نماذج لطوابع البريد المصرى للطابع البريدي قيمة كبيرة من الناحية الإنسانية لدي جميع شعوب العالم، فهو يحمل معاني عميقة تعبر عن التراث الوطني، فيظل هو الشاهد علي الأحداث المتعاقبة من مجري الزمن، ويوثق معالم هامة من عمر وذاكرة الأوطان. بريطانيا كانت أولي الدول التي قامت بطبع طوابع البريد عام 1840 لتسهيل مهمة إدارة البريد في تحصيل الإيجارات، حيث حمل أول طابع بريد رسماً جانبياً لرأس الملكة فيكتوريا "1819- 1901"، وكان بقيمة بنس واحد، وقد عرف هذا الطابع بالبنس الأسود penny black نظراً للخلفية السوداء المحيطة برأس الملكة. ويعد البريد المصري واحداً من أعرق المؤسسات المصرية حيث ترجع نشأته إلي عام 1831 حينما أنشأت الدول الأجنبية مكاتب بريدية في مصر بناء علي ما تمتلكه من امتيازات داخل البلاد في تلك الفترة، ثم قامت إنجلترا بإنشاء مكاتب بريدية في السويس والإسكندرية، وأيضاً قامت فرنسا بإنشاء مكاتب بريد في مدينة بورسعيد. ويعود الفضل في إنشاء متحف البريد المصري إلي الملك فؤاد الأول الذي أولي اهتماماً بالغاً للمقتنيات التاريخية، لذلك قامت مصلحة البريد بإعداد جناح مخصص للمتحف في الطابق الأول من الإدارة العامة لها بميدان العتبة الخضراء بالقاهرة، وتم تسجيل كافة محتوياته ليتم افتتاحه للمرة الأولي عام 1934. "آخرساعة" تجولت داخل المتحف الذي يضم مقتنيات تلقي الضوء علي حقب متعددة من التاريخ المصري، فرواق المتحف الخارجي مُتصل بقاعة ضخمة يوجد في منتصفها تمثال للخديو إسماعيل باللون البرونزي علي قاعدة بيضاء، ويتفرع من القاعة ممر طويل يؤدي إلي قاعة المتحف المصري الرئيسية التي تنقسم إلي عدة أقسام مختلفة. عند الدخول إلي قاعة المتحف، يوجد في واجهة الباب تمثال للملك فؤاد الأول، الذي أمر بإنشاء متحف البريد عام 1934، ولكنه توفي في عام 1936 قبل افتتاحه، ليفتتحه من بعده الملك فاروق عام 1940، ويقابله علي الناحية الأخري مجسم كبير لرمز الاتحاد العالمي للبريد عام 1934 بجوار مدخل القسم التاريخي للبريد الذي يضم مجسمات مصغرة تحكي قصة تطور البريد والرسائل علي مر العصور بطريقة متسلسلة، بداية من عصر الفراعنة الذين قاموا بتنظيم عملية نقل الرسائل داخلياً وخارجياً، ليتطور بعد ذلك في عصر البطالمة وينقل علي ظهر الدواب لإيصال بريد الملك وموظفي الدولة، وفي العصر الروماني تم استحداث عربات مخصصة تجرها الخيول لنقل الرسائل، وتم إدماج عنصر الحراسة بمكاتبها لحمايتها من السرقة والسطو، وما يدل علي الاهتمام بقطاع البريد في هذا العصر هو إنشاء استراحات خاصة للخيول التي تجر عربات الرسائل. أما فيما يتعلق بالعصور العربية والإسلامية، فكان هناك نماذج للطرق التي كان يتم من خلالها الاستدلال علي هوية حامل الرسائل ومنها الشارة الصفراء التي كان يضعها رجل البريد مشدودة علي كتفه لكي تسهل له عملية الدخول إلي أي مكان، فتفتح له أبواب البلدان أو الحصون حتي يصل وجهته، وطبقت الفكرة بطريقة مختلفة في الحقبة الفارسية، حيث كان يتم تمييز حصان حامل الرسائل بقطع الذيل أو الذنب الخلفي له، وبمجرد رؤيته يمكن الاستدلال علي هوية راكبه. ومن القطع المميزة التي يضمها القسم التاريخي بالمتحف مجسم بالحجم الطبيعي لرسالة داخل ثمرة جوز الهند التي كانت وسيلة غير معتادة لنقل الرسائل السرية، فكانت تقطع من الجانب الخلفي لتوضع بها الرسالة ثم تلقي في البحر أو في المجري المائي حتي تصل إلي وجهتها عبر عمليات حسابية معقدة تأخذ في الاعتبار المد والجزر ومدي قوة اندفاع المياه، وما كان يساعد علي عملية إخفائها شكلها الطبيعي الذي لا يوحي بوجود رسالة بداخلها، فكانت إحدي الطرق الناجحة لإرسال الرسائل الحربية، وكان البعض أيضا يلجأ كذلك إلي إخفاء الرسائل في أحشاء الحيوانات والماشية لإبعاد الأنظار عن اكتشافها. ويشير محمد بدر، أحد موظفي المتحف، إلي أن قسم أدوات البريد يضم حقائب موزعي البريد، ومجموعة من الاختام التذكارية والحكومية، داخل صناديق زجاجية مصمتة، وكذلك يضم مجموعة الموازين التي كانت تعتبر من أدوات هيئة البريد لتحديد وزن الخطابات والطرود، بالإضافة إلي موازين العملات للتأكد من وزنها وتحديد قيمتها نظراً لوجود أكثر من إصدار للعملة الواحدة، وفي الجهة الموازية يوجد صف طويل من نماذج متنوعة لصناديق البريد من بينها أول صندوق بريد استخدم في عام 1865 داخل مصر، ونماذج لصناديق البريد الخاصة بالحقبة الملكية يزينها رمز الهلال والنجمة المميز لتلك الفترة، وأيضاً صناديق البريد الخشبية التي كانت تستعمل في محطات القطار، وفي منازل عمداء القري والنجوع. وبالانتقال إلي قسم الملابس داخل المتحف نجده يوضح نمط ملابس عمال البريد علي اختلاف وظائفهم داخل مصر؛ من خلال تماثيل صغيرة موضوعة داخل صناديق عرض شفافة تعرض أشكال ملابس موزعي البريد المصري، ورؤساء الأقسام البريدية، كما يضم القسم شارات قماشية ملونة لدرجات الموظفين المختلفة داخل هيئة البريد في القرن الماضي، وملحق به في زاوية منفردة نماذج مطوية بالحجم الطبيعي لملابس وقبعات عمال البريد من مختلف أنحاء العالم، تم إهداؤها إلي المتحف المصري، من بينها الزي الفرنسي، والزي الدنماركي، والزي الألماني لعمال وموظفي البريد. ومن أروع مقتنيات المتحف، لوحة ضخمة في القسم الأمامي للقاعة، والتي تتشكل بطريقة تشبه الفسيفساء، وهي مكونة من 15 ألف طابع تم إلصاقها بطريقة فنية لتجسد صورة أبو الهول ومن خلفه الأهرامات، وقد تمت صناعتها في عام 1910 وكانت ضمن ممتلكات الملك فاروق والتي ورثها عن والده الملك فؤاد الأول ويوجد أسفلها مكتب نادر خاص بجياكومو موتسي أول مدير للبريد في مصر عام 1865 وصاحب ملكية شركة البوسطة الأوروبية التي انتقلت ملكيتها فيما بعد إلي الحكومة المصرية. وكذلك يعرض المتحف نموذجاً لأول دفتر توفير للبريد المصري تم إصداره عام 1901، ومجموعة من الهدايا كان البريد يقوم بتوزيعها قديماً علي المودعين لتشجيعهم علي الادخار، وكذلك يضم مجموعة من المكاتبات والمراسلات لأظرف مختومة ومسلسلة بختم التاج الملكي. ويوضح أحمد عبدالمقصود، مقرر لجنة الطوابع بمتحف البريد، أن المتحف يضم كافة إصدارات الطوابع التي تم إصدارها داخل المتحف منذ عام 1866 إلي الإصدارات إلي تم طبعها في وقتنا الحالي، ويتم استخدام إضاءة خافتة في إنارة معظم أركان صالة المتحف، والتي درج تسميتها بالإضاءة الباردة حتي لا تؤثر علي المعروضات فيه، خاصة تلك الموجودة في قسم الطوابع الذي يتوسط القاعة، فمن المعروف أن المادة المصنوع منها الطوابع تتفاعل كيمائياً مع الضوء، ومن الممكن أن تتلف عند تعرضها لشعاع قوي لفترة طويلة، لذلك فهي تلقي عناية ومعاملة خاصة تتمثل في حفظها بألبومات خاصة تفصلها عن العوامل الخارجية. أضاف، أن الحفاظ علي مقتنيات المتحف من الطوابع يمثل جزءاً هاماً من حماية التراث المصري، نظراً لأنها تلقي الضوء علي تاريخ الأمة، وتفند الأحداث بطريقة مباشرة، ويماثلها في الأهمية الأختام الخاصة بالطوابع التذكارية. ويضم قسم الطوابع مجموعة من المصنفات التوضيحية لخطوات صناعة الطوابع داخل مصلحة المساحة، والأدوات والقوالب التي كان يتم من خلالها صناعة وتشكيل الطوابع، كذلك يحتوي علي تشكيلة واسعة من الطوابع التي يتم تصنيفها حسب البلد الأم، فضلاً عن نماذج لأول مجموعة طوابع تم إصدارها في مصر عام 1866 مكونة من سبعة طوابع من فئة 2 و5 قروش، و10 و20 بارة، وهي عملة عثمانية سُكت في عهد السلطان مراد الرابع ومعناها بالعربية "قطعة"، وهذه المجموعة لم تطبع داخل مصر بل تمت طباعتها في مدينة جنوا بإيطاليا، حين كانت مصر تابعة للخلافة العثمانية، لذلك يوجد نقوش عثمانية علي الطوابع، وكتب عليها كلمة "تمغاي - بوستة مصرية". وبالقرب من قسم الطوابع، يوجد نماذج لأذون صرف لرجال البريد، وهي مشابهة لنظام صرف الشيكات البنكية حالياً، ومحفوظة في صندوق زجاجي ضخم، من بينها نموذج لأذن صرف بقيمة 850 مليماً بعد خصم قيمة رسم الضريبة منه، وهي 11 مليماً. ويشتمل المتحف علي مجسمات رمزية لوسائل نقل الرسائل قديماً وحديثاً، سواء عن طريق النقل البري أو البحري، مثل ماكيت للباخرة قرطاجنة، والتي كانت تنقل البريد الدولي في عهد الخديو إسماعيل، وكذلك نماذج لبواخر النقل النهري المخصصة لنقل البريد، حيث كانت كل باخرة تختص بمنطقة معينة في خط سير محدد سلفاً، مثل البواخر التي كانت تنقل البريد في خط سير يشمل دمياط وبورسعيد والمنزلة.. كما يحتوي المتحف علي نماذج للمباني البريدية مثل مصلحة بريد القاهرة، ومدرسة الفنون التطبيقية قبل أن تتحول إلي كلية الفنون التطبيقية، والتي شاركت في إعداد متحف البريد عام 1934 علاوة علي وجود ماكيت مصغر لمطابع البريد في مدينة نصر، والتي أمر بإنشائها الرئيس جمال عبدالناصر في عام 1961 وقبلها كانت تتم الطباعة في هيئة المساحة. ويوضح خالد مصطفي، أمين عام الجمعية المصرية لهواة جمع طوابع البريد، أن مجموعة الطوابع التي تم إصدارها في 1 يناير عام 1866، تعتبر أقدم مجموعة مصرية، ولكن هناك طوابع بريدية تفوقها من حيث الثمن نتيجة قلة الكمية التي تم إنتاجها منها. ويضيف، أن من بين القطع النادرة للبريد أيضاً تجارب تصميمات الطوابع الأولي في مصر التي لم يتم طباعتها وتنفيذها، حتي تم الاستقرار علي الشكل النهائي لها والذي ضم نقوشاً عثمانية، وكانت العملة المتداولة حينها هي ال"بارة"، وبعد ذلك في عام 1872 بدأت العملة في التغير إلي فئات القرش والمليم، وكانت قيمة قرش مصري واحد، تُعادل 40 بارة. ويُشير أحمد يوسف أحمد، عضو مجلس إدارة جمعية هواة جمع طوابع البريد المصرية، إلي أن الجمعية تشارك في إقامة معرض الطوابع في دار الأوبرا المصرية بمناسبة مرور 150 عاماَ علي إصدار أول طابع بريد مصري بمشاركة من دول الإمارات، والبحرين، ولبنان، وسلطنة عمان، وقبرص، وبريطانيا، لافتاً إلي وجود إقبال غير عادي علي اقتناء الطوابع الخاصة بحقبة الملك فاروق، وكذلك طوابع الملك فؤاد، التي تميزت بثراء متنوع في إصداراتها، ففي هذه الفترة كانت مصر تضم جاليات أجنبية وجنسيات متعددة علي أراضيها، لذلك كان هناك استخدامات مضاعفة للأظرف والطوابع البريدية التي يتم إرسالها إلي الخارج. كما أوضح أن المجموعات البريدية، التي يتم عرضها بالمعرض تعتبر بمثابة بحث فني، وليست مجرد مقتنيات عادية، فكل من لديه هواية جمع الطوابع يتخصص في قسم معين منها، فالبعض قد يتخصص مثلاً في جمع نماذج من أول مجموعة بريدية تم إصدارها، أو قد يبحث عن إصدارات بعينها لمكتب بريدي ضمن فترة زمنية محددة.