فاطمة اليوسف عشت أعوام عمرى صحفيا يؤمن برسالتها المقدسة ودورها التنويرى فى تغيير المجتمع وسلوكيات الأفراد. وازداد إيمانى برسالة الصحافة ودورها فى المجتمع عندما دعانى الفنان الإنسان حسن فؤاد وقدمنى إلى إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاءالدين وفاطمة اليوسف. وخلال ممارستى للعمل مع أساتذتى الأربعة، تشكل وجدانى وتحددت خريطة حياتى العملية فى الصحافة المصرية حتى اليوم. والآن أسمع من هنا وهناك، وتصلنى أخبار بالتليفون، وأقرأ ما يحمله إلى الطريق السريع للمعلومات «الإنترنت»، ما يصيبنى بالهم والغم، وما يقلب معدتى، ويجعلنى لا أصدق أن هذا هو حال الصحافة المصرية والصحفيين المصريين الذين أفرزهم مجتمعنا المصرى خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة. تغيرت الصحافة.. لم تعد رسالة بل سبوبة، لم تعد مهنة لها قدسية، ولكنها مهنة يستطيع امتهانها الفهلوى والبلطجى والانتهازى والمنافق والدساس! الصحافة لم تعد معبدا ومحرابا للشرفاء والنبلاء، والفرسان، بل وكرا ومرتعا للمرتزقة والأرزقية. احمد بهاء الدين ولم يعد باعة الصحف أعضاء نقابة، بل باعة جائلون يقدمون بضاعة رخيصة. الصحافة لا عمل لها هذه الأيام ولفترة طويلة سوى التجسس ومسك السيرة والنميمة، ونشر الأكاذيب وإلهاء الناس بالتافه من الأمور والإغراق فى الصور العارية وصفحات السب والقذف! ناهيك عن التطاول على كل ما هو نافع وعلى رموز الشعب وأبطال الأمة والسخرية من كل شىء والانقضاض على الفكر والفن والحق والجمال. لم تعد مقدسة.. ولكنها مهنة مستباحة، تهدم ولا تبنى.. تثير البلبلة، وتنشر الشائعات فى كثير من الأحيان. ولهذا أشعر بالحزن العميق، وأتمنى أن يعجل الله بالنهاية حتى لا أعيش أياما تختفى فيها الصحافة المستنيرة والمفيدة والتى تخترق الظلام لتنير الطريق أمام الذين يبنون المجتمع الجديد فى مصر الذى ولد فيه فجر جديد يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011. فالفجر الذى ولد مع ثورة الشعب التلقائية والذى بزغ نوره خلال أيام بلياليها فى ميدان التحرير، وفى السويس، وفى الإسكندرية، وفى المنصورة ومعظم مدن وقرى مصر، هذا الفجر العظيم قدم ملحمة شعبية فاقت كل التصورات وكتبت تاريخها بدماء نقية طاهرة لشباب خرجوا يحتجون على الظلم والقهر والتعمية والسرقة بكل أشكالها.. سرقة الفلوس والأرض والأحلام بل سرقة المستقبل من شباب مصر. لهذا أطرح السؤال اليوم بكل شجاعة: هل نريد اختيار قيادات صحفية من بين العاملين فى المؤسسات الصحفية القائمة والتى كانت مباحث أمن الدولة توافق على تعيينهم، أم أننا فعلا سوف نختار الشرفاء من أبناء المؤسسات القومية وأبناء الصحافة الخاصة والحزبية والمستقلة، الذين كتبوا كلمات مقالاتهم، وسطور أعمدتهم من وحى ضمائرهم الحية واستعرضوا فى تحقيقاتهم الصحفية وحواراتهم التى أجروها مع الشخصيات العامة والوزراء أحوال مصر وهموم الشعب المصرى وأوجاع المفكرين والمثقفين الشرفاء والأدباء النبلاء!! أم نافقوا وروجوا لأكاذيب ورسموا صوراً غير حقيقية!! هل نختار قيادات المؤسسات الصحفية القائمة اليوم من بين أبناء كل مؤسسة بناء على ما يقولون ويكتبون فى تقارير يرسلون بها إلى الأجهزة المعنية، أم بناء على كتاباتهم الفعلية السابقة ودراستها وتحليلها حتى نفرز الصحفى الشريف العفيف، من الانتهازى والمنافق والمتسلق! ولست أقترح هنا قراءة كل ما كتب خلال السنوات الثلاثين الماضية فقط اقترح قراءة ما كتب خلال الشهور الأربعة أو الثلاثة التى سبقت الخامس والعشرين من يناير الماضى. بل لكى أكون أكثر تحديدا مراجعة كتابات الصحفيين والكتاب فى الجرائد القومية، والمجلات الأسبوعية والجرائد الحزبية والمستقلة والخاصة خلال أشهر يناير 2011 وديسمبر ونوفمبر وأكتوبر 2010 فقط. إن كتابات المتسلقين والمنافقين والكذابين والانتهازيين كانت واضحة وصريحة أيام الانتخابات التى سبقت الشورى والشعب عام 2010. كذلك الحوارات فى التليفزيون والراديو كانت من نفس النوعية خلال تلك الفترة من عام 2010، والأسابيع الثلاثة التى سبقت ثورة 25 يناير2011. د يحيى الجمل والاقتراح الذى أتقدم به إلى المجلس العسكرى الذى يدير شئون البلاد والعباد، وإلى وزارة تسيير الأعمال وإلى الأستاذ الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء والمشرف على المجلس الأعلى للصحافة وشؤونا الشورى والشعب، هو تكوين لجنة من أساتذة الإعلام فى كليات الإعلام جامعة القاهرة وفى الجامعات الخاصة والجامعة الأمريكيةبالقاهرة لكى يقوموا بمراجعة وتحليل المقالات والأعمدة والأخبار والتحقيقات الصحفية خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر عام 2010، وأيضا الأربعة والعشرين يوما من شهر يناير عام 2011 فى كل من الصحف والمجلات القومية والحزبية والمستقلة والخاصة وكذلك حوارات التليفزيون والراديو فى نفس الفترة. ويضاف إلى ما سبق الكتابات والحوارات التى نشرت أو أذيعت أو بثت من يوم 25 يناير 2011 حتى يوم التنحى 11 فبراير عام 2011. إن هذه الدراسة سوف تفرز لنا الشخصيات التى نبحث عنها للقيام بمهمة قيادة المؤسسات الصحفية خلال الفترة القادمة وحتى يمكن أن يدخل الحقل الصحفى والإعلامى شباب من أبناء ثورة 25 يناير 2011. لا مانع اليوم من انضمام كل صاحب رأى، وكل من يجد فى نفسه الاستعداد لممارسة مهنة الصحافة أن يتقدم إلى القيادات الجديدة فى المؤسسات الصحفية لكى يأخذوا فرصتهم فى التواجد الصحفى فى صحف ومجلات مصر بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011. لم يكن إحسان عبدالقدوس ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاءالدين وصلاح حافظ وفتحى غانم ود.مصطفى محمود ود.يوسف إدريس، سوى شباب تقدموا إلى الصحافة بعد ثورة يوليو 1952 سواء فى مجال المقال أو القصة أو العمل الصحفى. كان مصطفى محمود ويوسف إدريس وصلاح حافظ طلبة فى كلية الطب وهم ينشرون فى مجلة روزاليوسف. وكان أحمد بهاءالدين وفتحى غانم وعبدالرحمن الشرقاوى طلبة فى كلية الحقوق وهم يكتبون. كتب عبدالرحمن الشرقاوى قصيدته الشهيرة من أب مصرى إلى الرئيس ترومان وهو طالب بكلية الحقوق بجامعة الملك فؤاد الأول بالقاهرة! وكان صلاح جاهين وصلاح عبدالصبور وعبدالرحمن الأبنودى وأمل دنقل وسيد حجاب طلبة فى الجامعة وهم ينشدون أشعارهم الرائعة كذلك سبقهم الرائع والمتفرد فؤاد حداد. إننى أشعر أن الطريق الوحيد لفرز الناس فى المؤسسات الصحفية اليوم ليس الانتخابات كما يقترح البعض ولكن كتاباتهم فى الأشهر الأخيرة التى سبقت ثورة 25 يناير 2011، وليس تلك الترشيحات التى يقومون بها بأنفسهم فى داخل المؤسسات الصحفية لأنهم كانوا فى ميدان التحرير، ولأن الآخرين عينهم فى مناصبهم نظام مبارك السابق. صحيح أن النظام خلال ثورة 23 يوليو فى أشكاله الثلاث: عبدالناصر والسادات ومبارك كان يعتمد على أهل الثقة ويهمل أهل الكفاءة، وأن النظام الجديد بعد ثورة الشعب المصرى يوم 25 يناير 2011 سوف يكون اعتماده على أهل الكفاءة فقط وأن الأولى بالاختيار من يجيد الإدارة تحت مظلة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وليس أى صفات أخرى. أضع هذا الاقتراح أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأمام حكومة معالى الدكتور عصام شرف لأنه من وجهة نظرى هو الطريق السليم لحسن الاختيار للقيادات الصحفية خلال الأسابيع القادمة.. والانتخابات لاتفرز الأصلح. أما الاعتماد على الصوت المرتفع لبعض الزملاء داخل المؤسسات الصحفية من أنهم الثوار والآخرون العملاء فهذا ليس مقياسا وليس معيارا جيدا. كذلك آراء الآخرين قد تكون مغرضة وشخصانية والأنتخابات لاتفرز الأصلح. أما الكتابات والكلمات التى سطروها ونشروها دون معرفة سابقة بأنهم سوف يدخلون بها امتحانا مهما وبعد شهور قليلة فهى أمر واضح ويكشف المستور. إن الكلمات والسطور تشى وتفضح صاحبها وهذا ما نعرفه باسم قراءة ما بين السطور وأفضل اختيار مفوض عام لفترة يتم بعدها التسكين على ضوء الممارسة الفعلية! أما أن يتقدم بعض الزملاء اليوم ومعهم بطاقة حسن سير وسلوك لأنهم كانوا فى ميدان التحرير بالقاهرة أو حى الأربعين بالسويس أو أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية وهكذا.. إن هذا لايكفى. الكلمات أيها السادة تشى بصاحبها والتروى فى الاختيار أفضل.