جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    محافظ الجيزة يتفقد حالة النظافة وإزالة الإشغالات بأحياء الطالبية والعمرانية والهرم والعجوزة    تحت شعار "إحنا مصر"..وزير السياحة والآثار يطلق حملة ترويجية لتسليط الضوء على أهمية السياحة للمجتمع    زيلينسكي: لا تنازل عن أراض أوكرانية والانضمام للاتحاد الأوروبي جزء من الضمانات الأمنية    مفاجأة، مانشستر يونايتد يفكر في إعادة دي خيا    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    القبض على التيك توكر" لى لى" بتهمتي نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء وحيازة الحشيش    أحمد سعد: أخويا عمرو هو نجمي المفضل وببقى فرحان وأنا بغني قدامه    قها التخصصي ينجح في إنقاذ طفلة من التشوّه بعملية دقيقة    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    معلق مباراة ريال مدريد وأوساسونا في الدوري الإسباني    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    خالد الجندي: القرآن الكريم تحدث عن أدق تفاصيل الحياة اليومية حتى المشي ونبرة الصوت    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    دورة إنقاذ ومعرض تراثي.. أبرز أنشطة الشباب والرياضة في الوادي الجديد    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    مقاومة المضادات الحيوية: خطر جديد يهدد البشرية    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة دعم قدرات شبكات الاتصالات وتوسيع مناطق التغطية    السيسي يوجه بوضع استراتيجيات واضحة وقابلة للتنفيذ لتطبيق الذكاء الاصطناعي    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الموسمية والفيضانات في باكستان إلى 645 قتيلا    صراع من أجل البقاء.. مأساة الفاشر بين الحصار والمجاعة والموت عطشًا    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    إصلاح الإعلام    ما الذى فقدناه برحيل «صنع الله»؟!    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال الغيطانى بعد فوزه بجائزة الشيخ زايد للآداب: جئت للدنيا «أديباً».. وتمنيت العيش فى «عشرينيات وثلاثينيات» القرن الماضى

«عالم خاص» وصف لا ينطبق على مكتب الأستاذ جمال الغيطانى، كرئيس تحرير لمجلة أخبار الأدب وحسب، ولكنه يمتد لتوصيف الحديث معه، وتوصيف رحلته فى عالم الأدب المقترن لديه بفكرة «الزمن»، ليكون المتسائل دوماً: «ماذا يحدث لو لم يكن ما كان؟». ليس الزمن وحده ما يشغل فكر أديبنا، فالعتاقة أيضاً جزء من الحالة الأدبية التى يسعى للتعبير عنها فى أعماله، مهما اختلفت صورتها.
ولعل هذا ما تلحظه فى مكتبه الذى يجمع بين بساطة التأثيث، وروح التراث فى التصميم، وهو ما يتجلى عبر صور قديمة لحارة الطبلاوى فى الجمالية، أو مقبرة الملكة نفرتارى فى أسوان، أو حتى عبر صوت الموسيقى التركية القديمة المنبعثة من جهاز الكمبيوتر الخاص به.
جاء الحديث مع الأديب جمال الغيطانى، بمناسبة احتفاله بالذكرى الخمسين لدخوله عالم الكتابة، بالإضافة لحصوله على جائزة الشيخ زايد للعام 2009 عن رواية «رن»، والتى تعد الدفتر السادس، من دفاتر التدوين، ليدور الحوار مع الغيطانى عبر الإبحار فى عالم الزمن المنشغل به ماضيه وحاضره والمستقبل أيضاً.
■ فى قرية جهينة، وفى مايو من عام 1945، بدأت العلاقة بالحياة. ماذا تذكر من المشاهد الأولى هناك؟
- لا أتذكر ولادتى، ولا ظروفها ولم أسأل عنها لأكوِّن ملامحها، كل ما أعرفه أن أمى اعتادت السفر، من القاهرة لقريتنا جهينة، عندما يحين موعد وضع جنينها، ثم تعود بعدها للقاهرة.
 ومنذ صغرى شغلنى البحث فى الزمن، ولذا أحاول تذكر البدايات بين الحين والآخر، وجهينة هى الركن الذى أتذكره وقت الوحشة، وأستعيده فى لحظة الاغتراب، كما أن جهينة كمكان وبشر، لاتزال فى الوجدان وركن الحنين.
لكنها تتداخل فى ذات الوقت فى عالم الزمن مع حى الجمالية «العتيق» بالقاهرة، وتحديداً فى حارة الطبلاوى، التى شهدت تكوين مداركى عبر قراءة قصص الخيال والبطولات، لتمنحنى القراءة عالماً خاصاً بى، وصل إلى حد المعايشة لما أقرؤه، فأنا أحد فرسان رواية «الفرسان الثلاثة» بسيفه وطريقته فى الحديث، ومرة أخرى أنا أحدب نوتردام، ذو الظهر المحدب، وثالثة أكون فيها عنترة بن شداد، تلك المعايشة فتحت لى باب التخيل والحكى.
كما كانت القراءة تلبى العديد من الاحتياجات بداخلى، وتجيب على الأسئلة المطروحة على ذاتى وفى مقدمتها، أين ذهب الأمس؟ ولذا أشعر أننى جئت للعالم أديباً، لم يعلمنى أحد الأدب، ساعدتنى ذاتى على اكتشاف طريقى بنفسى.
■ فى العام 1959 كان حصولك على الشهادة الإعدادية. ولكن لماذا التحقت بمدرسة الفنون والصنايع بالعباسية؟
- جاء التحاقى بها نتيجة الظروف المحيطة بى، وقد حاولت إقناع والدى بالاكتفاء بما نلت من دراسة، ولكنه رفض، فقررت اختصار زمن الدراسة، ودخلت مدرسة الفنون والصنايع لأدرس بها صناعة السجاد، وتخصصت فى السجاد «البخارى»، وقتها لم أكن أطيق دراستى للسجاد، لكننى اكتشفت فيما بعد أنها نعمة، ولو عاد بى الزمن مرة أخرى، لاخترت دراستها.
فالسجاد العربى من الممكن قراءته، من خلال وحداته الزخرفية التى تحمل كل منها معنى، ومن الممكن أن تحكى تاريخاً، مثل سجاد «زرابية» فى المغرب، الذى يدل إضافة نقش أو رسم صغير لوحدتها الزخرفية، على جزء من تاريخ بعض من صنعوها، كرحيل قبيلة من مكان لآخر، أو الجفاف الذى ساد عاماً معيناً. وفى اعتقادى أن فن صناعة السجاد حالة من حالات الفن التشكيلى الذى لم نتعود قراءته وفهمه منذ صغرنا فى عالمنا العربى.
■ كنت أحد مثقفى اليسار فى الستينيات، واتهمت بالانتماء لتنظيم شيوعى فى عام 1966 كيف أثر هذا الاتجاه على جمال الغيطانى الأديب؟
- ضاحكاً يجيب: رفضت بالطبع الاعتراف وقتها بالانتماء لتنظيم شيوعى، ولكن الحقيقة أننى وعدد من أبناء جيلى كنا أعضاء فى «و.ش» وهذا هو الرمز الكودى «لوحدة الشيوعيين»، وما حدث أنه فى عام 1964 حل «الحزب الشيوعى المصرى»، وحركة «حدتو» نفسيهما، وفى العام 1965 تركت التنظيم لأننى شعرت أنه وهم كبير، فى ذات الوقت كانت أجهزة الأمن تسعى لإثبات استمرار خطر الشيوعيين لعبد الناصر، فتم القبض علينا بعد مرور عام على تركنا له، أى فى العام 1966.
■ وماذا حدث لكم..؟
- أنكرنا بالطبع أى معرفة لنا بالتهمة. ولكن وفى سجن القلعة التى تم حبسى بها انفراديا لمدة 40 يوماً، جاءت مراجعتى الذاتية للفكر اليسارى بوجه عام، ففى الحبس الانفرادى تعمل حواسك الحسية بشكل عال، ورغم أننى مدين لهذا الفكر بما منحه لى من رؤية وقدرة على التأمل والاستنتاج، إلا أننى خرجت من تلك التجربة بقرار ألا أنتمى لأى حزب، لأكون حزباً بمفردى، فالأحزاب تمارس نوعاً من السلطوية على المثقفين والكتاب ليكونوا بوقاً لها، ورغم ذلك لاتزال بداخلى بعض من ملامح ذلك الاتجاه، من حيث الدفاع عن الغالبية الفقيرة والضعفاء والاهتمام بكل ما هو عام.
■ تدين للفكر اليسارى بتكوين الرؤية. ولكن ماذا عن القراءات الصوفية فى حياة جمال الغيطانى؟
- وجدت نفسى فى التصوف والقراءات المتصوفة، كما اكتشفت العلاقة القوية بين التصوف وبعض العلوم الحديثة كالفلك والموسيقى والفيزياء، وفى القراءات المتصوفة وجدت ذات القلق الباحث عن الزمن، ووجدت إجابة لما يحيط به من تساؤلات بداخلى، إلى جانب نفس التساؤلات التى تكاد تكون أساس نظريات العلوم الحديثة، كما فى الفن والفراغ المطلق كل هذا شكل لدى خلفية للحكى.
■ لماذا هذا الاهتمام بعالم الزمن؟
- الزمان والمكان وجهان لعملة واحدة، والزمان اختزال للزمن، وحينما أسافر أبحث فى كل منطقة أذهب إليها عن وجه «جهينة» وصورة «الجمّالية»، والسبب أننى أريد التمسك بحياة تفلت وتضيع منى وكلما تقدمت فى السن تذكرت البدايات، ولذا أنا مشغول بتدوين ما أفلت منى، ومن هنا تأتى قيمة الكتابة لمواجهة العدم ومقاومة الفناء.
■ ولذا جاءت كتابتك لدفاتر التدوين؟
- نعم، فمنذ عام 1994 أعمل على كتابة دفاتر التدوين التى صدر منها ستة أجزاء، وفى انتظار طبع السابع. وهى ليست سيرة ذاتية كما يظن البعض، ولكنها شكل من الكتابة يتمحور حول الذات، فالقارئ مغرم بالتلصص على حياة الكاتب عبر سيرته الذاتية، وفى دفاتر التدوين، أوهم القارئ أن ما بين يديه هو سيرة حياتى، وفى كل دفتر أجدد، ودائماً ما يشغلنى الزمن حتى الذى لم يحدث، ففى دفتر «خلوصات الكرى» أتخيل أحداثاً افتراضية كان من الممكن حدوثها فى لحظات معينة، ولكنها لم تحدث.
 وفى دفتر «رن» أغوص فى رحلة عبر الذاكرة إلى مصر القديمة، من خلال المزج بين رحلة روحية، ورحله واقعية، تنطلق من هضبة الهرم فى اتجاه جنوب مصر. وفى كل الدفاتر أبحث عن إجابة لسؤال ماذا كان يمكن أن يكون لو أن ما لم يكن، كان؟
■ هل صادفت فى حياتك مواقف تعبر عن مفهومك هذا عن الزمن؟
- الكثير من المواقف، أهمها أننى وأثناء عملى كمراسل حربى فى السويس أثناء حرب الاستنزاف، ذهبت أنا والمصور مكرم حنين للجلوس على مقهى أبورواش، وهناك التقيت بعسكرى مطافى، قام ورحب بى وأصر على أن أجلس مكانه بدلاً من مقعد كنت سأجلس عليه، وما هى إلا لحظات حتى سمعنا دوى الضرب، وفجأة وجدت العسكرى يميل علىّ وخيط رفيع من الدماء ينزل من أذنه، فعرفت أنه أصيب بشظية صغيرة أردته قتيلاً، من يومها صرت أشجع فى مواجهة الموت لأننى اكتسبت المزيد من الزمن.
■ أى زمن كنت تتمنى العيش فيه؟
- كنت أتمنى العيش فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، لأنها كانت فترة حراك فى كل شىء فى السياسة والثقافة والمجتمع والفن، فمصر عندما تنهض تستعيد القديم، كما حدث عندما استقرت فى العهد المملوكى، فبنت جامع السلطان حسن الذى يوازى فى رأيى معبد الكرنك حاملاً نفس المضمون المعمارى والإيمانى.
كما أنها عندما تتراجع يتراجع فيها كل شىء. فأبراج مركز التجارة العالمى وبرجا ساويرس، وكونراد لا علاقة لها بالمعمار المصرى ولكنها امتداداً لأبراج نيويورك.
■ وماذا عن زمن ما بعد الثورة وأنت أحد أبنائها كما يقولون؟
- نصنف كأبناء الثورة، ولكننا انقلبنا عليها بعد أن تراجعت عن أهدافها، وباتت أبعد ما يكون عن الديمقراطية التى دعت لها، وامتلأت السجون بألوان الطيف السياسى كافة فى مصر.
 ولكن دعينى أؤكد أنه رغم كل هذا، كانت فترة حكم الرئيس عبدالناصر بكل ما فيه من سلطوية، أزهى عصور الثقافة فى مصر، رغم وجود غالبية المثقفين فى السجون، إلا أنه كان هناك حالة حراك ثقافى تمتد جذوره لما قبل الثورة عام 1952.
كما حمل المثقفون بعد النكسة عبء مقاومة روح الهزيمة، فظهرت «شخصية مصر» لجمال حمدان، وظهرت أعمال أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، وأشعار فؤاد حداد ، وغيرهم. وتلك هى مصر وطبيعتها عندما تظن أنها ماتت أو انتهت، تنهض فجأة لتثبت قدرتها على البقاء والاستمرار.
■ فى اعتقادك، لماذا ظلم تيار الفكر اليسارى من جيل الستينيات فى عهدى عبدالناصر والسادات؟
- المثقف كما يقول إدوارد سعيد، هو من يهتم بما هو خارج ذاته، ويتبنى رؤية نقدية من أجل الأفضل، ولديه دوماً الطموح للأحسن من أجل المجموع، وفى اعتقادى أن أى مفكر هو يسارى الفكر.
وأفضّل على تعبير «جيل الستينيات» تعبير «ظاهرة الستينيات» فى الأدب، وأياً كان ما تعرضوا له فهذا قدر المثقفين الذين يعبِّرون عن ظروف جيلهم، لا عمّا يريده النظام.
 ولذا كان الصدام فى زمن الرئيس عبد الناصر، ولكن أعتقد أن زمن الرئيس السادات كان أكثر فترات الثقافة سواداً فى حياة مصر، فلم يكن يهتم بالمثقفين، وأطلق عليهم لقب «الأراذل»، فقط لكونهم يعارضون ما يتحدث عنه، والتاريخ يذكر صدامه باليسار وفى مقدمتهم المثقفون، وفى مطلع عام 1973 فصل 104 صحفيين جلسوا فى بيوتهم، وكنت من بين هؤلاء، رغم أنى كنت محرراً عسكرياً على الجبهة.
 ومن المعروف أن المحرر العسكرى يخضع للعديد من البحث من قبل أجهزة الأمن، قبل الموافقة على عمله، وخرجت مانشيتات الصحف يومها تحمل عنواناً مشوهاً، مازلت أذكره حتى يومنا هذا. يقول:«إجراءات حاسمة ضد المنحرفين».
■ وما تحليلك لهذه القرارات..؟
- لم يكن هناك عقل ولا مسؤولية فى هذا القرار، حتى إن اسمى نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، كانا من بين أسماء المستبعدين، أو المنحرفين كما أطلقوا علينا، ولكن حكمة وزير الإعلام وقتها، الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، كانت وراء استبعاد اسميهما فى اللحظات الأخيرة من تلك القائمة، لكن تم تجميدها ولم يسمح لها بنشر أى مقالات فى الصحف.
 ولذا كانت حقبة السبعينيات أكثر سواداً وبخاصة مع ما حدث من نظام الانفتاح الاقتصادى الذى غير منظومة القيم فى مصر، فقد كانت قيمة الإنسان فى الماضى تتحدد بالعلم، فى عصر السادات صار المال هو المحدد الأول لقيمة أى فرد. دون البحث فى مصدر ذلك المال، وعلى الرغم من استمرار تلك الظاهرة التى تعبر عن قطاع الرأسماليين الذين غيروا وجه مصر بقيم أخرى جديدة، إلا أن الوضع أحسن الآن بفضل المثقفين.
■ يعود لك الفضل فى إتاحة الفرصة لعودة ظاهرة الستينيات فى الأدب لعالم الصحافة. ألم تصطدم بقيود تمنع ذلك؟
- كلّفنى الكاتب سعيد سنبل رئيس تحرير أخبار اليوم عام 1985 بتولى رئاسة صفحة الأدب بجريدة أخبار اليوم، ويومها طلب منى أن أوازن فى مواد الصفحة لإزالة الصورة المعروفة عنى بأننى يسارى شيوعى.
 فقررت من يومها أن أتيح المجال لكل مبدعى مصر للعودة للكتابة، وبخاصة أبناء الستينيات، الذين لم يكن من السهل السماح بعودتهم للكتابة، ولكن بالتدريج صارت لهم مساحة تعيد تقديمهم للمصريين، حيث كانت الصفحة تعنى بترسيخ القيم، وتسليط الضوء على مثقفى مصر وأدبائها، مع التركيز فى ذات الوقت على البعد العربى، لإيمانى أن مصر هى المركز الذى يحتوى الجميع، وأهمية مصر فى عالم الثقافة العربية لم تنشأ من فراغ، بل بما اتسمت به من نزاهة ثقافية، حيث لم تقبل غير الموهبة الحقيقية، ففريد الأطرش وأسمهان، ومى زيادة، وجبران، ونزار قبانى، كلهم وغيرهم مواهب فتحت مصر بابها لهم واحتضنتهم، ولكن للأسف تغيرت صفات هذا الدور فى السبعينيات وحتى الآن، وعرفنا مبدأ تأجير صفحات الجرائد، وتأجير الشاشة لنرى ونسمع ونقرأ لأنصاف الموهوبين.
■ لك مكانة فى عالم الأدب، تستند إلى تجربة شديدة الخصوصية، ولكنها لا تعد تجربة شعبية.. كيف ترى ذلك؟
- نعم تجربتى غير شعبية، وغير منتشرة، وهذا أمر لا يسبب لى الإزعاج، وأعتقد أن عملى العام فى الصحافة الثقافية، هزنى كأديب، حيث لم أستطع إرضاء الجميع، ولذا فأنا لم أندم طيلة حياتى على أى شيء، سوى قبولى رئاسة تحرير أخبار الأدب. إلا أننى أحمد الله على احتفاظى بالقراءة كهواية، ولا تزال العمود الفقرى فى حياتى، أخذ نفسى بصرامة كل يوم، وأحاسبها كم صفحة قرأت وكم صفحة استوعبت وماذا أضفت لنفسى.
 ودائماً أحمد الله على رغبتى فى القراءة التى لم تخفت وبخاصة فى التاريخ والفلسفة وأدبيات اللغة، كلسان العرب، لأننى أعتقد أن ما يمنح تجربتى الخصوصية هو أننى ككاتب لا أمتلك أسلوباً، ولكننى أمتلك الحالة، فالزينى بركات كتبتها بلغة القرن ال 16، ولما بدأت بعدها أخطط حارة الزعفرانى، اختلفت اللغة، فأنا أتقمص اللغة كما يتقمص الممثل الشخصية التى يجسدها على الشاشة.
■ ما سر اهتمامك بالغوص فى التراث الفرعونى؟
- العمارة الفرعونية هى سر ذلك الاهتمام، فهى شديدة الخصوصية والجماليات، وقد عشقت العمارة المصرية بوجه عام من خلال نشأتى فى حى الجمالية، ومنذ نحو 20 عاماً بدأت الاهتمام بالتراث الفرعونى، كجزء من الإحساس بالعتاقة، فلا يوجد ما يحمل لنا رسالة من زمن انتهى مثل الحجر. وعلاقتى بالعمارة جزء من حبى للرواية، فالرواية هى أكمل فن حيث تصب فيها كل الفنون، وأنا من البداية أبحث عن الخصوصية الثقافية، فكانت العمارة وسيلتى.
■ وماذا عن الموسيقى الشرقية؟
- الموسيقى هى الشىء الذى أتلقاه من الفنون بلا إرادة منى، وأذكر فى طفولتى بحارة الطبلاوى، كان الراديو الوحيد فى الحارة لدى جارة لنا، تغلقه لو تشاجرت مع أهالى الحارة، وتفتحه لو تصالحت معهم.
 وعندما صار لدينا راديو خاص فى منزلنا ركزت مع الموسيقى العربية، ثم قررت الاستماع للموسيقى الكلاسيكية التى كانت تجذبنى. إلا أن علاقتى بالموسيقى الشرقية بدأت فى الستينيات حينما ذهبت لوكالة الغورى للاستماع لفرقة موسيقية مع الأستاذ يحى حقى، وما إن انتهينا حتى وجدته يقول لى :«أنت سميِّع يا جمال»، ثم نصحنى بالبحث عن إذاعة اسطنبول على موجات الراديو، لأكتشف كنوزاً فى الموسيقى التركية والهندية والإيرانية، ومن يومها حدث تصالح بينى وبين نفسى، أسمع ما أحب حتى لو لم أفهم معانى الكلمات، وشيئاً فشيئاً بدأت فى شراء قواميس للغة التركية لفهم مفردات الأغانى التى أستمع لها.
 كما أشارك كمحكم فى مهرجان للموسيقى بفرنسا، وأحضر مهرجان الموسيقى الروحية فى مراكش، ومهرجان الموسيقى الصوفية فى فاس. والحقيقة أن إيقاعات الموسيقى الشرقية التى أسمعها تدخل فى جلدى، فأعشقها فى اللغة التى اعتمدها فى رواياتى. فالرواية تركيب والموسيقى إيقاع.
■ كيف ترى الحالة الثقافية فى مصر الآن ؟
- هناك «محنة ثقافية» هى جزء من محنة المجتمع ككل، وتتجسد ملامحها فى عدم وجود النقد، الذى يعد الساق الثانية بعد الإبداع للحياة الثقافية. وأسباب المحنة الثقافية عديدة، تبدأ بتعالى المثقفين على مفردات الثقافة البسيطة التى يفهمها رجل الشارع، وتنتهى بما نشهده من تمويل ثقافى من قبل بعض القوى الخارجية التى تهدف إلى تسطيح الحالة الثقافية فى مصر وإفراغها من مضمونها لصالح التيار الوهابى.
 وقد جرت محاولات لاستيعاب المثقفين بشتى الطرق، تارة بالضغط وتارة أخرى بالاستقطاب، لينتهى الأمر بانفراد التيار السلفى الوهابى بثقافة المصريين على الرغم من أن مصر دون تنوع ثقافى فقيرة. ورغم ذلك أستشعر فى السنوات الأخيرة «نهضة مخيفة» فى شعر العامية، وهذه هى مصر فى اللحظة التى تتخيل فيها أنها مصر ماتت ينبثق منها نور جديد. ومهمتنا أن نقدم الأجيال الجديدة، حيث يجب أن يتم تجاوزنا وأن نقدم الأجيال الجديدة كجزء من عقيدة الزمن.
■ مرة أخرى تعود للزمن.. كيف ترى مصر فى هذا الزمن؟
- أنا مهموم بالوطن وسلامته، بالكيان وأمنه لا بالنظام. فأمن الوطن يتحقق بالعدالة الاجتماعية التى يشعر بها كل المواطنين، ومن حق النائم فى أفقر قرى مصر، أن يشعر باهتمام النائم فى القصر الرئاسى به.
 ولذا فأنا ضد فكرة اللامركزية فى المحافظات، لأنه لا معنى لها لأن المحافظ فى بلدنا موظف، يتعامل مع القضايا حسب تأشيرة رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية. وللأسف ارتبط الأمن فى قرى ومحافظات مصر البعيدة عن القاهرة، بالتواجد الأمنى للشرطة التى باتت رمزاً للسلطة، ولكن لا وجود لعدالة اجتماعية، ولا حرية حقيقية. نحن نملك حرية البوح لكن لا أحد يسمع.
■ كيف ترى عين الأديب طريقة الخروج من تلك الأزمة؟
- نحتاج لبناء دولة حديثة بالمعنى العصرى الحقيقى، وضعوا تحت هذه العبارة 100 خط، دولة يكون فيها تداول للسلطة وتنمية جادة وملموسة. الناس تتساءل لماذا فرحنا يوم تنصيب أوباما، لأنه جاء بأصوات الناس، فى الوقت الذى رحل فيه رئيس غيره، أيضاً بأصوات الناس. ولو حدث فى مصر ما حدث فى أمريكا، فسوف أموت وأنا مطمئن عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.