حين يكتب الحب»    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الصحة يتابع مع محافظ البحيرة إنجاز المشروعات الصحية ويبحث التوسع في الخدمات    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    كيف تناولت الصحف الكويتية مواجهة مصر في كأس العرب؟    قمة نارية مرتقبة.. بث مباشر مباراة السعودية وعُمان اليوم في كأس العرب 2025    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    وزير الزراعة ومحافظ الوادي الجديد يبحثان تعزيز الاستثمار في مجال الإنتاج الحيواني    راقصا أمام أنصاره.. مادورو يمد غصن زيتون لواشنطن    واشنطن لا ترى ضرورة لحضور روبيو اجتماع وزراء خارجية الناتو    وسط موجة من عمليات الخطف الجماعى.. استقالة وزير الدفاع النيجيرى    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    وزارة التضامن تقر قيد 4 جمعيات في محافظتي أسوان والقاهرة    صحتك في خطوتك| فوائد المشي لإنقاص الوزن    بدء تصويت الجالية المصرية في الأردن لليوم الثاني بالمرحلة الأولى    أمينة عرفى ومحمد زكريا يضمنان الصدارة المصرية لتصنيف ناشئى الاسكواش    كأس العرب 2025.. مصر تصطدم بالكويت في أولى مباريات المجموعة الثالثة    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    "إعلام القاهرة" تناقش الجوانب القانونية لريادة الأعمال في القطاع الإعلامي    محافظ البحر الأحمر ووزيرا الثقافة والعمل يفتتحون قصر ثقافة الغردقة وتشغيله للسائحين لأول مرة    البديل الألماني يطرد عضوا من كتلة محلية بعد إلقائه خطابا بأسلوب يشبه أسلوب هتلر    الحكم بحبس المخرج الإيراني جعفر بناهي لمدة عام    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أصل الحكاية | «تابوت عاشيت» تحفة جنائزية من الدولة الوسطى تكشف ملامح الفن الملكي المبكر    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    أصل الحكاية | أوزير وعقيدة التجدد.. رمز الخصوبة في الفن الجنائزي المصري    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    لغز صاحب "القناع الأسود" في قضية مدرسة سيدز الدولية وجهود أمنية مكثفة لضبطه    لغز مقتل قاضي الرمل: هل انتحر حقاً المستشار سمير بدر أم أُسدل الستار على ضغوط خفية؟    كيف تكشف المحتوى الصحي المضلل علي منصات السوشيال ميديا؟    بالأدلة العلمية.. الزجاجات البلاستيك لا تسبب السرطان والصحة تؤكد سلامة المياه المعبأة    تقرير الطب الشرعي يفجر مفاجآت: تورط 7 متهمين في تحرش بأطفال مدرسة سيدز    أول ظهور لأرملة الراحل إسماعيل الليثى بعد تحطم سيارتها على تليفزيون اليوم السابع    أقوى 5 أعشاب طبيعية لرفع المناعة عند الأطفال    انطلاق المؤتمر التحضيري للمسابقة العالمية للقرآن الكريم بحضور وزير الأوقاف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملهمات عبقريات عظمة على عظمة يا ست .. فى الذكرى العاشرة لوفاة أول وزيرة فى «مصر» «حكمت أبو زيد» قلب الثورة الرحيم
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 11 - 07 - 2021

إن حقوق المرأة وحريتها التى تتمتع بها الآن، ليست نتاج يوم أو عمل واحد، بل عقود من النضال المستمر، من أجل كسر القيود المجتمعية القديمة التى فرضت عليها، بألا يعلو أفق تطلعاتها أكثر من حوائط منزلها. ومع ذلك، أعلنت بعضهن عن رفضهن التام بسجن عقولهن، وسعين لكسر هذه القيود، ليثبتن أن للمرأة حرية وحقًا فى التعلم، والعمل، والنضال، وألا تكون (المعرفة، والمقدرة) حكرًا على معشر الرجال فقط.
فى مصر، نساء تم تخليد أسمائهن، وأعمالهن..وفى هذه السلسلة ترصد (نون القوة) حياة وكفاح هؤلاء الملهمات، العبقريات، لتعرف فتيات ونساء اليوم وغدٍ، أنه لا يوجد مكان لكلمة (مستحيل).
يوم تلو اليوم، تزداد مكانة المرأة فى المجتمع المصرى ازدهارًا، وتحصل على مزيد من الحقوق والحريات، والمساواة مع الرجال فى عدد من الأعمال الوطنية والمجتمعية، وتقلدها المناصب التى تتطلب تحمل مسئولية كبيرة، إلى أن وصل الحال بأن يصير - لأول مرة فى تاريخ «مصر» - ربع أعضاء الحكومة المصرية من النساء، بثمانى وزيرات فى حكومة واحدة. وقد وصلت المرأة المصرية لهذه المكانة العالية، بعد ثورة تصحيح، وهى 30 يونيو 2013.

تذكرنا هذه الأحداث، بأول امرأة تتقلد منصب (الوزيرة) فى «مصر»، وهى الدكتور «حكمت أبوزيد»، التى تولت منصبها، بعد ثورة تصحيح أيضًا، وهى ثورة 23 يوليو 1952. كما يذكرنا هذا الشهر أيضًا بالذكرى العاشرة لوفاتها
نشأة مناضلة وطنية
ولدت «حكمت أبوزيد» فى قرية تابعة لمركز «القوصية» بمحافظة «أسيوط» عام 1922.
ورغم نشأتها فى مجتمع يرى عدم صلاحية المرأة للقيادة، إلا أنها تربت فى كنف أب مثقف، دعمها بكل ما أوتى من قوة بكل خطوة فى حياتها.
كان والدها يعمل ناظرًا فى السكة الحديد، وامتلك من الثقافة والوعى ما جعله يكافح حتى تصل ابنته لأعلى درجات التعليم، رغم كل المعوقات، التى واجهت الأب أمام المجتمع والأسرة، ومن بينها: محاربة إخوة والدها لمنع الصغيرة من التعليم، نظرًا لتأخرهم أو رجعيتهم، مثلما وصفت حكمت فى أحد الحوارات الصحفية، بالإضافة إلى قلة المدارس المحيطة بهم. ومع ذلك، لم يهتم والدها بتلك المعوقات، إذ وفر لها وشقيقتها الأكبر إمكانية السفر يوميًا من قريتها إلى «ديروط»، عندما كانت تتلقى تعليمها الابتدائى والإعدادى.
لم تنس «حكمت» يومًا فضل أبيها عليها، إذ قالت عنه: «أما والدى، هذا الأب الملهم، فكان يعتبر البنات أحق من الذكور فى التعليم. ومن هنا، كانت لديه روح مجاهدة، من أجل تعليم بناته اللاتى سبقن أولاده الذكور فى الولادة؛ فلم يسع والدى لشراء أطيان يتركها لنا. ولكن، تنبأ بأهمية تعليم الفتيات، وتغلب على الصعوبات الجغرافية، وانتقالنا من مدرسة لأخرى، بسبب تنقله للعمل بالسكة الحديد فى أماكن مختلفة».
وقد تشربت الصغيرة -منذ نعومة أظافرها- النضال، والوطنية من والديها، فكان والدها يمتلك فى مسكنه مكتبة تضم خطب «مصطفى كامل»، وأعمال المناضلة الفرنسية «جولييت آدم»، ومؤلفات «مصطفى صادق الرافعى». أما والدتها، التى كانت تتطلع لرؤية أبنائها يتقلدون مناصب مهمة، فكانت تشارك جارتها، وصديقاتها المسيحيات فى صوم العذراء، وتتناول الطعام بدون دهون، إيمانًا منها بأن الأديان كلها من عند الله.
وعندما كبرت الفتاة، وصارت تطمح لتلقى التعليم الثانوى، لم يمانع والدها (الصعيدى المثقف)، بأن تسافر ابنته إلى «القاهرة»، لتلتحق بالتعليم الثانوى بمدرسة «حلوان الثانوية». ولم يكن بحلوان وقتذاك مدن جامعية، فأقامت بجمعية «بنات الأشراف»، التى أسستها الزعيمة الراحلة «نبوية موسى».
ونظرًا لتشبعها بمشاعر الوطنية، فقد تزعمت «حكمت»، خلال دراستها الثانوية، ثورة الطالبات داخل المدرسة ضد الإنجليز، والقصر الملكى، مما أثار غضب السلطة، ففصلت من المدرسة واضطرت لاستكمال تعليمها بمدرسة «الأميرة فايزة» بمحافظة «الإسكندرية».
لم تخيب الفتاة الطموحة آمال أبيها المثابر، ففى عام 1940، التحقت بقسم التاريخ بكلية الآداب، فى جامعة «فؤاد الأول»، التى صارت -فيما بعد- «جامعة القاهرة»، وكان عميد الكلية -وقتها- الدكتور «طه حسين»، الذى تنبأ لها بمكانة رفيعة فى المستقبل، بعد أن لاحظ قدرتها العالية فى المناقشة الواعية. ورغم محاولته إقناعها بالالتحاق بقسم اللغة الفرنسية لتفوقها فى هذا المجال، وكونها خريجة مدارس أجنبية بالإسكندرية، إلا أنها فضلت العلوم الاجتماعية لاهتمامها الوطنى بالمجتمع الإنسانى، ومعرفتها منذ الصغر بأهمية أن تكون لها رؤية ورسالة واضحة بالحياة.
وبعد أن انتهت الشابة من الدراسة الجامعية، يبدو أنها لم تكتف بالحصول على المؤهل الجامعى، إذ حصلت على دبلوم التربية العالى من وزارة التعليم بالقاهرة فى عام 1944؛ ثم على الماجستير من جامعة «سانت آندروز» ب«أسكتلندا» فى عام 1950؛ وبعدها على الدكتوراه فى علم النفس من جامعة «لندن» ب«إنجلترا» فى عام 1955، وبعد عودتها عُينت بكلية البنات بجامعة «عين شمس».
معالى الوزيرة
وفى نفس عام عودتها من «إنجلترا»، انضمت الدكتورة «حكمت أبو زيد» إلى فرق المقاومة الشعبية، حتى نشبت حرب 1956، فبدأت تتدرب عسكريًا مع الطالبات، ثم سافرت إلى مدينة «بورسعيد» مع المناضلتين «سيزا نبراوى»، و«إنجى أفلاطون»، وشاركن فى كل شىء، من الإسعافات الأولية، إلى الاشتراك بعمليات القتال العسكرى.
وفى عام 1962 اختيرت عضوًا فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومى، وحينها دارت مناقشاتها حول بعض فقرات الميثاق الوطنى مع الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»، وكانت تميل إلى الخلاف فى الرأى مع الزعيم الراحل، حول مفهوم المراهقة الفكرية، ودعم العمل الثورى. فأثارت إعجاب «عبدالناصر» بشدة، خاصة بعدما قالت خلال عرض الرأى فى الميثاق كله، إن: «المرأة فرد من أفراد المجتمع، ما ينعم به الرجل يجب أن تنعم به المرأة. والمرأة لابد أن تصعد للأمام، وتستطيع أن تشارك الرجل فى تحمل جميع الأعباء، وأن تزول المعوقات التى جعلتها تتخلف، فكلنا أفراد، رجل أو امرأة. والمرأة أثبتت أنها عندما نعطيها كل الإمكانات، فإنها تثبت أنها قادرة على تولى جميع المناصب، سواء التشريعية، أو الاقتصادية، أو القانونية».
دفعت كلماتها الحماسية الصادقة الرئيس «عبد الناصر» لإصدار قرار جمهورى فى 25 سبتمبر 1962، بتعيينها وزيرة للدولة للشئون الاجتماعية. وبتوليها هذا المنصب فتحت الدكتورة «حكمت أبوزيد» الباب للمرأة لتولى المناصب القيادية، وعلمت المجتمع المصرى درسًا من خلال حياتها الشخصية، ما بين مكافحة تقاليد الصعيد، وما بين الشهرة، والنجاح، والنضال الوطنى.
ورغم ردود الفعل المجتمعية المتناقضة بين مؤيد ومعارض، إلا أنها لم تكن بالزخم الذى توقعته أول وزيرة فى «مصر».. ففى أحد الحوارات التى أجرتها «أبو زيد» مع مجلة «نصف الدنيا»، ذكرت فيه، أنه حينما أعلن عن وجود أول امرأة فى وزارة «على صبرى»، لم تحدث فرحة كبيرة، فالمجتمع كان منشغلاً –آنذاك- بالتغيرات الاجتماعية والسياسية، التى وقعت بعد ثورة 23 يوليو؛ قائلة: «كانت ثورة التغيير مستمرة، من أجل بناء مجتمع جديد.. الرجال -طبعًا- ينقسمون إلى مثقفين، أو النخبة، أو رجال الدين، أو العلمانيين، وكل منهم كان له موقف، فمثلًا كان هناك اعتراض من قبل (الإخوان المسلمين)، لأنه كما يعتقدون (لا تولوا حكمًا لامرأة)».
أعمال للتاريخ
حولت الدكتورة «أبوزيد» الوزارة إلى وزارة مجتمع وأسرة على مدار مدة عملها ثلاثة أعوام، وقدمت الكثير من المشاريع الاجتماعية للمرأة، ومدت نشاطها لجميع القرى والنجوع بالجمهورية بإنشاء فروع للوزارة.
ولأنها ابنة الريف، كان من أبرز مشروعاتها: مشروع الأسر المنتجة، ومشروع الرائدات الريفيات، ومشروع النهوض بالمرأة الريفية؛ كما حصرت الجمعيات الأهلية، وتوسعت أنشطتها وخدماتها التنموية.
وفى عام 1964، ساهمت فى وضع أول قانون ينظم عمل الجمعيات الأهلية. ولأنها تمتلك الحس الوطنى منذ طفولتها، استعان بها الرئيس «عبدالناصر» حين وقعت هزيمة 1967، من أجل الاهتمام بالرعاية الاجتماعية لأسر الجنود الموجودين على الجبهة المصرية، وحققت –حينها- نجاحًا مبهرًا.
وفى عام 1969، قامت بالإشراف على مشروع تهجير أهالى «النوبة»، بعد تعرضها للغرق عدة مرات، وحرصت على نقل النسيج، والبنيان النوبى. كما تفاعلت إنسانيًا مع أهالى النوبة - قبل الغرق- مما جعل «عبدالناصر» يطلق عليها لقب «قلب الثورة الرحيم».
كما كان ل«حكمت أبوزيد» دور كبير فى حرب الاستنزاف، إذ قالت: «كنت أذهب مع الفنانين، أمثال «نادية لطفى، وأحمد مظهر، وصلاح ذو الفقار»، وكانوا يتمتعون بالشهامة، عندما قُتل الفريق «عبدالمنعم رياض» فى حادثة فى 9 مارس 1969. والحقيقة، أن حرب الاستنزاف لم تأخذ حقها ووضعها فى تطور التاريخ، فهى التى مهدت لحرب أكتوبر 1973».
الغربة والعودة
بعد رحيل الرئيس «جمال عبدالناصر» فى عام 1970، عادت الدكتورة «حكمت أبوزيد» إلى الحرم الجامعى لتدرس الاجتماع الريفى والحضرى، وتنقل حصيلة تجربتها الميدانية إلى طلابها وطالباتها فى «جامعة القاهرة»، ولم تفقد يومًا ذاتها القومية، والثورية.
ولكن، فى السبعينيات اختلفت بشدة مع قرار الرئيس الراحل «محمد أنور السادات» لمبادرة السلام مع إسرائيل. وبعدها، تلقت أبشع الاتهامات، ما اضطرها لمغادرة البلاد لمده 20 عامًا؛ وقيل حينها، ولفترة من الزمن أنه أسقط عنها الجنسية المصرية. لكنها، نفت هذا الكلام فى حوار صحفى أجرته عام 2011، قالت فيه، إنه: «لم يحدث حرمان من الجنسية.. وأن ما حدث هو أنهم لم يعطونى جواز السفر المصرى، وكانوا يريدون أن يعطونى وثيقة، فرفضت، وكنت أسافر بالجواز الليبى».
وخلال السنوات التى قضتها وزوجها فى «ليبيا»، عملت كأستاذة ب«جامعة الفاتح»، إلى أن أصدرت المحكمة العليا المصرية فى عام 1991، قرارًا بإلغاء الحراسة على ممتلكاتها، وحقها فى حمل جواز السفر المصرى. وقد تلقت «حكمت» الخبر بفرحة عارمة، قررت فيها العودة لوطنها الأم على الفور.
ولكن، قبل عودتها، وجه الرئيس الليبى الراحل «معمر القذافى»، دعوة لها ولزوجها، وأقام لهما احتفالًا تاريخيًا، مُنحت الدكتورة خلاله نوط الفاتح العظيم من الدرجة الأولى، وهو النوط الذى لا يمُنح إلا لرؤساء الدول. كما وجه لها ملك المغرب الملك «الحسن» أيضًا دعوة، من أجل حضور احتفال كبيرَ، مُنحت فيه أيضًا السيف الذهبى من الذهب الخالص، وهو سيف لا يملكه، ولا يوجد له نظير فى العالم، باستثناء ملك المغرب نفسه، مما يعد تكريمًا أسطوريًا.
وعند عودتها إلى «مصر» فى عام 1992، فُتحت لها صالة كبار الزوار بمطار «القاهرة»، وكان أول ما قامت به، هو التوجه إلى ضريح الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر». وعلقت الدكتورة الراحلة على ترحاب وطنها بها، قائلة: «سعدت عندما عدت فى التسعينيات، واستقبلنى وزير الداخلية فى قاعة كبار الزوار، بعد صدور قرار من «مبارك»، بعودتى لأرض «مصر» فى 2 مارس عام 1992».
أمضت الدكتورة «حكمت» ما بقى لها من عمر فى أرض الوطن الذى ناضلت من أجله، ورغم تحيزها للمرأة وعمل المرأة خلال توليها مناصبها المختلفة، لم تهمش من دور الرجل، إذ قالت عنه: «الرجل، هو المساند لى فى جميع خطوات حياتى، فوالدى أخذ على عاتقه تعليمنا، لأنه لا ينفع البنت سوى تعليمها، كما أن والدى رحمه الله كان مثقفًا وقارئًا للتاريخ؛ ثم زوجى كان كل حياتى فكان بمثابة الأخ، والزوج، والشريك فى الداخل، والخارج، وظللنا معًا مدة 50 عامًا، ولم يكن لدينا أبناء، فعشنا معًا، وحدث بيننا تقارب ثقافى، ثم توفى عام 2008، مما أثر على صحتى كثيرًا».
توفيت «حكمت» عن عمر يناهز 89 عامًا فى مستشفى الأنجلو أمريكان، نتيجة هبوط حاد فى الدورة الدموية، والتنفسية، بعد معاناة لفترة طويلة مع المرض. وكان قد تم إدخالها إلى المستشفى فى أول نوفمبر عام 2010، وظلت بها، حتى وافتها المنية يوم 31 يوليو 2011.
آمنت «حكمت أبو زيد» فى بداية مشوارها بحكمة الفيلسوف اليونانى «سقراط»، التى تقول: (اعرف نفسك بنفسك ولنفسك). ولكن، ما حدث أن الدكتورة الراحلة (عرّفت نفسها بنفسها للمجتمع المصرى، والعربى)، إذ كُرمت داخل بلدها وخارجه، بعد تاريخ مشرف من العمل الوطنى، دافعت فيه أيضًا عن حقوق المرأة، سواء بمشاريعها القومية، أو تصرفاتها كامرأة حكيمة، أثبتت من خلالها أن المرأة تستطيع أن تتحمل مسئولية مناصب كانت حكرًا على الرجال، وأن المرأة المصرية يمكن أن تصبح بكل قوة وشرف .. قدوة.
44
45
46


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.