صباح الخير تنفرد بنشر أوراق خاصة من مفكرة إحسان عبدالقدوس عمرها أكثر من سبعين عاماً، وتنشر لأول مرة ،المفكرة تحمل العديد من التنبؤات التى استشعرها المقربون منه فهو إنسان امتلك الموهبة منذ الصغر، تكونت لديه شتى المؤهلات التى تؤهله ليكون علماً فى سماء الإبداع الأدبى والسياسى، وخلال دراسته فى التوجيهية بمدرسة فؤاد الأول الثانوية بالعباسية، كان قريبا من أصدقائه ومدرسيه وجميعهم استشعروا فيه النبوغ فقرر كل منهم أن يكتب فى مفكرة إحسان رأيه فيه، المفكرة يرجع تاريخها إلى عام 8391، ولا تحمل كتابات أخرى فى الأعوام التالية، وكأنهم يرون فيها ذكرياته مع المدرسة ومريديها من أساتذة وطلاب، ولذا اختصها بهذا العام فقط عامه الأخير فى مدرسة فؤاد الأول، فجاءت تحمل كلمات من أساتذته وأصدقائه ومحبيه، وكما يقول الابن الأكبر لإحسان محمد إحسان عبدالقدوس أن المفكرة فيها جزء لذكريات وتنبؤات أساتذة إحسان فى مدرسة فؤاد الأول، والتى انتقل منها إلى الجامعة لدراسة الحقوق، وجزء آخر لتنبؤات أهله وأقاربه وأصدقائه. ويضيف أيضاً محمد عبدالقدوس أن والده كان يضع هذه المفكرة فى مكانة خاصة، فاحتفظ بها طوال سنوات عمره، كان يحملها دائما فى جيبه، ومع ذلك لم تأته الرغبة فى أن يكتب فيها أى شخص آخر أى كلمة ذكرى حتى لو كان عزيزاً لديه، بعد عام 8391، كان دائم التصفح لها، قائلاً لكتابها: هأنا ذا قد التزمت بنصائحكم، فهل حققت ما تنبأتم به؟ (التوقيع إحسان) فى هذه المفكرة ذات الأوراق الذهبية، يفتتحها إحسان عبدالقدوس بتعريف نفسه قبل أن يكون الكاتب والأديب، وقبل أن يكون ناظراً لمدرسة الحرية فى عالم الصحافة، يقول إحسان عن نفسه: طالب بالسنة الخامسة قسم أدبى بمدرسة فؤاد الأول الثانوية بالعباسية مصر، وبلطجى بصالات عماد الدين. التوقيع إحسان 5/5/8391 هكذا كان يرى إحسان عبدالقدوس نفسه، وإن كانت هذه النظرة قاصرة، إلا أنه فى اليوم التالى لكتابة هذا التعريف، ردَّ عليه والده محمد عبدالقدوس الأب، بنظرة أكثر رؤية وعمقاً، فقال الأب: أنت عظيم بجوهر ياششن ولله الحمد فحافظ، وثق، وجاهد بإذن الله. التوقيع والدك 6/5/8391 فهذا هو إحسان عبدالقدوس كما رأه والده، وهى رؤية رجل صارع الحياة، وعاش الكثير من تجاربها، فجاء رأيه فى ولده بمثابة الدينامو المحرك والدافع للأمام.. والحقيقة أن والد إحسان استطاع بنصائحه أن يضع فى شخصية إحسان أولى اللبنات التى كونت فكرة فى حياته المستقبلية، فكانت العلاقة بين إحسان ووالده علاقة صداقة وحب... ويقول إحسان عبدالقدوس: بدأت أمسك بالقلم وأكتب منذ أن بدأت أعى تقليداً لوالدى، وبلغ التقليد إلى أنى كتبت أول مسرحية لى وأنا فى العاشرة من عمرى. (حضور إحسان) وبالعودة إلى مفكرة إحسان عبدالقدوس نجد فيها مقولة تنشر للمرة الأولى على لسان السيدة فاطمة اليوسف فتقول: ولدى إحسان أشهد لك بالحضور والصدق والأمانة والإخلاص فى العمل التوقيع والدتك 7/5/8391 هذه كانت نظرة السيدة فاطمة اليوسف لولدها، ولذا عندما أصدرت مجلة روزاليوسف عام 5291 كرهت أن يكون إحسان مقلداً لأبيه أو أن يكون مجرد أديب، فهى كانت تريده أن يتفرغ للعالم الصحفى والسياسى، وحقاً قد تحقق لها ما تريد. ومن هذا يتضح أن إحسان عبدالقدوس ورث الأدب عن أبيه، كما ورث الصحافة عن أمه، ويقول عن ذلك: وجدت نفسى أديباً وصحفياً دون تعمد، أديب لأبى، وصحفى لأمى، ولأنى أعيش المجتمع الصحفى بجانب المجتمع الأدبى، فقد تعرفت على أكابر الأدباء والصحفيين منذ صغرى. (سانو عبدالقدوس) ومن الصفات الجميلة التى عرفت عن إحسان أنه كان رقيق الأحاسيس، يبتسم ابتسامة صافية لا تفارق وجهه فقالت عنه شقيقته: سانو: لو قسم ظرفك على العالم أجمع لما أصبح هناك شخص واحد يشهد له بثقل الظل التوقيع شقيقتك 7/5/8391 من اللافت للنظر ما كتبه زكى نجيب محمود، أستاذ الفلسفة والمنطق وعلم النفس فقال: حاول أن تسيطر على نفسك، وفقت فى ذلك، كان ذلك تمهيداً لسيطرتك على الناس التوقيع زكى نجيب محمود 92/5/8391 فكانت هذه المقولة بمثابة دعوة من زكى نجيب محمود لإحسان يدعوه فيها إلى السيطرة على انفعالاته ومشاعره الداخلية، حتى يتمكن من السيطرة على الآخرين، فإحسان كان دائم الثورة، والتمرد على المفاهيم التقليدية، والأفكار الرجعية، فكانت الدعوة حاول أن تسيطر على نفسك، وكانت النتيجة أن إحسان أصبح أكثر كُتاب مصر اهتماماً بالسياسة والأدب والمرأة.. (ذكاء نادر) لم تكن هذه النظرة من زكى نجيب محمود فقط، وإنما كانت نظرة كل من عرفه، فقال عنه عبدالحميد سيد أحمد المشرف بالمدرسة: لاحظت فيك ذكاء نادراً فاستعمله فيما يفيدك ويفيد وطنك فسر على بركة الله. التوقيع عبدالحميد سيد أحمد 41/5/8391 وكانت هذه نظرة صادقة، فقد كان حقاً صاحب ذكاء نادر، واستطاع أن يتعلم بذكائه من محمد التابعى، الأسلوب الصحفى المعاصر، ثم ارتقى بموهبته، وطور من نفسه، وتعلم من العقاد جرأته، وقدرته على الاشتباك مع الأفكار والمواقف الخاطئة، حتى أفسح بقلمه الطريق أمام عالم جديد مستنير، وتعلم من فاطمة اليوسف والدته القوة والصلابة والقدرة على تحمل المسئولية، وكان من نتائج هذا الذكاء الذى لمحه مشرف المدرسة فى عيون إحسان سنة 8391.. أن خرجت مقالات مثل الجمعية السرية التى تحكم مصر، الرجل الذى يجب أن يذهب، دولة الفشل، محاكمة مجرمى حرب فلسطين، القرصان الشريف الذى زود الجيش المصرى بالسلاح، وقال له ناظر المدرسة فى عامه الأخير بمدرسة فؤاد الأول الثانوية: خير ما ينفعك فى مستقبل حياتك ما كسبته عن تجربة دعامتها الألم، وسندها الاقتناع. التوقيع ناظر المدرسة41/5/8391 (التضحية) ومن الكلمات التى عبرت عن عظمة إحسان عبدالقدوس فى مفكرته الذهبية، ما كتبه أستاذ التاريخ فى المدرسة يوم 41/5/8391 فكتب التضحية سر نجاح الأمم، ولو كان لها شأن فى مصر لتغيير وجه تاريخها. التوقيع عبدالحميد على عوض الله تحريراً فى 41/5/8391 ولا شك أن إحسان عبدالقدوس ضحى بأعز ما يملك، ضحى بمؤسسة روزاليوسف، عندما صدر قرار تأميم الصحف، وعندما صدر هذا القرار فى 42 مايو 0691 لم يتمرد أو يثور، وإنما استمر فى العمل فى روزاليوسف، فكان دليلا على إخلاص إحسان عبدالقدوس لوطنه الذى أحبه، واستشعر فيه مدرسوه فى مدرسة فؤاد الأول هذا الحب، فقال له أحد المدرسين: أحب إخلاصك لوطنك دائما رائدك وخدمتك لها أفضل ما تسديه إلى نفسك وإلى أمتك. فعلى الرغم من امتلاك إحسان لكل المقومات التى تمكنه من الوصول إلى أعلى المناصب، والحصول على أرفع الأوسمة والجوائز، إلا أنه رفض التملق للحصول عليها، واضعاً أمام عينيه أغراضاً أسمى من الجوائز، فحقق آماله وآمال وطنه فيه، وتحققت نبوءة صديقه الذى قال له: أخى إحسان لك كل المؤهلات للوصول إلى أعلى المراكز فضع الغرض السامى الذى تفكر فيه نصب عينيك فتحقق أمال وطنك وأهلك ومحبيك. أخوك المخلص حسن عامر 92/5/83 فكان إحسان من مَلِكْ الكون، أن جعل من إحسان عبدالقدوس قدوة تدفع للتغيير إلى الأفضل فكان: ملوك الأرض يحسنون بالدرر وأنت إحسان من ملك الكون التوقيع أحمد عبدالمقصود 03/5/83 وقال له مدرس الرياضيات: ستذكر فى مستقبل أيامك الأوقات السعيدة التى قضيتها بمدرسة فؤاد الأول، وأرجو ألاَّ تنسى فضل من أحنو عليك من أساتذتك، وأن فى هذه الذكرى سرور لا ينضب معينة. توقيع مترى جرجس 51/5/83 رأى تلاميذه وفى الختام إذا كان هذا هو رأى أساتذة إحسان وأهله المقربون منه فما هو رأى تلاميذه ممن تعلموا على يديه مهنة الصحافة؟ يتضح هذا الرأى فى خطاب جاءه من باريس فى 7 /9/8891 كان نصه: أستاذى التاريخى العظيم إحسان عبدالقدوس تحياتى وأكرم دعائى وحبى وأشواقى، أيها الرائد الفكرى العظيم، وأحد ألمع قادتى فى معركة القتال 1591، افتقدك دائماً، لكنك دائماً فى قلبى وتنعش أيامى معك فى روزاليوسف ذاكرتى، وأجدنى دائماً كما كنت معك، وأنا هنا بعيداً عن القاهرة، أنت فى نفسى ملء السمع والبصر.. أسعدك الله وحباك بموفور الصحة وراحة البال، فأنت ثروة مصر الخالدة ، ياصاحب أعرق وأعظم مدرسة للصحافة فى مصر، وإليك يرجع فضل مئات الصحفيين الذين تعلموا على يديك الصحافة.. عشت لمصر وللصحافة والصحفيين. تلميذك سعد زغلول فؤاد فهذا هو تعريف إحسان عبدالقدوس الذى قال عنه لطفى الخولى أن التعريف الحقيقى لإحسان عبدالقدوس أنه كان إحسان عبدالقدوس؟