أصوات الباعة تكاد تكون هى السمة المميزة للمكان، زحام شديد فى جميع الشوارع والطرُقات.. أنت الآن فى ميدان العتبة، حركة البيع والشراء تخطف أنظار كل من تطأ قدماه المكان، إلا أنه على بُعد خطوات من هذا الضجيج توجد ثروة وطنية، داخل مبنى ضخم يتميز باللونين الأخضر والأصفر، إنه متحف البريد، الذى يحكى تاريخ «المراسيل» و«الجوابات» عبر العصور. المتحف الموجود داخل مبنى هيئة البريد بالعتبة، الذى يتوافد عليه يوميّا آلاف المواطنين لإجراء معاملاتهم اليومية، معظمهم لا يعلم شيئًا عن ذلك الشبَّاك الحديدى الذى لا يقف أمامه أحد، رُغْمَ القيمة التى يخفيها خلفه. شِبَّاك حديدى لا يختلف عن الذى يسبقه كثيرًا من الخارج، إلا أن الاقتراب منه والنظر فيه بدقة، يدفعك للتوقف أمامه للحظات للتعرّف على ملامحه المميزة، فهناك العشرات من طوابع البريد عليها رموز وشخصيات تاريخية، تجلس على طاولة خلف الشباك سيدة فى العقد الثالث من العمر ورجل مسن، يرحبان بمن يقترب من شباك متحف البريد المصرى: «أهلًا وسهلًا فى رحلة البريد المصرى المميزة وب2 جنيه فقط سعر التذكرة، فنحن هنا أقل تكلفة لزيارة المتاحف فى مصر وعندنا مرشدون لشرح تفاصيل وتاريخ المتحف». «روزاليوسف» خاضت زيارة خاصة لمتحف البريد المصرى، الذى تصل إليه من خلال الصعود لمبنى الهيئة القومية للبريد، التى وضعت فى أحد أروقتها بالطابق الثانى، لافتة إرشادية صغيرة تشير إلى مكان المتحف، الذى يتميز على خلاف زحام وضجيج العتبة بالهدوء لعدم كثرة الزوار. ترحيب مَلكى تمثال ضخم للملك فاروق مؤسس البريد، وُضِع فى مقدمة المتحف مُرحبًا بالزائرين، بعدها يستقبلك موظفو المتحف بحفاوة مؤكدين على أهمية المكان التاريخية التى يجب على المواطن الاطلاع عليها، ومع أحد مرشدى المتحف بدأت رحلتنا مع «المراسيل» و«البوستة». محمد، المرشد السياحى الذى قاد جولتنا بالمتحف، يقول إن افتتاح المتحف يعود لعام 1934، حيث أعلنت الهيئة القومية للبريد فى المؤتمر العاشر لاتحاد البريد العالمى بالقاهرة فى شهر فبراير فى ذلك الوقت عن المتحف، وفتح أبوابه بشكل رسمى أمام الجمهور بعد الإعلان عنه ب6 سنوات، بعد جَمْع محتوياته، حيث يحكى المتحف تاريخ البوستة المصرية منذ تأسيسها سنة 1886 حتى الآن، ويضم أهم الطوابع التى صُدرت. تاريخ المراسيل يضم القسم التاريخى نماذج متنوعة لتطور الكتابة منذ بدايتها والرسائل والأغلفة الخاصة بها فى جميع العصور، وما لفت نظرنا داخل إحدى الوحدات الزجاجية رسالة بجوارها «جوزة هند»، وفسّر المرشد السياحى أمر الرسالة الغريبة بأنها كانت تُستخدم فى الحروب كنوع من التمويه، وكانت تصل إلى الأشخاص عن طريق البحر. الرسائل قديمًا، كانت تخص الأمراء والملوك فقط، وكان ذلك أمرًا نادرًا وخاصّا بطبقة بعينها بعيدًا عن عامّة الشعب، وكانت عبارة عن كلمة واحدة، ويضم المتحف نموذجًا لذلك فى عهد الفراعنة والكتابة على البردى، حتى تطور الأمر ووضع نموذج للبريد فى عهد البطالسة بوضع نموذج للأشخاص القائمين على كتابة الرسائل للأمراء والمسئولين، وتطور الأمر إلى أن تم تقنين وضع الرسائل بخروجها فى حراسة من الشرطة فى العهد الرومانى والقبطى، وتطورت وسائل نقل الرسائل وأصبحت تُنقل عن طريق الحيوانات وأشهرها الخيول، وقام المسئولون بعمل استراحات للمواطنين والخيول أمام أماكن كتابة الرسائل ونقلها، وهذا ما يشرحه المتحف من خلال مجسمات. يعرض المتحف طرُق نقل الرسائل فى العصرين الأموى والعباسى من خلال الاعتماد على الخيول والجِمال عبر الصحراء، وكان رجل البريد العربى يضع شارة مميزة من الحديد على كتفه كى يدخل للقلاع المحصنة الأبواب المرتفعة التى لا تُفتح أبوابها لأحد إلا بعد التأكد من هوية الشخص. وفى عصر الفُرس، كان هناك تطور كبير فى وسائل نقل الرسائل وتأمينها، حيث ميّزوا رجل البريد بأنه رجل يركب حصانًا ليس له «ذيل»، وكان للحمَام الزاجل مجسم مميز لتاريخه فى نقل الرسائل داخل متحف البريد. قسم الأزياء أمّا قسم الأزياء، فيضم أزياء رجل البريد، والهيئة التى كان عليها أثناء قيامه بمهمة نقل الرسائل فى العصور العربية حتى العصور الحديثة فى كل بلاد العالم. أدوات البريد تميز قِسم أدوات البريد بعرض الأختام التاريخية القديمة، وعرض التطور الذى ظهر على ملامح الأختام خلال عدد من العصور وصولًا إلى الشكل الحديث للأختام، كما يستعرض صناديق كبيرة ذات ألوان متنوعة لشكل صندوق البريد الموجود فى الشوارع الذى يوضع به الخطاب، وعددًا متميزًا من الحقائب القديمة التى كانت توضع بها خطابات البريد ويستخدمها رجل البريد للتجول فى الشوارع لإتمام مهمته اليومية بتوزيع الرسائل فى كل مكان، بالإضافة إلى عدد من الماكينات القديمة الخاصة بالبريد وكل قطعة وُضعت عليها تفاصيل باللغة الأجنبية واللغة العربية. الطوابع يعرض قِسم الطوابع مجموعات مميزة للطوابع المصرية الكاملة القديمة والحديثة والمجموعات الأجنبية والأكليشيهات والقوالب والألواح وكل ما يتصل بإصدارات طوابع البريد وبعض المعروضات المختارة من مجموعات الملك فاروق. تلفت المجموعات الحديثة للطوابع الانتباه، حيث يعرض المتحف عددًا من الطوابع الخاصة بعدد من الفنانين كنوع من التكريم، فمنذ عام 2016، أضاف المتحف عددًا من الطوابع المميزة لكلّ من الفنان محمود عبدالعزيز ونور الشريف وأحمد زكى والفنانة الكبيرة فاتن حمامة، بالإضافة إلى عبدالحليم حافظ ونجيب الريحانى ويوسف وهبى. كما يضم القِسم نموذجًا لأول خطاب ورِدَ إلى الإسكندرية من لندن فى 17 أغسطس 1929، وأول خطاب بالبريد الجوى أرسل إلى كراتشى من البريد المصرى بالخط الجوى بين مصر والهند. باخرة عبدالناصر يعرض القسم وسائل النقل المتنوعة ل«الدواب»، ويشمل الدواب بأنواعها المستخدمة فى بداية ظهور «الرسائل» وتطورها للمَركبات والدرّاجات والموتوسيكلات والسيارات والبواخر وعربات البريد الملحقة بالسكك الحديدية ومكاتب البريد المتنقلة. أكثر ما يُلفت الأنظار داخل القسم نموذج محاكاة مصغر لباخرة جمال عبدالناصر التى كانت تنقل الجوابات والمراسيل لأهل النوبة، وعدد من البواخر وشكلها وعرض ملابس العاملين عليها من رجال البريد. قسم الخرائط عرض المتحف بالتفاصيل خرائط مهمة بالطرُق التى كان يسير عليها رجال البريد والوسائل المختلفة لتوزيع الخطابات، بالإضافة إلى رسوم بيانية لتطوير أعمال الهيئة. البريد الأجنبى يستعرض القسم شكل أزياء رجل البريد فى عدة دول أجنبية، منها فرنسا وإنجلترا وكندا والعشرات من الدول بشكل مُرتب ووضع اسم كل دولة بجوار زى رجل البريد. البريد الجوى تميز القسم بوضع الوسائل البدائية للبريد الجوى بداية بنموذج للحمَام الزاجل ودوره فى نقل الرسائل، خصوصًا الرسائل السّرّية والحربية، وصولًا إلى استخدام المناطيد والطائرات الجوية. قسم المؤتمرات قِسم المعروضات يُعد آخر الأقسام داخل المتحف، وهو القسم العاشر بين أروقة المتحف، وبه الصور الفوتوغرافية لأعضاء المؤتمرات البريدية الدولية وقاعات المؤتمرات والقرارات والاتفاقات التى صدرت عن كل مؤتمر. أكد المشرفون على إدارة المتحف فى نهاية جولتنا أن هناك مُلحقًا بالمتحف موجودًا فى القرية الذكية خاصّا بأحدث وسائل البريد الحالية، مشيرين إلى أن أغلب زوار المتحف من الهواة وعشاق جَمع طوابع البريد.